من المفارقات الحاصلة في الساعات القليلة الماضية و بالتزامن مع تسرب خبر زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى الامارات وهي الاولى من نوعها منذ عشر سنوات ال بلد عربي، ان يأتي الاعلان عن فتح المعبر الحدودي "جوج بغال" بين المغرب والجزائر، بعد إغلاق طويل امتد طوال 27 سنة بما اثار الخبر للوهلة الاولى مشاعر مختلطة بين الاندهاش والارتياح والامل في أن يكون ذلك فاتحة نحو الانفراج في الازمة بين الجارين اللدودين المغرب والجزائر قبل أشهر على موعد قمة الخريف القادمة المرتقبة في الجزائر وتوجه ربما نحو تحطيم الجمود الحاصل في اداء الحكومات والانظمة العربية في خضم تحولات اقليمية ودولية غامضة تحسبا لما سيكون عليه مخاض النظام العالمي الجديد على أن هذه المشاعر سرعان ما ستغيب وتتراجع مع قراءة الخبر كاملا وتجاوز العنوان الذي تناقلته وكالات الانباء لنعود الى الى ارض الواقع الذي سيؤكد لنا اهمية عدم التعجل والتريث في قراءة الاحداث ذلك ان بوابة الحدود الجزائرية المغربية جسر الحياة بين الشعبين الجارين المغلق منذ اكثر من ربع قرن فتحت لساعات استثنائيا للسماح بتسليم 40 معتقلا مغربيا، كان السلطات الجزائرية قد اعتقلتهم بسبب الإقامة غير القانونية....
ماذا بعد محطة الامارات ؟
وبالعودة الى زيارة الرئيس السوري بشار الاسد الى الامارات مساء الجمعة الماضي و هي زيارة فاجأت كل المراقبين حيث احيطت بالسرية و التكتم و لم يتم الاعلان عنها الا في وقت متأخر و الارجح ان الاعلان تم بعد عودة الرئيس السوري الى دمشق ويفهم من ذلك ان احتياطات امنية وراء هذا التكتم .على ان الملاحظ ان الزيارة لم تخل من ردود افعال كثيرة واولها ما صدر عن الادارة الامريكية التي اعربت عن استياءها وخيبة املها من هذه الزيارة وكأن في هذا الموقف ما يدفع للاعتقاد بان واشنطن لم تكن على دراسة مسبقة بهذه الزيارة وانها لم تمنح بالتالي ضوءها الاخضر للمثل هذه الخطوة رغم بعض التسريبات الاعلامية التي اكدت قبل الحرب الروسية في اوكرانيا عن اتصالات بين موسكو واشنطن للدفع نحوالحل في الملف السوري ..
طبعا سيكون من السابق لاوانه الحديث عن أهداف هذه الزيارة وما اذا ستمهد الى زيارات اخرى والى تحول جذري في موقف الدول الخليجية وترفع الفيتو السعودي بشان عودة سوريا الى الجامعة العربية أم ان الامر يتعلق بخطوات اضافية من جانب الامارات التي بدأت التخلص من الترابط الحاصل مع السعودية في الملفات الحارقة في المنطقة لا سيما بعد ان اختارت الامارات المضي قدما نحو التطبيع واستقبال قيادات اسرائيلية وفتحت مراكز دينية لغير المسلمين وسمحت بفتح كنيسة ومعبد لليهود على أرضها وهذا ليس التحول الوحيد في الامارات التي بدأت تتعاطى مع الحرب الدائرة في اليمن برؤية مختلفة مع تفاقم حجم الخسائر و المضاعفات الخطيرة التي رافقت هذه الحرب منذ اعلان التحالف العربي بقيادة السعودية هذه الحرب ..
-زيارة عادية لولا ..
و الاكيد ايضا أنه في الظروف العادية تكون زيارة رئيس بلد عربي الى بلد عربي حدث عادي يتنزل في الاطار الاحداث التي تختزل عادة في ذلك الخطاب الخشبي بانها تاتي لتعزيز روابط الاخوة والصداقة ويمكن عدم التوقف عندها ، ولكن في الظرف الحالي وعندما يتعلق الامر بسوريا والرئيس الاسد الذي وصف الى وقت قريب من عواصم خليجية بمجرم حرب يجب مقاطعته واسقاطه فان كل شيء يتغير ويتحول الخبر الى حدث قابل لكل القراءات والتاويلات في مثل هذا التوقيت مع وجود الامارات في مجلس الامن الدولي كعضوغير دائم ..
-اوكرانيا وروسيا ونفط الخليج والجزائر
زيارة الاسد الى الامارات التي تم التكتم عليها حتى اللحظات الاخيرة تاتي في ظرف اقليمي ودولي غير مسبوق وفي وقت كانت فيه انظار العالم متجهة كليا الى تطورات الحرب في اوكرانيا وما يكن ان تؤول اليه مع دخول الحرب اسبوعها الرابع على التوالي وسط مؤشرات خطيرة بان اسعار النفط الوقود والاسمدة والقمح ستستمر في الارتفاع وان تداعياتها ستكون اكثر خطورة على دول منطقة الشرق الاوسط والشعوب الافريقية دون استثناء، وهي تاتي ايضا مع زيارة معلنة لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الى الخليج في محاولة لدفع السعودية والرياض للرفع في انتاجها من النفط والخطوة ذاتها قام بها وزير الخارجية الايطالي في الجزائر ويبدو ان المحاولات باءت بالفشل والاطراف المعنية رفضت هذا الانخراط في رفع انتاجها من النفط في هذه المرحلة ..
زيارة الاسد الى الامارات صحبة وفد سوري كبير وبعد اكثرمن عشر سنوات على الحرب في سوريا تسجل ايضا بعد انحسار خطر الدواعش في هذا البلد واستعادة الجيش السوري سلطته على جزء مهم من التراب السوري بدعم من روسيا ولكن ايضا من ايران ..وقد توحي الزيارة بان هناك رغبة ايضا في استباق الاحداث والبحث عن موقع في سلم مشاريع اعادة الاعمار في سوريا في المرحلة القادمة و معها ايضا اشارة الى اهمية تخفيف التاثير الايراني على سوريا بعد تراجع المخاطر و فتح المجال امام سوريا للعودة الى الفضاء العربي وهي كلها سيناريوهات محتملة وقائمة ولها مبرراتها في هذه المرحلة. وقد يكون الاسد جازف بمغادرة قصره الرئاسي في هذا المشهد الاقليمي والدولي لانه مقتنع بأن محاولة استهدافه لم تعد مسألة مطروحة وأن المعارضة السورية المشتتة في العواصم الاوروبية والعربية من لندن باريس وايطاليا واسبانيا والدوحة و الرياض وغيرها لم تكن قادرة على توحيد صفوفها وتعزيز موقعها على الارض ولم تكن في حجم الاحداث لشكل البديل في سوريا بعد سلسلة طويلة من المفاوضات الخاوية بدءا من جنيق 1 الى جنيف 6 و منها مفاوضات الرياض والقاهرة وموسكو واستنا والتي فشلت ومنذ مؤتمر اصدقاء سوريا الذي ساهم عن وعي او عن غير وعي في اعادة ضمان عودة النظام السوري والاستفادة من الفشل الذريع في دول الربيع العربي التي سقطت في الدم و الصراعات والحروب من ليبيا الى اليمن ...
اطوار الزيارة تحدثت عنها وسائل اعلام رسمية في الامارات وسوريا وكشفت اللقاءات التي جمعت الاسد بمضيفه الشيخ محمد بن راشد ولي عهد دبي، والشيخ مكتوم بن راشد نائب حاكم دبي الذي أكد أن سوريا "تعدّ ركيزة أساسية من ركائز الأمن العربي، وأن دولة الإمارات حريصة على تعزيز التعاون معها بما يحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق نحو الاستقرار والتنمية".علما وان توجهات الامارات كانت ولا تزال نحو رفض حضور الاسلام السياسي ...وسبق للاسد ان سافر ايضا الى ايران والى روسيا لتكون الامارات اول بلد عربي يستقبله رغم المقاطعة التي اعلنتها جامعة الدول العربية منذ 2012..
الزيارة ايضا تاتي مع التقارب الاماراتي الروسي وزيارة الشيخ عبد الله بن زايد لموسكو، ورفض الامارات طلبا امريكيا بزيادة انتاج النفط...علما و ان سلطنة عمان ظلت البلد الخليجي الوحيد الذي لم يقطع علاقته بسوريا طوال الازمة وسبق لوزير الخارجية يوسف بن علوي زيارة دمشق بعد وفاة سلطان قابوس وتولي هيثم بن سلطان شؤون السلطنة وتعتبر عمان جسر التواصل دمشق طوال الحرب وراعية عودة العلاقات الديبلوماسية مع سوريا .
-عودة الود ...
بعد اندلاع الثورة السورية ضمن موجة الربيع العربي، أغلقت الإمارات سفارتها في دمشق عام 2012 شانها في ذلك شان عديد الدول العربية ، لتعيد افتتاحها بعد ست سنوات، وتحديدا في ديسمبر 2018، وسبق لدولة الإمارات أن رفضت، في أكتوبر 2015، طلبًا سعوديًا للتوقيع على بيان أصدرته سبع دول هي، السعودية وقطر وتركيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، تطالب فيه روسيا بوقف عملياتها العسكرية في سوريا.ولم تعترض الإمارات على التدخل العسكري الروسي الداعم لنظام الأسد في سوريا، منذ عام 2015، على عكس اطراف اخرى لم تنظر بعين الرضا لهذا التدخل وتعتبر انه فتح المجال امام ايران وحزب الله للتغلغل في سوريا ، ومنها السعودية، الحليف الأقرب للإمارات، ولكن ايضا تركيا التي عارضت هذا التدخل العسكري واعتبرته خطيرا على تواجدها في سوريا .
من الواضح أن الإمارات لم تعد متمسكة باسقاط أو تغيير النظام السوري، خلافًا للموقف السابق بعد عسكرة الثورة السورية وتحولها الى حرب استنزاف اهلية انتهت حسب احدث التقارير الى مقتل اكثر من ست مائة الف سوري ...والاكيد ان تبريرات واسباب ومنافع ايضا كثيرة وراء هذا التحول التي تقودها لعبة المصالح واعادة تشكيل التحالفات مع امتداد الحرب الروسية في اوكرانيا وتداعياتها الكبيرة ..
-قبل قمة الخريف
منذ اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، علّقت جامعة الدول العربية عضوية دمشق، كما قطعت دول عربية عدة علاقاتها مع دمشق بينها الإمارات، فيما أبقت أخرى بينها الأردن على اتصالات محدودة بين الطرفين. وشكلت سلطنة عمان استثناء بين الدول الخليجية.كما حافظت الجزائربدورها على علاقاتها مع سوريا سواء في عهد الرئيس بوتفليقة او كذلك في عهد الرئيس الحالي تبون والجزائر التي تحتضن القمة العربية المرتقبة في الخريف القادم بعد تأجيل انعقادها خلال الشهرالحالي على أن تكون قمة الجزائر قمة اعادة وحدة الصف وعودة سوريا الى الجامعة وهي مسالة لا يبدو انها تحظى بالاجماع على الاقل حتى هذه المرحلة ..وربما ستراهن المعارضة السورية المشتتة على هذه الاختلافات لتحاول تاجيل عودة سوريا وربما تحقيق بعض التنازلات على ارض الواقع ..
زيارة الاسد الى الامارات التي تم التكتم عليها حتى اللحظات الاخيرة تاتي في ظرف اقليمي ودولي غير مسبوق وفي وقت تتجه فيه انظار العالم الى تطورات الحرب في اوكرانيا وما يكن ان تؤول اليه في منطقة الشرق الاوسط و هي تاتي ايضا بعد اكثر نمن عشر سنوات على الحرب في سوريا ولكن ايضا بعد انحسار خطر الدواعش واستعادة النظام السوري سلطته على جزء مهم من سوريا فاجأت جل المراقبين ...
اسيا العتروس