جهات
"علموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل"
عمر بن الخطاب (ض)
هذا الأثر هو أول ما يراه الداخل إلى المسبح البلدي بالقيروان في إطار بخط جميل على الجدار.
لكن منذ زهاء الخمس سنوات فإن هذه المخطوطة تحيط بها معدات الترميم وبقايا البناء في مشهد محزن لواجهة منشأة خرجت منها أجيال عديدة من السباحين والسباحات لكنها اليوم مغلقة أمام شباب المنطقة.
المسبح البلدي الحبيب العلويني بالقيروان يعود تشييده إلى سنة 1986 وهو المتنفس الوحيد لأبناء ولاية القيروان لممارسة الرياضات المائية خاصة في فصل الصيف المعروف بحرارته الشديدة في هذه المنطقة.
لكنه لا يزال مغلقا أمام رواده بحجة الترميم والإصلاحات التي طالت أكثر من اللازم وأدت إلى تجميد جمعيات السباحة في الولاية واضطرار الرياضيين لإجراء تدريباتهم في ولايات مجاورة.
المجتمع المدني يندد ويطلب حلا عاجلا
الناشط بالمجتمع المدني سمير فيالة أكد أن الجمعيات والقوى المدنية في الولاية قامت بكل ما تستطيع فعله لدفع البلدية للتحرك وحلحلة الوضعية لكن وقفاتهم الاحتجاجية و مطالبهم قوبلت بالتسويف والحجج الواهية التي تتغير كلما أثاروا الموضوع.
وأضاف أن المجتمع المدني لا يسعه إلا الضغط على السلط المحلية ولا يمكنه فعل ما هو أكثر والمسؤولية الآن هي على عاتق البلدية والمقاول الذي انتدبته ليقوموا بالإجراءات اللازمة لوضع حد لهذه المهزلة حسب تعبيره.
وفي نفس السياق تحدثنا مع أستاذ التربية البدنية والناشط في المجتمع المدني بالجهة محمد ماهر بوحولة والذي أبدى أسفه لتواصل غلق المسبح إلى اليوم.
ووضح أنه رغم الضغط الذي قامت بيه الفعاليات المدنية بالقيروان والجلسات مع سلطة الإشراف فإن عمق المشكل يتجاوز قدرة الجمعيات على الإنجاز فيجب توفر إرادة سياسية تريد التغيير اولا.
ويرى محدثنا أن الحل الفعلي لهذه المشكلة لا يكون إلا بإعادة النظر في المشروع من أساسه ولما لا ببناء مسبح أولمبي جديد.
ومن الجدير بالذكر أن هذا هو ثاني إغلاق للمسبح البلدي بسبب الأشغال في تاريخه.
فبعد تعطله لسنتين بسبب مشروع تهيئته بالطاقة الشمسية فقد كان من المقرر أن تنطلق الأشغال الأخيرة في جانفي 2020 بتكلفة قدرت ب 1.7 مليون دينار لتدوم 365 يوما حسب الأجل التعاقدي مع المقاول والذي سيتعهد بتهيئة شاملة للمسبح والأسقف وتبليطه من جديد و صيانة أجهزة تصفية المياه وصيانة حجرات الملابس.
لكن المشروع لا يزال متوقفا إلى اليوم وتكلفة إنجازه في تزايد مطرد بسبب هذا التأخير.
البلدية تؤكد تمسكها بالمشروع
ومن جانبه صرح الكاتب العام لبلدية القيروان محمد القلعي أن البلدية قامت مؤخرا بفسخ عقد المقاول المكلف بتهيئة المسبح لأنه أخل باتفاقه مع سلطة الإشراف،وبعد انتهاء لجنة المعاينات الفنية من عملها،من المنتظر أن تنشر البلدية بداية من شهر ماي القادم طلب عروض جديد يستجيب لمتطلبات المشروع ويراعي الميزانية المرصودة له.
ونفى كل ما يروج عن كون الاعتمادات اللازمة صرفت في غير محلها وأكد أنها لا تزال لدى وزارة الشباب والرياضة في انتظار صرفها فيما اعتمدت له.
كذلك توقع السيد الكاتب العام إنتهاء أشغال التهيئة وعودة المسبح للعمل في أفريل 2024 أي بعد سنة من الآن.
ومن المهم الإشارة أن الدولة تحدد مدى نجاعة وحسن إدارة البلديات لمشاريعها بنظام "تقييم أداء البلديات" وهو الذي يحدد نسبة المساعدة السنوية غير الموظفة المسندة للبلدية بكل شفافية ووضوح.
ويجب على كل بلدية احترام خمس شروط دنيا أولا ثم يتم تقييم أداء بقية الأداء حسب مقاييس باستعمال نظام إسناد أعداد يغطي ثلاثة محاور: تحسين الخدمات المسداة والمشاركة والشفافية وتحسين الموارد.
ويجب على البلدية الحصول على عدد يساوي أو يفوق ال50% في تقييم الأداء المنجز من قبل هيئة الرقابة العامة للمصالح العمومية للانتفاع بجزء من المساعدة السنوية غير الموظفة.
وبالرجوع إلى آخر تقييم لسنة 2021 نجد أن أغلب البلديات على عدد يفوق الستين؛ وتحصلت بلدية القيروان المدينة على تقييم يساوي 59 نقطة من مجموع 100.
مما يجعل بلدية القيروان بلدية درجة ثانية في تقييم الأداء (من خمس درجات بأفضلية تصاعدية) ويحرمها من 40% من المساعدة السنوية الغير موظفة.
أسرة المسبح البلدي: أجيال من السباحين خسرناها بسبب الإغلاق
توجهنا بعد ذلك للمدير السابق للمسبح البلدي المدرب معز نقرة ليوضح لنا وجهة نظر أسرة المسبح حول الموضوع.
فبين لنا أن إغلاق المسبح،الذي كان حاضنة مجتمعية للتلاميذ والشباب وكل الرياضيين،أثر سلبا على كل المجتمع المحلي.
والرياضيون الذين كان المسبح يحتضنهم ويوفر لهم مكانا لتفريغ طاقتهم في نشاطات مفيدة أغلبهم ابتعد عن الرياضة أو اضطر لتغيير مساره الدراسي.
ولا يجدون الآن مكانا لقضاء أوقات فراغهم إلا الشارع بما فيه من مخاطر وانزلاقات نحو الإنحراف حسب تعبيره.
وشدد أن المسؤولية تقع أساسا على عاتق سلطة الإشراف والبلدية وغياب إرادة حقيقية لتطوير ولاية القيروان.
وقال أن الحل الحقيقي لمعضلة المنشآت الرياضية في ولاية القيروان والتي تعاني كلها من عديد المشاكل والاختلالات يتمثل في نزع الإشراف على هذه الأخيرة من سلطة البلديات وإسناده إلى هيئة مستقلة محدثة باسم "ديوان المنشآت الرياضية" حسب رأيه.
وأضاف أن ولاية القيروان لديها العديد من جمعيات السباحة الحائزة على عديد الألقاب الوطنية والدولية ومن الظلم أن تظل مجمدة كل هذه السنوات وتخسر رصيدها من الرياضيين.
وأيضا أن ولاية بعراقة ولاية القيروان تستحق واقعا رياضيا أفضل ولما لا مسبحا أولمبيا على الطراز الدولي.
وفي تصريح حول نفس الموضوع عبر الرياضي آدم آغة عن أسفه من إغلاق المسبح البلدي مما اضطره لعدم ممارسة رياضته المفضلة وتغيير مساره في التعليم الثانوي الرياضي إلى رياضة أخرى كي لا يخسر تعليمه رغم شغفه برياضة السباحة ورغبته في التخصص فيها.
وحتى تتحقق الإرادة السياسية والبلدية على أرض الواقع،يظل المسبح البلدي خاويا على عروشه مترقبا رجوع أبناء ولاية القيروان إليه يوم فتحه للعموم من جديد و هو تاريخ ينتظره الجميع فعساه يكون قريبا.
بقلم : وسيم جملي