تونس-الصباح
هم في كل مكان، متواجدون من كل الجنسيات، وجودهم في تونس لم يعد يطرح أسئلة بعد أن طبّع معهم جزء من التونسيين وألفوا تواجدهم بيننا في حين يرى آخرون أن أعدادهم آخذة في الارتفاع بعد حصيلة هجرة وتوالد كبيرين بما يشكل خطرا محتملا.
هنا في جهة أريانة المدينة بالقرب من خط نهاية الميترو رقم 2 وهناك في عاصمة الجنوب صفاقس مشاهد تتطابق حيث تحولت الشوارع بالمدينتين وفي غيرهما من المدن التونسية إلى أسواق للأفارقة من جنوب الصحراء.
فقد افترشوا الأرض وحولوها أماكن للتجارة مع حركية كبرى للبيع والشراء.
أما عن السكن فتحولت جهة المنصورة وحي النسيم ومنطقة رواد والبحر الأزرق إلى "مستعمرات" أقلقت راحة السكان مما خلق أزمة تواصل بينهم وبين التونسيين لتنتهي في كثير من الأحيان إلى أعمال عنف وشغب.
أرقام متضاربة…700 ألف أم 100الف أم 60الفا؟
بات متأكدا انه لا احد قادر على حصر أعداد أفارقة جنوب الصحراء في تونس حيث لا وجود لأرقام ثابتة تهم العدد الجملي للجاليات الإفريقية النشيطة وعدد المواليد الجدد.
وخلق هذا الفراغ تخوفات حقيقية من عمليات استيطان غير آمنة في ظل تدفق المهاجرين إلى تونس عبر المناطق الصحراوية الرابطة بين تونس والجزائر من جهة أو بين تونس وليبيا من جهة أخرى بعد أن تكثفت الحركية هناك وتسلل المهاجرون أساسا إلى الحدود التونسية والجزائرية جنوبا.
كل هذه المعطيات لئن كانت تشكل تخوفا امنيا في ظل ارتفاع الأنشطة الإجرامية للجاليات الإفريقية من تدليس للعملة والوثائق الرسمية الخاصة بالإقامة والشهائد العلمية، فإنها تشكل أيضا خطرا على الأمن القومي بعد تسجيل تطورا لامس أفق 700 ألف إفريقي وفق إحصائيات صادرة عن الاتحاد العام التونسي للشغل.
آخر بيانات المنظمة في هذا الشأن كان في ديسمبر 2020 حيث تحدث الاتحاد أن عدد العمال الأفارقة في تونس يقدّر بأكثر من 700 ألف، وأن عددهم تضاعف في السنوات الثلاث الأخيرة، بسبب تدفق المهاجرين غير الشرعيين ممن كانوا يعملون في ليبيا.
وانتهج الاتحاد مسار الاحتواء النقابي للعمالة الأفريقية في تونس، من أجل ضمان حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، بعد رصد انتهاكات لهم من قبل مؤجرين يستغلون هشاشة وضعهم لتشغيلهم بأجور ضعيفة واستغلالهم اقتصاديا.، على أهمية مسار الاحتواء في تنظيم العمالة الإفريقية فان الإشكال الحقيقي يكمن في غياب إحصاء واضح وصريح .
وفي تقرير عن مركز الدراسات الإستراتيجية والدولیة الأمريكي قدر عدد الوافدين على تونس بـ 60 ألفاً، وعلى الرغم من أن عدد المهاجرين من منطقة أفريقيا، جنوب الصحراء، إلى تونس يُعد الأقل وفق هذا التقرير فقد أشار إلى أن عددهم تضاعف في تونس بين عامي 2004 و2014 ويأتي ھؤلاء أساساً من مالي والكاميرون وكوت ديفوار والنيجر والسنغال.
15ألف ايفواري دون وثيقة
قدرت الجنسية الايفوارية الأكثر تواجدا في تونس إذ بلغت وفق ممثل الجالية ببلادنا بتاريخ 31مارس 2021 في تصريح إذاعي لراديو "اكسبريس" أن عددهم بلغ 20 ألفا منهم 15الف ايفواري دون وثائق إقامة داعيا في ذات السياق إلى ضرورة الإسراع والاعتراف بالمهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
وأمام تضارب الإحصائيات والأرقام ولفهم أسباب ودوافع تدفق المهاجرين من أفارقة جنوب الصحراء إلى تونس والجزائر تقدم مجموعة من المؤلفين بكتاب (261 صفحة) تحت عنوان "الهجرة في المغرب العربي ومنطقة المتوسط: الديناميكيات والأشكال والفاعلون الجدد" (تنسيق وتقديم: فاتن مبارك الناشر: سوتيميديا للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، تونس سبتمبر 2022).
ويكشف هذا الكتاب الذي قدم له الباحث والكاتب توفيق المديني في موقع عربي 21 أن الكثير من مهاجري جنوب الصحراء وخاصة من الكوت ديفوار يدخلون إلى تونس بشكل قانوني عبر المعابر الحدودية (مطار تونس قرطاج الدولي أساسا)، ولكنهم يبقون فيها بعد انتهاء مدة الإقامة.
ويتسلل إليها عدد آخر عبر الحدود الجزائرية أو الليبية بطريقة غير شرعية ثم ينطلق غالبيتهم في رحلة البحث عن مأوى ثم عن شغل عشوائي، فتراهم يعملون في المقاهي والمطاعم والمنازل وورشات صيانة وغسيل السيارات أو باعة متجولين أو عملة في بعض المصانع والحقول وحضائر البناء ومستودعات بيع المواد الغذائية ومواد البناء بأبخس الأجور.
وشهدت تونس منذ عام 2011، وبعد قرار الرئيس المؤقت الأسبق محمد المنصف المرزوقي إلغاء التأشيرة للقادمين من عدد من الدول الإفريقية ليشكل هذا الإلغاء "هجمة" غير مسبوقة من المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين بهدف الإبحار خلسة نحو السواحل الايطالية انطلاقا من شواطئ ولاية صفاقس ما حوّل عاصمة الجنوب إلى عاصمة للاتجار في البشر وعاصمة لـ"الحرقة".
تحولات المشهد ظهرت في مدن أخرى للتحول تونس الكبرى وأساسا أريانة وتونس العاصمة إلى مناطق إقامة مؤقتة وتجمع إفريقي يتحينون فيها فرص العمل لجني ثمن "الحرقة" والانتقال نحو صفاقس للإبحار خلسة.
وترجح بعض المعطيات غير الرسمية التي تحصلت عليها "الصباح" أن عدد أفارقة جنوب الصحراء يفوق 100الف وقد يصل إلى 150 ألفا، بينهم أكثر من 20 ألفا في صفاقس، فيما تفتقد الأرقام المسجلة لدى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة الدقة نظرًا لأن أغلب الأفارقة المقيمين في تونس غير مسجلين بها رغم أنَّ أعدادًا كبيرة منهم يحملون ما يسمى "البطاقة الصفراء" لتجنب الإيقافات والتتبعات والترحيل.
وهذه البطاقة عبارة عن وثيقة تمنحها المفوضية، تثبت أنَّ هذا الشخص يطلب اللجوء لكنَّه غير مسجل بعد، ويتعمد جل الأفارقة الإبقاء بهذه الوثيقة دون رغبة ملحة في إنهاء الشروط المطلوبة من أجل الحصول على البطاقة الرسمية لهم كلاجئين، لأن هذا يعني أنهم لا يستطيعون الخروج من تونس ولا يقدرون على السفر لأي بلد آخر إلا للعودة لبلادهم مرة أخرى (شروط المفوضية لمنح البطاقة الخضراء) وهو ما لا يريده جلهم، باعتبار أن تونس مجرد محطة عبور لا أكثر نحو أوروبا.
إقامة تحت الاستغلال.. والعنصرية
لم تتوقف التحركات الاحتجاجية للأفارقة المقيمين في تونس رفضا لما تعانيه الجاليات من جنوب الصحراء من ظروف إقامة واعتداءات وعنصرية بالإضافة إلى التهديد المتكرر بالترحيل وإعادة الكثير منهم إلى بلدانهم الأصلية.
آخر التحركات الاحتجاجية كانت تلك الهجمة التي تعرض لها مطار تونس قرطاج يوم 6جويلية المنقضي بعد اقتحام عدد كبير من الجاليات الإفريقية لصالة المطار بنية مغادرة البلاد تجاه أوروبا وهو ما دفع بالأمن المرابط هناك للاشتباك مع المقتحمين وتشتيتهم.
وألقت هذه الحادثة الضوء على واقع المهاجرين الأفارقة بالبلاد، وكان الامتياز في هذا الإطار للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بعد تقريره الأخير أين رصد فيه وضعية المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء في تونس.
وخلص المنتدى إلى أنه لم يعد بالإمكان أن تواصل تونس سياسة التعتيم والغموض في تعاملها مع قضايا الهجرة، أو مواصلة الادّعاء بأنها "منطقة عبور" فقط لا غير والحال أنّ كثيرا من المهاجرين يقصدونها إلى العمل والاستقرار بها عدا عمّن يحتمون بها طالبين اللجوء على أراضيها.
كما أصبح من المعيب في حق الجمهورية الثانية تواصل الانتهاكات التي تطال المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء وخاصة الوضعيات الأكثر هشاشة من النساء والأطفال في غياب إطار قانون محيّن يحمي حقوق الأشخاص ضمن تدفقات الهجرة المختلطة ويدفع بهم نحو براثن الهشاشة والاتّجار بالبشر والعنصرية والاحتجاز.
ظروف المعيشة في تونس
كشف المنتدى أن ولايات الجمهورية التونسية تستقبل المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء. إلا أن الولايات أو الجهات التي تعتبر الأكثر استقبالا للمهاجرين هي المناطق الحضرية وبشكل رئيسي في تونس العاصمة 34٪، ثم صفاقس 20.10٪، وبدرجة متساوية نجد مدنين 14.50٪ وأريانة 14.10٪ وبدرجة اقل نجد سوسة 12.30٪، هذا التنوع في الوجهات تبرره تعدد المسارات وأهداف الهجرة الخاصة بكل فرد وكذلك الموقع والانتساب الجغرافي للجهات الفاعلة التي تتدخل في هذه العملية.
المسكن..
غالبية أفراد العينة الذين تم استجوابهم يقيمون في منازل مشتركة وهم يمثلون77٪. في حين أن 10٪ يقيمون في مراكز الإيواء التابعة للمنظمات الدولية والخاضعة للهلال الأحمر التونسي. ويتوزع الباقون كالأتي: 6٪ يقيمون في سكن فردي 4٪ يقيمون في سكن عائلي 2٪ يقيمون في مكان العمل في حين أن 1٪ من أفراد العينة دون مأوي.
طبيعة الأفراد الذين يقيم معهم المهاجر
يشارك غالبية المهاجرين 85٪ في السكن سكان بلدانهم الأصلية، في حين نجد أن المهاجرين القادمين من ليبيا يجدون أنفسهم مع عديد المهاجرين من جنسيات مختلفة ويمثلون14٪. كما نجد نسبة ضعيفة 1٪ يشارك المسكن مع تونسيين.
48٪ من أفراد العينة يرجعون سبب اختيارهم هذا النوع من السكن إلى صعوبة الحصول على سكن في تونس. وقد انقسمت هذه الأسباب بين ما يتعلق بوضعيتهم القانونية وما يتعلق بالمشاكل المادية، وتجدر الإشارة كذلك إلى أن المهاجرين الذين يقيمون في مساكن مشتركة 90.20٪ يشعرون بالراحة والرضا في حين أن المهاجرين الذين يقيمون في المبيتات الخاضعة للمنظمات 9.80٪ عبروا عن عدم ارتياحهم نظرا لتعدد أصول المهاجرين وتعدد ثقافاتهم.
كيفية الاستقبال من قبل المجتمع التونسي
حسب نتائج الدراسة فان41٪ من أفراد عينة البحث عبروا عن حسن استقبالهم من قبل المجتمع التونسي و13٪ اعتبروا أن الاستقبال كان متوسطا، في حين أن 40٪ عبروا عن سوء استقبالهم من قبل التونسيين.
السلوك تجاه المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء
يعتبر 61٪ من المهاجرين القادمين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء أن التونسيين عنصريين، في المقابل نجد 13٪ فقط من يعتبرونهم غير عنصريين.
التعرض لأفعال عنصرية في تونس
نسبة 51.1٪ من مجموع أفراد العينة تعرضوا لأعمال عنصرية وكراهية من قبل التونسيين، وقد تمثلت هذه الأعمال في: الشتائم 89.60٪، العنف الجسدي 33.90٪، التحيل 29.60٪، الانتهاكات 22.90٪، الابتزاز 7.80٪، وعدم الاحترام 4٪.
العنصرية ضد المهاجرين
يمكن تبويب مصادر أعمال العنف التي مورست على المهاجرين إلى قسمين، نجد الأعمال الفردية والتي قام بها المواطنون 87.20٪ إلى جانب سائقي سيارات الأجرة 56.80٪ وأصحاب المحلات التجارية 3٪. إلي جانب هذا النوع من العنف نجد العنف المؤسساتي حيث نجد: مراكز الأمن9.60٪، ومكاتب الاستقبال 6.60٪، والمؤسسات الخاصة 5.50٪، ورؤساء العمل 5٪ والموظفين بنسبة 4.60٪.
من طلاب علم.. إلى طلاب استقرار
لوحظ خلال السنوات الأخيرة الارتفاع الكبير لعدد الطلبة الأفارقة في تونس، وانطلقت بلادنا في فتح أبواب جامعاتها أمام الطلبة الأجانب منذ 1968. وإلى حدود أواسط التسعينيات من القرن الماضي، كان عدد هؤلاء الطلبة يبلغ بضع مئات يأتون من المغرب العربي، وبدرجة أقل من المشرق ودول إفريقيا جنوب الصحراء، وكان أغلبهم يتمتع بمنح مقدمة من حكومات بلدانهم أو من الدولة التونسية في إطار اتفاقيات التعاون الثنائي. ومنذ أواخر التسعينيات وبداية الألفية الثالثة بدأت تتغير ملامح الوجود الطلابي الأجنبي في تونس حسب تقرير إعلامي لمؤسسة روزا لوكسمبورغ.
ومع ارتفاع عدد الجامعات الخاصة تزايد عدد الطلبة الأجانب في تونس وأصبحوا بالآلاف، والأغلبية الساحقة تأتي من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
وينحدر أغلب الطلبة القادمين إلى تونس من بلدان الساحل وغرب إفريقيا عموماً، أولا بحكم قرب هذه المنطقة من المغرب العربي وثانياً لكون مواطنو أغلب هذه الدول معفيين من تأشيرة الدخول لتونس، وبإمكانهم البقاء فيها لمدة تساوي 90 يوماً دون الحاجة إلى أوراق إقامة.
وحتى الذين يأتون من دول ليست لديها اتفاقيات ثنائية مع تونس، يستطيعون الحصول على تأشيرة بسهولة بمجرد استظهارهم ما يثبت تسجيلهم بجامعة تونسية وهو ما دفع ببعض المهاجرين لتدليس صفة "طالب" ضمانا لبقائه في تونس.
وقامت الوحدات الأمنية التابعة لفرقة الشرطة العدلية باريانة الشمالية يوم 27 أكتوبر الماضي بالاحتفاظ بأفارقة قاموا بتدليس الوثائق لاستغلالها في استخراج شهادات الإقامة بالبلاد التونسية وذلك اثر اشتباه مكتب الأجانب في صحة الوثائق التي قدمها شخصان زعما أنهما يدرسان بالجامعة.
وخلال التحري معهما اعترفا بحصولهما على الوثيقتين من طرف شخص آخر مختص في تدليس الوثائق، بالتنسيق مع النيابة العمومية تم مداهمة محل سكناه بالعاصمة والقبض عليه أين تم حجز 64 وثيقة مدلسة من بينها شهادات علمية ووثائق أخرى معرفة بالإمضاء يتولى التفويت فيها مقابل مبلغ مالي قدره 700دينار.
تونس من الحلم إلى المأساة
وعلى اعتبار أن تونس بالنسبة للبعض من المهاجرين الأفارقة ممرا ضروريا للقارة الأوروبية، فقد خيّر الكثير منهم ركوب الأمواج في رحالات عبور غير آمنة إلى الضفة الأخرى على أمل الوصول إلى السواحل الايطالية انطلاقا من تونس أو السواحل الاسبانية انطلاقا من المغرب.
وإذ يشترك العديد من التونسيين وأفارقة جنوب الصحراء في حلمهم في الوصول إلى أوروبا فإنهم يشتركون في المأساة أيضا إذ كثيرا ما يتحول حلمهم بالقارة القديمة إلى كابوس تنتهي تفاصيله في قاع البحر.
وسجّل عدد المهاجرين التونسيين غير النظاميين الواصلين إلى ايطاليا، زيادة، خلال شهر ماي 2022، مقارنة بنفس الفترة من سنة 2021 بـ57.5 بالمائة، حسب ما ورد في نشرية شهر ماي 2022 للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول الاحتجاجات والعنف ومحاولات وحالات الانتحار والهجرة غير النظامية.
وشهد شهر ماي الماضي وصول 947 مهاجرا تونسيا غير نظامي إلى السواحل الايطالية مقابل 601 خلال نفس الفترة من سنة 2021 وبلغ عدد المهاجرين التونسيين الواصلين إلى ايطاليا منذ بداية سنة 2022 والى حدود موفى ماي من نفس السنة، 2206 مهاجرا أي بنسبة 11 بالمائة من جملة الواصلين إلى ايطاليا من جنسيات أخرى.
ولاحظ الباحث والكاتب التونسي محمد رامي عبد المولى انه "لا شيء ينبئ بأن نزيف الهجرة الإفريقية سيتوقف قريباً. لا شيء أيضا ينبئ بأن تونس ستستفيد شيئاً من تبعيتها للاتحاد الأوروبي ولعب دور خفر السواحل."
وأضاف أن "تعزيز العلاقة مع دول جنوب الصحراء والاتجاه أكثر نحو الاتحاد الإفريقي هو الحل المنطقي. هذا الاتجاه يجب أن يتأسس على الندية لا على النظر لإفريقيا كمجرد أسواق تصدر إليها البضائع والكفاءات التونسية. يعني ذلك أنه يجب على الدولة التونسية أن تعدّل قوانين الهجرة والإقامة والعمل، وتجعلها أكثر مرونة. كما على المجتمع التونسي أن يتخلص من أوهامه الجغرافية - التاريخية: أقرب إلى أوروبا وأفضل من إفريقيا.
وختم الباحث والكاتب التونسي محمد رامي عبد المولى "من المعيب أن يكون قرابة خمس شعبك مهاجِراً في أصقاع الأرض في حين تقمع أنتَ المهاجرين وتقيد حريتهم في التنقل."
نسب الجريمة تواكب نسبة ارتفاع أعدادهم
مع ارتفاع إعداد المهاجرين أصلي جنوب الصحراء إلى تونس تطورت نسب الجريمة داخل أوساط الوافدين الأفارقة لتتراوح بين تدليس وثائق رسمية وبيع الخمر خلسة وتكوين وفاق إجرامي والدعارة وترتيب والتوسط لعمليات الحرقة.
ففي ليلة 27 ديسمبر 2021 تمكّن فريق أمني يضمّ كلّا من الشرطة العدلية ومركز الشرطة في سكرة وفرقة النجدة في أريانة من القبض على 8 أشخاص من الأفارقة أصيلي جنوب الصحراء إثر مطاردة متّهمين بالضلوع في محاولة قتل شاب تونسي طعنا بالسكين والمشاركة في معركة، وأكد مصدر أمني أنه تم حجز كمية هامة من المشروبات الكحولية ومواد مخدّرة لدى الموقوفين كانوا ينوون الاتّجار بها.
وفي 31جانفي 2022 كشف فؤاد الدريدي رئيس مكتب الإعلام بنقابة الأمن الوطني بتونس أنّه تمّ إيقاف 8 أفارقة بتهمة تصنيع وبيع الخمر خلسة كاشفا أن الموقوفين كانوا يصنعون كحولا منزلية خاصة ببلدهم ويبيعونها مبرزا أن مرابيح بيعها تتراوح بين 30 و45 ألف دينار يوميا.
أما بجهة صفاقس وبتاريخ 26جويلية 2022 نفذ شاب من أصول أفريقية براكاج لشاب تونسي في منطقة الحفارة بصفاقس.
وقد قام منفذ البراكاج بإفتكاك دراجة المتضرر وتعنيفه بالقرب من منزله كما عمد عدد من الأفارقة إلى رشق السيارات المارة بالحجارة.
هذا وقد تحولت الوحدات الأمنية على عين المكان وقامت بإيقاف 63 إفريقيا منهم من يبيع الخمر خلسة في منزل مهيأ للكراء.
خطف وابتزاز
أقدم عدد 2 أنفار أفارقة يوم 22 مارس 2022 على اختطاف رجل أعمال أجنبي من منطقة عين زغوان ليتم التوجه به إلى منزل على وجه الكراء بمنطقة سكرة دار فضال .
وأقر كاتب عام اتحاد نقابات الامن بأريانة عز الدين الفطحلي ان المختطفين امرأة وصديقها، اختطفا الرجل وقيداه "بتل" من اجل ابتزاز عائلته في فرنسا وطلب الفدية.
وأفاد الفطحلي ان المختطفين طالبوا بالاموال من اجل المشاركة في عملية هجرة غير نظامية.
في تدخل امني اخر تمكن أعوان منطقة الأمن الوطني بأريانة الشمالية بالتنسيق مع اقليم الأمن الوطني بنابل من تحرير طفل عمره 3 أعوام تم اختطافه من نابل وإخفاؤه بمدينة رواد.
وانطلقت التحريات بعد إبلاغ والد الطفل لأعوان الأمن بأن شابا من احدى دول الصحراء بافريقيا اتصل به على هاتفه وأحاطه علما باختطاف ابنه، عارضا عليه تسليمه مبلغا ماليا قدره أكثر من 70 ألف دينار لقاء استعادة ابنه.
شقق للدعارة
نجح أعوان مركز الأمن الوطني بحي التحرير (ولاية تونس) يوم10 أوت 2021 بناء على توفر معطيات مفادها تحويل مجموعة من الشبان الأفارقة شقتهم الى وكر للدعارة وممارسة البغاء السري.
وعليه تم اتخاذ الإجراءات القانونية بالتنسيق مع النيابة العمومية ليتم في مرحلة أولى مداهمة الشقة اين تم القبض على عدد 3 شبان من جنسيات افريقية مختلفة وحجز كمية من مادة القنب الهندي "زطلة".
تلقّى أعوان الأمن بمنطقة الأمن الوطني بأريانة المدينة يوم 5اوت 2022، معلومات، مفادها استغلال مجموعة من الأفارقة لشقة بجهة حي النصر لممارسة الجنس بمقابل مادي من خلال نشر تدوينات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتمّت مداهمة الشقة المذكورة حيث عُثر على 3 أشخاص من جنسيات إفريقية (امرأتين ورجل)، وعلى مجموعة من الهواتف الجوالة تتضمن مواعيد لممارسة الجنس.
أمن مواز
تمكنت فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بصفاقس، يوم 25 أوت 2021، من القيام بعملية مداهمة قانونية بعد التنسيق مع ممثل النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية صفاقس1، وإلقاء القبض على مجموعة من الأفارقة بإحدى الشقق بجهة الناصرية وسط مدينة صفاقس .
وتعمد الموقوفون إلى تكوين وفاق قصد “الاعتداء على الأملاك والأشخاص والتحيل في أخذ إمضاء أو التزام أو كتب وانتحال صفة والسرقة” متمثل بالأساس في تكوين مركز عدلي خاص بهم كنوع من أنواع الأمن الموازي الخاص بالأفارقة.
هذا ويتم بالمركز قبول عرائض وشكاوي الأفارقة وحل النزاعات وإرسال الإستدعاءات العدلية والقيام بعمليات مداهمات دون اللجوء للوحدات الأمنية المحلية، وقد تم ضبط تجهيزات وآلات طباعة داخل الشقة إلى جانب دفاتر خاصة بضبط الشكايات ونماذج استدعاءات عدلية وأختام مختلفة وجوازات سفر خاصة بمجموعة من المتضررين الأفارقة وهواتف جوالة وحوالات مالية بريدية ومجموعة من الأموال التي تم حجزها وإيقاف عناصر العصابة الستة في انتظار إحالتهم على العدالة.
باحثة في علم السكان: تونس من ارض للعبور.. إلى مكان للإقامة
ينحدر معظم المهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا جنوب الصحراء، ويتنقلون في مجموعات، ويعملون في الفلاحة والبناء والمقاهي والمطاعم ومعينات منزليات... همهم "العبور نحو أوروبا حيث تتوفر ظروف عيش أفضل، لكنَّ آمالهم تخيب بمجرد إحباط دول الإتحاد الأوروبي لرحلاتهم البحرية، فيجدون أنفسهم إما عمَّالاً في مهن وضيعة كلَّها استغلال بدخل لا يكفيهم"، منهم من اختار الإقامة في تونس، وينتظر بصيص أمل، في إعادة التوطين في إحدى الدول الأوروبية، ومنهم من يتحين الفرصة للهجرة بطريقة سرية إلى السواحل الأوروبية.
وتقول الباحثة نعيمة الفقية، الدكتورة في علم السكان والأستاذة الجامعية بالمعهد العالي للدراسات التطبيقية في الإنسانيات بمدينة قفصة "كانت تونس دولة للهجرة والعبور، وأصبحت في السنوات الأخيرة بلدًا للإقامة يستقر فيها عدد هام من المهاجرين وطالبي اللجوء الوافدين في أغلب الأحيان من دول إفريقيا جنوب الصحراء. وتتعدد الأسباب التي دفعت الوافدين إلى اتخاذ قرار مغادرة بلدانهم الأصلية منها الهروب من الفقر، وغياب الأمن، والنزاعات المسلحة الداخلية، والكوارث الطبيعية.
ولا زالت هذه الأسباب تحفز آلاف الأشخاص على القيام برحلات طويلة عالية المخاطر ومرتفعة الكلفة نحو ليبيا التي جعل منها موقعها تمتلك حدودًا برِّية مع ست دول وهي السودان ومصر والتشاد والنيجر وتونس والجزائر، ونقطة مهمة لخطوط المهاجرين الذين جعلوا منها نقطة عبور نحو أوروبا حيث تتوفَّرُ ظروف عيش أفضل، لكنَّ آمالهم تخيب بمجرد إحباط دول الاتحاد الأوروبي لرحلاتهم البحرية، فيجدون أنفسهم إمَّا عمالا في مهن وضيعة كلّها استغلال بدخل لا تكفي لتوفير قوتهم اليومي مع العيش في أماكن غير صالحة للحياة الإنسانية.
مخاوف من تغيير في الهندسة الاجتماعية
تحولات المشهد اليومي تؤكد أن تونس لم تعد تلك المحطة الرابطة بين حلم الهجرة والمهاجرين بل أضحت موطنا لأفارقة جنوب الصحراء، فمشاهد الوافدين الجدد تكاد تتكرر كل يوم زد على ذلك ارتفاع نسب الولادات بما يعنيه ذلك من استقرار وإقامة دائمة.
وبات واضحا أن نية الاستيطان شكلت محور اهتمام أوروبي لا بسبب إغلاق الحدود شمالا بل أيضا بتعيين تونس شرطيا وحارسا لبوابتها جنوبا.
ومع الإبقاء عليهم في تونس باتت التخوفات اكبر من تغيير منتظر في الهندسة الاجتماعية للبلاد بسبب التدفق الإفريقي وعجز الحكومات عن إيجاد حلول من خارج دوائر الفرض الأوروبي.
إذ لم تخل برامج المساعدات الاتحاد الأوروبي من استعمال التنمية في تونس كورقة ضغط سياسي لفرض شرط استقبال المهاجرين الأفارقة ومنع تسربهم إلى ايطاليا واسبانيا ومالطا ومنها إلى بقية دول منطقة شنغان.
ودشن الاتحاد الأوروبي قبل سنوات "الصندوق الائتماني الأوروبي للطّوارئ من أجل أفريقيا" لمحاربة الهجرة غير النظامية وعودة المهاجرين وإعادة دمجهم في بلدانهم .
في عام 2015 وفي ظل ذروة تدفق مئات الآلاف من اللاجئين إلى بلدان الاتحاد الأوروبي، تعرض قادة الحكومات الأوروبية للكثير من الضغوط للتحرك على نحو عاجل لحل هذه الأزمة.
وخلال اجتماع مع زعماء بلدان أفريقية في مالطا، قرر التكتل الأوروبي ضخ الكثير من الأموال لمواجهة أزمة الهجرة غير النظامية، بيد أن هذه الأموال لم تُخصص للمساعدة في دمج آلاف الأشخاص ممن وصلوا إلى الاتحاد الأوروبي بل كانت ترمي إلى "معالجة الأسباب الأساسية والجوهرية وراء الهجرة غير النظامية"، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تقليل إقدام الكثيرين من الأفارقة على التوجه إلى أوروبا في رحلات يحفها الموت من كل اتجاه.
سعي أوروبا لإنقاذ أجيالها من الهجرات السرية من الجنوب دفعها لتوطين أفارقة جنوب الصحراء بالأساس ببلدان تونس والمغرب وليبيا والجزائر ومصر، هكذا دافع أعطى الفرصة الذهبية لبعض العرقيات الإفريقية لإعادة الحديث عن إفريقيا السوداء من الشمال إلى الجنوب.
إفريقيا المركزية.. أو Afrocentric
بالعودة إلى مصطلح "الافروسنتريك" فان ابسط تعريف متعارف عليه أنها عبارة عن حركة عالمية عنصرية تتمحور حول التعصب العرقي للزنوج حيث يؤمن أصحاب هذا الرأي بان "القارة السوداء للأفارقة السود".
وقد كانت تونس سنة 2017 تحت وقع مثل هذا التهديد بعد زيارة الناشط الإفريقي ذي الأصول الكونغولية(Mwazulu Diyabanza) ماوازولو ديابنزا على خلفية قتل طالب ايفواري اثر عملية براكاج بمنطقة البحر الأزرق بمدينة المرسى.
وفي أولى تصريحاته خلال حلوله بمطار قرطاج قال الناشط الكونغولي "إما إرجاع تونس سوداء اللون أو تدميرها من أعلى إلى أسفل ومن كل أطرافها وضواحيها"، وشكل هذا التصريح قلقا امنيا مما استدعى تدخل النيابة العمومية للإذن بإيقاف (ماوازولو ديابنزا) ليطلق سراحه لاحقا.
ولم تكن تونس الضحية الأولى المهددة مغاربيا حيث كانت المغرب وموريتانيا ضحايا هكذا توصيفات مما انشأ لدى العديد منهم حالة نفسية أطلق عليها "رهاب السود" أو "النيقروفوبيا".
خليل الحناشي