إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رأي / الشابي وكبار الحومة

خلال النصف الثاني من السبعينات من القرن الماضي والنصف الأول من الثمانينات، تمّ فتح أبواب وزارة التربية أمام الإخوان المسلمين ليعبثوا بالبرامج التربويّة، ولحقت البرامج التعليمية والمناهج التربوية عموما كوارث عديدة أهمّها تغيير برامج التربية الدينية بما يتماشى مع الفكر الإخواني بما في ذلك أن نظام الخلافة هو النظام الوحيد الذي يجب فرضه على الدول الإسلامية، إضافة إلى حق الرجل في الزواج بأربع نساء وحق الرجل في ضرب زوجته الخ...، كما تمّ تغيير برامج التربية المدنية بشكل يجعل التلميذ لا يحترم الدولة في انتظار دولة الخلافة. ومن الأخطاء الكبرى التي أحصلت آنذاك بخصوص مناهج التعليم نجد التعريب المُتسرّع والمفرط لمختلف المواد التربويّة، حتى أن تعليم المواد العلمية أصبح ضحلا بسبب ضعف أساتذة العلوم الصحيحة في اللغة العربية إضافة إلى قلّة المراجع العربية في المواد العلمية.
في الأشهر الأولى من حكمه، نظّم بن علي لقاءات عديدة تكاد تكون يوميّة مع معارضي بورقيبة ومع رجالات الفكر والثقافة والقانون، وكان منهم محمد الشرفي، أستاذ القانون ورئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان الذي أطلعه على الوضع الكارثي للتعليم. فطلب منه تقريرا كتابيا حول الوضع مع اقتراحات التدارك. وما أن اطّلع الرئيس على التقرير حتى عرض عليه وزارة التربية والتعليم العالي ليُطبّق برنامجه.
ومنذ أن تولّى الشرفي الوزارة، وخاصّة بعد ندوته الصحفية في 15 سبتمبر 1989، أصبح اسمه يتردد على كل لسان. وكانت ردود الفعل تنقسم إلى قسمين: مؤيّدون من المنظمات الحقوقية والأحزاب التقدمية وأساتذة التعليم العالي الذين أمضى منهم 1000 أستاذ على عريضة مساندة...  وقسم آخر عبّر عن الاختلاف معه وتُمثّله ثلاثة أطراف: حركة النهضة التي أصدرت بيانا تكفيريّا ضده، وجزء من الدستوريين الذين رأوا أنه خطف الأضواء على حسابهم، حتى أنه، لأوّل مرة ولآخر مرّة في تاريخ تونس، يقوم الطلبة بإضراب بتشجيع من مدير الحزب، سعيا لإضعاف الشرفي. وأمّا الطرف الثالث فكان أحمد نجيب الشابي الذي اختار الدفاع المستميت عن وجهة نظر حركة النهضة، حتى أن إحدى الصحف أطلقت عليه لقب "نجيب الله".
في كتابه الذي صدر مؤخّرا، يقول الشابي بأن مدير الحزب الدستوري هو الذي أمدّه بالتقرير الذي أعدّه الشرفي للرئيس بن علي. من هنا بدأنا نفهم خفايا موقفه من الإصلاح التربوي. ثمّ يُبرر موقفه الرافض لبرنامج الإصلاح، فيقول مُتحدّثا عن العيّنات الواردة في التقرير والمأخوذة من الكتب المدرسية: "إن المقتطفات الواردة بالتقرير كانت انتقائية ولا تُمثّل تأطيرا إيديولوجيّا للناشئة بقدر ما كانت تمثل تلقينا لمبادئ الدين كما جاءت في النصوص الإسلامية من قرآن وسنة نبوية..."، أي أن الشابي يُؤيّد تدريس مزايا دولة الخلافة والتشريع لضرب المرأة الخ... كما يُعيب الشابي، في نفس الكتاب، على الشرفي العودة تدريجيّا إلى تدريس العلوم بالفرنسية، معترفا في الآن ذاته "أن اللغة العربية قاصرة عن نقل العلوم". وقد يكون هذا التناقض الذي سقط فيه الشابي يعكس تناقضا شخصيا، إذ أنه يُريد أن يكون سياسيّا حاملا لراية العروبة والإسلام، في حين أن دراسته كانت في معهد كارنو وفي فرنسا.
من ناحية أخرى، تعرّض نجيب الشابي في كتابه وفي العديد من المناسبات إلى علاقاته وعلاقات حزبه بالأحزاب الأخرى. غير أنه نسي بعض الأحداث التي عشتها شخصيّا.
ففي سنة 1989، عندما تقرر تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، عرض الهادي البكوش، المسؤول الثاني في الدولة، على أحزاب المعارضة تقديم قائمات موحّدة مع الحزب الدستوري. غير أن أحمد المستيري رفض ذلك، ممّا جعل برنامج الهادي البكوش يسقط في الماء، وبدأت الأحزاب الصغرى في الاستعداد لتقديم قائماتها، كل على حدة. عندها، طلبت عقد لقاء بين المرحوم محمد حرمل، أمين عام الحزب الشيوعي، ونجيب الشابي، أمين عام التجمع الاشتراكي التقدمي. وكان اللقاء الثلاثي في مكتب حرمل، نهج لندرة. في هذا اللقاء، رحّب محمد حرمل باقتراحي بتقديم قائمات مشتركة بين الحزبيْن، في حين رفضه الشابي رفضا قطعيّا.
بعد الثورة، قمت، صحبة بعض الرفاق المستقلين، بالاتصال ببعض الأحزاب التي ارتأينا أنها يمكن أن تجتمع في ائتلاف انتخابي سُمّي فيما بعد بالقطب الديمقراطي الحداثي. فكان ردّ حزب التجديد (الشيوعي سابقا) وبعض الأحزاب الصغيرة الأخرى بالترحيب. ورفض الانصهار في الائتلاف نجيب الشابي ومصطفي بن جعفر.
وبعد انتخابات2011، وقد كانت نتائج كل من القطب وحزب الشابي ضئيلة، جرت بعض المساعي إلى توحيد الحزبين، وذلك على مرحلتين. يتمّ في المرحلة الأولى تطعيم كل منهما بأحزاب صغيرة أخرى وببعض المستقلين، ثم دمج الحزبين الكبيرين الجديدين. ولقد تمّت المرحلة الأولى بنجاح، وذلك بتأسيس حزب المسار برئاسة أحمد إبراهيم، والحزب الجمهوري برئاسة نجيب الشابي. وبينما كنا ننتظر الإعلان عن اندماجهما في حزب واحد، الذي يُمكن تسميته ب"المسار الجمهوري"، فاجأ الشابي الجميع بالقول: "إذا أراد حزب المسار الاندماج في الحزب الجهوري، مرحبا به".
أثرت هذه الذكريات بعد أن قرأت إشارة الشابي في كتابه إلى "عدم مشاركة المسار في عملية التوحيد التي أفرزت الحزب الجمهوري". كما يقول في حديثة عن استقالته من حكومة محمد الغنوشي، مُتحدّثا عن أحمد إبراهيم ومُتحسّرا: "دخلنا الحكومة في نفس اليوم وخرجنا منها في ذات اليوم دون أن نفكر لحظة في التشاور بيننا، وهو ما يُؤشّر على مدى هشاشة العلاقة بين أحزاب تنتمي إلى نفس التيار ولا شيء جدّي يفرق بينها". 
ها أن سي نجيب ينطلق اليوم بقدرة قادر في محاولة لتوحيد صفوف المعارضة، استجاب له لحد الآن راشد الغنوشي وسيف الدين مخلوف. كان الله في عونه. 
 
 بقلم : منير الشرفي                                                                                                                                                                                              
رأي / الشابي وكبار الحومة
خلال النصف الثاني من السبعينات من القرن الماضي والنصف الأول من الثمانينات، تمّ فتح أبواب وزارة التربية أمام الإخوان المسلمين ليعبثوا بالبرامج التربويّة، ولحقت البرامج التعليمية والمناهج التربوية عموما كوارث عديدة أهمّها تغيير برامج التربية الدينية بما يتماشى مع الفكر الإخواني بما في ذلك أن نظام الخلافة هو النظام الوحيد الذي يجب فرضه على الدول الإسلامية، إضافة إلى حق الرجل في الزواج بأربع نساء وحق الرجل في ضرب زوجته الخ...، كما تمّ تغيير برامج التربية المدنية بشكل يجعل التلميذ لا يحترم الدولة في انتظار دولة الخلافة. ومن الأخطاء الكبرى التي أحصلت آنذاك بخصوص مناهج التعليم نجد التعريب المُتسرّع والمفرط لمختلف المواد التربويّة، حتى أن تعليم المواد العلمية أصبح ضحلا بسبب ضعف أساتذة العلوم الصحيحة في اللغة العربية إضافة إلى قلّة المراجع العربية في المواد العلمية.
في الأشهر الأولى من حكمه، نظّم بن علي لقاءات عديدة تكاد تكون يوميّة مع معارضي بورقيبة ومع رجالات الفكر والثقافة والقانون، وكان منهم محمد الشرفي، أستاذ القانون ورئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان الذي أطلعه على الوضع الكارثي للتعليم. فطلب منه تقريرا كتابيا حول الوضع مع اقتراحات التدارك. وما أن اطّلع الرئيس على التقرير حتى عرض عليه وزارة التربية والتعليم العالي ليُطبّق برنامجه.
ومنذ أن تولّى الشرفي الوزارة، وخاصّة بعد ندوته الصحفية في 15 سبتمبر 1989، أصبح اسمه يتردد على كل لسان. وكانت ردود الفعل تنقسم إلى قسمين: مؤيّدون من المنظمات الحقوقية والأحزاب التقدمية وأساتذة التعليم العالي الذين أمضى منهم 1000 أستاذ على عريضة مساندة...  وقسم آخر عبّر عن الاختلاف معه وتُمثّله ثلاثة أطراف: حركة النهضة التي أصدرت بيانا تكفيريّا ضده، وجزء من الدستوريين الذين رأوا أنه خطف الأضواء على حسابهم، حتى أنه، لأوّل مرة ولآخر مرّة في تاريخ تونس، يقوم الطلبة بإضراب بتشجيع من مدير الحزب، سعيا لإضعاف الشرفي. وأمّا الطرف الثالث فكان أحمد نجيب الشابي الذي اختار الدفاع المستميت عن وجهة نظر حركة النهضة، حتى أن إحدى الصحف أطلقت عليه لقب "نجيب الله".
في كتابه الذي صدر مؤخّرا، يقول الشابي بأن مدير الحزب الدستوري هو الذي أمدّه بالتقرير الذي أعدّه الشرفي للرئيس بن علي. من هنا بدأنا نفهم خفايا موقفه من الإصلاح التربوي. ثمّ يُبرر موقفه الرافض لبرنامج الإصلاح، فيقول مُتحدّثا عن العيّنات الواردة في التقرير والمأخوذة من الكتب المدرسية: "إن المقتطفات الواردة بالتقرير كانت انتقائية ولا تُمثّل تأطيرا إيديولوجيّا للناشئة بقدر ما كانت تمثل تلقينا لمبادئ الدين كما جاءت في النصوص الإسلامية من قرآن وسنة نبوية..."، أي أن الشابي يُؤيّد تدريس مزايا دولة الخلافة والتشريع لضرب المرأة الخ... كما يُعيب الشابي، في نفس الكتاب، على الشرفي العودة تدريجيّا إلى تدريس العلوم بالفرنسية، معترفا في الآن ذاته "أن اللغة العربية قاصرة عن نقل العلوم". وقد يكون هذا التناقض الذي سقط فيه الشابي يعكس تناقضا شخصيا، إذ أنه يُريد أن يكون سياسيّا حاملا لراية العروبة والإسلام، في حين أن دراسته كانت في معهد كارنو وفي فرنسا.
من ناحية أخرى، تعرّض نجيب الشابي في كتابه وفي العديد من المناسبات إلى علاقاته وعلاقات حزبه بالأحزاب الأخرى. غير أنه نسي بعض الأحداث التي عشتها شخصيّا.
ففي سنة 1989، عندما تقرر تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، عرض الهادي البكوش، المسؤول الثاني في الدولة، على أحزاب المعارضة تقديم قائمات موحّدة مع الحزب الدستوري. غير أن أحمد المستيري رفض ذلك، ممّا جعل برنامج الهادي البكوش يسقط في الماء، وبدأت الأحزاب الصغرى في الاستعداد لتقديم قائماتها، كل على حدة. عندها، طلبت عقد لقاء بين المرحوم محمد حرمل، أمين عام الحزب الشيوعي، ونجيب الشابي، أمين عام التجمع الاشتراكي التقدمي. وكان اللقاء الثلاثي في مكتب حرمل، نهج لندرة. في هذا اللقاء، رحّب محمد حرمل باقتراحي بتقديم قائمات مشتركة بين الحزبيْن، في حين رفضه الشابي رفضا قطعيّا.
بعد الثورة، قمت، صحبة بعض الرفاق المستقلين، بالاتصال ببعض الأحزاب التي ارتأينا أنها يمكن أن تجتمع في ائتلاف انتخابي سُمّي فيما بعد بالقطب الديمقراطي الحداثي. فكان ردّ حزب التجديد (الشيوعي سابقا) وبعض الأحزاب الصغيرة الأخرى بالترحيب. ورفض الانصهار في الائتلاف نجيب الشابي ومصطفي بن جعفر.
وبعد انتخابات2011، وقد كانت نتائج كل من القطب وحزب الشابي ضئيلة، جرت بعض المساعي إلى توحيد الحزبين، وذلك على مرحلتين. يتمّ في المرحلة الأولى تطعيم كل منهما بأحزاب صغيرة أخرى وببعض المستقلين، ثم دمج الحزبين الكبيرين الجديدين. ولقد تمّت المرحلة الأولى بنجاح، وذلك بتأسيس حزب المسار برئاسة أحمد إبراهيم، والحزب الجمهوري برئاسة نجيب الشابي. وبينما كنا ننتظر الإعلان عن اندماجهما في حزب واحد، الذي يُمكن تسميته ب"المسار الجمهوري"، فاجأ الشابي الجميع بالقول: "إذا أراد حزب المسار الاندماج في الحزب الجهوري، مرحبا به".
أثرت هذه الذكريات بعد أن قرأت إشارة الشابي في كتابه إلى "عدم مشاركة المسار في عملية التوحيد التي أفرزت الحزب الجمهوري". كما يقول في حديثة عن استقالته من حكومة محمد الغنوشي، مُتحدّثا عن أحمد إبراهيم ومُتحسّرا: "دخلنا الحكومة في نفس اليوم وخرجنا منها في ذات اليوم دون أن نفكر لحظة في التشاور بيننا، وهو ما يُؤشّر على مدى هشاشة العلاقة بين أحزاب تنتمي إلى نفس التيار ولا شيء جدّي يفرق بينها". 
ها أن سي نجيب ينطلق اليوم بقدرة قادر في محاولة لتوحيد صفوف المعارضة، استجاب له لحد الآن راشد الغنوشي وسيف الدين مخلوف. كان الله في عونه. 
 
 بقلم : منير الشرفي                                                                                                                                                                                              

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews