لا احد يمكن أن يخفي اليوم أن المالية العمومية في تونس "مريضة" ما أدى إلى مواصلة سياسية التداين وارتهان تونس لسنوات طويلة ورغم الانتقادات وصيحات الفزع التي أطلقها العديد من الخبراء والمختصين لسنوات طويلة ظل العبث السياسي يعصف بالاقتصاد الوطني الى ان وصلنا الى مراحل متقدمة من المرض تتطلب اجتثاثا حقيقيا له وتدخلا عاجلا قبل فوات الأوان.
تردي الوضع المالي في تونس أكده تأخر صرف الأجور لشهر جويلية والذي كان قرارا موجعا وضروريا في الوقت نفسه تم اتخاذه لضمان خلاص القروض وذلك تجنبا لتراجع التصنيفات السيادية لتونس والمحافظة على مصداقيتنا وكسب الثقة في مؤسسات الدولة أمام الجهات المانحة باعتبار ان عامل الثقة يلعب دورا مفصليا في هده المرحلة.
ورغم تأخر صرف أجور شهر جويلية فقد أكد بعض المسؤولين في وزارة الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار لـ"الصباح" انه تم صرف كل الأجور إلى الوزارات بتأخير بأسبوع وهو إجراء قانوني باعتبار قاعدة العمل المنجز مع التأكيد على ان هذا التأخير في صرف الأجور سيتواصل الى غاية موفى السنة الحالية وهو الخيار الوحيد حتى تشفى تونس وتقف من جديد.
وتدعو عديد الجهات الاقتصادية اليوم إلى الابتعاد عن التشكيك في التزامات الدولة تجاه موظفيها كما تطالب السلطات العليا في الدولة الى تفهم الوضع والتسريع بالقيام بإصلاحات كبرى في المنشات العمومية مع الضغط على كتلة الأجور في الوظيفة العمومية .
كل المعطيات والمؤشرات تفيد ان المالية العمومية تشهد ضغطا كبيرا ويرجع ذلك أساسا الى أسباب وعوامل مختلفة تمثلت في عدم تحصيل كامل الموارد الخارجية المنصوص عليها بقانون المالية، وارتفاع سعر البترول مما انجر عنه ارتفاع في نفقات الى جانب تأثير الأزمة الصحية على النشاط الاقتصادي وهو ما اثر على التوازنات المالية داخل المنشات العمومية الكبرى.
وحسب وزارة الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار فانه تم في 23 جويلية 2021 سداد مبلغ جملي قدره 506 مليون دولار أمريكي (500 م دولار بعنوان الأصل و6 م دولار بعنوان الفوائد) ما يعادل 1412.6 مليون دينار بعنوان القرض الرقاعي الذي تحصّلت عليه تونس بالسوق المالية العالمية في 24 جويلية 2014 .
وتمّ إصدار هذا القرض بالسوق المالية العالمية على إثر منح الإدارة الأمريكية ضمانها لتونس بمقتضى اتفاقية الضمان المبرمة بين تونس والولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 3 جوان 2014 وذلك حسب الشروط المالية المتمثلة في نسبة الفائدة بـ 2.452 % وآجال السداد،دفعة واحدة بعد 7 سنوات. كما سيتم في الأسبوع الأول من شهر أوت المقبل تسديد القرض الرقاعي بضمان أمريكي بقيمة 520 مليون دولار.
ورغم الأزمة التي تشهدها المالية العمومية فقد شهدت الموارد الجبائية ارتفاعا مقارنة بالسنة الفارطة وبما هو مرصود في قانون المالية لسنة 2021 وقد لاحظ خبراء صندوق النقد الدولي هذه المؤشرات الايجابية كما سجلت مداخيل ميزانية الدولة تطورا مقارنة بشهر جوان 2020 بنسبة 13 بالمائة نتيجة لمتابعة مستمرة لعمليات المراقبة والاستخلاص، هذا الى جانب الدعوة الى ضرورة إعداد قانون المالية التكميلي لسنة 2021مع مواصلة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بالتنسيق مع البنك المركزي.
ونظرا للوضعية المالية الحرجة مطلوب من كل الجهات تفهم هذا الوضع وأساسا الشركاء الاجتماعيين لضمان ديمومة المالية العمومية الى موفى السنة مع الاستعداد لقانون المالية للسنة المقبلة مع اخذ كل الاحتياطات المتعلقة أساسا بسداد القروض وتوفير الأجور.
ونذكر ان وزير الاقتصاد المالية ودعم الاستثمار، علي الكعلي، أكد أنه سيتم العمل على تغيير منظومة الدعم والضغط على كتلة الأجور إضافة إلى إعادة هيكلة المؤسسات العمومية.
كما أفاد الكعلي أن الدولة ملزمة باقتراض قرابة 16 مليار دينار.
معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط:" على سعيد صياغة خارطة طريق ديمقراطية بوضوح"
وفي نفس السياق ودائما في علاقة بالوضع الاقتصادي وتداعيات القرارات الأخيرة لرئيس الدولة اقتصاديا قال معهد واشنطن لسياسات الشرق الاوسط انه قبل إقالته كان مشيشي يجرى مفاوضات تهم حزمة من القروض بقيمة 4 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي ، وكان تأمين هذا القرض - مع جميع الإصلاحات المصاحبة التي يتطلبها - أمرًا بالغ الأهمية لضمان عدم معاناة الدولة من تخفيض التصنيف الائتماني مرة أخرى. . وبناءً على ذلك ، يجب على واشنطن أن تسهل القرض كما تؤكد بشكل خاص على رئيس الجمهورية قيس سعيد أن صرف الأموال سيعتمد عليه في صياغة خارطة طريق ديمقراطية بوضوح.
تعقد الأزمة في تونس..
حسين الديماسي وزير المالية الأسبق صرح لـ "الصباح" قائلا " من غير مبالغة تونس تعيش مأزقا حقيقيا في علاقة بوضع المالية العمومية التي تمر بظرف صعب جدا وفي تقديري الشخصي فان ما حدث مؤخرا سيزيد من تعقيد الأزمة ومن ينتظر حلولا بعد قرارات الرئيس الأخيرة فهو واهم وما يطرح اليوم من اسئلة كثيرة لا إجابة لها مثل ماذا ينتظرنا بعد الإعفاء او التجميد؟".
وأكد الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق "ان غياب الحكومة سيساهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية وسيُعطي صورة قاتمة عن تونس لان عدم الاستقرار السياسي وغياب رؤية واضحة من شأنه أن يؤثر سلبا على صورة تونس بالخارج تراجع نسق الاستثمارات الداخلية و الخارجية.
وتساءل الديماسي في سياق حديثه كيف سيكون وضع الاقتصادي الوطني بعد تسلم الرئيس كل المهام؟ كيف ستشتعل الحكومة الجديدة دون مجلس نواب؟، معتبرا انه كان على سعيد ان يغتنم الفرصة ويقوم باستفتاء شعبي على النظام السياسي والانتخابي او يشكل حكومة لها من الجرأة والكفاءة المطلوبة لإنقاذ البلاد بدل الذهاب في اتجاه مصير مجهول وطريقة حكم لم تتوفر كل المعطيات والتفسيرات لفهمها.
وليد بن صالح خبير ومختص في الاقتصاد قال "لا احد اليوم قادر ان يتوقع ما سيجري على المستوى الاقتصادي ويجب ان ننتظر تشكيل الحكومة الجديدة والأهداف التي سترسمها وهل هي قادرة على المواصلة في ظل الارتجال السياسي".
وأضاف بن صالح بان المؤسسات المالية الدولية وأهمها صندوق النقد الدولي تتعامل مع الحكومات لذلك أهم شيء اليوم هو تواجدها وما ستقدمها من رسائل للداخل والخارج".
جهاد الكلبوسي