إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

النائب والوزير السابق مبروك كورشيد لـ"الصباح": نجني اليوم نتيجة تخريب منظم للدولة منذ سنة 2011 ..ودستور 2014 سمح بتفكيك البلاد وتحويل السلطة إلى شكل فلكلوري

  لم يكن الخوض في مسائل شخصية وسياسية وتنظيمية حزبية وبرلمانية راهنة مع السياسي والبرلماني مبروك كورشيد، أمرا هينا خاصة أن المحَاوَر هو طرف فاعل فيها وكان حاضرا في "كواليس" المشهد السياسي وأحد محركي دواليبه. وقد كشف في حديثه لـ"الصباح" عن المبادرة 20 زايد 20 الجديدة وعلاقتها بمبادرة الاتحاد التي يرى انه تم الالتفاف عليها كما تطرق إلى جانب من هذه الخفايا منها أسباب سقوط حكومة الجملي وفشل الحكومات وأسباب القطيعة مع يوسف الشاهد، موقفه من "التناصف الغبي" واعتبر راشد الغنوشي جزءا من المشكل وحمل النهضة مسؤولية التخريب الممنهج للبلاد. كما تطرق إلى جملة من القضايا والمسائل الأخرى نتابع تفاصيلها في الحوار التالي: *لننطلق من الراهن، كيف تقيم الوضع في تونس اليوم؟ الوضع اليوم هو نتيجة تخريب منظم تم منذ سنة 2011 وكان مظهره الأكثر كثافة وشدة هو دستور 2014 الذي سمح بتفكيك الدولة وتحويل السلطة إلى شكل فلكلوري لا نجاعة فيه وذلك بأن تولى تقسيم وتوزيع الاختصاصات بينها بشكل غامض خاصة بين رئاستي الجمهورية والحكومة وصلاحيات البرلمان مما أدى إلى حالة دائمة من التنازع على الاختصاص بين مكونات السلطة التي يجب أن تكون موحدة. لأن السلطة هي نجاعة وهذا مبدأ دستوري دولي صرحت به كل المحاكم الدستورية الدولية. فلا سلطة دون نجاعة وتونس سلطتها اليوم غير ناجعة بفعل الدستور الذي صاغته حركة النهضة بشكل يحميها ويضر بالبلاد. وكرست من خلاله وأيضا من خلال القانون ديكتاتورية الأقلية على حساب الأغلبية. فهي اليوم تحكم تونس من خلال البرلمان بعدد لا يتجاوز الخمسين نائبا. * قلت إن الدستور صيغ بطريقة تحمي النهضة وتضر بالبلاد كيف؟ أرادت النهضة أن تؤبد الأزمة وتفكك الدولة لأنها تعرف أنها تمثل الأقلية في المجتمع، وكل دولة قوية ستعمل على تطبيق القانون عليها وستمنع نشاطها الذي كثيرا ما يكون خارج دائرة القانون وستمنع سيطرتها على المجتمع، وتمكّنها من الدولة، وهي الغايات التي تسعى لها حركة النهضة وكل التنظيمات الإخوانية في تونس وخارجها. وما نشاهده اليوم هو نتيجة ذلك التخريب المتواصل للحكم منذ عشر سنوات. * ما هو الهدف من هذا التخريب في تقديرك؟ حركة النهضة حكمت بعد سنوات من التهجير والسجون وهي تخزّن في ذاكرتها كرها شديدا للدولة ورغبة في القصاص منها. وهو ما جعلها عندما صاغت قوانين البلاد تفكر في عدم تمكين الدولة من الرجوع إلى قوتها الاعتيادية وأدخلت في المقابل على تنظيم الدولة أفكار التقسيم وتوزيع السلطة لأن مصلحتها في بقاء الدولة ضعيفة وعدم تمكينها من الرجوع إلى قوتها حتى لا تتغول عليها من جديد، حسب اعتقادي. لأن حركة النهضة ذات مرجعية إخوانية تؤمن بفكرة الجماعة التي أسسها تنظيم الإخوان المسلمين خاصة السيد قطب الذي يجعل من مصلحة التنظيم والإخوان فوق مصلح المجتمع والدولة ويسعى إلى التخلص من قيود الحكم ويؤمن بالكونية الإسلامية ويرفض حدود الدولة. هذه الفكرة التي تهدف إلى إنهاء الدولة مغروسة في أذهان قياديي حركة النهضة ويعبرون عنها كلما شعروا بالنصر على غرار ما قاله حمادي الجبالي عند صعوده للحكم "الخلافة السادسة" وما قاله عبدالفتاح مورو "عن الحاجة إلى أبناء هذا الجيل لتكوينهم على عقيدة مغايرة"، وما ذكره راشد الغنوشي عن تحالفه مع الراحل الباجي قائد السبسي "كمنا له ولاكمناه عن قرب إلى أن أسقطناه". فغاياتهم هي المحافظة على التنظيم ولو كان على حساب الدولة وقيم المجتمع وقوانينه. *لمن تحمل المسؤولية في ما آلت إليه الأوضاع؟ الغنوشي يتحمل المسؤولية الأولى في كل الأزمات السياسية والمشاكل القائمة في هذا المجال.لأنه بقي يدير خيوط اللعبة السياسية في السنوات العشر الأخيرة ويتحمل القسط الأكبر فيها، وعلى التونسيين أن يعرفوا أن ما قام به بعض السياسيين كان مبنيا على المصالح الخاصة والتنظيمية ولم يكن مبنيا على المصلحة الوطنية بأي وجه من الوجوه من ذلك لقاء باريس بين الراحل الباجي قائد السبسي والغنوشي الذي أدى إلى خدعة كبرى اسمها خدعة التوافق. *هل تعني أن الباجي والندائيين كانوا مخدوعين بهذا التوافق؟ لم أكن ندائيا ولكن أعترف أن زيف هذا التوافق المغشوش ظهر للعيان عندما كشرت النهضة عن أنيابها واستطاعت أن تعزل الرئيس السبسي وتستولي على الحكم سنة 2019 وما أشرت له من تصريح زعيمها الغنوشي آنفا من كونه "لاكم الباجي وانتصر عليه في النهاية دليل قاطع على ذلك. * ما هو موقفك من المساعي والدعوات لعزل رئيس الجمهورية قيس سعيد في الأزمة القائمة مع رئاسة الحكومة؟ قيس سعيد يعيش جدلية صعبة، فهو رئيس للجمهورية بتمثيلية شعبية واسعة وبصلاحيات تكاد تكون معدومة وهو يريد أن يمارس سياسة ومنصب رئاسة الجمهورية معتمدا على التفويض الشعبي وليس على الدستور. ويعتقد أن الحل في أن يكون الدستور مطابقا لإرادة الشعب وليس العكس ووجب مراجعة الدستور في هذا الاتجاه. وأنا أؤمن برئيس يحترم دستورا قويا ويقلل من قيم السلطة ويضعفها. ومجتمعنا يريد أن يرى رئيسا فاعلا ناجعا كجل رؤساء العالم يحكم ويقيل وينجز ويحاسب على منجزاته، رئيس يطبق القانون ويحاسبه الشعب بعد كل مدة نيابية على ما فعله في عهدته ولو نجح الرئيس قيس سعيد في تحقيق ذلك لكنت أول المساندين له. فيجب بشكل عاجل مراجعة تنظيم الدولة في تونس والخوض في عزله مسألة لا تليق بأي سياسي. * سبق أن صرحت بأن تونس تحتاج إلى "سيسي" تونسي، وقد قوبل ذلك بردود فعل رافضة خوفا على المكسب الديمقراطي فما هو تفسيرك لذلك؟ أولا دعوتي إلى أن يكون رئيس الجمهورية قادرا على الحكم ناجعا يحقق مكاسب بلاده وشعبه ومعرفتي وإلمامي بثقافتنا جعلتني أنوه بما قام به الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لفائدة بلاده. لأنه حقق على الأرض مكتسبات لشعبه لم يحققها نظام مبارك طيلة 30 سنة من الحكم. ويكفي أن نعرف أن نسبة النمو المصري لهذه السنة بلغ 3% بينما نسبة النمو في تونس (إلا)- 9 % ويكفي أن نشاهد ترتيب الجيش المصري في العالم حيث أصبح في المرتبة 11 عالميا إضافة إلى غزو منتوجات بلده الفلاحية لأسواق العالم ومنها تونس التي أصبحت تستورد البصل والطماطم والفلفل من مصر. ثم ان قناة ثانية في السويس قد أنجزت في عهده لحسن تدفق الملاحة البحرية الدولية. ولهذا تمنيت وأتمنى وسأعمل على أن يكون لتونس رئيس قوي يحقق لهذا الشعب ما عجزت عديد الأنظمة على تحقيقه ولكن الديمقراطية خيار الشعب التونسي لا رجعة فيه وأن يكون الرئيس قويا نافعا مطبقا للقانون لا يسمح بالفوضى والتسيب ويحترم السيادة الوطنية لشعبه ويمنع من هب ودب من الدخول إلى بلاده وتمويل الأحزاب والإعلام فيها وبث الفتنة بين أبناء الشعب الواحد. فذلك في عرفي لا يسمى ديكتاتورية وإذا كان ذلك يسمى في عرف الخونة والمتآمرين ديكتاتورية فمرحبا بها. * هل نفهم من كلامك أنك تفكر في الترشح لهذا المنصب؟ أعترف أن مبروك كورشيد لن يتوقف عن ممارسة السياسة إلى غاية تسليم الأمانة لبارئها وكل ما دعت الحاجة إلى أن أصدح برأيي ويكون صوتي عاليا سأكون حاضرا. والغاية هي تحقيق المصلحة الوطنية وليس اتباع الرغبات الذاتية. والمهمة المطروحة الآن هي إنقاذ تونس من التشتت والضياع والبلطجة واستعمال الدولة وإضعافها. * لنعد للحديث عن المبادرة الجديدة، باعتبارك أحد مهندسيها، هل قُدّت بشكل كفيل بضمان نجاعتها وفاعليتها خاصة أن الاتحاد العام التونسي للشغل سبق أن قدم مبادرة في الغرض ولم تر النور بعد؟ أعتقد أنه لا حل اليوم إلا بحوار وطني وجدي لا توجد فيه "محرمات". لاحظت أن الحوار الذي دعا له الاتحاد العام التونسي للشغل أراد الجميع الالتفاف عليه، رئيس الجمهورية عندما وضع له شروطا في غير طريقها وحركة النهضة وزعيمها أرادوه أن يكون فقط اقتصاديا واجتماعيا وكذلك بعض الأحزاب الأخرى. والأصل أن يكون الحوار شاملا وسياسيا بالأساس ويهدف إلى تغيير الدستور بالتوافق غير المغشوش نحو نظام رئاسي وقانون انتخابي يساهم في جانبه المالي في توفير موارد للمالية العمومية. * هل تعتقد أنه آن الأوان لتخرج هذه المبادرة من دائرة التكتم إلى النور بتفاصيلها وأهدافها؟ أنا ومجموعة من الأصدقاء من داخل البرلمان وآخرين من المشهد السياسي نسعى إلى إحياء فكرة الحوار. وذلك بمطالبة الرباعي الراعي للحوار الوطني في 2013 والمحرز على جائزة نوبل للسلام، أن يفرض بما له من رمزية وقوة وواقعية لأنه حوار شامل يهدف إلى تعديل الدستور نحو نظام رئاسي ديمقراطي ونحو قانون انتخابي يستطيع تمثيل الشعب التونسي بصفة جدية. ونحو تحضير خيار اقتصادي واجتماعي واضح في المرحل القادمة، يصاغ على أساسه ميثاق وطني جديد كالذي صاغه بن علي سنة 1988، يحدد ملامح المرحلة القادمة ويتم عرض مشاريع قوانين دستورية وانتخابية على البرلمان في هذه الصائفة، وتشكل على أساس الميثاق الوطني حكومة تنفيذ أعمال إلى غاية إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في 2022 تفصل عن الانتخابات الرئاسية في محاولة لإنقاذ البلاد. لأن عكس الحوار هو مزيد تجييش الشارع ومزيدا من العنف و"لبننة" تونس و"صوملتها" ولا يكون مستبعدا من ذلك إلا أعداء البلاد وعباد "الكراسي". * هل فكرتم في ضمانات نجاح هذه المبادرة وتفعيلها على أرض الواقع خاصة أن رئاسة الجمهورية ستكون طرفا رئيسيا فيها؟ أعتقد أنه رغم حالة التشتت والضياع والتهريج فإن الأمل قائم في إنجاح هكذا مبادرة ولهذا ستكون لنا اتصالات مع نواب وسياسيين لتقديم مبادرة 20 زايد 20 أي عشرون نائبا زايد عشرون سياسيا من خارج البرلمان يتضمن خارطة طريق لحل الأزمة وإنجاح هذه المبادرة وأرجو أن يتفاعل معها رئيس الجمهورية بجدية لما لوجوده ضمنها من رمزية ووحدة للدولة وألا يكون موقفه مثل موقف الرئيس الأسبق منصف المرزوقي الذي رفض المشاركة في مبادرة الحوار الوطني 2013. * ما هو مآل حكومة مشيشي في ظل هذا التمشي الذي تعتبره ضروريا؟ هذه الحكومة في تقديري تواصل أو تذهب بعد إجراء هذا الحوار والاتفاق على خارطة طريق للخروج من الأزمة والحكومة الجديدة. وقد سبق أن نصحت مشيشي عند تشكيله لحكومته في صائفة 2020 إن يتولى الدعوة لإجراء هذا الحوار ولكنه لم يفعل. لأنه كل حكومة لا تهيأ لها أرضية حكم في تونس لن تستطيع إنجاز أقل الوعود. وهو ما يقع لحكومة مشيشي اليوم التي تعد حكومة المراوحة في مكان واحد وحكومة الألقاب دون أفعال ولكن تغييرها الآن وتعويضها بغيرها لن يكون مجديا إذا لم يكن مصحوبا باتفاق للتنفيذ وهدنة سياسية واجتماعية بسنتين على الأقل. * لنعد للحديث عن "حركة الراية الوطنية" التي تأتي بعد محطات "حزبية" في حركة الشعب ثم تحيا تونس؟ أنا ديناميكي ولا ارغب في البقاء في حزب لا يجمع على قاعدة كبرى. لذا أعتبر الراية الوطنية حركة قوة وتجميع وقد استطاعت في فترة قياسية، رغم أنها ليست حزبا مشكلا، أن تفرض اسمها في الأوساط السياسية وغايتها إعلاء راية الوطن ووحدته على قاعدة التنوع. فهي تضم نقابيين وقوميين ويساريين وتجمعيين ومستقلين، وتكرس فكرة الوحدة الوطنية وترابط الأجيال من أجل مصلحة واحدة وبعيدة عن فكرة عن التفكك والشعبوية ويؤطر كوادرها الشبابية والنسوية في فرض إرادة سياسية حقيقية ضمن الانتخابات القادمة. وهي الانتخابات التي نعول عليها وعلى عودة الوعي للتونسيين حتى لا يساقوا من جديد وراء الدعايات الفارغة والترهات الكاذبة، وتشارك الراية الوطنية في كل الانتخابات على هذه القاعدة وطبقا لبرنامجها بهدف تطبيق السلطة وفرض سيادة القانون وإبعاد كل المتآمرين على مراكز القرار وخضوعهم لمحاكمة عادلة. والحركة حاليا تضم قيادات وشخصيات وطنية وازنة ويدها مفتوحة لجميع المؤمنين بالتنوع ضمن الوحدة حتى ينخرطوا في هذه الحركة سواء كانوا في أحزاب أو أفراد. * لو نعد للحديث عن الأسباب الحقيقية لسقوط حكومة الجملي التي كنت قريبا منها؟ في الحقيقة هذه الحكومة تشكلت من حزب لم يحظ بأغلبية مريحة وهي حركة النهضة وكذلك لأن رئيسها وضع خياراته لوزراء لم يكونوا محل استحسان الجميع. وكنت ساهمت في نقاش عميق انتهى إلى اتفاق على عدم القبول بهذه الحكومة والحقيقة فإن نبيل القروي وعلى أساس هذا الاتفاق وضع يده في يد "تحيا تونس" و"حركة الشعب" والتيار الديمقراطي" من أجل إسقاط حكومة الجملي وتكوين حكومة جديدة من طرف من أسقط هذه الحكومة. ولم يستجب لكل المغريات من النهضة ولكن وبمجرد سقوط حكومة الجملي انقلب عليه الجميع وكان التقاؤه وتحالفه المعلن بعد ذلك مع النهضة هو كنتيجة لفشل التواصل بين مكونات القوى الوطنية التي تمثل أغلبية عاجزة لمطامعها ورغبتها الضيقة. * لنعد لعلاقتك بيوسف الشاهد باعتبارك كنت طرفا في حكومته ثم تخلى عنك بعد أن تخلى عن السبسي فما هي حقيقة القطيعة؟ كان لي أمل أن يواصل يوسف الشاهد عمله الحكومي بعيدا عن حركة النهضة حتى تتجنب تونس شرور ما حصل وتجنبها أيضا مطامع النهضة التي لا تنتهي. لكن الشاهد وبنهاية 2018 دخل في تنسيق عميق ومعلن مع النهضة اضر بالبلاد وهو ما أطلق عليه الراحل الباجي قائد السبسي وقتها "حكومة الشاهد النهضة". * ولكنك كنت من بين مؤسسي حركة تحيا تونس قبل أشهر من موعد انتخابات 2019؟ أعترف أني سعيت بعد ذلك ولكن بعد فوات الأوان إلى تشكيل حزبي يراعي المصلحة الوطنية ويكون بعيدا عن كل تحالف مع الإسلام السياسي صلب تحيا تونس التي أقدر كثيرا العديد من عناصرها وقواعدها ولكن التجربة حكم عليها بالنهاية سريعا للتباين الواضح بيننا في وجهات النظر والخلاف السياسي كان حول المواضيع وطريقة التعاطي مع الإسلام السياسي وحركة النهضة بالأساس. * ما هي خفايا "الحرب" أو الاتهامات المتبادلة مع سهام بن سدرين الرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة؟ صحيح أني شخصيا لم أكن أتمنى أن يكون على رأس هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين لأني كنت أرى في هذا المنصب رجلا أو امرأة لا ترقى اليها الشبهات ولكن حركة النهضة خيرت بن سدرين على خميس الشماري. وقد نصحت أحد أصدقائي بنفس الهيئة بان يستقيل منها لكن وعندما دخلت وزارة أملاك الدولة المعنية بهذه الملفات تجردت من أفكاري وآرائي الذاتية وتعاملت مع هيئتها بمهنية طبقا للقانون وقد خضت معها نقاشات طويلة من أجل احترام القانون وتفعيله غير أنها لم تكن تحترم القانون وتضرب به عرض الحائط. وقد اضطررنا في كثير من المرات إلى مقاضاة هيئتها في المحكمة وأبطلنا قرارات أخرى لها بأحكام قضائية الأمر الذي جعلها تخاصمنا وتناصبنا العداء. وبالمحصلة لم نصل إلى صلح يجنب تونس الانقسام. فاهم عمل موكول لها توحيد التونسيين فشلت فيه، بل إنها فشلت حتى في إبقاء هيئتها موحدة. وما كنت أقوله من سنوات قالته هيئة المحاسبات في تقرير رسمي. وما تضمنه تقرير هيئة الحقيقة والكرامة يعد فضيحة دولة باعتبار أنها اعترفت لخصوم الدولة التونسية بحقوق عليها ومازالت هذه الحقوق محالة على القضاء الدولي كقضية عبدالمجيد بودن في قضية البنك الفرنسي التونسي وطلبت من الدولة التونسية توفير 300 مليار ضمانا لخلاصها وهي ارتكبت خيانة عظمى في حق الدولة التونسية بهذا التقرير. فضلا عن ذلك فقد أصدرت قرارات فردية في التعويض بما قيمته 300 مليون دينار من خزينة الدولة وهي قرارات باطلة. فلا يستحق التعويض إلا من حكم له القضاء بذلك، ولو كنت بقيت وزيرا لأملاك الدولة لأبطلته وقاضيتها من أجله ولكنها اغتنمت فرصة خروجي لإصدار هذه القرارات التي قدرت بقيمة مالية كبرى. كما أن محاكمة الناس بالدوائر العدلية مثلما فعلت بن سدرين مع البعض لم يكن نزيها وبني على التشفي والحقد الذاتي على رموز وشخصيات النظام القديم والحقيقة أن هذا الحقد تبينه التونسيون في تصرفاتها الظاهرة غير المخفية وما كنت لأسمح لها أو لغيرها التصرف بعنجهية ضد الدولة وهو ما أدى إلى كل هذا الخلاف والتشويه الذي مارسته وتمارسه بن سدرين وزبانيتها حول شخصي. وتأكيد أن دعايتها كاذبة فقد تحديتها كثيرا من المرات أن تأتي بملف واحد يخص وزارة أملاك الدولة لما كنت على رأسها يثبت أني تسلمت أموالا من الفاسدين. بل أني أؤكد أن طالبي الصلح من الفاسدين جلهم إن لم يكن كلهم لا يرغبون ولا يعترفون بحقوق الدولة وكانت غايتهم الإفلات. ولكن واجهتهم في ذلك، في المقابل وجدوا أبواب بن سدرين مفتوحة أمامهم على مصراعيها. لأنها كانت تكره رموز النظام السابق من موظفين وسياسيين نزهاء وتحب حبا جما رجال أعماله الفاسدين. *بم تفسر ما يروج حولك من قضايا وشبهات فساد؟ شخصيا لم ترفع ضدي أي قضايا بل أنا من رفعت عدة قضايا ضد صفحات التشويه والكذب التي تعودت عليها سنوات طوال ويعود ذلك إلى أني عملت على حقل سياسي مدنس يعتمد الإشاعة وتكرارها والكذب مستغلين وجودي بالجنوب التونسي الذي يعتبرونه خزانا انتخابيا لهم لمزيد إشعال نار الإشاعات في هشيم من أكاذيبهم ولكني صاحب عزيمة لا تلين في مقارعتهم ودحر مخططاتهم. وكلما زادت أكاذيبهم زاد إصراري على السير في الطريق الذي أسلكه. فمرة يتهمونني بأنني قبضت أموالا من ليبيا عندما فضحتهم في تسليم البغدادي المحمودي وغيرها من الاتهامات الأخرى عندما رفضت صفقات التسوية في ملفات التعويض أو فيما يتعلق بالبنك التونسي الفرنسي. ومشكلة البعض معي أني محام ناجح. *تجمع عديد الآراء على دور مجلس النواب في ترذيل "السياسي" ومجانبة دوره الحقيقي فما هو موقفك من ذلك؟ المجلس الحالي هو ثمرة طبيعية لخطيئة نظام سياسي يحكم تونس. فلو كان الانتخاب على مرحلتين بدوائر فردية ضيقة لكان الأفضل في البرلمان ولكن "البواقي" و"جمع الكرات الضائعة" سمح لمن هب ودب أن يكون صلبه. وما نشاهده من ضحالة منذ سنوات هو نتيجة نظام الانتخاب. فالقوائم التي يضعها رؤساء الأحزاب لا تراعي إلا مصلحته والتناصف الغبي الذي يأخذ من المرأة شكلها ليس إلا، قادنا إلى برلمان ترتفع فيه الحناجر ولا يسمع قول رشيد. *هل تشاطر الدعوات المطالبة بحل البرلمان؟ نعم أنا مع حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة في 2022 لكن بعد تنقيح النظام الانتخابي والقانون الأساسي. وأي طلب لحل البرلمان يجب أن يكون مسبوقا بتغيير القوانين، وإلا ما الغاية من إعادة إنتاج مستنقع جديد بوجوه جديدة. فقد أضيف إلى الأزمة الهيكلية صلب مجلس النواب أزمات أخرى، فوجود الغنوشي على رأسه جعل كل الطرق المؤدية إلى عمله متباعدة. *هل تعني أنك مع سحب الثقة من الغنوشي؟ في الحقيقة الغنوشي لا يحظى بأي شعبية، وهو شخصية لها ارتباطات عديدة في كل مكان وفي محاور إقليمية ودولية جعل الجميع يطلب ويجد في ذلك من الداخل والخارج. وشخصيا كنت عارضت ترشحه لرئاسة البرلمان ولم أتورع مرة في إمضاء لائحة سحب الثقة منه. أنا مع بسط لائحة سحب الثقة على منه من جديد على الجلسة العامة في اقرب وقت وليتحمل كل واحد مسؤوليته. لأن عدم وجوده على رأس البرلمان أفضل من وجوده بغض النظر عن الاختلاف بيننا لأني على طرفي نقيض مع الإسلام السياسي ولا يعني ذبك استعداء دين الإسلام. *ولكن البعض يعتبرك قريبا من النهضة؟ هذا سؤال فيه إهانة لشخصي، لأني أكثر من حارب الإسلام السياسي خلال السنوات العشر الأخيرة. *رغم التقارب في فترة ما مع عبير موسي عاد العداء، هل في ذلك اصطفاف إلى جانب خصوم الدستوري الحر أم ماذا؟ عبير موسي هي صديقة نفسها فقط وعدوة الجميع وشخصيا كنت دائما أرغب في مساعدتها على "المواضيع" الجدية التي تجمعنا ولكنها كثيرا ما تسارع إلى عض كل يد تمد لها. فالسنة الفارطة لولا وجودي وبعض الأصدقاء وضغطنا على الكتل التي ننتمي لها لما صدر بيان مساندة لها ولتم عرض لائحة تركيا على الجلسة العامة ولولا جهودنا أيضا لما عرضت لائحة سحب الثقة من الغنوشي على الجلسة العامة. ولكنني كلما ساعدناها في مواضيع جدية طالنا منها ومن أنصارها السب والترذيل. وقد دعوتها دائما إلى الكف عن التشويه لأن حبل الكذب قصير والحقيقة ظاهرة ولو بعد حين. والرياح تجري دائما في نفس الاتجاه وموقفنا من الإسلام السياسي ومن الغنوشي والنهضة أسبق من موقف عبير وأعمق وأبعد نظر. وهي نجحت فقط في "شيطنة" السياسي و"تلفزة الواقع". *بما تفسر العنف الذي أصبح حاضرا بقوة في برامج أشغال البرلمان؟ العنف بدأ منذ السنة الماضية في البرلمان ومنه انتقل إلى الشارع وهذه السنة قد يكون من غير المستبعد أن يأخذ شكلا أكثر مأساوية والتهديدات حقيقة ومعلوماتي الأمنية تؤكد ذلك. فالعنف قادم إلى تونس في ظل موجة الشعبوية العالمية التي يقودها ائتلاف الكرامة وعبير موسي والنهضة من أجل مزيد من الاستقطاب الثنائي تغيب فيه الرؤية والحكمة. ولذلك دعوت إلى الحوار حتى نستطيع أن نجنب بلادنا العنف القادم من الشعبوية المقيتة.

حاورته: نزيهة الغضباني

 
  لم يكن الخوض في مسائل شخصية وسياسية وتنظيمية حزبية وبرلمانية راهنة مع السياسي والبرلماني مبروك كورشيد، أمرا هينا خاصة أن المحَاوَر هو طرف فاعل فيها وكان حاضرا في "كواليس" المشهد السياسي وأحد محركي دواليبه. وقد كشف في حديثه لـ"الصباح" عن المبادرة 20 زايد 20 الجديدة وعلاقتها بمبادرة الاتحاد التي يرى انه تم الالتفاف عليها كما تطرق إلى جانب من هذه الخفايا منها أسباب سقوط حكومة الجملي وفشل الحكومات وأسباب القطيعة مع يوسف الشاهد، موقفه من "التناصف الغبي" واعتبر راشد الغنوشي جزءا من المشكل وحمل النهضة مسؤولية التخريب الممنهج للبلاد. كما تطرق إلى جملة من القضايا والمسائل الأخرى نتابع تفاصيلها في الحوار التالي: *لننطلق من الراهن، كيف تقيم الوضع في تونس اليوم؟ الوضع اليوم هو نتيجة تخريب منظم تم منذ سنة 2011 وكان مظهره الأكثر كثافة وشدة هو دستور 2014 الذي سمح بتفكيك الدولة وتحويل السلطة إلى شكل فلكلوري لا نجاعة فيه وذلك بأن تولى تقسيم وتوزيع الاختصاصات بينها بشكل غامض خاصة بين رئاستي الجمهورية والحكومة وصلاحيات البرلمان مما أدى إلى حالة دائمة من التنازع على الاختصاص بين مكونات السلطة التي يجب أن تكون موحدة. لأن السلطة هي نجاعة وهذا مبدأ دستوري دولي صرحت به كل المحاكم الدستورية الدولية. فلا سلطة دون نجاعة وتونس سلطتها اليوم غير ناجعة بفعل الدستور الذي صاغته حركة النهضة بشكل يحميها ويضر بالبلاد. وكرست من خلاله وأيضا من خلال القانون ديكتاتورية الأقلية على حساب الأغلبية. فهي اليوم تحكم تونس من خلال البرلمان بعدد لا يتجاوز الخمسين نائبا. * قلت إن الدستور صيغ بطريقة تحمي النهضة وتضر بالبلاد كيف؟ أرادت النهضة أن تؤبد الأزمة وتفكك الدولة لأنها تعرف أنها تمثل الأقلية في المجتمع، وكل دولة قوية ستعمل على تطبيق القانون عليها وستمنع نشاطها الذي كثيرا ما يكون خارج دائرة القانون وستمنع سيطرتها على المجتمع، وتمكّنها من الدولة، وهي الغايات التي تسعى لها حركة النهضة وكل التنظيمات الإخوانية في تونس وخارجها. وما نشاهده اليوم هو نتيجة ذلك التخريب المتواصل للحكم منذ عشر سنوات. * ما هو الهدف من هذا التخريب في تقديرك؟ حركة النهضة حكمت بعد سنوات من التهجير والسجون وهي تخزّن في ذاكرتها كرها شديدا للدولة ورغبة في القصاص منها. وهو ما جعلها عندما صاغت قوانين البلاد تفكر في عدم تمكين الدولة من الرجوع إلى قوتها الاعتيادية وأدخلت في المقابل على تنظيم الدولة أفكار التقسيم وتوزيع السلطة لأن مصلحتها في بقاء الدولة ضعيفة وعدم تمكينها من الرجوع إلى قوتها حتى لا تتغول عليها من جديد، حسب اعتقادي. لأن حركة النهضة ذات مرجعية إخوانية تؤمن بفكرة الجماعة التي أسسها تنظيم الإخوان المسلمين خاصة السيد قطب الذي يجعل من مصلحة التنظيم والإخوان فوق مصلح المجتمع والدولة ويسعى إلى التخلص من قيود الحكم ويؤمن بالكونية الإسلامية ويرفض حدود الدولة. هذه الفكرة التي تهدف إلى إنهاء الدولة مغروسة في أذهان قياديي حركة النهضة ويعبرون عنها كلما شعروا بالنصر على غرار ما قاله حمادي الجبالي عند صعوده للحكم "الخلافة السادسة" وما قاله عبدالفتاح مورو "عن الحاجة إلى أبناء هذا الجيل لتكوينهم على عقيدة مغايرة"، وما ذكره راشد الغنوشي عن تحالفه مع الراحل الباجي قائد السبسي "كمنا له ولاكمناه عن قرب إلى أن أسقطناه". فغاياتهم هي المحافظة على التنظيم ولو كان على حساب الدولة وقيم المجتمع وقوانينه. *لمن تحمل المسؤولية في ما آلت إليه الأوضاع؟ الغنوشي يتحمل المسؤولية الأولى في كل الأزمات السياسية والمشاكل القائمة في هذا المجال.لأنه بقي يدير خيوط اللعبة السياسية في السنوات العشر الأخيرة ويتحمل القسط الأكبر فيها، وعلى التونسيين أن يعرفوا أن ما قام به بعض السياسيين كان مبنيا على المصالح الخاصة والتنظيمية ولم يكن مبنيا على المصلحة الوطنية بأي وجه من الوجوه من ذلك لقاء باريس بين الراحل الباجي قائد السبسي والغنوشي الذي أدى إلى خدعة كبرى اسمها خدعة التوافق. *هل تعني أن الباجي والندائيين كانوا مخدوعين بهذا التوافق؟ لم أكن ندائيا ولكن أعترف أن زيف هذا التوافق المغشوش ظهر للعيان عندما كشرت النهضة عن أنيابها واستطاعت أن تعزل الرئيس السبسي وتستولي على الحكم سنة 2019 وما أشرت له من تصريح زعيمها الغنوشي آنفا من كونه "لاكم الباجي وانتصر عليه في النهاية دليل قاطع على ذلك. * ما هو موقفك من المساعي والدعوات لعزل رئيس الجمهورية قيس سعيد في الأزمة القائمة مع رئاسة الحكومة؟ قيس سعيد يعيش جدلية صعبة، فهو رئيس للجمهورية بتمثيلية شعبية واسعة وبصلاحيات تكاد تكون معدومة وهو يريد أن يمارس سياسة ومنصب رئاسة الجمهورية معتمدا على التفويض الشعبي وليس على الدستور. ويعتقد أن الحل في أن يكون الدستور مطابقا لإرادة الشعب وليس العكس ووجب مراجعة الدستور في هذا الاتجاه. وأنا أؤمن برئيس يحترم دستورا قويا ويقلل من قيم السلطة ويضعفها. ومجتمعنا يريد أن يرى رئيسا فاعلا ناجعا كجل رؤساء العالم يحكم ويقيل وينجز ويحاسب على منجزاته، رئيس يطبق القانون ويحاسبه الشعب بعد كل مدة نيابية على ما فعله في عهدته ولو نجح الرئيس قيس سعيد في تحقيق ذلك لكنت أول المساندين له. فيجب بشكل عاجل مراجعة تنظيم الدولة في تونس والخوض في عزله مسألة لا تليق بأي سياسي. * سبق أن صرحت بأن تونس تحتاج إلى "سيسي" تونسي، وقد قوبل ذلك بردود فعل رافضة خوفا على المكسب الديمقراطي فما هو تفسيرك لذلك؟ أولا دعوتي إلى أن يكون رئيس الجمهورية قادرا على الحكم ناجعا يحقق مكاسب بلاده وشعبه ومعرفتي وإلمامي بثقافتنا جعلتني أنوه بما قام به الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لفائدة بلاده. لأنه حقق على الأرض مكتسبات لشعبه لم يحققها نظام مبارك طيلة 30 سنة من الحكم. ويكفي أن نعرف أن نسبة النمو المصري لهذه السنة بلغ 3% بينما نسبة النمو في تونس (إلا)- 9 % ويكفي أن نشاهد ترتيب الجيش المصري في العالم حيث أصبح في المرتبة 11 عالميا إضافة إلى غزو منتوجات بلده الفلاحية لأسواق العالم ومنها تونس التي أصبحت تستورد البصل والطماطم والفلفل من مصر. ثم ان قناة ثانية في السويس قد أنجزت في عهده لحسن تدفق الملاحة البحرية الدولية. ولهذا تمنيت وأتمنى وسأعمل على أن يكون لتونس رئيس قوي يحقق لهذا الشعب ما عجزت عديد الأنظمة على تحقيقه ولكن الديمقراطية خيار الشعب التونسي لا رجعة فيه وأن يكون الرئيس قويا نافعا مطبقا للقانون لا يسمح بالفوضى والتسيب ويحترم السيادة الوطنية لشعبه ويمنع من هب ودب من الدخول إلى بلاده وتمويل الأحزاب والإعلام فيها وبث الفتنة بين أبناء الشعب الواحد. فذلك في عرفي لا يسمى ديكتاتورية وإذا كان ذلك يسمى في عرف الخونة والمتآمرين ديكتاتورية فمرحبا بها. * هل نفهم من كلامك أنك تفكر في الترشح لهذا المنصب؟ أعترف أن مبروك كورشيد لن يتوقف عن ممارسة السياسة إلى غاية تسليم الأمانة لبارئها وكل ما دعت الحاجة إلى أن أصدح برأيي ويكون صوتي عاليا سأكون حاضرا. والغاية هي تحقيق المصلحة الوطنية وليس اتباع الرغبات الذاتية. والمهمة المطروحة الآن هي إنقاذ تونس من التشتت والضياع والبلطجة واستعمال الدولة وإضعافها. * لنعد للحديث عن المبادرة الجديدة، باعتبارك أحد مهندسيها، هل قُدّت بشكل كفيل بضمان نجاعتها وفاعليتها خاصة أن الاتحاد العام التونسي للشغل سبق أن قدم مبادرة في الغرض ولم تر النور بعد؟ أعتقد أنه لا حل اليوم إلا بحوار وطني وجدي لا توجد فيه "محرمات". لاحظت أن الحوار الذي دعا له الاتحاد العام التونسي للشغل أراد الجميع الالتفاف عليه، رئيس الجمهورية عندما وضع له شروطا في غير طريقها وحركة النهضة وزعيمها أرادوه أن يكون فقط اقتصاديا واجتماعيا وكذلك بعض الأحزاب الأخرى. والأصل أن يكون الحوار شاملا وسياسيا بالأساس ويهدف إلى تغيير الدستور بالتوافق غير المغشوش نحو نظام رئاسي وقانون انتخابي يساهم في جانبه المالي في توفير موارد للمالية العمومية. * هل تعتقد أنه آن الأوان لتخرج هذه المبادرة من دائرة التكتم إلى النور بتفاصيلها وأهدافها؟ أنا ومجموعة من الأصدقاء من داخل البرلمان وآخرين من المشهد السياسي نسعى إلى إحياء فكرة الحوار. وذلك بمطالبة الرباعي الراعي للحوار الوطني في 2013 والمحرز على جائزة نوبل للسلام، أن يفرض بما له من رمزية وقوة وواقعية لأنه حوار شامل يهدف إلى تعديل الدستور نحو نظام رئاسي ديمقراطي ونحو قانون انتخابي يستطيع تمثيل الشعب التونسي بصفة جدية. ونحو تحضير خيار اقتصادي واجتماعي واضح في المرحل القادمة، يصاغ على أساسه ميثاق وطني جديد كالذي صاغه بن علي سنة 1988، يحدد ملامح المرحلة القادمة ويتم عرض مشاريع قوانين دستورية وانتخابية على البرلمان في هذه الصائفة، وتشكل على أساس الميثاق الوطني حكومة تنفيذ أعمال إلى غاية إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في 2022 تفصل عن الانتخابات الرئاسية في محاولة لإنقاذ البلاد. لأن عكس الحوار هو مزيد تجييش الشارع ومزيدا من العنف و"لبننة" تونس و"صوملتها" ولا يكون مستبعدا من ذلك إلا أعداء البلاد وعباد "الكراسي". * هل فكرتم في ضمانات نجاح هذه المبادرة وتفعيلها على أرض الواقع خاصة أن رئاسة الجمهورية ستكون طرفا رئيسيا فيها؟ أعتقد أنه رغم حالة التشتت والضياع والتهريج فإن الأمل قائم في إنجاح هكذا مبادرة ولهذا ستكون لنا اتصالات مع نواب وسياسيين لتقديم مبادرة 20 زايد 20 أي عشرون نائبا زايد عشرون سياسيا من خارج البرلمان يتضمن خارطة طريق لحل الأزمة وإنجاح هذه المبادرة وأرجو أن يتفاعل معها رئيس الجمهورية بجدية لما لوجوده ضمنها من رمزية ووحدة للدولة وألا يكون موقفه مثل موقف الرئيس الأسبق منصف المرزوقي الذي رفض المشاركة في مبادرة الحوار الوطني 2013. * ما هو مآل حكومة مشيشي في ظل هذا التمشي الذي تعتبره ضروريا؟ هذه الحكومة في تقديري تواصل أو تذهب بعد إجراء هذا الحوار والاتفاق على خارطة طريق للخروج من الأزمة والحكومة الجديدة. وقد سبق أن نصحت مشيشي عند تشكيله لحكومته في صائفة 2020 إن يتولى الدعوة لإجراء هذا الحوار ولكنه لم يفعل. لأنه كل حكومة لا تهيأ لها أرضية حكم في تونس لن تستطيع إنجاز أقل الوعود. وهو ما يقع لحكومة مشيشي اليوم التي تعد حكومة المراوحة في مكان واحد وحكومة الألقاب دون أفعال ولكن تغييرها الآن وتعويضها بغيرها لن يكون مجديا إذا لم يكن مصحوبا باتفاق للتنفيذ وهدنة سياسية واجتماعية بسنتين على الأقل. * لنعد للحديث عن "حركة الراية الوطنية" التي تأتي بعد محطات "حزبية" في حركة الشعب ثم تحيا تونس؟ أنا ديناميكي ولا ارغب في البقاء في حزب لا يجمع على قاعدة كبرى. لذا أعتبر الراية الوطنية حركة قوة وتجميع وقد استطاعت في فترة قياسية، رغم أنها ليست حزبا مشكلا، أن تفرض اسمها في الأوساط السياسية وغايتها إعلاء راية الوطن ووحدته على قاعدة التنوع. فهي تضم نقابيين وقوميين ويساريين وتجمعيين ومستقلين، وتكرس فكرة الوحدة الوطنية وترابط الأجيال من أجل مصلحة واحدة وبعيدة عن فكرة عن التفكك والشعبوية ويؤطر كوادرها الشبابية والنسوية في فرض إرادة سياسية حقيقية ضمن الانتخابات القادمة. وهي الانتخابات التي نعول عليها وعلى عودة الوعي للتونسيين حتى لا يساقوا من جديد وراء الدعايات الفارغة والترهات الكاذبة، وتشارك الراية الوطنية في كل الانتخابات على هذه القاعدة وطبقا لبرنامجها بهدف تطبيق السلطة وفرض سيادة القانون وإبعاد كل المتآمرين على مراكز القرار وخضوعهم لمحاكمة عادلة. والحركة حاليا تضم قيادات وشخصيات وطنية وازنة ويدها مفتوحة لجميع المؤمنين بالتنوع ضمن الوحدة حتى ينخرطوا في هذه الحركة سواء كانوا في أحزاب أو أفراد. * لو نعد للحديث عن الأسباب الحقيقية لسقوط حكومة الجملي التي كنت قريبا منها؟ في الحقيقة هذه الحكومة تشكلت من حزب لم يحظ بأغلبية مريحة وهي حركة النهضة وكذلك لأن رئيسها وضع خياراته لوزراء لم يكونوا محل استحسان الجميع. وكنت ساهمت في نقاش عميق انتهى إلى اتفاق على عدم القبول بهذه الحكومة والحقيقة فإن نبيل القروي وعلى أساس هذا الاتفاق وضع يده في يد "تحيا تونس" و"حركة الشعب" والتيار الديمقراطي" من أجل إسقاط حكومة الجملي وتكوين حكومة جديدة من طرف من أسقط هذه الحكومة. ولم يستجب لكل المغريات من النهضة ولكن وبمجرد سقوط حكومة الجملي انقلب عليه الجميع وكان التقاؤه وتحالفه المعلن بعد ذلك مع النهضة هو كنتيجة لفشل التواصل بين مكونات القوى الوطنية التي تمثل أغلبية عاجزة لمطامعها ورغبتها الضيقة. * لنعد لعلاقتك بيوسف الشاهد باعتبارك كنت طرفا في حكومته ثم تخلى عنك بعد أن تخلى عن السبسي فما هي حقيقة القطيعة؟ كان لي أمل أن يواصل يوسف الشاهد عمله الحكومي بعيدا عن حركة النهضة حتى تتجنب تونس شرور ما حصل وتجنبها أيضا مطامع النهضة التي لا تنتهي. لكن الشاهد وبنهاية 2018 دخل في تنسيق عميق ومعلن مع النهضة اضر بالبلاد وهو ما أطلق عليه الراحل الباجي قائد السبسي وقتها "حكومة الشاهد النهضة". * ولكنك كنت من بين مؤسسي حركة تحيا تونس قبل أشهر من موعد انتخابات 2019؟ أعترف أني سعيت بعد ذلك ولكن بعد فوات الأوان إلى تشكيل حزبي يراعي المصلحة الوطنية ويكون بعيدا عن كل تحالف مع الإسلام السياسي صلب تحيا تونس التي أقدر كثيرا العديد من عناصرها وقواعدها ولكن التجربة حكم عليها بالنهاية سريعا للتباين الواضح بيننا في وجهات النظر والخلاف السياسي كان حول المواضيع وطريقة التعاطي مع الإسلام السياسي وحركة النهضة بالأساس. * ما هي خفايا "الحرب" أو الاتهامات المتبادلة مع سهام بن سدرين الرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة؟ صحيح أني شخصيا لم أكن أتمنى أن يكون على رأس هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين لأني كنت أرى في هذا المنصب رجلا أو امرأة لا ترقى اليها الشبهات ولكن حركة النهضة خيرت بن سدرين على خميس الشماري. وقد نصحت أحد أصدقائي بنفس الهيئة بان يستقيل منها لكن وعندما دخلت وزارة أملاك الدولة المعنية بهذه الملفات تجردت من أفكاري وآرائي الذاتية وتعاملت مع هيئتها بمهنية طبقا للقانون وقد خضت معها نقاشات طويلة من أجل احترام القانون وتفعيله غير أنها لم تكن تحترم القانون وتضرب به عرض الحائط. وقد اضطررنا في كثير من المرات إلى مقاضاة هيئتها في المحكمة وأبطلنا قرارات أخرى لها بأحكام قضائية الأمر الذي جعلها تخاصمنا وتناصبنا العداء. وبالمحصلة لم نصل إلى صلح يجنب تونس الانقسام. فاهم عمل موكول لها توحيد التونسيين فشلت فيه، بل إنها فشلت حتى في إبقاء هيئتها موحدة. وما كنت أقوله من سنوات قالته هيئة المحاسبات في تقرير رسمي. وما تضمنه تقرير هيئة الحقيقة والكرامة يعد فضيحة دولة باعتبار أنها اعترفت لخصوم الدولة التونسية بحقوق عليها ومازالت هذه الحقوق محالة على القضاء الدولي كقضية عبدالمجيد بودن في قضية البنك الفرنسي التونسي وطلبت من الدولة التونسية توفير 300 مليار ضمانا لخلاصها وهي ارتكبت خيانة عظمى في حق الدولة التونسية بهذا التقرير. فضلا عن ذلك فقد أصدرت قرارات فردية في التعويض بما قيمته 300 مليون دينار من خزينة الدولة وهي قرارات باطلة. فلا يستحق التعويض إلا من حكم له القضاء بذلك، ولو كنت بقيت وزيرا لأملاك الدولة لأبطلته وقاضيتها من أجله ولكنها اغتنمت فرصة خروجي لإصدار هذه القرارات التي قدرت بقيمة مالية كبرى. كما أن محاكمة الناس بالدوائر العدلية مثلما فعلت بن سدرين مع البعض لم يكن نزيها وبني على التشفي والحقد الذاتي على رموز وشخصيات النظام القديم والحقيقة أن هذا الحقد تبينه التونسيون في تصرفاتها الظاهرة غير المخفية وما كنت لأسمح لها أو لغيرها التصرف بعنجهية ضد الدولة وهو ما أدى إلى كل هذا الخلاف والتشويه الذي مارسته وتمارسه بن سدرين وزبانيتها حول شخصي. وتأكيد أن دعايتها كاذبة فقد تحديتها كثيرا من المرات أن تأتي بملف واحد يخص وزارة أملاك الدولة لما كنت على رأسها يثبت أني تسلمت أموالا من الفاسدين. بل أني أؤكد أن طالبي الصلح من الفاسدين جلهم إن لم يكن كلهم لا يرغبون ولا يعترفون بحقوق الدولة وكانت غايتهم الإفلات. ولكن واجهتهم في ذلك، في المقابل وجدوا أبواب بن سدرين مفتوحة أمامهم على مصراعيها. لأنها كانت تكره رموز النظام السابق من موظفين وسياسيين نزهاء وتحب حبا جما رجال أعماله الفاسدين. *بم تفسر ما يروج حولك من قضايا وشبهات فساد؟ شخصيا لم ترفع ضدي أي قضايا بل أنا من رفعت عدة قضايا ضد صفحات التشويه والكذب التي تعودت عليها سنوات طوال ويعود ذلك إلى أني عملت على حقل سياسي مدنس يعتمد الإشاعة وتكرارها والكذب مستغلين وجودي بالجنوب التونسي الذي يعتبرونه خزانا انتخابيا لهم لمزيد إشعال نار الإشاعات في هشيم من أكاذيبهم ولكني صاحب عزيمة لا تلين في مقارعتهم ودحر مخططاتهم. وكلما زادت أكاذيبهم زاد إصراري على السير في الطريق الذي أسلكه. فمرة يتهمونني بأنني قبضت أموالا من ليبيا عندما فضحتهم في تسليم البغدادي المحمودي وغيرها من الاتهامات الأخرى عندما رفضت صفقات التسوية في ملفات التعويض أو فيما يتعلق بالبنك التونسي الفرنسي. ومشكلة البعض معي أني محام ناجح. *تجمع عديد الآراء على دور مجلس النواب في ترذيل "السياسي" ومجانبة دوره الحقيقي فما هو موقفك من ذلك؟ المجلس الحالي هو ثمرة طبيعية لخطيئة نظام سياسي يحكم تونس. فلو كان الانتخاب على مرحلتين بدوائر فردية ضيقة لكان الأفضل في البرلمان ولكن "البواقي" و"جمع الكرات الضائعة" سمح لمن هب ودب أن يكون صلبه. وما نشاهده من ضحالة منذ سنوات هو نتيجة نظام الانتخاب. فالقوائم التي يضعها رؤساء الأحزاب لا تراعي إلا مصلحته والتناصف الغبي الذي يأخذ من المرأة شكلها ليس إلا، قادنا إلى برلمان ترتفع فيه الحناجر ولا يسمع قول رشيد. *هل تشاطر الدعوات المطالبة بحل البرلمان؟ نعم أنا مع حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة في 2022 لكن بعد تنقيح النظام الانتخابي والقانون الأساسي. وأي طلب لحل البرلمان يجب أن يكون مسبوقا بتغيير القوانين، وإلا ما الغاية من إعادة إنتاج مستنقع جديد بوجوه جديدة. فقد أضيف إلى الأزمة الهيكلية صلب مجلس النواب أزمات أخرى، فوجود الغنوشي على رأسه جعل كل الطرق المؤدية إلى عمله متباعدة. *هل تعني أنك مع سحب الثقة من الغنوشي؟ في الحقيقة الغنوشي لا يحظى بأي شعبية، وهو شخصية لها ارتباطات عديدة في كل مكان وفي محاور إقليمية ودولية جعل الجميع يطلب ويجد في ذلك من الداخل والخارج. وشخصيا كنت عارضت ترشحه لرئاسة البرلمان ولم أتورع مرة في إمضاء لائحة سحب الثقة منه. أنا مع بسط لائحة سحب الثقة على منه من جديد على الجلسة العامة في اقرب وقت وليتحمل كل واحد مسؤوليته. لأن عدم وجوده على رأس البرلمان أفضل من وجوده بغض النظر عن الاختلاف بيننا لأني على طرفي نقيض مع الإسلام السياسي ولا يعني ذبك استعداء دين الإسلام. *ولكن البعض يعتبرك قريبا من النهضة؟ هذا سؤال فيه إهانة لشخصي، لأني أكثر من حارب الإسلام السياسي خلال السنوات العشر الأخيرة. *رغم التقارب في فترة ما مع عبير موسي عاد العداء، هل في ذلك اصطفاف إلى جانب خصوم الدستوري الحر أم ماذا؟ عبير موسي هي صديقة نفسها فقط وعدوة الجميع وشخصيا كنت دائما أرغب في مساعدتها على "المواضيع" الجدية التي تجمعنا ولكنها كثيرا ما تسارع إلى عض كل يد تمد لها. فالسنة الفارطة لولا وجودي وبعض الأصدقاء وضغطنا على الكتل التي ننتمي لها لما صدر بيان مساندة لها ولتم عرض لائحة تركيا على الجلسة العامة ولولا جهودنا أيضا لما عرضت لائحة سحب الثقة من الغنوشي على الجلسة العامة. ولكنني كلما ساعدناها في مواضيع جدية طالنا منها ومن أنصارها السب والترذيل. وقد دعوتها دائما إلى الكف عن التشويه لأن حبل الكذب قصير والحقيقة ظاهرة ولو بعد حين. والرياح تجري دائما في نفس الاتجاه وموقفنا من الإسلام السياسي ومن الغنوشي والنهضة أسبق من موقف عبير وأعمق وأبعد نظر. وهي نجحت فقط في "شيطنة" السياسي و"تلفزة الواقع". *بما تفسر العنف الذي أصبح حاضرا بقوة في برامج أشغال البرلمان؟ العنف بدأ منذ السنة الماضية في البرلمان ومنه انتقل إلى الشارع وهذه السنة قد يكون من غير المستبعد أن يأخذ شكلا أكثر مأساوية والتهديدات حقيقة ومعلوماتي الأمنية تؤكد ذلك. فالعنف قادم إلى تونس في ظل موجة الشعبوية العالمية التي يقودها ائتلاف الكرامة وعبير موسي والنهضة من أجل مزيد من الاستقطاب الثنائي تغيب فيه الرؤية والحكمة. ولذلك دعوت إلى الحوار حتى نستطيع أن نجنب بلادنا العنف القادم من الشعبوية المقيتة.

حاورته: نزيهة الغضباني

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews