محمد علي البوغديري:"هناك فرصة حقيقية لإعادة البناء.. وتصحيح المسار وفتح الملفات الاجتماعية والاقتصادية"
-
رمضان بن عمر: لابد أن ننطلق أساسا من سياسات اقتصادية واجتماعية بديلة وإعادة بناء مناخ ثقة مع الفاعلين الاجتماعيين
تونس الصباح
لم يرافق الزخم السياسي الذي يعيش على وقعه التونسيون منذ 25 جويلية 2021، والمسار الجديد وما قد يحمله ويأتي به من تغيرات وتحويرات في منظومة الحكم والنظام السياسي، ما يمكن ذكره فيما يتصل بالملفات الاجتماعية والاقتصادية العالقة أو بمسار الرفاه والتغيير الذي طالما حلم به التونسيون مع كل جرعة أمل جديدة.. بل انه بالعودة إلى الوراء وتقييم ما وقع خلال الـ6 أشهر الأخيرة يمكن القول، أن ما تعهد به رئيس الجمهورية ورغب في تحقيقه أو ما عبر عليه خلال كلماته ولقاءاته بالوزراء والفاعلين الاجتماعيين والمنظمات الوطنية، لم تنجح حكومته وإداراتها الرقابية والتنفيذية في تحقيقه إلى غاية الآن. فقد فشلت الحكومة إلى غاية الآن في تعديل الأسعار ووضع حد للاحتكار وتغول لوبياته، إنما بالعكس من ذلك تتجه الأسعار تدريجيا نحو مزيد الترفيع في ظل محاولات لتجميد الأجور أو التخفيض منها وغلق باب الانتداب وتراجع للخدمات الصحية والنقل وتدهور للبنية التحتية.. ليخيب أمل الطبقات الفقيرة والهشة بعد أن اتسع حجمها وتآكلت الطبقة الوسطى وتدحرج جزء منها نحو خط الفقر.. ويبدو أن قانون المالية وخلوه من كل ما يعكس التوجه نحو بناء عدالة جبائية أو إعادة توزيع للثروة أو تفاعل مع ما ينتظره المعطلون عن العمل والمعنيون بملفات التشغيل الهشة، العنوان الفاضح لعدم امتلاك رئيس الجمهورية لأي مشروع أو رؤية اجتماعية اقتصادية بالتوازي مع ما ينادي به من تغيير سياسي..
توازن مفقود بين السياسي والاجتماعي والاقتصادي، يرى فيه محمد علي البوغديري الأمين المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل، انه ارث ثقيل وجدته الحكومة الجديدة. وبين أن مسار 25 جويلية هو حركة تصحيحية حقيقية لما سبق، ويجب الاعتراف ان رئيس الجمهورية بصدد العمل في إطار وضع سياسي خانق وفي ظل دواليب بلاد معطلة وميزان تجاري مختل ووضع اقتصادي متأزم واستشراء للفساد والمحسوبية والارتشاء..
واعتبر البوغديري أن هناك فرصة حقيقية لإعادة البناء، وأن رئيس الجمهورية وحكومته يملكان هذه الرغبة وصادقين في أدائهما. وتصحيح المسار وفتح الملفات الاجتماعية والاقتصادية يستوجب تمكينهم من مزيد من الوقت.. لإيجاد الآليات الناجعة لتعديل الأسعار وحل الملفات الاجتماعية ومقاومة الفساد ووضع حد للمحتكرين الذين يدفعون نحو مزيد تأزيم الوضع لأنهم الوحيدون المستفيدون منه.
وأوضح البوغديري أن هناك مؤشرات إيجابية، ومنها ارتفاع إنتاج الفسفاط وعودة الثقة ولو النسبية في السلطة وانطلاقة الاستشارة الوطنية التي ستمثل بداية تشريك حقيقة للتونسيين في القرار. وبين أن المرحلة القادمة تستوجب انخراطا حقيقيا في الحوار وتشريكا لكل الفاعلين مع تحرك على عديد المحاور، محور مكافحة الفساد ومحور إعادة البناء ومحور النهوض الاقتصادي والتفكير في منوال تنموي جديد يقطع مع الماضي. ويكون ذلك بالتوازي مع وضع أولوية حل ملفات العاطلين عن العمل والعمل الهش.
ويضيف الأمين العام المساعد بالاتحاد العام التونسي للشغل، أن المشكل قيمي أخلاقي، وعلى كل هياكل الدولة أن تعمل على تصحيحه والعودة فيه بالتونسيين والتونسيات إلى قيمة العمل وقيمة المؤسسات التربوية والتعليم وقيمة المستشفيات العمومية وخدماتها الصحية.. مع إعادة الثقة للتونسيين وبقليل من الصبر سيتم تعديل هذا الاختلال حسب رأيه.
ويؤكد في السياق ذاته محمد علي البوغديري، أن الاتحاد العام التونسي للشغل سيكون دائما وأبدا على ذمة البلاد وسيسخر كل إمكانياته من اجل مصلحة التونسيين والتونسيات.. وأنهم مستعدون لأكل الخبز والزيتون من اجل إخراج البلاد من هذا النفق والوصول بها إلى بر الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
من جانبه يقول رمضان بن عمر المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن ما يجب الانتباه إليه وسبق أن نبه إليه المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن ما وقع يوم 25 جويلية لم تكن دوافعه سياسية وعلى خلفية ما سجل من انحراف على مستوى السلطة لمن اشرف على تسيير البلاد ما بعد انتخابات 2019، بل أيضا كان نتاج لانحراف في المسارات الاقتصادية والاجتماعية وفي الوعود التي قدمت للشعب التونسي. ولذلك رأى المنتدى أن مسار ما بعد 25 جويلية عليه أن يدمج الجانب السياسي بالجانب الاقتصادي والاجتماعي وانه وكما سجلت قطيعة سياسية مع ما قبل 25 جويلية وممارساته يجب أن ترافقها قطيعة مع ما سبقها من خيارات اقتصادية واجتماعية.
وفعليا، ذكر بن عمر أن المنتدى ومن خلال بياناته ولقاءاته مع رئيس الجمهورية، قام بالدفع نحو ذلك، وقدم في بياناته القرارات التي يجب اتخاذها من اجل أولائك الذين تفاءلوا بتاريخ 25 جويلة. لكن شيئا فشيئا ومع توالي الأحداث، بقي الجانب السياسي هو الطاغي على النقاش العام وهذا بإرادة واضحة من رئاسة الجمهورية ومن معارضيه على حد السواء. حيث تم حصر النقاشات في الجانب السياسي وتم إهمال الجانب الاقتصادي والاجتماعي واستعمل فقط كجزء أو كبوابة ووسيلة للضغط في هذا الصراع. وبالتوازي مع ذلك بدأ الفاعلون الاجتماعيون يكتشفون انه وللأسف رئيس الجمهورية لا يملك رؤية اقتصادية واجتماعية واضحة.
وتعزز هذا الاعتقاد حسب رمضان بن عمر من المواقف التي تم اتخاذها في علاقة بعدد من الاستحقاقات الاجتماعية خاصة منها، مسالة من طالت بطالتهم والمعنيون بقانون 38 لسنة 2020، والملف البيئي في صفاقس وصولا إلى ميزانية الدولة التي كانت القطرة التي كشفت بوضوح أن المشهد السياسي الجديد لا يملك بدائل اجتماعية واقتصادية بل فقط ربما له مشروع سياسي يريد فرضه بأي طريقة.
ويوضح في نفس السياق انه، بالنسبة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فالتوجه نحو الإصلاح لابد أن ننطلق أساسا من سياسات اقتصادية واجتماعية بديلة وإعادة بناء مناخ ثقة مع الفاعلين الاجتماعيين التي إلى غاية اليوم بينها وبين القائمين على السلطة قطيعة.. وهذا من شانه أن يؤثر تقييمه على الوضع العام وعلى تحركات الفاعلين الاجتماعين الذين مازالوا في انتظار أجوبة، خاصة وانه والى غاية اليوم لا يوجد تواصل مع الحركات الاجتماعية أو توجه عام لإدارة الأزمة الاجتماعية التي تتفاقم شيئا فشيئا. ويتحدث هنا بن عمر على المعطلين عن العمل وعن عمال الحضائر الذين أعمارهم أكثر من 45 سنة والذين لهم أيضا قانون صادق عليه مجلس نواب الشعب المعلقة أشغاله ولم يتم إلى غاية الآن النظر فيه. هذا بالإضافة إلى استحقاقات اجتماعية للمعطلين أصحاب شهادة التربية البدنية أو التنشيط الشبابي والمعلمين والأساتذة النواب خارج الاتفاقية، فضلا عن وضعية الآلية 20 والمتعاقدين في الوظيفة العمومية.. وهم بالآلاف وتصر الدولة على إبقائهم في إطار عملهم الهش، وجميعهم وضعيات لابد أن تحظى اليوم بأجوبة من قبل الدولة ومن طرف الحكومة التي للأسف بسياستها الاتصالية الحالية هي بصدد تعقيد الوضع أكثر.
ويعتبر رمضان بن عمر انه والى جانب ملف التشغيل المطروح بقوة أمام الحكومة، هناك استحقاقات على مستوى جهوي،على غرار الوضع في ولاية تطاوين، الذي مازال هشا، والتحركات التي تعرفها ولاية سيدي بوزيد وولاية قبلي واتفاقاتها الممضاة والفاعلون الذين مازالوا في انتظار تطبيقها. الوضع البيئي في ولاية صفاقس وما اتخذته الدولة من التزامات فيما يتصل بالمصبات، فمثلا غلق مصب برج شكير يمكن أن يكون مصدر لإشكاليات وتحركات في المرحلة القادمة إن لم تستبق الحكومة ذلك مثله مثل الوضع في جربة.
وفي حال اردنا ان تتجاوز تونس هذه الأزمة الاقتصادي والاجتماعية التي يصفها المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالصعبة، فالحل يكمن في اتخاذ جملة من الخطوات، أولها مشكل التواصل بين السلطة التنفيذية وعموم المواطنين والمواطنات ويكون عبر اعتماد وسائل الإعلام وتكريس الحق في المعلومة، وتخرج رئاسة الحكومة والوزراء والمديرين العامين للتحدث مع التونسيين والتخاطب معهم فيما يتصل بالوضع الاجتماعي والاقتصادي والصحي والمشاريع المستقبلية لهم. وهذا الأمر مطروح أيضا على رئاسة الجمهورية بدورها .
وثانيا يرى بن عمر انه من الضروري إعادة النظر في الوثيقة التي تم إرسالها إلى صندوق النقد الدولي، باعتبار أنها حسب تقييم المنتدى وثيقة استفزازية لعموم التونسيين وكل الشركاء الاجتماعيين، فهي وثيقة تنسف ما تبقى من المكتسبات الاجتماعية للفئات الهشة والأكثر هشاشة، وهي وثيقة تظهر المنحى النيوليبرالي للسياسيات الاقتصادية وتبين أننا تركنا الملفات الاقتصادية والاجتماعية على حساسيتها تحت التصرف التقني الإداري، الذي كان جزءا من الفشل على امتداد السنوات الماضية وحتى ما قبل الثورة. فالإداريون والتقنيون الذين اشرفوا على إعداد قانون المالية منذ عهد بن علي والى غاية اليوم ساهموا في الوضع الذين نحن عليه اليوم ولا يمكن أن نواصل في نفس التوجه الذي يتم اعتماده في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية.
وشدد بن عمر، "أن من في السلطة عليه الانتباه إلى أن نفس الملف الاجتماعي والاقتصادي الذي كان سببا في رحيل بن علي ومن بعده عدد من حكومات وسياسيو ما بعد الثورة، هو نفسه الذي سيكون وراء رحيل هذا المشهد السياسي الجديد الذي مازال يرفض التعامل معه بأكثر جدية وبحلول بديلة، تنبني أكثر على العدالة الجبائية والقطيعة مع سياسة التداين وتوصيات صندوق النقد الدولي، والحلول التي تمكن من استقلالية البنك المركزي وإعطاء البعد الكافي للقطاع الفلاحي.
ريم سوودي