مرّة أخرى تجد وجوه سياسية معارضة، نفسها، في وضع حرج، في علاقة بالشارع وبالمواطنين الذين يرفضون تصديقها أو التعاطي معها.. فنجيب الشابي لم تشفع له مسيرته النضالية الطويلة في مواجهة الدكتاتورية والدفاع عن قيم الحرية والجمهورية من أن يتعامل معه مواطنون أول أمس في المنيهلة بطريقة فجّة لا تليق بتاريخ الرجل ..
يبرّر البعض ذلك، بأنه مفتعل وأن من هاجم نجيب الشابي وقيادات جبهة الخلاص الذين كانوا برفقته هم من أنصار الرئيس الذين حاولوا أن يسوّقوا الأمر وكأنه رفض شعبي لجبهة الخلاص..، رغم أن مع حصل أول أمس في المنيهلة، حصل قبل ذلك في قفصة وتوزر وتم طرد قيادات جبهة الخلاص التي تحاول اليوم أن تبرز في المشهد وكأنها قطب المعارضة القوي والذي يحتكر الصراع مع قيس سعيّد ويطرح نفسه كبديل لمسار 25 جويلية..
ولكن هذا الإصرار من جبهة الخلاص يقابله فتور في التجاوب من الشعب والمواطنين رغم تقاطع أغلبهم مع القوى المعارضة، صراحة في التعبير عن خيبة أملهم في المسار الجديد ويتقاطع بعضهم مع المعارضة في رفضها وشكوكه بشأن إمكانية نجاح قيس سعيّد في تحقيق وعوده للتونسيين ولكن رغم هذا الرفض فان أغلب التونسيين لا يبدون حماسا في دعم المعارضة واسنادها في مواجهتها السياسية مع قيس سعيد.
معارضة »منبوذة «
منذ سنوات وقبل حتى إجراءات 25 جويلية، شهدت الساحة السياحة عملية ترذيل واسعة كانت تتغذّى بشكل مستمر من صراعات الأحزاب والقوى السياسية التي انشغلت عن مطالب الشعب واستحقاقاته واحتياجاته بالصراع على السلطة والحكم وخاصة بعد انتخابات 2019 حيث غرق المشهد البرلماني في صراع لا ينتهي بين حركة النهضة من جهة وتوابعها حزبي قلب تونس وائتلاف الكرامة والدستوري الحر من جهة أخرى، وهذا الصراع الطاحن بينهما أساء كثيرا الى المشهد السياسي والحزبي وعطّل عمل البرلمان وأثر على الأداء الحكومي بشكل مباشر .
وقد رأينا تبادلا للعنف وتشابكا بالأيدي ودماء تسيل في ذلك البرلمان الذي بات عاجزا وكسيحا، حتى أن رئيس المجلس راشد الغنوشي عجز عن إدارة الجلسات وبات يتفادى ان يترأس تلك الجلسات البرلمانية التي كانت مليئة بالمشاحنات والاتهامات والسباب..، كل ذلك دفع إلى أن تكون الأجواء البرلمانية دائمة الاحتقان وعلى وشك الانفجار في كل لحظة..، وهذا المناخ المتوتر والمشحون حزبيا أحسن قيس سعيد استثماره وساهم بدوره في ترذيل الأحزاب والقوى السياسية وهاجمها أكثر من مرة واعتبر انها لا تستجيب لا لطلبات الشعب ولا لشواغله الرئيسية .
وكان المشهد البرلماني المبتذل أحد العوامل الرئيسية التي دفعت سعيد الى المضي قدما في إجراءات 25 جويلية ودون تردّد.. حتى ان قراره وقتها استقبل بالكثير من الترحاب من طرف أغلب الشعب الذي رأى في الأحزاب أن ديدنها الحكم والسلطة وأنها دائما ومنذ الثورة اعتادت ان تخلف وعودها الانتخابية الكاذبة.. هذه الصورة السيئة التي ارتسمت في ذهن العامة عن هذه القوى السياسية كانت واضحة جدا بعد تجميد البرلمان ومن بعد حلّه والرمي بأغلب الأحزاب خارج دائرة الفعل والقرار السياسي..، حيث لم يهب الشعب لنجدتهم او لإسنادهم في الدفاع عن الديمقراطية ولا على البرلمان وفشلت كل الأحزاب من ذلك التي تزعم ان لها شعبية وجماهيرية واساسا حركة النهضة في حشد الأنصار من أجل عودة البرلمان في مرحلة أولى أو من أجل اسقاط منظومة قيس سعيد فيما بعد ..
ونفس الشيء ينطبق على بقية الأحزاب التي فشلت في تحشيد الشارع وتثويره ضد مسار 25 جويلية رغم هنات هذا المسار وتعثراته الكثيرة ورغم الفشل الحكومي المطبق في إدارة الملف الاجتماعي والاقتصادي أساسا والذي جعل المناخ الاجتماعي شديد الاحتقان والغضب الا أن تصريف هذا الغضب مكتوم الى اليوم حتى لا تستفيد من ريعه الأحزاب والتي تنتظر هبة شعبية للركوب عليها وتوظيفها في صراعها مع سعيّد والاستثمار في نتائجها لاحقا .
وهذا ما سعت عليه جبهة الخلاص ونواتها الصلبة حركة النهضة التي مازالت الى اليوم تحاول بكل ما تملك من قوة استعادة شعبيتها الضائعة واستعادة قوتها ونفوذها السياسي في السلطة..، ولكن في كل مرة تُرفض ولا يتم التجاوب مع مطالبها ولا أهدافها شعبيا وهذا ما يضعفها أكثر مقارنة بقيس سعيد والذي رغم الأخطاء ما زال يحوز نسبة هامة من القبول الشعبي ومن ثقته.
منية العرفاوي
تونس – الصباح
مرّة أخرى تجد وجوه سياسية معارضة، نفسها، في وضع حرج، في علاقة بالشارع وبالمواطنين الذين يرفضون تصديقها أو التعاطي معها.. فنجيب الشابي لم تشفع له مسيرته النضالية الطويلة في مواجهة الدكتاتورية والدفاع عن قيم الحرية والجمهورية من أن يتعامل معه مواطنون أول أمس في المنيهلة بطريقة فجّة لا تليق بتاريخ الرجل ..
يبرّر البعض ذلك، بأنه مفتعل وأن من هاجم نجيب الشابي وقيادات جبهة الخلاص الذين كانوا برفقته هم من أنصار الرئيس الذين حاولوا أن يسوّقوا الأمر وكأنه رفض شعبي لجبهة الخلاص..، رغم أن مع حصل أول أمس في المنيهلة، حصل قبل ذلك في قفصة وتوزر وتم طرد قيادات جبهة الخلاص التي تحاول اليوم أن تبرز في المشهد وكأنها قطب المعارضة القوي والذي يحتكر الصراع مع قيس سعيّد ويطرح نفسه كبديل لمسار 25 جويلية..
ولكن هذا الإصرار من جبهة الخلاص يقابله فتور في التجاوب من الشعب والمواطنين رغم تقاطع أغلبهم مع القوى المعارضة، صراحة في التعبير عن خيبة أملهم في المسار الجديد ويتقاطع بعضهم مع المعارضة في رفضها وشكوكه بشأن إمكانية نجاح قيس سعيّد في تحقيق وعوده للتونسيين ولكن رغم هذا الرفض فان أغلب التونسيين لا يبدون حماسا في دعم المعارضة واسنادها في مواجهتها السياسية مع قيس سعيد.
معارضة »منبوذة «
منذ سنوات وقبل حتى إجراءات 25 جويلية، شهدت الساحة السياحة عملية ترذيل واسعة كانت تتغذّى بشكل مستمر من صراعات الأحزاب والقوى السياسية التي انشغلت عن مطالب الشعب واستحقاقاته واحتياجاته بالصراع على السلطة والحكم وخاصة بعد انتخابات 2019 حيث غرق المشهد البرلماني في صراع لا ينتهي بين حركة النهضة من جهة وتوابعها حزبي قلب تونس وائتلاف الكرامة والدستوري الحر من جهة أخرى، وهذا الصراع الطاحن بينهما أساء كثيرا الى المشهد السياسي والحزبي وعطّل عمل البرلمان وأثر على الأداء الحكومي بشكل مباشر .
وقد رأينا تبادلا للعنف وتشابكا بالأيدي ودماء تسيل في ذلك البرلمان الذي بات عاجزا وكسيحا، حتى أن رئيس المجلس راشد الغنوشي عجز عن إدارة الجلسات وبات يتفادى ان يترأس تلك الجلسات البرلمانية التي كانت مليئة بالمشاحنات والاتهامات والسباب..، كل ذلك دفع إلى أن تكون الأجواء البرلمانية دائمة الاحتقان وعلى وشك الانفجار في كل لحظة..، وهذا المناخ المتوتر والمشحون حزبيا أحسن قيس سعيد استثماره وساهم بدوره في ترذيل الأحزاب والقوى السياسية وهاجمها أكثر من مرة واعتبر انها لا تستجيب لا لطلبات الشعب ولا لشواغله الرئيسية .
وكان المشهد البرلماني المبتذل أحد العوامل الرئيسية التي دفعت سعيد الى المضي قدما في إجراءات 25 جويلية ودون تردّد.. حتى ان قراره وقتها استقبل بالكثير من الترحاب من طرف أغلب الشعب الذي رأى في الأحزاب أن ديدنها الحكم والسلطة وأنها دائما ومنذ الثورة اعتادت ان تخلف وعودها الانتخابية الكاذبة.. هذه الصورة السيئة التي ارتسمت في ذهن العامة عن هذه القوى السياسية كانت واضحة جدا بعد تجميد البرلمان ومن بعد حلّه والرمي بأغلب الأحزاب خارج دائرة الفعل والقرار السياسي..، حيث لم يهب الشعب لنجدتهم او لإسنادهم في الدفاع عن الديمقراطية ولا على البرلمان وفشلت كل الأحزاب من ذلك التي تزعم ان لها شعبية وجماهيرية واساسا حركة النهضة في حشد الأنصار من أجل عودة البرلمان في مرحلة أولى أو من أجل اسقاط منظومة قيس سعيد فيما بعد ..
ونفس الشيء ينطبق على بقية الأحزاب التي فشلت في تحشيد الشارع وتثويره ضد مسار 25 جويلية رغم هنات هذا المسار وتعثراته الكثيرة ورغم الفشل الحكومي المطبق في إدارة الملف الاجتماعي والاقتصادي أساسا والذي جعل المناخ الاجتماعي شديد الاحتقان والغضب الا أن تصريف هذا الغضب مكتوم الى اليوم حتى لا تستفيد من ريعه الأحزاب والتي تنتظر هبة شعبية للركوب عليها وتوظيفها في صراعها مع سعيّد والاستثمار في نتائجها لاحقا .
وهذا ما سعت عليه جبهة الخلاص ونواتها الصلبة حركة النهضة التي مازالت الى اليوم تحاول بكل ما تملك من قوة استعادة شعبيتها الضائعة واستعادة قوتها ونفوذها السياسي في السلطة..، ولكن في كل مرة تُرفض ولا يتم التجاوب مع مطالبها ولا أهدافها شعبيا وهذا ما يضعفها أكثر مقارنة بقيس سعيد والذي رغم الأخطاء ما زال يحوز نسبة هامة من القبول الشعبي ومن ثقته.