المندوب العام لحماية الطفولة: المنزل ما زال يشكّل التهديد الأبرز باعتداءات ضد الأطفال
اليونيسيف: هناك فوارق اجتماعية ومعرفية حادة بين الأطفال
تونس-الصباح
يعيش الأطفال في تونس وضعيات نفسية واجتماعية صعبة في ظل ما تعيشه البلاد من عنف وأزمات، وهو ما من شأنه أن ينعكس سلبا على التنشئة الاجتماعية للأطفال، كما ارتفعت نسبة الإشعارات التي تلقاها مندوبو حماية الطفولة على مستوى 24 ولاية والتي بلغت 17506 إشعارات مسجلة ارتفاعا بما يقارب الضعف خلال 10 سنوات أي منذ سنة 2009، وفقا للتقرير الإحصائي السنوي لنشاط مندوبي حماية الطفولة 2019 الصادر في جوان 2020.
وتشهد الأسر التونسية وقوع النسبة الأكبر من التهديد باعتداءات ضد الأطفال في البلاد، حسب المندوب العام لحماية الطفولة في تونس، مهيار حمادي، الذي أكد أنّ المنزل ما زال يشكّل التهديد الأبرز بالمقارنة مع بيئات أو أماكن أخرى، مع تسجيل 9432 إشعاراً بنسبة 53.88%، ثم الشارع بـ3743 بنسبة 21.38 في المائة، تليه المؤسسات التعليمية بنسبة 13.3 في المائة، أي ما يناهز 2329 إشعاراً بالتهديد.
وبحسب التقرير، يتوزع الأطفال بحسب الجنس ما بين 53.34% ذكور و46.66% إناث، وتعد الإشعارات المتعلقة بـ"التقصير البيّن في التربية والرعاية" الأعلى بـ4740 حالة بنسبة 27.08%، ثم "اعتياد سوء معاملة الطفل" بـ3912 إشعاراً وبنسبة 22.39%، أما "عجز الأبوين أو من يسهر على رعاية الطفل والإحاطة به وتربيته" فقد بلغ 3912 إشعارا وبنسبة 22.35%، ثم "تعريض الطفل للإهمال والتشرّد" بـ1730 إشعاراً بنسبة 9.88%، و"استغلال الطفل جنسياً" بـ1234 إشعاراً وبنسبة 7.05%، و"فقدان السند العائلي" بـ1138 إشعاراً وبنسبة 6%. أما عدد الأطفال الذين تعرضوا للعنف المعنوي فبلغ 2885 طفلاً بنسبة 43.53%، يليه العنف الجسدي الذي أثر على 2594 طفلاً بنسبة 39.14%، ثمّ العنف الجنسي الذي طال 1149 طفلاً بنسبة 17.64%. ويتعرض الأطفال الذكور أكثر من الإناث للعنف الجسدي بنسبة 56.40% والعنف المعنوي بنسبة 53.28%. في حين تتعرض الإناث للعنف المعنوي بنسبة 46.72% والعنف الجسدي بنسبة 43.60%.
فوارق اجتماعية ومعرفية
وفي سياق متصل كشف تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" بتونس وجود فوارق اجتماعية ومعرفية حادة بين الأطفال، ناجمة عن "عدم التوصل إلى تحقيق الأهداف المرسومة في منوال التنمية المستدامة لأفق 2030 في مجال مقاومة الفقر والصحة والتعليم وغيرها من المجالات الحياتية الأخرى". ويبيّن التقرير الأممي الذي حمل عنوان "تحليل وضعية الأطفال في تونس"، أن ما يزيد عن خمس الأطفال في البلاد يعانون الفقر والخصاصة. وتبلغ نسبة هؤلاء 21.2%! من مجموع الأطفال في دولة تجاوز فيها منسوب الفقر العام الـ15%. وحذرت المنظمة من تسبب جائحة كورونا في توسيع دائرة الأطفال الفقراء وتنامي ظواهر استغلالهم، مرجحة ارتفاع أعدادهم من 688 ألف طفل قبل بدء الجائحة إلى 900 ألف طفل أثناءها. كما أشار التقرير إلى تزايد ممارسات العنف الجسدي والنفسي والاستغلال الاقتصادي للأطفال التونسيين، مشيرا إلى ارتفاع منسوب العنف الجسدي بثلاثة أضعاف خلال 6 سنوات، حيث شهدت سنة 2018 تسجيل نحو 17500 حالة تبليغ عن العنف الجسدي المسلط على الأطفال، مقابل 6 آلاف حالة تبليغ سنة 2011.
ونبهت المنظمة من ارتفاع مؤشر الأمراض النفسية والعقلية لدى الأطفال، محذرة أيضا من مخاطر استمرار الانقطاع المدرسي خاصة في المناطق المحرومة ومن تراجع المستوى التعليمي، حيث بينت الدراسة أن "72 بالمائة من الأطفال لا يمتلكون مهارات أساسية في العمليات الحسابية، وأن 34 بالمائة منهم لا يمتلكون المهارة في القراءة".
وكانت جمعية "الشارع فن" قد قامت بإطلاق حملة حول العنف المسلط على الأطفال وقدمت برنامج “تفكيك العنف عن طريق الفن” قامت بتأطيره مع مجموعة من الأخصائيين النفسانيين، وأكدت في التقرير الختامي فيما يتعلق بالأطفال يعد “العنف التعبيري” أكثر أنواع العنف انتشارا وهو العنف الذي ينشأ عن فقدان السيطرة على النفس ويسعى الطفل من خلال سلوكه العنيف إلى الانتقام كرد فعل على الإحباط الناتج عن الاعتداء عليه وبذلك يريد هؤلاء الأطفال تجنب الوقوع في ظروف مشابهة لتلك التي عاشوها.
لقد اعتاد بعض الأطفال على العنف اللفظي لدرجة أنهم لم يعودوا يعتبرونه عنفا، كما أن العنف المشروع” الذي يمارسه الأولياء على أطفالهم يعد أكثر أنواع العنف شيوعا بين الأولياء والذي يبرر استخدام العنف في مواقف معينة حيث يكون ذلك ضروريا من وجهة نظرهم أو لتحقيق أعراض تعليمية. وخلال مشروع “تفكيك العنف عن طريق الفن” أكتسب الأولياء مواقف جديدة بفضل عملية تبادل الخبرات وقد تمكنوا من مسامحة أطفالهم عن الفشل وحاولوا تعزيز الجهود التي يبذلها مع مراعاة خصوصياته...
العنف على الانترنت
أطلقت وزارة المرأة والأسرة وكبار السن، في شهر الماضي حملة توعوية لحماية الأطفال من العنف على "الانترنت"، تهدف إلى دعم وقاية الأطفال والمراهقين من مخاطر استعمال الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بالخصوص.
وتسعى الوزارة من خلال هذه الحملة التي تتنزل تحت شعار "نتعاونو باش نقضيو على العنف على الانترنت"، إلى تعريف الأطفال والمراهقين بمختلف أنواع العنف الرقمي، من خلال ومضات توعوية ومحامل تثقيفية تحتوي على رسائل موجهة للأطفال والأولياء، وفق ما صرح به حينها المدير العام للطفولة بالوزارة شكري معتوق.
ولفت معتوق إلى أن جملة من المؤشرات دفعت الوزارة إلى الترويج لهذه الحملة عبر شبكات التواصل الاجتماعي حتى تضمن نجاعتها، ومن أهمها أن شبكات التواصل الاجتماعي تتصدر 89% من اهتمامات التونسيين، بأكثر من 7 ملايين حساب "فيس بوك" و2 مليون حساب "انستغرام" فضلا عن أن أكثر من 12% من مستخدمي الانترنت هم أطفال تتراوح أعمارهم بين 13 و17 سنة. إذ يتمثل العنف على الانترنت في جميع أشكال التمييز والتطرف الديني والدعوة إلى الكراهية وبث الإشاعات والعبث بالمعطيات الشخصية للأطفال ضحايا العنف.
الانقطاع المدرسي المبكر
كما يمثل الانقطاع المدرسي المبكر احد أبرز الانعكاسات السلبية لما يعانيه الأطفال في تونس التي انقطع فيها 72991 تلميذا عن الدراسة نهاية السنة الدراسية 2019-2020، من بينهم 34460 تلميذا من مرحلة التعليم الثانوي، و31311 تلميذا من مرحلة التعليم الإعدادي العام و7220 تلميذا من المرحلة الابتدائية، وفق ما أفاد به كاهية مدير الدراسات والتخطيط بوزارة التربية طارق الجبالي .
ولفت الجبالي، خلال يوم دراسي، انتظم قبل شهر بمقر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم « الألكسو» تحت عنوان « الانقطاع المبكر عن التعلم: تشخيص الواقع وسبل العلاج»، إلا أنه رغم تسجيل تراجع في نسبة المنقطعين عن الدراسة خلال السنة الدراسية 2019-2020 مقارنة بالسنة الدراسية 2018-2019 التي شهدت انقطاع 92108 تلاميذ، تظل هذه الظاهرة مفزعة ولا بد من تكاتف جميع الجهود للحد منها. وتعود أسباب ظاهرة الانقطاع المدرسي التي تكون بنسبة 60% بصفة تلقائية وبنسبة 40% بصفة قانونية (رفت) إلى عدة عوامل أسرية ومجتمعية تتعلق بتدني المستوى الاقتصادي والاجتماعي والصحي والنفسي علاوة على عوامل تتعلق بإخلالات ونواقص صلب المنظومة التربوية والوسط المدرسي، وفق الجبالي.
وتتعلق الإخلالات والنواقص صلب المنظومة التربوية والوسط المدرسي بالخصوص بضعف منظومة التواصل والحوار داخل المؤسسة التربوية والافتقار إلى قنوات المتابعة والعلاج والمرافقة واعتماد النمط التقليدي في التعليم وعدم مواكبة البرامج والكتب المدرسية لنسق إنتاج المعرفة المتسارع وتطور وسائل الاتصال وعدم مراعاة طرق التدريس التعليمية اختلاف أنساق التعلم لدى التلاميذ واحتياجاتهم الخصوصيّة، إضافة إلى التضخم في الزمن المدرسي وضعف التكوين الأساسي والمستمر للمدرسين.
تحذير من الكلفة الاجتماعية
ومن جهته حذر الأخصائي الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية شاكر السالمي من الكلفة الاجتماعية للانقطاع المبكر عن التعليم باعتبار صلتها الوثيقة بالجنوح نحو السلوكيات المحفوفة بالمخاطر مثل الإدمان والجريمة والهجرة غير النظامية والتطرف العنيف والإرهاب إضافة إلى التفكك الأسري. وقال السالمي، سوف تدفع الدولة فاتورة مضاعفة جراء تداعيات الانقطاع المدرسي المبكر حيث ستضطر إلى وضع استراتيجيات وخطط وبرامج وبعث مراكز ومؤسسات للتدخل وتسخير موارد بشرية ضخمة ستكلفها إمكانيات مالية مهولة وكلما تباطأت في القيام بهذه الإجراءات زاد الأمر تعقيدا، وفقا لوكالة تونس إفريقيا للأنباء.
وأكدت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، آمال بلحاج موسى، في لقائها مع المندوب العام لحماية الطفولة وجمعية مندوبي حماية الطفولة، على الأهمية البالغة للدور الذي يضطلع به مندوب حماية الطفولة في وقاية الأطفال وحمايتهم من كل أسباب التهديد التي يواجهونها والتي ما فتئت تتفاقم في الآونة الأخيرة. واعتبرت أنه أمام انتشار ظواهر الاستغلال الاقتصادي والجنسي للأطفال والتشرد فإن الوقاية تمثل حجر الأساس في تحصين هذه الفئة الهشة، مبينة أن تونس التي راهنت على الاستثمار في الإنسان منذ استقلالها تعمل من خلال ما تضعه وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن من برامج وخطط خاصة بالطفل تؤمن بأن الاستثمار يبدأ من مرحلة الطفولة المبكرة، وفق بلاغ أصدرته الوزارة.
وأعلنت الوزيرة عن تخصيص مركز إيواء وطني للأطفال ذوي الحالات المستعجلة وخمس وحدات إقليمية مماثلة، وبسط مندوبو حماية الطفولة للوزيرة مطالبهم والنقائص والمصاعب التي تعترضهم عند أداء وظيفتهم، مؤكدين حرصهم على التفاني في وقاية الطفولة وحمايتها من كل أسباب التهديد التي تحدق بها. وبخصوص المعطيات المتعلقة بأوضاع الطفولة في تونس التي وقع حجبها منذ 2019، دعت الوزيرة إلى رفع هذا الحجب خدمة للصالح العام. وقد أبدى ممثلو الجمعية تفاعلا إيجابيا مع هذه الدعوة لما لمسوه من حرص لدى الوزيرة على حلحلة الملفات المتعلقة بالسلك والدفع نحو تحسين ظروف عمله.
معاذ بن نصير لـ"الصباح": الأزمات والكوارث تحدث اضطرابا كبيرا في حياة "الضحايا الصامتين"
يرى الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير، في نفس السياق أن الأزمات والكوارث التي تتسبب فيها عوامل طبيعية أو بشرية تحدث اضطرابًا كبيرًا في حياة الناس عموماً وبالأخص فئة الأطفال وخاصة المراهقين منهم. فغالباً ما يكون هؤلاء هم الضحايا الصامتون لظروف خارجة عن سيطرتهم لغياب أدوات ووسائل الإحاطة والدعم النفسي لهم، وكذلك لافتقارهم للكفاءة الذهنية والنفسية لاستيعابها.
لذلك صار من المهم وضع خطط في إطار الاستجابة للطوارئ في أوقات الأزمات، كيف لا، وتونس عاشت على مر عشر سنوات العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الصحية (كورونا) من خلال التعرف على المخاطر الجسمانية والنفسية التي يواجهها الأطفال، والتركيز على تقديم الاستجابات التي تستند إلى حقوق الطفل. إذ يضمن توفير الدعم النفسي عدم تجاهل احتياجاتهم الضرورية، ويساعدهم على اجتياز ظروفهم الصعبة من أجل استعادة حياتهم الطبيعية على أكمل وجه.
ولعل العنف من أخطر الأزمات التي تسلط على الطفل في تونس، فالمجتمع التونسي يشكو حاليا من ارتفاع منسوب العنف في جميع الفضاءات، هذا العنف سيكون له الأثر السلبي والمباشر على الطفل، حيث يُمكن أن يتسبّب تعنيف الأطفال أو إساءة معاملتهم أو إهمالهم بمجموعة كبيرة من المشكلات والعواقب النفسية لهم؛ كالشعور بالتهميش، والخوف، وانعدام الثقة، والاكتئاب، وهو ما يُمكن أن يتحوّل لاحقاً إلى صعوبات تعليمية وصعوبة في تكوين العلاقات والحفاظ عليها، وقد حدّد الباحثون أهم الآثار النفسية الناتجة عن إساءة معاملة الأطفال وهي كالآتي: ضعف المهارات الإدراكية والوظائف التنفيذية: فالأطفال الذين يُعانون من العنف وسوء المعاملة معرّضون لمواجهة مشكلات إدراكية، مثل: صعوبات التعلّم وضعف الانتباه أو التركيز، كما أنّهم معرّضون لإعاقات في الوظائف التنفيذية للدماغ، مثل: الذاكرة العاملة، وضبط النفس، والمرونة المعرفية. خلل في الصحة العقلية والعاطفية: فالأطفال المعنَّفون من الأشخاص المقرّبين لهم يكونون أكثر عُرضةً للاضطرابات النفسية خاصةً في مرحلة البلوغ، مثل: الاكتئاب، والقلق، ممّا قد يدفعهم إلى التفكير ببعض السلوكيات السلبية، مثل: الانتحار وتعاطي المخدرات. مواجهة بعض الصعوبات الاجتماعية: حيث يُعاني الأطفال الذين يتعرّضون للعنف والإساءة من بعض الصعوبات والاضطرابات الاجتماعية التي قد تؤثّر عليهم بشكل سلبي مستقبلاً، خاصةً فيما يتعلّق بقدرتهم على تكوين صداقات وعلاقات اجتماعية إيجابية في وقت لاحق من حياتهم، ومن أهم الاضطرابات الاجتماعية التي يواجهها الأطفال المعنَّفون التعلّق الزائد بأشخاص مُعيّنين خلال مرحلة الطفولة وفي الغالب يكونوا من الأشخاص المقرّبين، واكتساب سلوكيات عدوانية وعنيفة خلال مرحلة البلوغ.
صلاح الدين كريمي
المندوب العام لحماية الطفولة: المنزل ما زال يشكّل التهديد الأبرز باعتداءات ضد الأطفال
اليونيسيف: هناك فوارق اجتماعية ومعرفية حادة بين الأطفال
تونس-الصباح
يعيش الأطفال في تونس وضعيات نفسية واجتماعية صعبة في ظل ما تعيشه البلاد من عنف وأزمات، وهو ما من شأنه أن ينعكس سلبا على التنشئة الاجتماعية للأطفال، كما ارتفعت نسبة الإشعارات التي تلقاها مندوبو حماية الطفولة على مستوى 24 ولاية والتي بلغت 17506 إشعارات مسجلة ارتفاعا بما يقارب الضعف خلال 10 سنوات أي منذ سنة 2009، وفقا للتقرير الإحصائي السنوي لنشاط مندوبي حماية الطفولة 2019 الصادر في جوان 2020.
وتشهد الأسر التونسية وقوع النسبة الأكبر من التهديد باعتداءات ضد الأطفال في البلاد، حسب المندوب العام لحماية الطفولة في تونس، مهيار حمادي، الذي أكد أنّ المنزل ما زال يشكّل التهديد الأبرز بالمقارنة مع بيئات أو أماكن أخرى، مع تسجيل 9432 إشعاراً بنسبة 53.88%، ثم الشارع بـ3743 بنسبة 21.38 في المائة، تليه المؤسسات التعليمية بنسبة 13.3 في المائة، أي ما يناهز 2329 إشعاراً بالتهديد.
وبحسب التقرير، يتوزع الأطفال بحسب الجنس ما بين 53.34% ذكور و46.66% إناث، وتعد الإشعارات المتعلقة بـ"التقصير البيّن في التربية والرعاية" الأعلى بـ4740 حالة بنسبة 27.08%، ثم "اعتياد سوء معاملة الطفل" بـ3912 إشعاراً وبنسبة 22.39%، أما "عجز الأبوين أو من يسهر على رعاية الطفل والإحاطة به وتربيته" فقد بلغ 3912 إشعارا وبنسبة 22.35%، ثم "تعريض الطفل للإهمال والتشرّد" بـ1730 إشعاراً بنسبة 9.88%، و"استغلال الطفل جنسياً" بـ1234 إشعاراً وبنسبة 7.05%، و"فقدان السند العائلي" بـ1138 إشعاراً وبنسبة 6%. أما عدد الأطفال الذين تعرضوا للعنف المعنوي فبلغ 2885 طفلاً بنسبة 43.53%، يليه العنف الجسدي الذي أثر على 2594 طفلاً بنسبة 39.14%، ثمّ العنف الجنسي الذي طال 1149 طفلاً بنسبة 17.64%. ويتعرض الأطفال الذكور أكثر من الإناث للعنف الجسدي بنسبة 56.40% والعنف المعنوي بنسبة 53.28%. في حين تتعرض الإناث للعنف المعنوي بنسبة 46.72% والعنف الجسدي بنسبة 43.60%.
فوارق اجتماعية ومعرفية
وفي سياق متصل كشف تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" بتونس وجود فوارق اجتماعية ومعرفية حادة بين الأطفال، ناجمة عن "عدم التوصل إلى تحقيق الأهداف المرسومة في منوال التنمية المستدامة لأفق 2030 في مجال مقاومة الفقر والصحة والتعليم وغيرها من المجالات الحياتية الأخرى". ويبيّن التقرير الأممي الذي حمل عنوان "تحليل وضعية الأطفال في تونس"، أن ما يزيد عن خمس الأطفال في البلاد يعانون الفقر والخصاصة. وتبلغ نسبة هؤلاء 21.2%! من مجموع الأطفال في دولة تجاوز فيها منسوب الفقر العام الـ15%. وحذرت المنظمة من تسبب جائحة كورونا في توسيع دائرة الأطفال الفقراء وتنامي ظواهر استغلالهم، مرجحة ارتفاع أعدادهم من 688 ألف طفل قبل بدء الجائحة إلى 900 ألف طفل أثناءها. كما أشار التقرير إلى تزايد ممارسات العنف الجسدي والنفسي والاستغلال الاقتصادي للأطفال التونسيين، مشيرا إلى ارتفاع منسوب العنف الجسدي بثلاثة أضعاف خلال 6 سنوات، حيث شهدت سنة 2018 تسجيل نحو 17500 حالة تبليغ عن العنف الجسدي المسلط على الأطفال، مقابل 6 آلاف حالة تبليغ سنة 2011.
ونبهت المنظمة من ارتفاع مؤشر الأمراض النفسية والعقلية لدى الأطفال، محذرة أيضا من مخاطر استمرار الانقطاع المدرسي خاصة في المناطق المحرومة ومن تراجع المستوى التعليمي، حيث بينت الدراسة أن "72 بالمائة من الأطفال لا يمتلكون مهارات أساسية في العمليات الحسابية، وأن 34 بالمائة منهم لا يمتلكون المهارة في القراءة".
وكانت جمعية "الشارع فن" قد قامت بإطلاق حملة حول العنف المسلط على الأطفال وقدمت برنامج “تفكيك العنف عن طريق الفن” قامت بتأطيره مع مجموعة من الأخصائيين النفسانيين، وأكدت في التقرير الختامي فيما يتعلق بالأطفال يعد “العنف التعبيري” أكثر أنواع العنف انتشارا وهو العنف الذي ينشأ عن فقدان السيطرة على النفس ويسعى الطفل من خلال سلوكه العنيف إلى الانتقام كرد فعل على الإحباط الناتج عن الاعتداء عليه وبذلك يريد هؤلاء الأطفال تجنب الوقوع في ظروف مشابهة لتلك التي عاشوها.
لقد اعتاد بعض الأطفال على العنف اللفظي لدرجة أنهم لم يعودوا يعتبرونه عنفا، كما أن العنف المشروع” الذي يمارسه الأولياء على أطفالهم يعد أكثر أنواع العنف شيوعا بين الأولياء والذي يبرر استخدام العنف في مواقف معينة حيث يكون ذلك ضروريا من وجهة نظرهم أو لتحقيق أعراض تعليمية. وخلال مشروع “تفكيك العنف عن طريق الفن” أكتسب الأولياء مواقف جديدة بفضل عملية تبادل الخبرات وقد تمكنوا من مسامحة أطفالهم عن الفشل وحاولوا تعزيز الجهود التي يبذلها مع مراعاة خصوصياته...
العنف على الانترنت
أطلقت وزارة المرأة والأسرة وكبار السن، في شهر الماضي حملة توعوية لحماية الأطفال من العنف على "الانترنت"، تهدف إلى دعم وقاية الأطفال والمراهقين من مخاطر استعمال الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بالخصوص.
وتسعى الوزارة من خلال هذه الحملة التي تتنزل تحت شعار "نتعاونو باش نقضيو على العنف على الانترنت"، إلى تعريف الأطفال والمراهقين بمختلف أنواع العنف الرقمي، من خلال ومضات توعوية ومحامل تثقيفية تحتوي على رسائل موجهة للأطفال والأولياء، وفق ما صرح به حينها المدير العام للطفولة بالوزارة شكري معتوق.
ولفت معتوق إلى أن جملة من المؤشرات دفعت الوزارة إلى الترويج لهذه الحملة عبر شبكات التواصل الاجتماعي حتى تضمن نجاعتها، ومن أهمها أن شبكات التواصل الاجتماعي تتصدر 89% من اهتمامات التونسيين، بأكثر من 7 ملايين حساب "فيس بوك" و2 مليون حساب "انستغرام" فضلا عن أن أكثر من 12% من مستخدمي الانترنت هم أطفال تتراوح أعمارهم بين 13 و17 سنة. إذ يتمثل العنف على الانترنت في جميع أشكال التمييز والتطرف الديني والدعوة إلى الكراهية وبث الإشاعات والعبث بالمعطيات الشخصية للأطفال ضحايا العنف.
الانقطاع المدرسي المبكر
كما يمثل الانقطاع المدرسي المبكر احد أبرز الانعكاسات السلبية لما يعانيه الأطفال في تونس التي انقطع فيها 72991 تلميذا عن الدراسة نهاية السنة الدراسية 2019-2020، من بينهم 34460 تلميذا من مرحلة التعليم الثانوي، و31311 تلميذا من مرحلة التعليم الإعدادي العام و7220 تلميذا من المرحلة الابتدائية، وفق ما أفاد به كاهية مدير الدراسات والتخطيط بوزارة التربية طارق الجبالي .
ولفت الجبالي، خلال يوم دراسي، انتظم قبل شهر بمقر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم « الألكسو» تحت عنوان « الانقطاع المبكر عن التعلم: تشخيص الواقع وسبل العلاج»، إلا أنه رغم تسجيل تراجع في نسبة المنقطعين عن الدراسة خلال السنة الدراسية 2019-2020 مقارنة بالسنة الدراسية 2018-2019 التي شهدت انقطاع 92108 تلاميذ، تظل هذه الظاهرة مفزعة ولا بد من تكاتف جميع الجهود للحد منها. وتعود أسباب ظاهرة الانقطاع المدرسي التي تكون بنسبة 60% بصفة تلقائية وبنسبة 40% بصفة قانونية (رفت) إلى عدة عوامل أسرية ومجتمعية تتعلق بتدني المستوى الاقتصادي والاجتماعي والصحي والنفسي علاوة على عوامل تتعلق بإخلالات ونواقص صلب المنظومة التربوية والوسط المدرسي، وفق الجبالي.
وتتعلق الإخلالات والنواقص صلب المنظومة التربوية والوسط المدرسي بالخصوص بضعف منظومة التواصل والحوار داخل المؤسسة التربوية والافتقار إلى قنوات المتابعة والعلاج والمرافقة واعتماد النمط التقليدي في التعليم وعدم مواكبة البرامج والكتب المدرسية لنسق إنتاج المعرفة المتسارع وتطور وسائل الاتصال وعدم مراعاة طرق التدريس التعليمية اختلاف أنساق التعلم لدى التلاميذ واحتياجاتهم الخصوصيّة، إضافة إلى التضخم في الزمن المدرسي وضعف التكوين الأساسي والمستمر للمدرسين.
تحذير من الكلفة الاجتماعية
ومن جهته حذر الأخصائي الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية شاكر السالمي من الكلفة الاجتماعية للانقطاع المبكر عن التعليم باعتبار صلتها الوثيقة بالجنوح نحو السلوكيات المحفوفة بالمخاطر مثل الإدمان والجريمة والهجرة غير النظامية والتطرف العنيف والإرهاب إضافة إلى التفكك الأسري. وقال السالمي، سوف تدفع الدولة فاتورة مضاعفة جراء تداعيات الانقطاع المدرسي المبكر حيث ستضطر إلى وضع استراتيجيات وخطط وبرامج وبعث مراكز ومؤسسات للتدخل وتسخير موارد بشرية ضخمة ستكلفها إمكانيات مالية مهولة وكلما تباطأت في القيام بهذه الإجراءات زاد الأمر تعقيدا، وفقا لوكالة تونس إفريقيا للأنباء.
وأكدت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، آمال بلحاج موسى، في لقائها مع المندوب العام لحماية الطفولة وجمعية مندوبي حماية الطفولة، على الأهمية البالغة للدور الذي يضطلع به مندوب حماية الطفولة في وقاية الأطفال وحمايتهم من كل أسباب التهديد التي يواجهونها والتي ما فتئت تتفاقم في الآونة الأخيرة. واعتبرت أنه أمام انتشار ظواهر الاستغلال الاقتصادي والجنسي للأطفال والتشرد فإن الوقاية تمثل حجر الأساس في تحصين هذه الفئة الهشة، مبينة أن تونس التي راهنت على الاستثمار في الإنسان منذ استقلالها تعمل من خلال ما تضعه وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن من برامج وخطط خاصة بالطفل تؤمن بأن الاستثمار يبدأ من مرحلة الطفولة المبكرة، وفق بلاغ أصدرته الوزارة.
وأعلنت الوزيرة عن تخصيص مركز إيواء وطني للأطفال ذوي الحالات المستعجلة وخمس وحدات إقليمية مماثلة، وبسط مندوبو حماية الطفولة للوزيرة مطالبهم والنقائص والمصاعب التي تعترضهم عند أداء وظيفتهم، مؤكدين حرصهم على التفاني في وقاية الطفولة وحمايتها من كل أسباب التهديد التي تحدق بها. وبخصوص المعطيات المتعلقة بأوضاع الطفولة في تونس التي وقع حجبها منذ 2019، دعت الوزيرة إلى رفع هذا الحجب خدمة للصالح العام. وقد أبدى ممثلو الجمعية تفاعلا إيجابيا مع هذه الدعوة لما لمسوه من حرص لدى الوزيرة على حلحلة الملفات المتعلقة بالسلك والدفع نحو تحسين ظروف عمله.
معاذ بن نصير لـ"الصباح": الأزمات والكوارث تحدث اضطرابا كبيرا في حياة "الضحايا الصامتين"
يرى الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير، في نفس السياق أن الأزمات والكوارث التي تتسبب فيها عوامل طبيعية أو بشرية تحدث اضطرابًا كبيرًا في حياة الناس عموماً وبالأخص فئة الأطفال وخاصة المراهقين منهم. فغالباً ما يكون هؤلاء هم الضحايا الصامتون لظروف خارجة عن سيطرتهم لغياب أدوات ووسائل الإحاطة والدعم النفسي لهم، وكذلك لافتقارهم للكفاءة الذهنية والنفسية لاستيعابها.
لذلك صار من المهم وضع خطط في إطار الاستجابة للطوارئ في أوقات الأزمات، كيف لا، وتونس عاشت على مر عشر سنوات العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الصحية (كورونا) من خلال التعرف على المخاطر الجسمانية والنفسية التي يواجهها الأطفال، والتركيز على تقديم الاستجابات التي تستند إلى حقوق الطفل. إذ يضمن توفير الدعم النفسي عدم تجاهل احتياجاتهم الضرورية، ويساعدهم على اجتياز ظروفهم الصعبة من أجل استعادة حياتهم الطبيعية على أكمل وجه.
ولعل العنف من أخطر الأزمات التي تسلط على الطفل في تونس، فالمجتمع التونسي يشكو حاليا من ارتفاع منسوب العنف في جميع الفضاءات، هذا العنف سيكون له الأثر السلبي والمباشر على الطفل، حيث يُمكن أن يتسبّب تعنيف الأطفال أو إساءة معاملتهم أو إهمالهم بمجموعة كبيرة من المشكلات والعواقب النفسية لهم؛ كالشعور بالتهميش، والخوف، وانعدام الثقة، والاكتئاب، وهو ما يُمكن أن يتحوّل لاحقاً إلى صعوبات تعليمية وصعوبة في تكوين العلاقات والحفاظ عليها، وقد حدّد الباحثون أهم الآثار النفسية الناتجة عن إساءة معاملة الأطفال وهي كالآتي: ضعف المهارات الإدراكية والوظائف التنفيذية: فالأطفال الذين يُعانون من العنف وسوء المعاملة معرّضون لمواجهة مشكلات إدراكية، مثل: صعوبات التعلّم وضعف الانتباه أو التركيز، كما أنّهم معرّضون لإعاقات في الوظائف التنفيذية للدماغ، مثل: الذاكرة العاملة، وضبط النفس، والمرونة المعرفية. خلل في الصحة العقلية والعاطفية: فالأطفال المعنَّفون من الأشخاص المقرّبين لهم يكونون أكثر عُرضةً للاضطرابات النفسية خاصةً في مرحلة البلوغ، مثل: الاكتئاب، والقلق، ممّا قد يدفعهم إلى التفكير ببعض السلوكيات السلبية، مثل: الانتحار وتعاطي المخدرات. مواجهة بعض الصعوبات الاجتماعية: حيث يُعاني الأطفال الذين يتعرّضون للعنف والإساءة من بعض الصعوبات والاضطرابات الاجتماعية التي قد تؤثّر عليهم بشكل سلبي مستقبلاً، خاصةً فيما يتعلّق بقدرتهم على تكوين صداقات وعلاقات اجتماعية إيجابية في وقت لاحق من حياتهم، ومن أهم الاضطرابات الاجتماعية التي يواجهها الأطفال المعنَّفون التعلّق الزائد بأشخاص مُعيّنين خلال مرحلة الطفولة وفي الغالب يكونوا من الأشخاص المقرّبين، واكتساب سلوكيات عدوانية وعنيفة خلال مرحلة البلوغ.