إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ضحية الفساد وسوء الحوكمة .. الفسفاط ثروة تونس المهدورة

 

 

 

تونس-الصباح

هل بات الفسفاط اليوم الحلقة الضعيفة في المنظومة الاقتصادية التونسية بعد أن كان طيلة عقود احد ابرز مقوماتها والممول الأول لميزانية البلاد حيث كان قاطرة الاقتصاد الوطني طيلة قرابة قرن وربع أي منذ اكتشافه من قبل البيطري الفرنسي فيليب توماس خلال بحوثه الاستكشافية في أفريل من سنة 1885 بين جبل الثالجة ورأس العيون بجهة قفصة والانطلاق في استغلاله سنة 1897 بتأسيس شركة فسفاط قفصة وانعقاد الجلسة العامة الأولى للشركة في 18 مارس 1897 بباريس.

ومنذ ذاك التاريخ انبنى الاقتصاد التونسي والتنمية على هذا المنتوج الذي أثبتت التحاليل المخبرية كونه الأفضل في العالم ليكون الفسفاط الداعم الأول للبلاد من حيث المداخيل من العملة الصعبة وكذلك من حيث تعديل الميزان التجاري..

 

إعداد:سفيان رجب

ومنذ مطلع القرن العشرين، أثار فسفاط قفصة اهتمام الباحثين في جميع أنحاء العالم وهو معترف به على المستوى العالمي لجودته وميزاته وخصائصه الزراعية، وينصح به على نطاق واسع كمخصب فسفاطي ناجع في الاستعمال المباشر لزراعات مختلفة.

وقد احتلت صناعة الفسفاط الى حد وقت قريب المرتبة الخامسة على الصعيد العالمي، ويتم تصدير الفسفاط الطبيعي ومشتقاته إلى ما يناهز خمسين دولة عبر العالم في ظل دعم الطلب العالمي للفسفاط التونسي بعد تطوير استعمالات جديدة لهذه المادة خاصة في مجال إنتاج الطاقة الحيوية والاستعمال المباشر للفسفاط الخام كبديل للأسمدة المذابة.

وقد مر القطاع بصعوبات حادة خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي تم تجاوزها وتحسين أداء مؤسستي القطاع بفضل التطهير وإعادة الهيكلة المالية وغلق المناجم الباطنية واعتماد خطة التقاعد المبكر وتوحيد الإدارة العامة والفريق التجاري وأعضاء مجلس الإدارة لكل من شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي التونسي.

إجراءات كان الهدف منها حسن الحوكمة وتحسين المردودية ورفع الإنتاج وهو ما تحقق حيث  تمكن القطاع من تحقيق نتائج قياسية على مستوى الإنتاج والأرباح ليتجاوز حجم الإنتاج السنوي للفسفاط سقف 8,3 مليون طن سنة 2010 مع تسجيل نتائج مالية لشركتي فسفاط قفصة والمجمع الكيمياوي تفوق 2 مليار دينار، علما وأن عدد الأعوان بالمؤسستين المذكورتين لم يكن يتجاوز 11 ألف عون آنذاك.

كما شهد النشاط التجاري للقطاع نقلة نوعية منذ تسعينات القرن الماضي إذ أصبحت تونس أول مصدر لثلاثي الفسفاط الرفيع (TSP) وثاني مصدر للحامض الفسفوري وثالث مصدر لسماد الداب (DAP) وخامس مصدر للفسفاط الخام بفضل مزايا هذا المنتوج للاستعمال المباشر كسماد طبيعي في كل من البرازيل وماليزيا . فأصبح المنتوج التونسي في أسواق زهاء 50 دولة موزعة على كل القارات من بينها أسواق حصرية أو شبه حصرية في كل من ليبيا وكوبا والبرازيل وتركيا وإيران وفرنسا وإيطاليا والصين وأندونيسيا وماليزيا وبنغلادش.

لكن وللأسف ومنذ ثورة 2011، ضرب هذا الكنز الاقتصادي في مقتل ليعيش القطاع أحلك فتراته وتعصف به الفوضى والاضطرابات والاعتصامات وإيقاف الإنتاج وتعطيل النقل لتتحول قوة هذا القطاع إلى ضعف وتنهار أرقامه حيث انخفض إنتاج الفسفاط إلى الثلثين وهو ما افقد الشركات العاملة في القطاع توازناتها المالية وادخلها في دوامة الإفلاس على غرار شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيمياوي، كما أثر سلبا على مؤسسات أخرى مرتبطة بالقطاع الى جانب انهيار أرقام التصدير وموارد الدولة وانخرام الموازنات المالية للبلاد وبعد أن كانت تونس تحتل ريادة الدول المصدرة للفسفاط ومشتقاته أصبحت تورد في هذه المنتوجات على الأقل من اجل تشغيل آلات المجمع الكيمياوي التي يكلف توقف عملها الكثير والكثير.

2010.. السنة المرجع

وبعد النتائج المبهرة والأرقام القياسية لسنة 2010 والتي مكنت حزينة البلاد التونسية من مكاسب ومداخيل سنوية بحوالي 2 مليار دينار بالعملة الصعبة نتيجة ارتفاع إنتاج الفسفاط وارتفاع تصنيع مشتقاته من حامض فسفوري، ثنائي فسفاط الأمونيا، ثلاثي فسفاط الرفيع، الفسفاط العلفي، احتلت تونس المكانة الأولى في مجال تصدير الفسفاط ومشتقاته ليبلغ حجم المرابيح الصافية المنجزة خلال الفترة 2006-2010 من طرف شركتي فسفاط قفصة والمجمع الكيمياوي حوالي 2 مليار دينار بالنسبة للأولى و1350 مليون دينار بالنسبة للثانية.

واقتطعت الدولة خلال الفترة 2006-2009 بعنوان توزيع الأرباح حوالي 975 مليون دينار من شركة فسفاط قفصة و625 مليون دينار من المجمع الكيميائي التونسي، أي مبلغ جملي قدره 1,6 مليار دينار دخل حزينة الدولة وعزز الموارد وحقق توازن الميزانية.

كما بلغت نسبة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الخام باعتبار تكاليف العوامل ما قدره 4 % سنة 2008 ثم تقلصت إلى حدود 1,2 % سنة 2011 .

إخلالات وضعف حوكمة

تلك الأرقام جعلت من الفسفاط كنز تونس الأول وموارده مثلت اوكسيجين الاقتصاد التونسي.. لكن ما حصل بعيد الثورة مباشرة قلب كل الموازين لتنهار الأرقام وتدخل الشركتان في دوامة انعدام الإنتاج وتوقف النقل والتصدير وبالتالي تنعدم الموارد مع زيادة في حجم الإنفاق نتيجة المطلبية التي رافقت الثورة ونتيجة إثقال كاهل الشركتين بانتدابات عشوائية فرضت عليهما فرضا بعد الثورة لأسباب سياسية بالأساس.

ونتيجة للاعتصامات والإضرابات في القطاع تعطل الإنتاج والنشاط لأشهر طويلة ليكون الفسفاط وشركاته ضحية لعديد العوامل الفنية والاجتماعية، أهمها:

  • هشاشة الوضع الاجتماعي بمحيط مواقع الإنتاج وحدَة الضغط على المؤسستين عبر الاعتصامات وتعطيل الإنتاج والنقل الحديدي للفسفاط على امتداد تسع سنوات متتالية.
  • إثقال كاهل القطاع بأعداد هائلة من الانتدابات (مضاعفة عدد الأعوان بكل من شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي التونسي) لتهدئة الأوضاع الاجتماعية، وذلك بسبب إقرار التخلي الفوري عن المناولة في مطلع سنة 2011، وتأخر بعث شركة نقل المواد الفسفاطية.
    • انتداب حوالي 6000 عون زائدين عن الحاجة لدى المجمع الكيميائي التونسي يتلقون أجرا دون مقابل، تحت عنوان شركات البيئة والغراسة.

-انتداب حوالي 7000 عون زائدين عن الحاجة لدى شركة فسفاط قفصة يتلقون أجرا دون مقابل، تحت عنوان شركات البيئة والغراسة.

-إدماج حوالي 1600  عون تابعين لشركة نقل المواد الفسفاطية، في حين أن هذه الشركة أصبحت عاجزة عن القيام بدورها لنقل الفسفاط بسبب اهتراء معداتها التي اقتنتها شركة فسفاط قفصة من المناولين حين تقرر التخلي عن المناولة. وبذلك عادت مناولة النقل بالشاحنات مجددا رغم كلفتها الباهظة ورغم الفساد الذي حام حولها.

  • تسجيل نتائج سلبية متراكمة في حدود 900 مليون دينار لكل من شركتي القطاع وعدم القدرة على إنجاز الاستثمارات المبرمجة.
  • تراجع مفزع لمكانة القطاع في السوق العالمية وخسارة حرفاء كبار أصبحوا يتزودون لدى الدول المنافسة.
  • ارتفاع كلفة نقل الفسفاط إلى وحدات المجمع الكيميائي التونسي بسبب الإفراط في اللجوء إلى مناولة النقل بالشاحنات أمام تراجع النقل الحديدي.
  • تشتت جهود شركتي القطاع جراء إنجاز استثمارات غير ذات أولوية عوض التركيز على توضيب أداة الإنتاج وتحسين الإنتاجية، ومنها:

-إنجاز مشروع المكناسي لاستخراج الفسفاط (600 ألف طن في السنة) في ظل غياب تام للبنى التحتية الضرورية للصيانة ومعالجة وغسل الفسفاط ، وانتداب حوالي 300 عون، في حين تم اللجوء إلى المناولة الكلية في عمليات استخراج ونقل الفسفاط.

-انتداب حوالي 160 إطار لمشروع دراسة مدخرات صراورتان، عوضا عن تحيين الدراسات المنجزة من طرف مكاتب خبرة عالمية.

  • تراجع حضور المنتوج التونسي في الأسواق العالمية، وخسارة أسواق وحرفاء تقليديين.
  • تراجع التنسيق بين مؤسستي القطاع جراء فصلهما عن بعضهما على مستوى الفريق التجاري والإدارة العامة مما قلص من نجاعة النشاط التجاري والتصرف في الموارد، وغياب المرونة في أخذ القرار كلما تعلق الأمر بالإشكالات الروتينية التي تتعلق بفوترة الفسفاط للمجمع الكيميائي التونسي وبالكميات المستلمة وجودتها.

التراجع والانهيار

هذا الوضع وهذه الاخلالات، عمقتهما الثورة، فمباشرة بعد ثورة 2011، تراجع القطاع وانهار بسبب تنامي التحركات الاجتماعية والاعتصامات غير المؤطرة، إضافة إلى سعي بعض الأطراف إلى تعطيل الإنتاج في مختلف مساره خدمة لمصالحها الضيقة جدا.. انهيار  قابله عجز الدولة عن إيجاد حل للمشكل لتلجأ هذه الأخيرة ولأول مرة في تاريخ تونس إلى توريد الفسفاط في سابقة وصفت بالخطيرة.

وتواصل الأمر إلى حد اليوم تقريبا حيث تفيد آخر الأرقام الصادرة في بداية سنة 2023 ان شركة فسفاط قفصة حققت خلال السنة المنقضية كمية إنتاج قدرت بـ3,7 مليون طن من الفسفاط التجاري واقتصر الإنتاج على  معتمديتي المتلوي والمظيلة فقط في ظلّ استمرار توقُّف الإنتاج في مناجم معتمديتي الرديف وأم العرائس.

وبذلك حافظت شركة فسفاط قفصة على نفس معدل إنتاج سنة 2021 تقريبا الذي كان في حدود 3,8 مليون طن، إلا أن أرباح الشركة تحسنت نسبيا خاصة مع ارتفاع أسعار مادة الفسفاط في الأسواق العالمية.

ويأمل القائمون على إدارة الشركة خلال السنة الجديدة 2023 استهداف إنتاج  5,6 مليون طن من الفسفاط.

وحسب أرقام الشركة، فإن الهدف المحدد قبل بداية العام لم يتحقق بل ان إنتاج الأشهر التسعة الأولى من سنة 2022 كان أقلّ بنسبة 38 بالمائة ممّا تمت برمجته، وهو إنتاج ما لا يقلّ عن4.5 ملايين طنّ، إلّا أنّ توقّف إنتاج الفسفاط التجاري بكلّ من الرديف وأم العرائس قد حال دون تحقيق الأهداف المضبوطة من قبل الشركة.

ففي الرديف تواصل مجموعات من طالبي الشغل منذ شهر نوفمبر 2020 اعتصامها بأغلب منشآت شركة فسفاط قفصة وخاصة بوحدة الإنتاج، وهو ما يتسبّب إلى الآن في شلل تامّ لعمليّة إنتاج الفسفاط التجاري، وبالتالي في عدم قدرة الشركة على بلوغ أهدافها في استعادة نسق ومستوى إنتاجها لما قبل 2011، إذ أن وحدة الإنتاج بالرديف لم تُنتج منذ حوالي سنتين ولو طُنّا واحدا من الفسفاط التجاري، وهو ما حرم الشركة ممّا لا يقلّ عن مليون طنّ في هذه الفترة.

أما في إقليم أم العرائس، فقد توقّعت شركة فسفاط قفصة إنتاج 500 ألف طن خلال الفترة الممتدّة من جانفي إلى سبتمبر من العام الجاري، إلاّ أن انقطاعات متواترة لنشاط وحدة الإنتاج منذ بداية السنة، ثمّ توقّفها تماما في شهر مارس الماضي بسبب احتجاجات طالبي الشغل، حالت دون أن تُحقّق الشركة توقعاتها، مع انحسار أنتاجها في حدود 33 ألف طنّ فقط.

وتوزّع إنتاج الفسفاط التجاري منذ بداية العام 2022 على أقاليم المظيلة بـ742 ألف طنّ، وكاف الدّور بالمتلوي بـ925 ألف طنّ، وكاف الشفاير بـ1138 ألف طنّ.

من ناحية أخرى، تمكّنت شركة فسفاط قفصة، منذ بداية العام وإلى حدود موفّى سبتمبر المنقضي، من إمداد حرفائها المحلّيين من مُصنّعي الأسمدة الكيميائية، وهم المجمع الكيميائي التونسي والشركة التونسية الهندية لصنع الأسمدة، بمخزون يساوي مليونين و 655 ألف طنّ من الفسفاط التجاري.

وكانت شركة فسفاط قفصة قد توقفت بسبب استمرار الحراك الاحتجاجي بالرديف منذ شهر سبتمبر 2020، عن شحن مخزونها من الفسفاط التجاري المُقدّر بنحو مليون و500 ألف طنّ.

كما تميّزت سنة 2022 بالنسبة لشركة فسفاط قفصة بعودة تدريجية إلى السوق العالمية للفسفاط، من خلال تصدير حوالي 56 ألف طنّ نحو حرفاء بفرنسا وتركيا على وجه الخصوص.

وكانت الشركة قد وضعت خطّة في أواسط العام الجاري لإنعاش صادرات الفسفاط التونسي نحو أسواق آسوية وأخرى أوروبية، وذلك بعد أكثر من عشر سنوات من توقّف الصادرات التونسية من هذه المادّة، وتتضمّن هذه الخطّة في مرحلة أولى ضخّ 300 ألف طنّ من الفسفاط التجاري في الأسواق العالمية حتى موفّى العام الجاري.

ومن المُتوقّع في هذا السياق، ألاّ يتجاوز إنتاج الفسفاط التجاري مع نهاية هذه السنة 3.2 ملايين طنّ، وهو تقريبا نفس معدّل إنتاج العشرية الحالية 2011-2021، التي عرفت تراجعا حادّا وتقهقرا لافتا لقطاع الفسفاط في تونس، بمعدّل إنتاج سنوي لم يتجاوز 3,5 مليون طن مقابل 8.3 ملايين طنّ سنة 2010 وهي التي تعد سنة المرجع والسنة السابقة للثورة.

وبخصوص مبيعات شركة فسفاط قفصة من الفسفاط التجاري لحرفائها من مُصنّعي الأسمدة الكيميائية، فقد بلغت منذ شهر جانفي وإلى أواسط شهر أكتوبر الجاري مليونين و620 ألف طنّ من هذه المادّة تم شحنها عبر القطارات.  أمّا بقيّة الكمّيات والمُقدّرة بمليون و500 ألف طنّ فقد وسقتها شركة فسفاط قفصة نحو معامل صنع الأسمدة الكيميائية، بواسطة الشاحنات باعتبار محدودية إمكانيات شركة السكك الحديدية في تأمين نقل هذه الكمّيات نحو قابس وصفاقس، وخاصة من ناحية نقص عدد العربات المخصّصة لتحميل الفسفاط والتعطيل المتعمد لنقل الفسفاط عبر السكك الحديدية.

مغسلة الرديف المعظلة المتواصلة

يذكر أن نشاط إنتاج الفسفاط التجاري بمغسلة الرديف متوقّف تماما منذ شهر نوفمبر من سنة 2020، وأنّ وسق هذه المادّة انطلاقا من الرديف نحو معامل إنتاج الأسمدة الكيميائية هو أيضا مُعطّل منذ شهر سبتمبر من السنة قبل الماضية، علما وأنّ الرّديف تتوفّر حاليا على مخزون هام من الفسفاط التجاري الجاهز للوسق والذي لا يقلّ حجمه عن مليون و500 ألف طنّ.

توقّف نشاط وحدة إنتاج الفسفاط التجاري بالرديف حرم شركة فسفاط قفصة من تقوية طاقة إنتاجها بما لا يقلّ عن 400 ألف طنّ من الفسفاط التجاري، أي بمعدّل 40 ألف طنّ في اليوم الواحد، في وقت تسعى فيه الشركة إلى استرجاع نسق إنتاج الفسفاط التجاري وتدارك التراجع الحادّ في حجم إنتاجها، جرّاء الاضطرابات الاجتماعية واحتجاجات طالبي الشغل بالجهة.

خسارة الأسواق وتأخر عن المنافسة

ويكتسي تسويق هذا المخزون، أهمّية بالغة من ناحية دعم قدرة الشركة في تلبية حاجيات الحرفاء من هذه المادّة، من جهة، ومن ناحية الإسهام في حلّ الإشكاليات المالية الراهنة التي يواجهها قطاع الفسفاط ومُشتقّاته، من جهة أخرى، باعتبار تنامي الطلب في السوق العالمية على الفسفاط والأسمدة الكيميائية في الوقت الذي يتواصل فيه ارتفاع أسعار الفسفاط ومشتقاته، وسط ترجيح البنك الدولي صعود أسعار الفسفاط الخام إلى 175 دولاراً للطن في العام الحالي و160 دولاراً في العام المقبل، بينما ستصل أسعار الأسمدة إلى 900 دولار و800 دولار للطن على التوالي.

وأمام الارتفاع الديمغرافي في العالم الذي ينتظر أن يبلغ 9 مليار نسمة في 2050 وتقلص مخزون الفسفاط الذي تجمع الدراسات على أنه لا يكفي إلا 90 سنة، فقد بات الفسفاط محل دراسات إستراتيجية معلنة وغير معلنة من القوى الكبرى وبدأت تتحرك بشكل واضح على أرض الواقع.

وتشير بعض الدراسات أن أسعار الفسفاط مرشحة للارتفاع بين 500 إلى 1000% في العقود القادمة.

هذا الوضع العالمي والمؤشرات المطروحة والقراءات المستقبلية لمستقبل الفسفاط استغلته عديد الدول أحسن استغلال لتخطط طرق إنتاجها واستغلالها لمخزونها.. عكس تونس التي عجزت عن التخطيط لحاضرها فما بالك بمستقبلها في القطاع لتفقد بالتالي أسواقها خاصة لفائدة المنافس الأول دولة المغرب التي استغلت الوضع الصعب في تونس كما يجب حيث مثل الفسفاط المغربي بديلا لنظيره التونسي. وقد تمكنت الرباط في السنوات الأخيرة من تطوير صناعاتها الكيميائية وطاقتها الإنتاجية داخل وخارج المغرب مع التركيز على إفريقيا إضافة للعالم وهي اليوم تأوي 70 بالمائة من المخزون الدولي وتحتل المرتبة الأولى في الإنتاج والتصدير. وقد تمكن المغرب من إبرام شراكات في إفريقيا لتأمين حاجياته من الأمونيا وأمضى على شراكة ضخمة في إنتاج الأسمدة الفسفاطية بأثيوبيا وتمكن من نقل الفسفاط بالأنابيب والسكة الحديدية.

وسجل المغرب للعام الثاني عائدات قياسية من صادرات الفسفاط الذي تملك أكبر احتياطي عالمي منه، مستفيدة من ارتفاع الطلب عالميا على الأسمدة.

والمغرب الذي يملك 70 في المائة من احتياطي الفوسفات العالمي، هو أول منتج في إفريقيا والثاني في العالم بعد الصين.

وتمثل حصة المغرب من السوق الدولية لهذا المعدن نحو 31 في المائة. ويتوقع أن يرتفع رقم أعمال المجمع نهاية العام 56 في المائة مقارنة بالعام الماضي، ليصل إلى أكثر من 12 مليار دولار بعدما سجل ارتفاعا نسبته 50 في المائة بين 2020 و2021.

وارتفعت صادرات المغرب من الفسفاط حتى أواخر سبتمبر الى 66.6 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بقيمة تفوق 8 ملايين دولار.
ويراهن المغرب على الاستفادة من احتياطيه الضخم لزيادة إنتاجه من الأسمدة. فقد رفع المجمع طاقته الإنتاجية من 3.4 مليون طن في 2008 إلى 12 مليونا العام الماضي. ويتوقع أن تبلغ 15 مليون طن عند نهاية 2023.

وشهدت صناعة الفسفاط تحولات كبيرة في العالم في السنوات الأخيرة ففي الوقت الذي تراجعت فيه تونس إلى مستويات ضعيفة تمكن المغرب من مضاعفة إنتاجه ثلاث مرات وأبرمت الجزائر عقودا هامة مع الصين لإنتاج 10 مليون طنا وينتظر أن تحتل المرتبة الثالثة عالميا. وقامت أندونيسيا الحريف الإستراتيجي لتونس سابقا على مدى عقود بإبرام اتفاقات والدخول في صناعة الفسفاط مع السينغال في حين أن الصين وإسرائيل قاما باستثمارات هامة في الطوغو.

وقامت شركة كندية باستثمارات هامة في غينيا بيساو وقامت العربية السعودية باستثمارات كبيرة في صناعة الفسفاط في مشروع الجلاميد شرق المملكة وهناك حديث عن مشروع ثان كبير شمال المملكة هذا بالإضافة للقدرات الروسية الهامة مع ضعف التكلفة في البلدان التي تنتج الأمونيا والبوتاس والكبريت مثل روسيا والمملكة العربية السعودية وغيرها.

وتمكنت الأردن من الصعود للمرتبة الثالثة وتأوي موريتانيا مخزونًا هامًا من الفسفاط في انتظار اكتشافات محتملة في ليبيا.

كما انطلقت السعودية بمصانع ضخمة في المنطقة الغربية من اجل تغطية حاجيات آسيا وجانبا من أوروبا بما في ذلك إيطاليا مع حديث عن مشروع جديد ضخم في شمال المملكة وتمكن المغرب من مضاعفة إنتاجه ثلاث مرات والتواجد بقوة في العالم وإفريقيا وتقدم الأردن إلى المرتبة الثالثة في العالم كما ينتظر دخول الجزائر بصناعات ضخمة في المجال .

ونظرًا للمعطيات والتحالفات الجديدة ودخول القوى الكبرى على الخط فإن محاولة تونس الرجوع لما كانت عليه منذ حوالي 12 سنة بات أمرا صعب المنال باعتبار الكلفة وتقادم التجهيزات وعمق المخزون تحت الأرض وهو ما يتطلب إمكانيات ضخمة وارتفاع الكلفة والبحث عن أسواق مفقودة في ظل تحالف الأسواق الكبرى التقليدية لتونس مع منتجين جدد للفسفاط لتفقد تونس مكانتها بعد أن تمكنت ولعقود من احتلال المرتبة الأولى في مادة "ثالث رفيع الفسفاط" والمرتبة الثانية في الحامض الفسفوري والمرتبة الثالثة في ثاني فسفاط الأمونيا والمرتبة الخامسة في الفسفاط الخام...

من منافسة تونسية-مغربية الى منافسة سعودية-مغربية

وبعدما كانت المنافسة بين تونس والمغرب في الفسفاط طيلة عقود وإلى غاية 2010 تحولت المنافسة اليوم بين شركة التعدين العربية السعودية "معادن السعودية" و"المكتب الشريف للفسفاط" ...

فمعادن السعودية تمكنت من الصعود للمركز الثالث عالميا في سنوات قليلة بإنتاج 11 مليون طن من الخام و6 مليون طن من الأسمدة وتتجه للصعود للمركز الثاني عالميا بعد برمجتها إضافة 3 مليون طن من الأسمدة ما يتطلب إنتاج أكثر من 16 مليون طن من الخام. وأصبحت المملكة بالفعل من الدول البارزة على مستوى العالم من حيث إنتاج الأسمدة الفسفاطية وحدها، حيث تقدر احتياطيات الفسفاط الإجمالية بما يتراوح بين 2.3 مليار و7.3 مليار طن تقريباً وتتوفر المملكة على أضخم الاحتياطيات المقدّرة للفسفاط بقيمة 321 مليار دولار. وتمكنت معادن من التواجد في 30 دولة خاصة في آسيا وإفريقيا الشرقية والجنوبية.

وتعمل المملكة السعودية على تنويع صادراتها بعيدًا عن النفط، وفي مقدمة ذلك الأمونيا والفسفاط. وفي هذا الإطار، وقّعت شركة التعدين العربية السعودية  مؤخرا 4 مذكرات تفاهم مع أكبر شركات هندية في قطاع الأسمدة، لزيادة صادرات الأمونيا والفوسفات إلى الهند.

وشاركت معادن في التظاهرات العالمية للأسمدة في إفريقيا الجنوبية وشرعت في تصدير الأسمدة لدولة مالي وشراء شركة ميريديان لتوزيع الأسمدة بجزر الموريس ما يمكنها من السيطرة على أسواق موزمبيق وزامبيا ومالاوي وزمبابوي في حين أن المغرب يركز على شراكته الإستراتيجية مع أثيوبيا، والمنافسة إذا واضحة وشديدة بين الطرفين خاصة وأن إفريقيا باتت سوقا واعدة بتحقيق زيادة الإنتاج الفلاحي بنسبة 18% السنة الماضية وتسجيل معدل قار لاحتياجات الأسمدة في مستوى 5% سنويا.

وفِي بداية سنة 2020 قام المكتب الشريف للفسفاط بإحداث شركة في رومانيا مناصفة مع شركة الظاهرة الإماراتية لتعزيز تواجده في أوروبا الوسطى والشرقية بالاعتماد على شبكة التوزيع التي تتمتع بها الشركة الإماراتية في رومانيا والدول المجاورة.

ويمكن القول أن الواقع على الأرض تبدل في ميدان الفسفاط العالمي ببروز معادن للفسفاط السعودي بكميات ضخمة وطرق عصرية في التصرف ما يجعلها تتجه للمركز الثاني عالميا إلى جانب المكتب الشريف للفسفاط الذي شهد تطورا كبيرا في العشرية الحالية وأن المنافسة التقليدية لم تعد تنفع وبات من الضروري امتلاك مسالك التوزيع والدخول في شراكات مع مجموعات دولية تمتلك شبكة من الوكلاء والحرفاء والمتعاملين التجاريين وذلك بالإضافة لإعطاء أهمية للسوق الإفريقية التي باتت واعدة.

الحلول وإمكانيات الإنقاذ

أقر البرلمان الأوروبي بتاريخ 24 أكتوبر 2017 مواصفات جديدة تخص الكادميوم في الفسفاط بنسبة 40 مغ/كيلو في غضون 6 سنوات و 20 مغ /كيلو في غضون 16 سنة. وقد رحبت بهذا القرار منظمات البيئة الأوروبية في حين شككت المجمعات الفلاحية الأوروبية في واقعية هذه القرارات.

وينص القرار على تشجيع الأسمدة البيولوجية البديلة وتشجيع تكنولوجيا إزالة الكادميوم من الفسفاط وتقييم هذا التوجه في غضون 42 شهرا.

وباعتبار القارة الأوروبية من أكبر المناطق الموردة للفسفاط في العالم من جهة وأن جهات هامة أخرى يمكن أن تنسج على منوال أوروبا فإن هذه القرارات تعتبر هامة جدا لمستقبل الفسفاط والأسمدة الفسفاطية في العالم.

وعلى عكس ما يمكن فهمه للوهلة الأولى فإن التعامل الذكي والفوري مع هذه القرارات يمكن أن يشكل نقطة قوة لتونس لاسترجاع أسواقها اعتمادا على عوامل طبيعية وأهمها جودة المنتوج وعن طريق البحث العلمي باعتبار ضعف قدرتها التنافسية في العوامل الأخرى خاصة الكلفة بعد الأحداث التي شهدها القطاع.

ويمكن اعتبار فسفاط قفصة في وضع أفضل من المنافسة في هذه المادة رجوعا للعوامل الطبيعية فضلا عن أن شركة فسفاط قفصة لا تصدر الفسفاط مباشرة في الوقت الحاضر وإنما يوجه الإنتاج بالكامل للمجمع الكيميائي لتحويله إلى أسمدة .

أما على المدى المتوسط والطويل فإن فسفاط قفصة قادرة على احترام هذه المواصفات إذا ما سارعت بدعم البحث العلمي وتطوير تكنولوجيا التعويم بالإضافة لتكنولوجيا المغاسل لاستخراج الفسفاط.

أما المجمع الكيميائي فإنه ينفرد ببحوثه العلمية في مادة الكادميوم منذ سنين طويلة وتفعيله لهذه البحوث تجعله في وضع مريح مع المنافسة أينما كانت وهذه فرصة لا تقدر بثمن.

إن تواجد هذه المعطيات الطبيعية والعلمية والتعاون مع الإتحاد الأوروبي لدعم هذا التوجه علميا وماديا يوفر لتونس فرصة لتدارك ما خسرته واسترجاع مكانتها من بين القوى الثلاث الأولى في العالم إذا ما تجاوزت مشاكلها الداخلية.

فالأزمة الحادة التي يمر بها قطاع الفسفاط ومشتقاته في تونس طيلة 12 سنة متتالية، أصبحت تهدد ديمومة نشاطه ، مما يحتم  وضع تصور جديد لتجاوز الإشكاليات القائمة وعودة الإنتاج إلى سالف نشاطه واستغلال الفرص المتاحة للتموقع الأفضل في السوق العالمية، حيث تبين أن جميع الحلول التي تم اعتمادها منذ سنة 2011 إلى الآن، وإن حافظت على حد أدنى من النشاط فإنها لم تمكن القطاع من تجاوز الأزمة بل أثقلت كاهله بكلفة باهظة للأجور جراء مضاعفة عدد الأعوان تحت الضغط الاجتماعي ودون الترفيع في الإنتاج الذي لم يبلغ بعد حتى 40 % مما كان عليه خلال سنة 2010.

وأمام التطورات الجديدة المتمثلة في استعادة النقل الحديدي سواء كان ذلك للفسفاط الخام أو الأسمدة الفسفاطية أو للكبريت كمادة أولية ، مما يبعث على التفاؤل خاصة بعد الحسم في إيقاف كل التجاوزات الحاصلة.

لكن مع ضرورة الانتباه بان المقاربة التاريخية التي قامت عليها شركة فسفاط قفصة ونجحت بها سابقا غير مجدية اليوم، ورجوع القطاع لدوره النشيط يتطلب مقاربة جديدة تحافظ على ملكية الثروة الوطنية وتفرض حصة تونس التاريخية في السوق وهذا ممكن ولكنه يتطلب مجهودات كبيرة وفهم للتطورات العالمية في المجال.

مشروع منجم المكناسي استثمار معطل

أقرّ مشروع منجم المكناسي في أفريل 2013، ويضم 4 مقاطع (منقار نصر وعبد الله وقرقيبة وكاف النسور)، وتُقدّر مدخرات الفسفاط في مقطع "منقار نصر" بـ17 مليونا و92 مليون طن من الجبس.

وكان يعمل بهذا المقطع المذكور 163 عاملا من أبناء المنطقة، ويستخرج 600 ألف طن من الفسفاط سنويا، وأنجزت الدراسات المتعلقة بالمقاطع الثلاثة المتبقية وهي جاهزة للعمل والإنتاج ولانتداب مزيد من اليد العاملة بكامل محافظة سيدي بوزيد.

ويمتاز هذا المنجم بجودة منتوجه الرفيع حيث يبلغ طول سمك طبقته 17 مترا وهي من أجود الأنواع وطنيا ومغاربيا.

فسفاط صراورتان المستقبل

هل يمكن اعتبار مستقبل الفسفاط التونسي في ولايات الشمال الغربي؟.. الجواب هو نعم حسب عديد الخبراء الجيولوجيين وحسب ما يتوفر في منطقة صراورتان بولاية الكاف من ثروة فسفاطية  اكدها الأستاذ وليد الوسالتي، مدير قسم الجيولوجيا بكلية العلوم بتونس في إحدى الندوات والذي قال أن فسفاط صراورتان، الذي ما يزال إلى اليوم لم يدخل حيز الاستغلال، يمثل مستقبل قطاع الفسفاط في تونس، مستدلا بنتائج عديد الدراسات العلمية التي تجمع على أهمية المخزون القابل للاستغلال لعشرات السنين، والتي تؤكد النوعية المتميزة للفسفاط الممكن استخراجه.

مشروع النقل الهيدروليكي للفسفاط وتطوير الموانئ

حسب تأكيدات وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم نايلة نويرة القنجيي، فان تونس قدمت لليابانيين مشروع النقل الهيدروليكي للفسفاط ورؤية متكاملة لتطوير فضاء مندمج متكامل (ميناء لوجستيك وصناعة). وقدمت الحكومة للجانب الياباني خلال قمة تيكاد الأخيرة، مشروعا للنقل الهيدروليكي للفسفاط بين الحوض المنجمي وميناء الصخيرة حيث سيمكن هذا المشروع من تقليل استعمال القطار والشاحنات في نقل الفسفاط.

الهدف بلوغ 12 مليون طن من إنتاج الفسفاط في 2025؟

ذكر معهد اوكسفورد أن الحكومية التونسية لديها خطة طموحة تهدف الى تطوير عملية إنتاج الفسفاط. وأشار المعهد الى ان  وزارة الصناعة والطاقة والمناجم أعلنت عبر خطتها نيتها بلوغ مستويات عالية من إنتاج الفسفاط لتتطور من 3.7 مليون طن سنة 2022  إلى 12 مليونا في 2025 .

واعتبر معهد اوكسفورد أن تحقيق هذا الهدف ممكن نظرا إلى ان  احتياطي البلاد من صخور الفسفاط تقدر بنحو 900 مليون طن.

 

رافع نصيب مدير الإنتاج بشركة فسفاط قفصة لـ"الصباح": خطة الإصلاح أعطت أكلها رغم تواصل إشكاليات حوضي الرديف وأم العرائس والنقل الحديدي

 

rafaa_ncib.jpg

 

  • تضاعف الأرباح 10 مرات سنة 2022 لتمر من 47 م.د الى 470 م.د

حول واقع شركة فسفاط قفصة والإشكاليات التي تعوق عملها وافق الإصلاح تحدث لـ"الصباح" رافع نصيب مدير الإنتاج بالشركة الذي ذكر أن الصعوبات والمشاكل العديدة التي تعيق العمل منذ سنوات لم تمنع الشركة من وضع خطط إصلاح أتت أكلها مؤخرا من ذلك ان رقم المعاملات سنة 2020 كان في حدود 460 مليون دينار مع تسجيل نتيجة صافية تمثلت في خسارة بـ 293 مليون دينار ليرتفع رقم المعاملات سنة 2021 إلى 756 مليون دينار مع تسجيل مرابيح بقيمة 47 مليون دينار ويتضاعف هذا الرقم سنة 2022 تقريبا ليصل رقم المعاملات إلى 1370 مليون دينار مع تضاعف الأرباح 10 مرات تقريبا لتصل إلى 470 مليون دينار. كما ارتفع محزون الفسفاط التجاري من 20.5 مليون طن سنة 2020 إلى 4 مليون طن سنة 2022.

هذا التطور الهام في الأرقام لا يحجب تواصل عديد المشاكل والعراقيل حسب رافع نصيب الذي أكد أن الإشكال الأكبر يتمثل في تعطل الإنتاج على مستوى إقليمي الرديف وأم العرائس وهو ما يحرم الشركة بين 1.5 و2 مليون طن إنتاج سنويا بفعل الاعتصامات وطلبات التشغيل دون تدخل من الدولة. هذا التعطيل يقابله تواصل العمل بصفة طبيعية في كل من كاف الدور والمتلوي وأم الخشب والمظيلة بمستويات إنتاج مقبولة جدا رغم صعوبات التزود. أما الإشكال الثاني حسب مدير الإنتاج بالشركة فهو أعمق واكبر ويتمثل في إشكالية النقل من الحوض المنجمي إلى مصانع التحويل بالصخيرة وصفاقس حيث تسبب هذا الإشكال في تراجع الإنتاج بنسبة 70 بالمائة قياسا بسنة 2010 وهو إشكال هيكلي نتيجة تعطيل العمل من قبل نقابات السكك الحديدية وإشكالية الخط 13 الرابط بين قفصة وصفاقس عبر المكناسي.

ويضيف رافع نصيب أن محاولات التعويض بالشاحنات تبقى محدودة حيث لا يمكن نقل أكثر من 1.5 مليون طن من 7 مليون طن بمعنى أن العجز هو في حدود 5.5 مليون طن. وهو ما يعني أن النقل الحديدي منع شركة فسفاط قفصة من تحقيق أرقام جد هامة وهو ما انعكس كذلك على عمل المجمع الكيمياوي والشركة التونسية-الهندية الذين حرما من استغلال انتعاشة سوق الأسمدة العالمية.

وحول أفق التطور والنهوض والتخلص من أعباء السنوات الصعبة أجاب رافع نصيب أن شركة فسفاط قفصة وضعت برامجا لتطوير الإنتاج أتت أكلها من ذلك مشروع أم الخشب ومغسلته الإضافية في إطار مركب صناعي جديد سيمكن لوحده من إنتاج 4 مليون طن فسفاط سنويا هذا إلى جانب قطع خطوات هامة للرفع في الإنتاج من ذلك اقتناء معدات جديدة بقيمة 60 مليون دينار تصل في بداية مارس القادم وبالتالي من المؤكد أن تكون مستويات أنتاج 2023 أكثر وأعلى.

وأضاف أن الشركة استرجعت عديد الحرفاء على المستوى الخارجي وتمكنت من تصدير 100 ألف طن من الفسفاط ولولا إشكاليات النقل الحديدي لكان الرقم أضعاف أضعاف ما هو مسجل. كما أن التمسك بمشروع نقل الفسفاط عبر الأنابيب سيكون الحل النهائي لإشكاليات الفسفاط في تونس وهو الحلم الأكبر لكل العاملين في الشركة لان ذلك سيوفر الكثير للشركة ولاقتصاد البلاد وسيقطع مع اكبر عائق ألا وهو النقل الحديدي مع العلم أن إضراب السكك الحديدية لشهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين تسبب في خسارة حمولتين نحو بنغلاديش بقيمة 120 مليون دينار ولنا في ذلك عديد الأمثلة.

النقل عبر الأنابيب المشروع الحلم

غلق الخط 13 لسنوات لمنع نقل الفسفاط.. إضرابات السكك الحديدية المتواصلة.. حرق قاطرة لنقل الفسفاط قيمتها 5 مليارات، استعمال الشاحنات الخاصة وتكلفتها الباهظة والتي تصل 3 مرات كلفة النقل عبر القطار.. ابرز الإشكاليات التي دمرت قطاع الفسفاط في تونس والحلّ هو النقل عبر الأنابيب المضغوطة بالمياه.. نفس التجربة جعلت من المغرب قوة عالمية في مجال الفسفاط بعد أن أدت إلى خفض تكلفة النقل بنسبة 90% مقارنة بالنقل عبر القطار.. المسافة المنجزة في المغرب بطول 230 كلم وفي تونس نحتاج فقط إلى130  كلم بين قفصة وقابس لنتخلص نهائيا من أعباء النقل ومشاكله وتعطيلاته..

هذا الحل ضروري لإنعاش شركة فسفاط قفصة والقضاء على كابوس النقل الحديدي ولوبيات النقل عبر الشاحنات الذي أرهق الشركة وادخلها مرحلة شبه الإفلاس.

ضحية الفساد وسوء الحوكمة .. الفسفاط ثروة تونس المهدورة

 

 

 

تونس-الصباح

هل بات الفسفاط اليوم الحلقة الضعيفة في المنظومة الاقتصادية التونسية بعد أن كان طيلة عقود احد ابرز مقوماتها والممول الأول لميزانية البلاد حيث كان قاطرة الاقتصاد الوطني طيلة قرابة قرن وربع أي منذ اكتشافه من قبل البيطري الفرنسي فيليب توماس خلال بحوثه الاستكشافية في أفريل من سنة 1885 بين جبل الثالجة ورأس العيون بجهة قفصة والانطلاق في استغلاله سنة 1897 بتأسيس شركة فسفاط قفصة وانعقاد الجلسة العامة الأولى للشركة في 18 مارس 1897 بباريس.

ومنذ ذاك التاريخ انبنى الاقتصاد التونسي والتنمية على هذا المنتوج الذي أثبتت التحاليل المخبرية كونه الأفضل في العالم ليكون الفسفاط الداعم الأول للبلاد من حيث المداخيل من العملة الصعبة وكذلك من حيث تعديل الميزان التجاري..

 

إعداد:سفيان رجب

ومنذ مطلع القرن العشرين، أثار فسفاط قفصة اهتمام الباحثين في جميع أنحاء العالم وهو معترف به على المستوى العالمي لجودته وميزاته وخصائصه الزراعية، وينصح به على نطاق واسع كمخصب فسفاطي ناجع في الاستعمال المباشر لزراعات مختلفة.

وقد احتلت صناعة الفسفاط الى حد وقت قريب المرتبة الخامسة على الصعيد العالمي، ويتم تصدير الفسفاط الطبيعي ومشتقاته إلى ما يناهز خمسين دولة عبر العالم في ظل دعم الطلب العالمي للفسفاط التونسي بعد تطوير استعمالات جديدة لهذه المادة خاصة في مجال إنتاج الطاقة الحيوية والاستعمال المباشر للفسفاط الخام كبديل للأسمدة المذابة.

وقد مر القطاع بصعوبات حادة خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي تم تجاوزها وتحسين أداء مؤسستي القطاع بفضل التطهير وإعادة الهيكلة المالية وغلق المناجم الباطنية واعتماد خطة التقاعد المبكر وتوحيد الإدارة العامة والفريق التجاري وأعضاء مجلس الإدارة لكل من شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي التونسي.

إجراءات كان الهدف منها حسن الحوكمة وتحسين المردودية ورفع الإنتاج وهو ما تحقق حيث  تمكن القطاع من تحقيق نتائج قياسية على مستوى الإنتاج والأرباح ليتجاوز حجم الإنتاج السنوي للفسفاط سقف 8,3 مليون طن سنة 2010 مع تسجيل نتائج مالية لشركتي فسفاط قفصة والمجمع الكيمياوي تفوق 2 مليار دينار، علما وأن عدد الأعوان بالمؤسستين المذكورتين لم يكن يتجاوز 11 ألف عون آنذاك.

كما شهد النشاط التجاري للقطاع نقلة نوعية منذ تسعينات القرن الماضي إذ أصبحت تونس أول مصدر لثلاثي الفسفاط الرفيع (TSP) وثاني مصدر للحامض الفسفوري وثالث مصدر لسماد الداب (DAP) وخامس مصدر للفسفاط الخام بفضل مزايا هذا المنتوج للاستعمال المباشر كسماد طبيعي في كل من البرازيل وماليزيا . فأصبح المنتوج التونسي في أسواق زهاء 50 دولة موزعة على كل القارات من بينها أسواق حصرية أو شبه حصرية في كل من ليبيا وكوبا والبرازيل وتركيا وإيران وفرنسا وإيطاليا والصين وأندونيسيا وماليزيا وبنغلادش.

لكن وللأسف ومنذ ثورة 2011، ضرب هذا الكنز الاقتصادي في مقتل ليعيش القطاع أحلك فتراته وتعصف به الفوضى والاضطرابات والاعتصامات وإيقاف الإنتاج وتعطيل النقل لتتحول قوة هذا القطاع إلى ضعف وتنهار أرقامه حيث انخفض إنتاج الفسفاط إلى الثلثين وهو ما افقد الشركات العاملة في القطاع توازناتها المالية وادخلها في دوامة الإفلاس على غرار شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيمياوي، كما أثر سلبا على مؤسسات أخرى مرتبطة بالقطاع الى جانب انهيار أرقام التصدير وموارد الدولة وانخرام الموازنات المالية للبلاد وبعد أن كانت تونس تحتل ريادة الدول المصدرة للفسفاط ومشتقاته أصبحت تورد في هذه المنتوجات على الأقل من اجل تشغيل آلات المجمع الكيمياوي التي يكلف توقف عملها الكثير والكثير.

2010.. السنة المرجع

وبعد النتائج المبهرة والأرقام القياسية لسنة 2010 والتي مكنت حزينة البلاد التونسية من مكاسب ومداخيل سنوية بحوالي 2 مليار دينار بالعملة الصعبة نتيجة ارتفاع إنتاج الفسفاط وارتفاع تصنيع مشتقاته من حامض فسفوري، ثنائي فسفاط الأمونيا، ثلاثي فسفاط الرفيع، الفسفاط العلفي، احتلت تونس المكانة الأولى في مجال تصدير الفسفاط ومشتقاته ليبلغ حجم المرابيح الصافية المنجزة خلال الفترة 2006-2010 من طرف شركتي فسفاط قفصة والمجمع الكيمياوي حوالي 2 مليار دينار بالنسبة للأولى و1350 مليون دينار بالنسبة للثانية.

واقتطعت الدولة خلال الفترة 2006-2009 بعنوان توزيع الأرباح حوالي 975 مليون دينار من شركة فسفاط قفصة و625 مليون دينار من المجمع الكيميائي التونسي، أي مبلغ جملي قدره 1,6 مليار دينار دخل حزينة الدولة وعزز الموارد وحقق توازن الميزانية.

كما بلغت نسبة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الخام باعتبار تكاليف العوامل ما قدره 4 % سنة 2008 ثم تقلصت إلى حدود 1,2 % سنة 2011 .

إخلالات وضعف حوكمة

تلك الأرقام جعلت من الفسفاط كنز تونس الأول وموارده مثلت اوكسيجين الاقتصاد التونسي.. لكن ما حصل بعيد الثورة مباشرة قلب كل الموازين لتنهار الأرقام وتدخل الشركتان في دوامة انعدام الإنتاج وتوقف النقل والتصدير وبالتالي تنعدم الموارد مع زيادة في حجم الإنفاق نتيجة المطلبية التي رافقت الثورة ونتيجة إثقال كاهل الشركتين بانتدابات عشوائية فرضت عليهما فرضا بعد الثورة لأسباب سياسية بالأساس.

ونتيجة للاعتصامات والإضرابات في القطاع تعطل الإنتاج والنشاط لأشهر طويلة ليكون الفسفاط وشركاته ضحية لعديد العوامل الفنية والاجتماعية، أهمها:

  • هشاشة الوضع الاجتماعي بمحيط مواقع الإنتاج وحدَة الضغط على المؤسستين عبر الاعتصامات وتعطيل الإنتاج والنقل الحديدي للفسفاط على امتداد تسع سنوات متتالية.
  • إثقال كاهل القطاع بأعداد هائلة من الانتدابات (مضاعفة عدد الأعوان بكل من شركة فسفاط قفصة والمجمع الكيميائي التونسي) لتهدئة الأوضاع الاجتماعية، وذلك بسبب إقرار التخلي الفوري عن المناولة في مطلع سنة 2011، وتأخر بعث شركة نقل المواد الفسفاطية.
    • انتداب حوالي 6000 عون زائدين عن الحاجة لدى المجمع الكيميائي التونسي يتلقون أجرا دون مقابل، تحت عنوان شركات البيئة والغراسة.

-انتداب حوالي 7000 عون زائدين عن الحاجة لدى شركة فسفاط قفصة يتلقون أجرا دون مقابل، تحت عنوان شركات البيئة والغراسة.

-إدماج حوالي 1600  عون تابعين لشركة نقل المواد الفسفاطية، في حين أن هذه الشركة أصبحت عاجزة عن القيام بدورها لنقل الفسفاط بسبب اهتراء معداتها التي اقتنتها شركة فسفاط قفصة من المناولين حين تقرر التخلي عن المناولة. وبذلك عادت مناولة النقل بالشاحنات مجددا رغم كلفتها الباهظة ورغم الفساد الذي حام حولها.

  • تسجيل نتائج سلبية متراكمة في حدود 900 مليون دينار لكل من شركتي القطاع وعدم القدرة على إنجاز الاستثمارات المبرمجة.
  • تراجع مفزع لمكانة القطاع في السوق العالمية وخسارة حرفاء كبار أصبحوا يتزودون لدى الدول المنافسة.
  • ارتفاع كلفة نقل الفسفاط إلى وحدات المجمع الكيميائي التونسي بسبب الإفراط في اللجوء إلى مناولة النقل بالشاحنات أمام تراجع النقل الحديدي.
  • تشتت جهود شركتي القطاع جراء إنجاز استثمارات غير ذات أولوية عوض التركيز على توضيب أداة الإنتاج وتحسين الإنتاجية، ومنها:

-إنجاز مشروع المكناسي لاستخراج الفسفاط (600 ألف طن في السنة) في ظل غياب تام للبنى التحتية الضرورية للصيانة ومعالجة وغسل الفسفاط ، وانتداب حوالي 300 عون، في حين تم اللجوء إلى المناولة الكلية في عمليات استخراج ونقل الفسفاط.

-انتداب حوالي 160 إطار لمشروع دراسة مدخرات صراورتان، عوضا عن تحيين الدراسات المنجزة من طرف مكاتب خبرة عالمية.

  • تراجع حضور المنتوج التونسي في الأسواق العالمية، وخسارة أسواق وحرفاء تقليديين.
  • تراجع التنسيق بين مؤسستي القطاع جراء فصلهما عن بعضهما على مستوى الفريق التجاري والإدارة العامة مما قلص من نجاعة النشاط التجاري والتصرف في الموارد، وغياب المرونة في أخذ القرار كلما تعلق الأمر بالإشكالات الروتينية التي تتعلق بفوترة الفسفاط للمجمع الكيميائي التونسي وبالكميات المستلمة وجودتها.

التراجع والانهيار

هذا الوضع وهذه الاخلالات، عمقتهما الثورة، فمباشرة بعد ثورة 2011، تراجع القطاع وانهار بسبب تنامي التحركات الاجتماعية والاعتصامات غير المؤطرة، إضافة إلى سعي بعض الأطراف إلى تعطيل الإنتاج في مختلف مساره خدمة لمصالحها الضيقة جدا.. انهيار  قابله عجز الدولة عن إيجاد حل للمشكل لتلجأ هذه الأخيرة ولأول مرة في تاريخ تونس إلى توريد الفسفاط في سابقة وصفت بالخطيرة.

وتواصل الأمر إلى حد اليوم تقريبا حيث تفيد آخر الأرقام الصادرة في بداية سنة 2023 ان شركة فسفاط قفصة حققت خلال السنة المنقضية كمية إنتاج قدرت بـ3,7 مليون طن من الفسفاط التجاري واقتصر الإنتاج على  معتمديتي المتلوي والمظيلة فقط في ظلّ استمرار توقُّف الإنتاج في مناجم معتمديتي الرديف وأم العرائس.

وبذلك حافظت شركة فسفاط قفصة على نفس معدل إنتاج سنة 2021 تقريبا الذي كان في حدود 3,8 مليون طن، إلا أن أرباح الشركة تحسنت نسبيا خاصة مع ارتفاع أسعار مادة الفسفاط في الأسواق العالمية.

ويأمل القائمون على إدارة الشركة خلال السنة الجديدة 2023 استهداف إنتاج  5,6 مليون طن من الفسفاط.

وحسب أرقام الشركة، فإن الهدف المحدد قبل بداية العام لم يتحقق بل ان إنتاج الأشهر التسعة الأولى من سنة 2022 كان أقلّ بنسبة 38 بالمائة ممّا تمت برمجته، وهو إنتاج ما لا يقلّ عن4.5 ملايين طنّ، إلّا أنّ توقّف إنتاج الفسفاط التجاري بكلّ من الرديف وأم العرائس قد حال دون تحقيق الأهداف المضبوطة من قبل الشركة.

ففي الرديف تواصل مجموعات من طالبي الشغل منذ شهر نوفمبر 2020 اعتصامها بأغلب منشآت شركة فسفاط قفصة وخاصة بوحدة الإنتاج، وهو ما يتسبّب إلى الآن في شلل تامّ لعمليّة إنتاج الفسفاط التجاري، وبالتالي في عدم قدرة الشركة على بلوغ أهدافها في استعادة نسق ومستوى إنتاجها لما قبل 2011، إذ أن وحدة الإنتاج بالرديف لم تُنتج منذ حوالي سنتين ولو طُنّا واحدا من الفسفاط التجاري، وهو ما حرم الشركة ممّا لا يقلّ عن مليون طنّ في هذه الفترة.

أما في إقليم أم العرائس، فقد توقّعت شركة فسفاط قفصة إنتاج 500 ألف طن خلال الفترة الممتدّة من جانفي إلى سبتمبر من العام الجاري، إلاّ أن انقطاعات متواترة لنشاط وحدة الإنتاج منذ بداية السنة، ثمّ توقّفها تماما في شهر مارس الماضي بسبب احتجاجات طالبي الشغل، حالت دون أن تُحقّق الشركة توقعاتها، مع انحسار أنتاجها في حدود 33 ألف طنّ فقط.

وتوزّع إنتاج الفسفاط التجاري منذ بداية العام 2022 على أقاليم المظيلة بـ742 ألف طنّ، وكاف الدّور بالمتلوي بـ925 ألف طنّ، وكاف الشفاير بـ1138 ألف طنّ.

من ناحية أخرى، تمكّنت شركة فسفاط قفصة، منذ بداية العام وإلى حدود موفّى سبتمبر المنقضي، من إمداد حرفائها المحلّيين من مُصنّعي الأسمدة الكيميائية، وهم المجمع الكيميائي التونسي والشركة التونسية الهندية لصنع الأسمدة، بمخزون يساوي مليونين و 655 ألف طنّ من الفسفاط التجاري.

وكانت شركة فسفاط قفصة قد توقفت بسبب استمرار الحراك الاحتجاجي بالرديف منذ شهر سبتمبر 2020، عن شحن مخزونها من الفسفاط التجاري المُقدّر بنحو مليون و500 ألف طنّ.

كما تميّزت سنة 2022 بالنسبة لشركة فسفاط قفصة بعودة تدريجية إلى السوق العالمية للفسفاط، من خلال تصدير حوالي 56 ألف طنّ نحو حرفاء بفرنسا وتركيا على وجه الخصوص.

وكانت الشركة قد وضعت خطّة في أواسط العام الجاري لإنعاش صادرات الفسفاط التونسي نحو أسواق آسوية وأخرى أوروبية، وذلك بعد أكثر من عشر سنوات من توقّف الصادرات التونسية من هذه المادّة، وتتضمّن هذه الخطّة في مرحلة أولى ضخّ 300 ألف طنّ من الفسفاط التجاري في الأسواق العالمية حتى موفّى العام الجاري.

ومن المُتوقّع في هذا السياق، ألاّ يتجاوز إنتاج الفسفاط التجاري مع نهاية هذه السنة 3.2 ملايين طنّ، وهو تقريبا نفس معدّل إنتاج العشرية الحالية 2011-2021، التي عرفت تراجعا حادّا وتقهقرا لافتا لقطاع الفسفاط في تونس، بمعدّل إنتاج سنوي لم يتجاوز 3,5 مليون طن مقابل 8.3 ملايين طنّ سنة 2010 وهي التي تعد سنة المرجع والسنة السابقة للثورة.

وبخصوص مبيعات شركة فسفاط قفصة من الفسفاط التجاري لحرفائها من مُصنّعي الأسمدة الكيميائية، فقد بلغت منذ شهر جانفي وإلى أواسط شهر أكتوبر الجاري مليونين و620 ألف طنّ من هذه المادّة تم شحنها عبر القطارات.  أمّا بقيّة الكمّيات والمُقدّرة بمليون و500 ألف طنّ فقد وسقتها شركة فسفاط قفصة نحو معامل صنع الأسمدة الكيميائية، بواسطة الشاحنات باعتبار محدودية إمكانيات شركة السكك الحديدية في تأمين نقل هذه الكمّيات نحو قابس وصفاقس، وخاصة من ناحية نقص عدد العربات المخصّصة لتحميل الفسفاط والتعطيل المتعمد لنقل الفسفاط عبر السكك الحديدية.

مغسلة الرديف المعظلة المتواصلة

يذكر أن نشاط إنتاج الفسفاط التجاري بمغسلة الرديف متوقّف تماما منذ شهر نوفمبر من سنة 2020، وأنّ وسق هذه المادّة انطلاقا من الرديف نحو معامل إنتاج الأسمدة الكيميائية هو أيضا مُعطّل منذ شهر سبتمبر من السنة قبل الماضية، علما وأنّ الرّديف تتوفّر حاليا على مخزون هام من الفسفاط التجاري الجاهز للوسق والذي لا يقلّ حجمه عن مليون و500 ألف طنّ.

توقّف نشاط وحدة إنتاج الفسفاط التجاري بالرديف حرم شركة فسفاط قفصة من تقوية طاقة إنتاجها بما لا يقلّ عن 400 ألف طنّ من الفسفاط التجاري، أي بمعدّل 40 ألف طنّ في اليوم الواحد، في وقت تسعى فيه الشركة إلى استرجاع نسق إنتاج الفسفاط التجاري وتدارك التراجع الحادّ في حجم إنتاجها، جرّاء الاضطرابات الاجتماعية واحتجاجات طالبي الشغل بالجهة.

خسارة الأسواق وتأخر عن المنافسة

ويكتسي تسويق هذا المخزون، أهمّية بالغة من ناحية دعم قدرة الشركة في تلبية حاجيات الحرفاء من هذه المادّة، من جهة، ومن ناحية الإسهام في حلّ الإشكاليات المالية الراهنة التي يواجهها قطاع الفسفاط ومُشتقّاته، من جهة أخرى، باعتبار تنامي الطلب في السوق العالمية على الفسفاط والأسمدة الكيميائية في الوقت الذي يتواصل فيه ارتفاع أسعار الفسفاط ومشتقاته، وسط ترجيح البنك الدولي صعود أسعار الفسفاط الخام إلى 175 دولاراً للطن في العام الحالي و160 دولاراً في العام المقبل، بينما ستصل أسعار الأسمدة إلى 900 دولار و800 دولار للطن على التوالي.

وأمام الارتفاع الديمغرافي في العالم الذي ينتظر أن يبلغ 9 مليار نسمة في 2050 وتقلص مخزون الفسفاط الذي تجمع الدراسات على أنه لا يكفي إلا 90 سنة، فقد بات الفسفاط محل دراسات إستراتيجية معلنة وغير معلنة من القوى الكبرى وبدأت تتحرك بشكل واضح على أرض الواقع.

وتشير بعض الدراسات أن أسعار الفسفاط مرشحة للارتفاع بين 500 إلى 1000% في العقود القادمة.

هذا الوضع العالمي والمؤشرات المطروحة والقراءات المستقبلية لمستقبل الفسفاط استغلته عديد الدول أحسن استغلال لتخطط طرق إنتاجها واستغلالها لمخزونها.. عكس تونس التي عجزت عن التخطيط لحاضرها فما بالك بمستقبلها في القطاع لتفقد بالتالي أسواقها خاصة لفائدة المنافس الأول دولة المغرب التي استغلت الوضع الصعب في تونس كما يجب حيث مثل الفسفاط المغربي بديلا لنظيره التونسي. وقد تمكنت الرباط في السنوات الأخيرة من تطوير صناعاتها الكيميائية وطاقتها الإنتاجية داخل وخارج المغرب مع التركيز على إفريقيا إضافة للعالم وهي اليوم تأوي 70 بالمائة من المخزون الدولي وتحتل المرتبة الأولى في الإنتاج والتصدير. وقد تمكن المغرب من إبرام شراكات في إفريقيا لتأمين حاجياته من الأمونيا وأمضى على شراكة ضخمة في إنتاج الأسمدة الفسفاطية بأثيوبيا وتمكن من نقل الفسفاط بالأنابيب والسكة الحديدية.

وسجل المغرب للعام الثاني عائدات قياسية من صادرات الفسفاط الذي تملك أكبر احتياطي عالمي منه، مستفيدة من ارتفاع الطلب عالميا على الأسمدة.

والمغرب الذي يملك 70 في المائة من احتياطي الفوسفات العالمي، هو أول منتج في إفريقيا والثاني في العالم بعد الصين.

وتمثل حصة المغرب من السوق الدولية لهذا المعدن نحو 31 في المائة. ويتوقع أن يرتفع رقم أعمال المجمع نهاية العام 56 في المائة مقارنة بالعام الماضي، ليصل إلى أكثر من 12 مليار دولار بعدما سجل ارتفاعا نسبته 50 في المائة بين 2020 و2021.

وارتفعت صادرات المغرب من الفسفاط حتى أواخر سبتمبر الى 66.6 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بقيمة تفوق 8 ملايين دولار.
ويراهن المغرب على الاستفادة من احتياطيه الضخم لزيادة إنتاجه من الأسمدة. فقد رفع المجمع طاقته الإنتاجية من 3.4 مليون طن في 2008 إلى 12 مليونا العام الماضي. ويتوقع أن تبلغ 15 مليون طن عند نهاية 2023.

وشهدت صناعة الفسفاط تحولات كبيرة في العالم في السنوات الأخيرة ففي الوقت الذي تراجعت فيه تونس إلى مستويات ضعيفة تمكن المغرب من مضاعفة إنتاجه ثلاث مرات وأبرمت الجزائر عقودا هامة مع الصين لإنتاج 10 مليون طنا وينتظر أن تحتل المرتبة الثالثة عالميا. وقامت أندونيسيا الحريف الإستراتيجي لتونس سابقا على مدى عقود بإبرام اتفاقات والدخول في صناعة الفسفاط مع السينغال في حين أن الصين وإسرائيل قاما باستثمارات هامة في الطوغو.

وقامت شركة كندية باستثمارات هامة في غينيا بيساو وقامت العربية السعودية باستثمارات كبيرة في صناعة الفسفاط في مشروع الجلاميد شرق المملكة وهناك حديث عن مشروع ثان كبير شمال المملكة هذا بالإضافة للقدرات الروسية الهامة مع ضعف التكلفة في البلدان التي تنتج الأمونيا والبوتاس والكبريت مثل روسيا والمملكة العربية السعودية وغيرها.

وتمكنت الأردن من الصعود للمرتبة الثالثة وتأوي موريتانيا مخزونًا هامًا من الفسفاط في انتظار اكتشافات محتملة في ليبيا.

كما انطلقت السعودية بمصانع ضخمة في المنطقة الغربية من اجل تغطية حاجيات آسيا وجانبا من أوروبا بما في ذلك إيطاليا مع حديث عن مشروع جديد ضخم في شمال المملكة وتمكن المغرب من مضاعفة إنتاجه ثلاث مرات والتواجد بقوة في العالم وإفريقيا وتقدم الأردن إلى المرتبة الثالثة في العالم كما ينتظر دخول الجزائر بصناعات ضخمة في المجال .

ونظرًا للمعطيات والتحالفات الجديدة ودخول القوى الكبرى على الخط فإن محاولة تونس الرجوع لما كانت عليه منذ حوالي 12 سنة بات أمرا صعب المنال باعتبار الكلفة وتقادم التجهيزات وعمق المخزون تحت الأرض وهو ما يتطلب إمكانيات ضخمة وارتفاع الكلفة والبحث عن أسواق مفقودة في ظل تحالف الأسواق الكبرى التقليدية لتونس مع منتجين جدد للفسفاط لتفقد تونس مكانتها بعد أن تمكنت ولعقود من احتلال المرتبة الأولى في مادة "ثالث رفيع الفسفاط" والمرتبة الثانية في الحامض الفسفوري والمرتبة الثالثة في ثاني فسفاط الأمونيا والمرتبة الخامسة في الفسفاط الخام...

من منافسة تونسية-مغربية الى منافسة سعودية-مغربية

وبعدما كانت المنافسة بين تونس والمغرب في الفسفاط طيلة عقود وإلى غاية 2010 تحولت المنافسة اليوم بين شركة التعدين العربية السعودية "معادن السعودية" و"المكتب الشريف للفسفاط" ...

فمعادن السعودية تمكنت من الصعود للمركز الثالث عالميا في سنوات قليلة بإنتاج 11 مليون طن من الخام و6 مليون طن من الأسمدة وتتجه للصعود للمركز الثاني عالميا بعد برمجتها إضافة 3 مليون طن من الأسمدة ما يتطلب إنتاج أكثر من 16 مليون طن من الخام. وأصبحت المملكة بالفعل من الدول البارزة على مستوى العالم من حيث إنتاج الأسمدة الفسفاطية وحدها، حيث تقدر احتياطيات الفسفاط الإجمالية بما يتراوح بين 2.3 مليار و7.3 مليار طن تقريباً وتتوفر المملكة على أضخم الاحتياطيات المقدّرة للفسفاط بقيمة 321 مليار دولار. وتمكنت معادن من التواجد في 30 دولة خاصة في آسيا وإفريقيا الشرقية والجنوبية.

وتعمل المملكة السعودية على تنويع صادراتها بعيدًا عن النفط، وفي مقدمة ذلك الأمونيا والفسفاط. وفي هذا الإطار، وقّعت شركة التعدين العربية السعودية  مؤخرا 4 مذكرات تفاهم مع أكبر شركات هندية في قطاع الأسمدة، لزيادة صادرات الأمونيا والفوسفات إلى الهند.

وشاركت معادن في التظاهرات العالمية للأسمدة في إفريقيا الجنوبية وشرعت في تصدير الأسمدة لدولة مالي وشراء شركة ميريديان لتوزيع الأسمدة بجزر الموريس ما يمكنها من السيطرة على أسواق موزمبيق وزامبيا ومالاوي وزمبابوي في حين أن المغرب يركز على شراكته الإستراتيجية مع أثيوبيا، والمنافسة إذا واضحة وشديدة بين الطرفين خاصة وأن إفريقيا باتت سوقا واعدة بتحقيق زيادة الإنتاج الفلاحي بنسبة 18% السنة الماضية وتسجيل معدل قار لاحتياجات الأسمدة في مستوى 5% سنويا.

وفِي بداية سنة 2020 قام المكتب الشريف للفسفاط بإحداث شركة في رومانيا مناصفة مع شركة الظاهرة الإماراتية لتعزيز تواجده في أوروبا الوسطى والشرقية بالاعتماد على شبكة التوزيع التي تتمتع بها الشركة الإماراتية في رومانيا والدول المجاورة.

ويمكن القول أن الواقع على الأرض تبدل في ميدان الفسفاط العالمي ببروز معادن للفسفاط السعودي بكميات ضخمة وطرق عصرية في التصرف ما يجعلها تتجه للمركز الثاني عالميا إلى جانب المكتب الشريف للفسفاط الذي شهد تطورا كبيرا في العشرية الحالية وأن المنافسة التقليدية لم تعد تنفع وبات من الضروري امتلاك مسالك التوزيع والدخول في شراكات مع مجموعات دولية تمتلك شبكة من الوكلاء والحرفاء والمتعاملين التجاريين وذلك بالإضافة لإعطاء أهمية للسوق الإفريقية التي باتت واعدة.

الحلول وإمكانيات الإنقاذ

أقر البرلمان الأوروبي بتاريخ 24 أكتوبر 2017 مواصفات جديدة تخص الكادميوم في الفسفاط بنسبة 40 مغ/كيلو في غضون 6 سنوات و 20 مغ /كيلو في غضون 16 سنة. وقد رحبت بهذا القرار منظمات البيئة الأوروبية في حين شككت المجمعات الفلاحية الأوروبية في واقعية هذه القرارات.

وينص القرار على تشجيع الأسمدة البيولوجية البديلة وتشجيع تكنولوجيا إزالة الكادميوم من الفسفاط وتقييم هذا التوجه في غضون 42 شهرا.

وباعتبار القارة الأوروبية من أكبر المناطق الموردة للفسفاط في العالم من جهة وأن جهات هامة أخرى يمكن أن تنسج على منوال أوروبا فإن هذه القرارات تعتبر هامة جدا لمستقبل الفسفاط والأسمدة الفسفاطية في العالم.

وعلى عكس ما يمكن فهمه للوهلة الأولى فإن التعامل الذكي والفوري مع هذه القرارات يمكن أن يشكل نقطة قوة لتونس لاسترجاع أسواقها اعتمادا على عوامل طبيعية وأهمها جودة المنتوج وعن طريق البحث العلمي باعتبار ضعف قدرتها التنافسية في العوامل الأخرى خاصة الكلفة بعد الأحداث التي شهدها القطاع.

ويمكن اعتبار فسفاط قفصة في وضع أفضل من المنافسة في هذه المادة رجوعا للعوامل الطبيعية فضلا عن أن شركة فسفاط قفصة لا تصدر الفسفاط مباشرة في الوقت الحاضر وإنما يوجه الإنتاج بالكامل للمجمع الكيميائي لتحويله إلى أسمدة .

أما على المدى المتوسط والطويل فإن فسفاط قفصة قادرة على احترام هذه المواصفات إذا ما سارعت بدعم البحث العلمي وتطوير تكنولوجيا التعويم بالإضافة لتكنولوجيا المغاسل لاستخراج الفسفاط.

أما المجمع الكيميائي فإنه ينفرد ببحوثه العلمية في مادة الكادميوم منذ سنين طويلة وتفعيله لهذه البحوث تجعله في وضع مريح مع المنافسة أينما كانت وهذه فرصة لا تقدر بثمن.

إن تواجد هذه المعطيات الطبيعية والعلمية والتعاون مع الإتحاد الأوروبي لدعم هذا التوجه علميا وماديا يوفر لتونس فرصة لتدارك ما خسرته واسترجاع مكانتها من بين القوى الثلاث الأولى في العالم إذا ما تجاوزت مشاكلها الداخلية.

فالأزمة الحادة التي يمر بها قطاع الفسفاط ومشتقاته في تونس طيلة 12 سنة متتالية، أصبحت تهدد ديمومة نشاطه ، مما يحتم  وضع تصور جديد لتجاوز الإشكاليات القائمة وعودة الإنتاج إلى سالف نشاطه واستغلال الفرص المتاحة للتموقع الأفضل في السوق العالمية، حيث تبين أن جميع الحلول التي تم اعتمادها منذ سنة 2011 إلى الآن، وإن حافظت على حد أدنى من النشاط فإنها لم تمكن القطاع من تجاوز الأزمة بل أثقلت كاهله بكلفة باهظة للأجور جراء مضاعفة عدد الأعوان تحت الضغط الاجتماعي ودون الترفيع في الإنتاج الذي لم يبلغ بعد حتى 40 % مما كان عليه خلال سنة 2010.

وأمام التطورات الجديدة المتمثلة في استعادة النقل الحديدي سواء كان ذلك للفسفاط الخام أو الأسمدة الفسفاطية أو للكبريت كمادة أولية ، مما يبعث على التفاؤل خاصة بعد الحسم في إيقاف كل التجاوزات الحاصلة.

لكن مع ضرورة الانتباه بان المقاربة التاريخية التي قامت عليها شركة فسفاط قفصة ونجحت بها سابقا غير مجدية اليوم، ورجوع القطاع لدوره النشيط يتطلب مقاربة جديدة تحافظ على ملكية الثروة الوطنية وتفرض حصة تونس التاريخية في السوق وهذا ممكن ولكنه يتطلب مجهودات كبيرة وفهم للتطورات العالمية في المجال.

مشروع منجم المكناسي استثمار معطل

أقرّ مشروع منجم المكناسي في أفريل 2013، ويضم 4 مقاطع (منقار نصر وعبد الله وقرقيبة وكاف النسور)، وتُقدّر مدخرات الفسفاط في مقطع "منقار نصر" بـ17 مليونا و92 مليون طن من الجبس.

وكان يعمل بهذا المقطع المذكور 163 عاملا من أبناء المنطقة، ويستخرج 600 ألف طن من الفسفاط سنويا، وأنجزت الدراسات المتعلقة بالمقاطع الثلاثة المتبقية وهي جاهزة للعمل والإنتاج ولانتداب مزيد من اليد العاملة بكامل محافظة سيدي بوزيد.

ويمتاز هذا المنجم بجودة منتوجه الرفيع حيث يبلغ طول سمك طبقته 17 مترا وهي من أجود الأنواع وطنيا ومغاربيا.

فسفاط صراورتان المستقبل

هل يمكن اعتبار مستقبل الفسفاط التونسي في ولايات الشمال الغربي؟.. الجواب هو نعم حسب عديد الخبراء الجيولوجيين وحسب ما يتوفر في منطقة صراورتان بولاية الكاف من ثروة فسفاطية  اكدها الأستاذ وليد الوسالتي، مدير قسم الجيولوجيا بكلية العلوم بتونس في إحدى الندوات والذي قال أن فسفاط صراورتان، الذي ما يزال إلى اليوم لم يدخل حيز الاستغلال، يمثل مستقبل قطاع الفسفاط في تونس، مستدلا بنتائج عديد الدراسات العلمية التي تجمع على أهمية المخزون القابل للاستغلال لعشرات السنين، والتي تؤكد النوعية المتميزة للفسفاط الممكن استخراجه.

مشروع النقل الهيدروليكي للفسفاط وتطوير الموانئ

حسب تأكيدات وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم نايلة نويرة القنجيي، فان تونس قدمت لليابانيين مشروع النقل الهيدروليكي للفسفاط ورؤية متكاملة لتطوير فضاء مندمج متكامل (ميناء لوجستيك وصناعة). وقدمت الحكومة للجانب الياباني خلال قمة تيكاد الأخيرة، مشروعا للنقل الهيدروليكي للفسفاط بين الحوض المنجمي وميناء الصخيرة حيث سيمكن هذا المشروع من تقليل استعمال القطار والشاحنات في نقل الفسفاط.

الهدف بلوغ 12 مليون طن من إنتاج الفسفاط في 2025؟

ذكر معهد اوكسفورد أن الحكومية التونسية لديها خطة طموحة تهدف الى تطوير عملية إنتاج الفسفاط. وأشار المعهد الى ان  وزارة الصناعة والطاقة والمناجم أعلنت عبر خطتها نيتها بلوغ مستويات عالية من إنتاج الفسفاط لتتطور من 3.7 مليون طن سنة 2022  إلى 12 مليونا في 2025 .

واعتبر معهد اوكسفورد أن تحقيق هذا الهدف ممكن نظرا إلى ان  احتياطي البلاد من صخور الفسفاط تقدر بنحو 900 مليون طن.

 

رافع نصيب مدير الإنتاج بشركة فسفاط قفصة لـ"الصباح": خطة الإصلاح أعطت أكلها رغم تواصل إشكاليات حوضي الرديف وأم العرائس والنقل الحديدي

 

rafaa_ncib.jpg

 

  • تضاعف الأرباح 10 مرات سنة 2022 لتمر من 47 م.د الى 470 م.د

حول واقع شركة فسفاط قفصة والإشكاليات التي تعوق عملها وافق الإصلاح تحدث لـ"الصباح" رافع نصيب مدير الإنتاج بالشركة الذي ذكر أن الصعوبات والمشاكل العديدة التي تعيق العمل منذ سنوات لم تمنع الشركة من وضع خطط إصلاح أتت أكلها مؤخرا من ذلك ان رقم المعاملات سنة 2020 كان في حدود 460 مليون دينار مع تسجيل نتيجة صافية تمثلت في خسارة بـ 293 مليون دينار ليرتفع رقم المعاملات سنة 2021 إلى 756 مليون دينار مع تسجيل مرابيح بقيمة 47 مليون دينار ويتضاعف هذا الرقم سنة 2022 تقريبا ليصل رقم المعاملات إلى 1370 مليون دينار مع تضاعف الأرباح 10 مرات تقريبا لتصل إلى 470 مليون دينار. كما ارتفع محزون الفسفاط التجاري من 20.5 مليون طن سنة 2020 إلى 4 مليون طن سنة 2022.

هذا التطور الهام في الأرقام لا يحجب تواصل عديد المشاكل والعراقيل حسب رافع نصيب الذي أكد أن الإشكال الأكبر يتمثل في تعطل الإنتاج على مستوى إقليمي الرديف وأم العرائس وهو ما يحرم الشركة بين 1.5 و2 مليون طن إنتاج سنويا بفعل الاعتصامات وطلبات التشغيل دون تدخل من الدولة. هذا التعطيل يقابله تواصل العمل بصفة طبيعية في كل من كاف الدور والمتلوي وأم الخشب والمظيلة بمستويات إنتاج مقبولة جدا رغم صعوبات التزود. أما الإشكال الثاني حسب مدير الإنتاج بالشركة فهو أعمق واكبر ويتمثل في إشكالية النقل من الحوض المنجمي إلى مصانع التحويل بالصخيرة وصفاقس حيث تسبب هذا الإشكال في تراجع الإنتاج بنسبة 70 بالمائة قياسا بسنة 2010 وهو إشكال هيكلي نتيجة تعطيل العمل من قبل نقابات السكك الحديدية وإشكالية الخط 13 الرابط بين قفصة وصفاقس عبر المكناسي.

ويضيف رافع نصيب أن محاولات التعويض بالشاحنات تبقى محدودة حيث لا يمكن نقل أكثر من 1.5 مليون طن من 7 مليون طن بمعنى أن العجز هو في حدود 5.5 مليون طن. وهو ما يعني أن النقل الحديدي منع شركة فسفاط قفصة من تحقيق أرقام جد هامة وهو ما انعكس كذلك على عمل المجمع الكيمياوي والشركة التونسية-الهندية الذين حرما من استغلال انتعاشة سوق الأسمدة العالمية.

وحول أفق التطور والنهوض والتخلص من أعباء السنوات الصعبة أجاب رافع نصيب أن شركة فسفاط قفصة وضعت برامجا لتطوير الإنتاج أتت أكلها من ذلك مشروع أم الخشب ومغسلته الإضافية في إطار مركب صناعي جديد سيمكن لوحده من إنتاج 4 مليون طن فسفاط سنويا هذا إلى جانب قطع خطوات هامة للرفع في الإنتاج من ذلك اقتناء معدات جديدة بقيمة 60 مليون دينار تصل في بداية مارس القادم وبالتالي من المؤكد أن تكون مستويات أنتاج 2023 أكثر وأعلى.

وأضاف أن الشركة استرجعت عديد الحرفاء على المستوى الخارجي وتمكنت من تصدير 100 ألف طن من الفسفاط ولولا إشكاليات النقل الحديدي لكان الرقم أضعاف أضعاف ما هو مسجل. كما أن التمسك بمشروع نقل الفسفاط عبر الأنابيب سيكون الحل النهائي لإشكاليات الفسفاط في تونس وهو الحلم الأكبر لكل العاملين في الشركة لان ذلك سيوفر الكثير للشركة ولاقتصاد البلاد وسيقطع مع اكبر عائق ألا وهو النقل الحديدي مع العلم أن إضراب السكك الحديدية لشهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين تسبب في خسارة حمولتين نحو بنغلاديش بقيمة 120 مليون دينار ولنا في ذلك عديد الأمثلة.

النقل عبر الأنابيب المشروع الحلم

غلق الخط 13 لسنوات لمنع نقل الفسفاط.. إضرابات السكك الحديدية المتواصلة.. حرق قاطرة لنقل الفسفاط قيمتها 5 مليارات، استعمال الشاحنات الخاصة وتكلفتها الباهظة والتي تصل 3 مرات كلفة النقل عبر القطار.. ابرز الإشكاليات التي دمرت قطاع الفسفاط في تونس والحلّ هو النقل عبر الأنابيب المضغوطة بالمياه.. نفس التجربة جعلت من المغرب قوة عالمية في مجال الفسفاط بعد أن أدت إلى خفض تكلفة النقل بنسبة 90% مقارنة بالنقل عبر القطار.. المسافة المنجزة في المغرب بطول 230 كلم وفي تونس نحتاج فقط إلى130  كلم بين قفصة وقابس لنتخلص نهائيا من أعباء النقل ومشاكله وتعطيلاته..

هذا الحل ضروري لإنعاش شركة فسفاط قفصة والقضاء على كابوس النقل الحديدي ولوبيات النقل عبر الشاحنات الذي أرهق الشركة وادخلها مرحلة شبه الإفلاس.

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews