تنطلق بداية الغد الاثنين عطلة نصف الثلاثي الثاني لتتواصل إلى يوم الأحد المقبل، وتأتي هذه العطلة بعد اضطرابات كبيرة على مستوى نسق التعلم انجرت عن كثرة غيابات الإطار التربوي والتلاميذ خلال الأسابيع الماضية بسبب انتشار العدوى بفيروس كورونا في المؤسسات التربوية..
فلئن خيرت وزارة التربية رأي اللجنة العلمية القاضي بمواصلة الدروس، على رأي نقابات التعليم المتمثل في تعليقها إلى حين كسر حلقة العدوى، فإنها لم توفر البديل للتلاميذ الذين تغيبوا عن الدراسة بسبب إصابتهم بالفيروس أو الذين حرموا من الدراسة بسبب غياب معلميهم وأساتذتهم، وهو ما تسبب في ثغرة على مستوى تحصيلهم العلمي.. ثغرة أرقت الأولياء وجعلتهم يرابطون أمام بوابات المدارس والإعداديات والمعاهد لنسخ الدروس التي حرم الأبناء من متابعتها أو لاستجداء المربين كي يقدموا دروس تدارك خلال العطلة.
وفي تشخيص لوضع المؤسسة التربية خلال الجائحة أشار الأستاذ عبد الباسط بن حسن عضو اللجنة الدولية لليونسكو حول مستقبل التعليم ورئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان إلى أن المنظومة التعليمية في تونس تعيش مصاعب عديدة سواء على مستوى الإطار التعليمي أو البنية التحتية أو على مستوى علاقة التعليم بالعمل أو وضعية المدرسات والمدرسين أو تفاقم ظواهر مثل العنف وغيرها، وزادت أزمة كورونا على حد تأكيده في هشاشة هذه المنظومة، حيث أنها أثرت في نسق تعلم الأطفال وزادت في تعميق صعوبات حصول الفئات الهشة والفقيرة على الحق في التعليم.
ونبه الأستاذ بن حسن إلى أن هذه الوضعية ستعصف بما تبقى من أسس المدرسة العمومية في صورة ما إذا لم تتوفر رؤى إصلاحية لمعالجة هذه الأزمات على المدى القريب وعلى المدى المتوسط وعلى المدى البعيد.
وباستفساره عن الحلول الممكنة لتجاوز الإشكاليات المطروحة، أجاب عضو اللجنة الدولية حول مستقبل التعليم أنه يجب الاهتمام أولا وبسرعة بالتعلم عن بعد، وإنشاء منظومة يمكن أن تواجه الأوضاع الاستثنائية التي فرضتها أزمة مثل أزمة كورونا، وفسر أن كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية يجب أن تتجند لتوفير الحق في التعليم للجميع على قدم المساواة في هذه الحالات الطارئة.
وأضاف محدثنا أنه يجب ثانيا العودة إلى مسار إصلاح التعليم حتى لا تبقى المدرسة التونسية فضاء لإنتاج الأزمات وإنتاج المشاكل الاجتماعية مثل العنف. وقال إن هذا الإصلاح المنظومي يجب أن يقوم على مبدأ الحق في التعليم وعلى أن التعليم هو منفعة مشتركة تمنح لها الأولوية في مخططات التنمية والميزانيات. وذكر أننا في تونس في حاجة إلى إخراج التعليم من منطق "السلعنة" والخدمة لنجعله رؤية إنسانية تغير مجتمعنا وتذهب بنا نحو التنمية العادلة والدولة المدنية والمواطنة بدل العنف والتهميش والإقصاء والكراهية والتعصب.
ويرى الأستاذ بن حسن أنه في زمن الأزمات يصبح التعليم عن بعد ضرورة من أجل سد الفجوات في التعلم، وذكر أنه يمكن أن يتحقق هذا الأمر عن طريق مزيد دعم التلفزة التربوية بالإمكانيات اللازمة وتعميم فائدتها على جميع الفئات المتعلمة وإقامة المنصات الافتراضية وتوفير الإمكانيات التكنولوجية لجميع الأطفال مثل اللوحات الرقمية، وفسر أن التعليم عن بعد هو جانب من الحل ولكنه لا يمكن أن يصبح فاعلا دون إصلاح تربوي لكل المنظومة.
وردا عن سؤال آخر حول رؤيته للإصلاح التربوي أجاب:"لقد أجرينا خلال السنوات الماضية حوارا وطنيا مجتمعيا حول الإصلاح التربوي وأنجزنا تقريرا تأليفيا وأعددنا مشروع قانون أساسي يتعلق بالمبادئ الأساسية للتربية والتعليم وهي أدوات يجب البناء عليها لا الهدم والعودة إلى نقطة الصفر فالإصلاح التربوي يتطلب الاستدامة".
خطة لتدارك النقائص
لئن ركز الأستاذ عبد الباسط بن حسن على التعليم عن بعد والإصلاح، فإن أستاذ التعليم الثانوي والباحث في المجال التربوي وعضو لجنة التربية بمجلس نواب الشعب المعلقة أشغاله عن حركة الشعب عبد الرزاق عويدات يرى أن النقص في التحصيل العلمي للتلاميذ يجب تداركه من خلال خطة يتم من خلالها إخضاع التلاميذ بعد انتهاء جائحة كورونا إلى رسكلة.
وقبل تقديم هذا المقترح، أشار عويدات إلى أن أزمة كورونا أثرت تأثيرا سلبيا واضحا على مستوى المتعلمين سواء في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية وحتى الجامعية، وكان ذلك عندما تم تعليق الدروس في مناسبات سابقة أو عندما تم إدماج الثلاثيات والتخفيف في البرامج أو حتى عندما قررت وزارة التربية مواصلة الدروس وإخضاع من يتعرض للإصابة بفيروس كورونا لحجز صحي ذاتي لمدة خمسة أيام وفي صورة عدم تحسن الوضع الصحي لمدة سبعة أيام. وبين أن وزارة التربية لم تقرأ في المقابل حسابا لآثار الانقطاع عن الدراسة السلبية بسبب الإصابة، ولسد الثغرة الناجمة عن الغيابات ستضطر العائلات ميسورة الدخل إلى تدريس أبنائها دروسا خصوصية، لكن العائلات الفقيرة والمعوزة لن تستطيع توفير فرصة التدارك لأبنائها وهذا فيه ضرب للعدالة.
وأضاف عوديات أنه حتى في صورة حصول التلاميذ على دروس تدارك، يبقى هناك إشكال في كيفية التلقي وهذا من شأنه أن يؤثر على مستواهم وسيؤدي بالضرورة إلى فوارق في التحصيل المعرفي بين المتعلمين. ويرى الباحث في المجال التربوي أنه فرضا لو تمت الاستجابة إلى مطالب نقابات التعليم وإيقاف الدروس لمدة معينة فإن هذا القرار ستكون له أثار على مستوى المتعلمين بسبب الثغرة الكبيرة في التحصيل المدرسي، وهذا لأن المدرسة التونسية فيها خطأ..
وفسر عويدات أن خطأ المدرسة التونسية يمكن في أنها تقوم ببناء المعرفة على الأسس الكمية وليس النوعية، فهي قائمة على ماذا نتعلم وليس كيف نتعلم، وهو ما يعني أن التلميذ يحصل على كم معرفي كبير ويقع امتحانه على الجانب الكمي وليس النوعي، والحال أنه لو تم التركيز على طريقة التعلم فإن التقليص في مدة الدراسة لن يؤثر كثيرا على مستويات المتعلمين.
كما أشار عويدات إلى أن النقص المسجل في التحصيل المعرفي الناجم عن جائحة كورونا من المفروض أن تتم معالجته من قبل وزارة التربية، ولكن المعالجة لا يمكن أن تكون إلا من خلال برمجة واضحة يتم اعتمادها في ظروف عادية أي بعد نهاية كورونا. وفسر أن التلميذ التونسي له ثغرات في مساره الدراسي على مدى سنتين كاملتين أي منذ ظهور الوباء، ولسد هذه الثغرات يجب إخضاع جميع التلاميذ إلى رسكلة لتجاوز النقائص المسجلة في التعلمات والمكتسبات والمنجرة عن كورونا، وقبل ذلك يجب التعرف على هذه النقائص على أساس دراسة علمية وبمقتضى تلك الدراسة تتم إعادة برمجة ويقع توزيع دروس تدارك على كافة المستويات. ونبه عويدات إلى أن جيلا كاملا تضرر تعليمه كثيرا منذ بروز أزمة كورونا ويجب على الدولة أن تبذل كل جهدها لإنقاذ هذا الجيل من خلال منحه فرصة تدارك ما نقصه من معرفة، ويجب على إدارة البرامج أن تقوم بتخطيط كامل ومحكم يتيح للمتعلمين إمكانية تجاوز النقائص.
سعيدة بوهلال
تونس ـ الصباح
تنطلق بداية الغد الاثنين عطلة نصف الثلاثي الثاني لتتواصل إلى يوم الأحد المقبل، وتأتي هذه العطلة بعد اضطرابات كبيرة على مستوى نسق التعلم انجرت عن كثرة غيابات الإطار التربوي والتلاميذ خلال الأسابيع الماضية بسبب انتشار العدوى بفيروس كورونا في المؤسسات التربوية..
فلئن خيرت وزارة التربية رأي اللجنة العلمية القاضي بمواصلة الدروس، على رأي نقابات التعليم المتمثل في تعليقها إلى حين كسر حلقة العدوى، فإنها لم توفر البديل للتلاميذ الذين تغيبوا عن الدراسة بسبب إصابتهم بالفيروس أو الذين حرموا من الدراسة بسبب غياب معلميهم وأساتذتهم، وهو ما تسبب في ثغرة على مستوى تحصيلهم العلمي.. ثغرة أرقت الأولياء وجعلتهم يرابطون أمام بوابات المدارس والإعداديات والمعاهد لنسخ الدروس التي حرم الأبناء من متابعتها أو لاستجداء المربين كي يقدموا دروس تدارك خلال العطلة.
وفي تشخيص لوضع المؤسسة التربية خلال الجائحة أشار الأستاذ عبد الباسط بن حسن عضو اللجنة الدولية لليونسكو حول مستقبل التعليم ورئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان إلى أن المنظومة التعليمية في تونس تعيش مصاعب عديدة سواء على مستوى الإطار التعليمي أو البنية التحتية أو على مستوى علاقة التعليم بالعمل أو وضعية المدرسات والمدرسين أو تفاقم ظواهر مثل العنف وغيرها، وزادت أزمة كورونا على حد تأكيده في هشاشة هذه المنظومة، حيث أنها أثرت في نسق تعلم الأطفال وزادت في تعميق صعوبات حصول الفئات الهشة والفقيرة على الحق في التعليم.
ونبه الأستاذ بن حسن إلى أن هذه الوضعية ستعصف بما تبقى من أسس المدرسة العمومية في صورة ما إذا لم تتوفر رؤى إصلاحية لمعالجة هذه الأزمات على المدى القريب وعلى المدى المتوسط وعلى المدى البعيد.
وباستفساره عن الحلول الممكنة لتجاوز الإشكاليات المطروحة، أجاب عضو اللجنة الدولية حول مستقبل التعليم أنه يجب الاهتمام أولا وبسرعة بالتعلم عن بعد، وإنشاء منظومة يمكن أن تواجه الأوضاع الاستثنائية التي فرضتها أزمة مثل أزمة كورونا، وفسر أن كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية يجب أن تتجند لتوفير الحق في التعليم للجميع على قدم المساواة في هذه الحالات الطارئة.
وأضاف محدثنا أنه يجب ثانيا العودة إلى مسار إصلاح التعليم حتى لا تبقى المدرسة التونسية فضاء لإنتاج الأزمات وإنتاج المشاكل الاجتماعية مثل العنف. وقال إن هذا الإصلاح المنظومي يجب أن يقوم على مبدأ الحق في التعليم وعلى أن التعليم هو منفعة مشتركة تمنح لها الأولوية في مخططات التنمية والميزانيات. وذكر أننا في تونس في حاجة إلى إخراج التعليم من منطق "السلعنة" والخدمة لنجعله رؤية إنسانية تغير مجتمعنا وتذهب بنا نحو التنمية العادلة والدولة المدنية والمواطنة بدل العنف والتهميش والإقصاء والكراهية والتعصب.
ويرى الأستاذ بن حسن أنه في زمن الأزمات يصبح التعليم عن بعد ضرورة من أجل سد الفجوات في التعلم، وذكر أنه يمكن أن يتحقق هذا الأمر عن طريق مزيد دعم التلفزة التربوية بالإمكانيات اللازمة وتعميم فائدتها على جميع الفئات المتعلمة وإقامة المنصات الافتراضية وتوفير الإمكانيات التكنولوجية لجميع الأطفال مثل اللوحات الرقمية، وفسر أن التعليم عن بعد هو جانب من الحل ولكنه لا يمكن أن يصبح فاعلا دون إصلاح تربوي لكل المنظومة.
وردا عن سؤال آخر حول رؤيته للإصلاح التربوي أجاب:"لقد أجرينا خلال السنوات الماضية حوارا وطنيا مجتمعيا حول الإصلاح التربوي وأنجزنا تقريرا تأليفيا وأعددنا مشروع قانون أساسي يتعلق بالمبادئ الأساسية للتربية والتعليم وهي أدوات يجب البناء عليها لا الهدم والعودة إلى نقطة الصفر فالإصلاح التربوي يتطلب الاستدامة".
خطة لتدارك النقائص
لئن ركز الأستاذ عبد الباسط بن حسن على التعليم عن بعد والإصلاح، فإن أستاذ التعليم الثانوي والباحث في المجال التربوي وعضو لجنة التربية بمجلس نواب الشعب المعلقة أشغاله عن حركة الشعب عبد الرزاق عويدات يرى أن النقص في التحصيل العلمي للتلاميذ يجب تداركه من خلال خطة يتم من خلالها إخضاع التلاميذ بعد انتهاء جائحة كورونا إلى رسكلة.
وقبل تقديم هذا المقترح، أشار عويدات إلى أن أزمة كورونا أثرت تأثيرا سلبيا واضحا على مستوى المتعلمين سواء في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية أو الثانوية وحتى الجامعية، وكان ذلك عندما تم تعليق الدروس في مناسبات سابقة أو عندما تم إدماج الثلاثيات والتخفيف في البرامج أو حتى عندما قررت وزارة التربية مواصلة الدروس وإخضاع من يتعرض للإصابة بفيروس كورونا لحجز صحي ذاتي لمدة خمسة أيام وفي صورة عدم تحسن الوضع الصحي لمدة سبعة أيام. وبين أن وزارة التربية لم تقرأ في المقابل حسابا لآثار الانقطاع عن الدراسة السلبية بسبب الإصابة، ولسد الثغرة الناجمة عن الغيابات ستضطر العائلات ميسورة الدخل إلى تدريس أبنائها دروسا خصوصية، لكن العائلات الفقيرة والمعوزة لن تستطيع توفير فرصة التدارك لأبنائها وهذا فيه ضرب للعدالة.
وأضاف عوديات أنه حتى في صورة حصول التلاميذ على دروس تدارك، يبقى هناك إشكال في كيفية التلقي وهذا من شأنه أن يؤثر على مستواهم وسيؤدي بالضرورة إلى فوارق في التحصيل المعرفي بين المتعلمين. ويرى الباحث في المجال التربوي أنه فرضا لو تمت الاستجابة إلى مطالب نقابات التعليم وإيقاف الدروس لمدة معينة فإن هذا القرار ستكون له أثار على مستوى المتعلمين بسبب الثغرة الكبيرة في التحصيل المدرسي، وهذا لأن المدرسة التونسية فيها خطأ..
وفسر عويدات أن خطأ المدرسة التونسية يمكن في أنها تقوم ببناء المعرفة على الأسس الكمية وليس النوعية، فهي قائمة على ماذا نتعلم وليس كيف نتعلم، وهو ما يعني أن التلميذ يحصل على كم معرفي كبير ويقع امتحانه على الجانب الكمي وليس النوعي، والحال أنه لو تم التركيز على طريقة التعلم فإن التقليص في مدة الدراسة لن يؤثر كثيرا على مستويات المتعلمين.
كما أشار عويدات إلى أن النقص المسجل في التحصيل المعرفي الناجم عن جائحة كورونا من المفروض أن تتم معالجته من قبل وزارة التربية، ولكن المعالجة لا يمكن أن تكون إلا من خلال برمجة واضحة يتم اعتمادها في ظروف عادية أي بعد نهاية كورونا. وفسر أن التلميذ التونسي له ثغرات في مساره الدراسي على مدى سنتين كاملتين أي منذ ظهور الوباء، ولسد هذه الثغرات يجب إخضاع جميع التلاميذ إلى رسكلة لتجاوز النقائص المسجلة في التعلمات والمكتسبات والمنجرة عن كورونا، وقبل ذلك يجب التعرف على هذه النقائص على أساس دراسة علمية وبمقتضى تلك الدراسة تتم إعادة برمجة ويقع توزيع دروس تدارك على كافة المستويات. ونبه عويدات إلى أن جيلا كاملا تضرر تعليمه كثيرا منذ بروز أزمة كورونا ويجب على الدولة أن تبذل كل جهدها لإنقاذ هذا الجيل من خلال منحه فرصة تدارك ما نقصه من معرفة، ويجب على إدارة البرامج أن تقوم بتخطيط كامل ومحكم يتيح للمتعلمين إمكانية تجاوز النقائص.