تتكرر المأساة وتتضاعف المعاناة لآلاف من العائلات التونسية أثناء دخول فصل الشتاء ويزداد الوضع تأزما مع كل موجة برد لاسيما في ظل تزايد عدد الفقراء مقابل عدم وجود برنامج أو سياسة دولة واضحة وهادفة للقضاء على الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية والاكتفاء ببعض المبادرات الترقيعية المناسباتية والمساعدات الظرفية. لكن بدا الوضع مختلفا وأكثر حدة في هذه الفترة التي تشهد فيها بلادنا موجة برد قاسية، وذلك لعدة أسباب وعوامل لعل أبرزها التزايد المسجل في عدد الفقراء والمحتاجين والعاطلين عن العمل بعد فقدان ما يقارب 300 ألف تونسي لمواطن شغلهم بسبب أزمة "كوفيد 19" الصحية إضافة إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها بلادنا وفشل الحكومات المتعاقبة في تسيير دواليب الدولة خلال السنوات العشر الأخيرة بسبب غياب البرامج وتفشي الفساد وتغييب الكفاءات وانتشار المحسوبية الحزبية والسياسية في التسميات والتعيينات في مواقع القرار والإدارة والتسيير في المؤسسات والإدارات والهياكل الوطنية والجهوية والمحلية. الأمر الذي ساهم في استفحال وضع الفقر ومن ثم المشاكل والمشاغل الاجتماعية.
ويعد متساكنو مناطق الشمال الغربي والوسط الغربي عرضة لتردي الوضع الاجتماعي بالأساس في هذه الفترة بسبب الخصوصية الجغرافية والمناخية لهذه المناطق التي تسجل تدني درجات الحرارة والبرودة إلى مستويات ضعيفة إضافة إلى تساقط الثلوج في ظل ظروف عيش وسكن صعبة وصعوبة التنقل بسبب تردي البنية التحتية وعدم توفر الطرقات.. الأمر الذي يحول حياتهم إلى أشبه بجحيم.
إذ بينت الأرقام الصادرة عن تقديرات البنك العالمي بالتعاون مع المعهد الوطني للإحصاء في برنامج المسح الوطني للإنفاق والاستهلاك الصادر في شهر جوان الماضي أن أكثر من 600 ألف تونسي يرزحون تحت خط الفقر وذلك بعد توسع دائرة الفقر بسبب تداعيات الجائحة الوبائية خلال السنتين الأخيرتين. وتشير تقديرات البنك العالمي إلى أن الجائحة تسببت في ارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من 21 % من مجموع سكان تونس بعد أن كانت النسبة في حدود 15,5 % قبل الجائحة.
غياب إستراتيجية وسياسة هادفة
ورغم تأكيد عديد الخبراء والمختصين في الاقتصاد وعلم الاجتماع على وهن المنوال التنموي المعتمد ودوره في تردي الأوضاع الاجتماعي التفاوت والفجوات المسجلة في خارطة الفقر في سنوات ما بعد ثورة 2011 وقبلها أيضا، والإجماع على أنه لم يعد صالحا لمسايرة الوضع في ظل الصعوبات والأزمات المتراكمة وغير قادر أيضا على استيعاب التغيرات على مستويين وطني وعالمي ولا يستجيب لمتطلبات المرحلة.
في المقابل تحافظ الدولة على دورها السلبي في التعاطي مع هذه الشريحة من المجتمع والفقر كظاهرة وعامل يحرم شقا من المواطنين من المتمتع بظروف عيش كريمة، وذلك بسبب غياب سياسة واضحة المعالم من شانها القضاء على هذه الظاهرة أو الحد من دائرتها وتداعياتها فضلا عن عدم وجود إستراتيجية هادفة لمحاربة مختلف أوجه الفقر. المراهنة على الحلول "الباهتة" والترقيعية ذلك بالاعتماد على المساعدات المالية الظرفية بالأساس وهي حلول لا تستهدف أسباب الفقر الحقيقية ثم أنها لا تغني لا ستمن من جوع.، رغم القيمة المالي التي ترصدها الدولة في الغرض وآخرها تخصيص ألف مليون دينار بتمويل من البنك الدولي لفائدة أكثر من 700 ألف عائلة، في المقابل لازال ما يقارب مليونين ونصف تونسي يرزحون تحت خط الفقر. فمشاهد العائلات المعزولة في المناطق النائية وداخل الأكواخ والنازل الآيلة للسقوط والتي تفتقد إلى أبسط متطلبات العيش الكريم لا تزال تطالع الجميع في القرن الحادي والعشرين.
المجتمع المدني مرة أخرى
ويظل دور المجتمع المدني رائدا ومنقذا للوضع في مثل هذه الحالات في عديد المناسبات. وقد انطلقت منذ مدة حملات التحسيس وجمع التبرعات من ملابس وأغطية مفروشات ومواد غذائية لمساعدة المعزين والمحتاجين في موسم البارد القارس. والهام في هذه الحملات الموجودة في تونس الكبرى وفي عديد جهات داخل الجمهورية، أنها تسجل استقطاب نشاط أعداد كبيرة من الشباب لينخرطوا في العمل الاجتماعي.
ويذكر أن المعهد الوطني للإحصاء كشف قبل نهاية 2020 عن نتائج دراسة أجراها بالتعاون مع البنك الدولي حول "خارطة الفقر في البلاد التونسية" وبين أن الشمال الغربي والوسط الغربي يعدان الأكثر فقرا وخصاصة وحرمانا وتعد ولاية القصرين في صدارة الولايات بعد أن تصدرت معتمدية حاسي الفريد الخارطة بنسبة 53.5% إضافة إلى العيون وجدليان بأكثر من 50% خاصة أمام التراجع المسجل في مستوى الاستهلاك الأسري ليصل إلى 8 أي (– 8) وفق نفس الإحصائية.
فالوضع مرشح في هذه الفترة ليكون أكثر فظاعة وصعوبة خاصة في ظل غلاء المعيشة والارتفاع الصاروخي في الأسعار مقابل صمت الدولة وعجز سلطة الإشراف على إيقاف نزيف الاحتكار والتلاعب بمصدر عيش المواطن في ظل الخطر المتواصل للجائحة الوبائية وتوسع تداعيات الأزمات الاقتصادية والمالية التي تمر بها بلادنا في هذه المرحلة في ظل عدم التوصل إلى اتفاق مع المانحين الدوليين الذي يتزامن مع توتر المشهد السياسي وانسداد آفاقه وما يمكن أن يلعبه في تأزيم الوضع مستقبلا.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
تتكرر المأساة وتتضاعف المعاناة لآلاف من العائلات التونسية أثناء دخول فصل الشتاء ويزداد الوضع تأزما مع كل موجة برد لاسيما في ظل تزايد عدد الفقراء مقابل عدم وجود برنامج أو سياسة دولة واضحة وهادفة للقضاء على الفقر وتحقيق العدالة الاجتماعية والاكتفاء ببعض المبادرات الترقيعية المناسباتية والمساعدات الظرفية. لكن بدا الوضع مختلفا وأكثر حدة في هذه الفترة التي تشهد فيها بلادنا موجة برد قاسية، وذلك لعدة أسباب وعوامل لعل أبرزها التزايد المسجل في عدد الفقراء والمحتاجين والعاطلين عن العمل بعد فقدان ما يقارب 300 ألف تونسي لمواطن شغلهم بسبب أزمة "كوفيد 19" الصحية إضافة إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها بلادنا وفشل الحكومات المتعاقبة في تسيير دواليب الدولة خلال السنوات العشر الأخيرة بسبب غياب البرامج وتفشي الفساد وتغييب الكفاءات وانتشار المحسوبية الحزبية والسياسية في التسميات والتعيينات في مواقع القرار والإدارة والتسيير في المؤسسات والإدارات والهياكل الوطنية والجهوية والمحلية. الأمر الذي ساهم في استفحال وضع الفقر ومن ثم المشاكل والمشاغل الاجتماعية.
ويعد متساكنو مناطق الشمال الغربي والوسط الغربي عرضة لتردي الوضع الاجتماعي بالأساس في هذه الفترة بسبب الخصوصية الجغرافية والمناخية لهذه المناطق التي تسجل تدني درجات الحرارة والبرودة إلى مستويات ضعيفة إضافة إلى تساقط الثلوج في ظل ظروف عيش وسكن صعبة وصعوبة التنقل بسبب تردي البنية التحتية وعدم توفر الطرقات.. الأمر الذي يحول حياتهم إلى أشبه بجحيم.
إذ بينت الأرقام الصادرة عن تقديرات البنك العالمي بالتعاون مع المعهد الوطني للإحصاء في برنامج المسح الوطني للإنفاق والاستهلاك الصادر في شهر جوان الماضي أن أكثر من 600 ألف تونسي يرزحون تحت خط الفقر وذلك بعد توسع دائرة الفقر بسبب تداعيات الجائحة الوبائية خلال السنتين الأخيرتين. وتشير تقديرات البنك العالمي إلى أن الجائحة تسببت في ارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من 21 % من مجموع سكان تونس بعد أن كانت النسبة في حدود 15,5 % قبل الجائحة.
غياب إستراتيجية وسياسة هادفة
ورغم تأكيد عديد الخبراء والمختصين في الاقتصاد وعلم الاجتماع على وهن المنوال التنموي المعتمد ودوره في تردي الأوضاع الاجتماعي التفاوت والفجوات المسجلة في خارطة الفقر في سنوات ما بعد ثورة 2011 وقبلها أيضا، والإجماع على أنه لم يعد صالحا لمسايرة الوضع في ظل الصعوبات والأزمات المتراكمة وغير قادر أيضا على استيعاب التغيرات على مستويين وطني وعالمي ولا يستجيب لمتطلبات المرحلة.
في المقابل تحافظ الدولة على دورها السلبي في التعاطي مع هذه الشريحة من المجتمع والفقر كظاهرة وعامل يحرم شقا من المواطنين من المتمتع بظروف عيش كريمة، وذلك بسبب غياب سياسة واضحة المعالم من شانها القضاء على هذه الظاهرة أو الحد من دائرتها وتداعياتها فضلا عن عدم وجود إستراتيجية هادفة لمحاربة مختلف أوجه الفقر. المراهنة على الحلول "الباهتة" والترقيعية ذلك بالاعتماد على المساعدات المالية الظرفية بالأساس وهي حلول لا تستهدف أسباب الفقر الحقيقية ثم أنها لا تغني لا ستمن من جوع.، رغم القيمة المالي التي ترصدها الدولة في الغرض وآخرها تخصيص ألف مليون دينار بتمويل من البنك الدولي لفائدة أكثر من 700 ألف عائلة، في المقابل لازال ما يقارب مليونين ونصف تونسي يرزحون تحت خط الفقر. فمشاهد العائلات المعزولة في المناطق النائية وداخل الأكواخ والنازل الآيلة للسقوط والتي تفتقد إلى أبسط متطلبات العيش الكريم لا تزال تطالع الجميع في القرن الحادي والعشرين.
المجتمع المدني مرة أخرى
ويظل دور المجتمع المدني رائدا ومنقذا للوضع في مثل هذه الحالات في عديد المناسبات. وقد انطلقت منذ مدة حملات التحسيس وجمع التبرعات من ملابس وأغطية مفروشات ومواد غذائية لمساعدة المعزين والمحتاجين في موسم البارد القارس. والهام في هذه الحملات الموجودة في تونس الكبرى وفي عديد جهات داخل الجمهورية، أنها تسجل استقطاب نشاط أعداد كبيرة من الشباب لينخرطوا في العمل الاجتماعي.
ويذكر أن المعهد الوطني للإحصاء كشف قبل نهاية 2020 عن نتائج دراسة أجراها بالتعاون مع البنك الدولي حول "خارطة الفقر في البلاد التونسية" وبين أن الشمال الغربي والوسط الغربي يعدان الأكثر فقرا وخصاصة وحرمانا وتعد ولاية القصرين في صدارة الولايات بعد أن تصدرت معتمدية حاسي الفريد الخارطة بنسبة 53.5% إضافة إلى العيون وجدليان بأكثر من 50% خاصة أمام التراجع المسجل في مستوى الاستهلاك الأسري ليصل إلى 8 أي (– 8) وفق نفس الإحصائية.
فالوضع مرشح في هذه الفترة ليكون أكثر فظاعة وصعوبة خاصة في ظل غلاء المعيشة والارتفاع الصاروخي في الأسعار مقابل صمت الدولة وعجز سلطة الإشراف على إيقاف نزيف الاحتكار والتلاعب بمصدر عيش المواطن في ظل الخطر المتواصل للجائحة الوبائية وتوسع تداعيات الأزمات الاقتصادية والمالية التي تمر بها بلادنا في هذه المرحلة في ظل عدم التوصل إلى اتفاق مع المانحين الدوليين الذي يتزامن مع توتر المشهد السياسي وانسداد آفاقه وما يمكن أن يلعبه في تأزيم الوضع مستقبلا.