إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بسبب انهيار القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار .. التجار يهجرون نحو الإقتصاد الموازي والدولة عاجزة

تونس- الصباح

يواجه الاقتصاد المنظم في تونس في الفترة الأخيرة، أزمة حادة، دفعت بعديد التجار الى الهجرة نحو الاقتصاد الموازي أو الاقتصاد غير المنظم، وذلك للبحث عن فرص استثمار أوسع، والتهرب من الأداءات الضريبية، وتوسيع الأنشطة التجارية في عديد المجالات، وهو الأمر الذي أضر بشكل لافت بالاقتصاد المنظم، مقابل ارتفاع نشاط الاقتصاد الموازي الى قرابة 56٪ وفق تقديرات خبراء الاقتصاد.

واللافت للانتباه اليوم أن الاقتصاد الموازي سجل نموا خلال السنتين الأخيرتين، تزامنا مع ظهور جائحة كوفيد-19 ، حيث كان لا يراوح 50٪ من الأنشطة الاقتصادية، ليرتفع مع منتصف سنة 2022 ، الى أكثر من 56٪، وهناك تقديرات غير رسمية تؤكد ارتفاع نسبة الاقتصاد الموازي في البلاد الى قرابة 60٪ ، وهي نسبة شديدة الخطورة على الاقتصاد الوطني الذي يشكو عجزا فادحا، وبالتالي أصبح يسيطر على الدورة الاقتصادية للبلاد، خصوصا، وأنه أصبح ملاذ المواطن التونسي في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، وكثير من التونسيين يقتنون على سبيل المثال المواد المدرسية من السوق الموازية حيث أنها أصبحت الوجهة الأساسية للمواطن بسبب تدهور قدرته الشرائية، بالإضافة الى البنزين المهرب، والذي يشهد إقبالا عليه في اغلب المناطق الحدودية، بعد الارتفاع اللافت في أسعار المحروقات في تونس.

تضرر التوازنات المالية للدولة

ويحذر خبراء الاقتصاد، ومن بينهم الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان من تضرر التوازنات المالية للدولة، ومداخيلها الجبائية ويجعل من العملية معقدة، ويتطلب الأمر الشروع الفوري في عملية إصلاح هيكلية للاقتصاد الوطني، وإعادة ضم النشاط الموازي في الدورة الاقتصادية المنظمة، عبر العديد من الإجراءات المحفزة، علما وان إحصاءات المعهد الوطني للإحصاء في تونس، أظهرت أن حوالي مليون و600 ألف تونسي، من مجموع 3 ملايين و570 ألف شخص من بين اليد العاملة النشيطة في البلاد، أي بنسبة لا تقل عن 44.8 في المائة من العاملين، يشتغلون، في ما يُتعارف عليه بالعمل غير المنظم أو الاقتصاد الموازي.

وتعمل هذه الفئة من التونسيين في أنشطة اقتصادية متنوعة يجمع بينها غياب التراخيص الرسمية أو دفع الضرائب للدولة أو التكفل بالنفقات الصحية ومصاريف الضمان الاجتماعي للعاملين والعاملات، ومن بينهم القادمون من الأرياف للعمل في حظائر البناء والحدادة والنجارة وغيرها من المهن اليدوية، سواء في العاصمة أو المدن الساحلية، وبعضهم من أصحاب المحلات التجارية الصغيرة والكبيرة التي تعرض البضائع المقلدة والموردة عبر الحدود، ضمن أنشطة تعتمد على التهريب.

رغم الإجراءات.. الظاهرة في تنام مستمر

وما يلفت الانتباه خلال السنتين الأخيرتين، دخول المهاجرين الوافدين من جنوب الصحراء في الاقتصاد غير المنظم، حيث باتوا من أهم المحركين للدورة الاقتصادية الموازية عبر تهريب البضائع المقلدة عبر الحدود التونسية وتزويد التجار بها، وهذه مخاطرة كبيرة جدا على الدورة الاقتصادية في البلاد، وأيضا على الدولة التونسية بشكل خاص.

وأقر قانون المالية لسنة 2022 عفوا جبائيا يشمل الديون الجبائية المثقلة والخطايا والعقوبات المالية والمخالفات الديوانية، مرورا الى تسوية الوضعية الجبائية للمداخيل المتأتية من أنشطة غير مصرح بها(الاقتصاد الموازي)، وحسب ما أعلن عنه كاهية مدير الإدارة العامة للأداءات كمال بن صالح، مؤخرا ،في تصريحات إعلامية، فإن العفو الجبائي الصادر في قانون ميزانية سنة 2022، تضمن جملة من الحوافز التي تحفظ الموارد المالية للدولة وتخفف العبء على المواطنين.

وأضاف كمال بن صالح أن العفو الجبائي الذي تضمنه قانون المالية لسنة 2022، يعد فرصة كبيرة لمن ينشطون في الاقتصاد الموازي لتسوية وضعياتهم القانونية مع الدولة، مؤكدا أن الأموال المتوفرة لدى هذه الفئة ممن ينشطون في الاقتصاد الموازي والسوق السوداء لا يمكنهم التصرف في أموالهم بشكل قانوني باعتبار أن كل اقتناء للعقار أو استثمار لهذه الأموال يعرض صاحبه للمساءلة القانونية والتتبعات، في حين يضمن قانون المالية لسنة 2022 لهذه الفئة من الناشطين في الاقتصاد الموازي فرصة للاستثمار في العلن وشراء العقارات والقيام بالتحويلات المالية القانونية، لافتا الى انه مهما كان المبلغ الذي سيقع إيداعه والتصريح به، فإن معدل نسبة الخصم للدولة ثابتة وهي في حدود 10٪،، وبالتالي بإمكان المعني بالأمر التصرف في كافة أمواله بشكل قانوني والقيام بالتحويلات المالية والاستثمار وشراء العقارات.

وأكد بن صالح أن كل شخص لديه أموال غير مصرح بها مهما كان حجم المبلغ، بإمكانه إيداعها في البنك والحصول على وثيقة فورية من البنك لاستخلاص نسبة 10 ٪ في القباضة المالية، وبالتالي يصبح الشخص في وضعية قانونية صرفة وبإمكانه التصرف في أمواله مثلما يشاء في الاقتصاد المنظم.

الرفع من حجم السيولة في البنوك

وبخصوص تأثير الاقتصاد الموازي على الوضع المالي في تونس والذي يمثل أكثر من 17 مليار دينار، دعا الخبير الاقتصادي احمد كرم في تصريحات سابقة لـ"الصباح" بضرورة عمل الدولة مع كل الفاعلين في المجال الاقتصادي و المالي لوضع إستراتيجية وطنية تعمل على إدماج العاملين في القطاع الموازي داخل القطاع الرسمي وبالتالي إعادة هذا الحجم من الأموال المتداولة ضمن المسالك البنكية الرسمية باعتماد عديد الآليات المتاحة لدى المؤسسات البنكية والتي تعتمد على الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة.

ويرى خبراء المالية والمحاسبة أن إجراءات الحد من سقف التداول في عمليات البيع والشراء والنزول به الى 3000 دينار، هي خطوات تحد من التهرب الضريبي والرفع من حجم الأموال المتداولة على مستوى البنوك، والحد من التلاعب والتحيل، بالإضافة الى إرساء عدالة ضريبية، لذلك من الضروري حسب المختصين في الجباية والاقتصاد من إتباع أسس وفرضيات علمية لمعرفة حجم التهرب الضريبي أهمها التوازن الاقتصادي وعدد التصاريح الجبائية والوعي بأهمية دفع معلوم الجباية للدولة وانه واجب على الجميع.

وبحسب تقرير نشره المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول القطاع الموازي في تونس، وانعكاساته السلبية على الاقتصاد التونسي، فقد كشف عن ارتفاع نسبة الاقتصاد الموازي منذ سنة 2011، فقبل الثورة كان الاقتصاد الموازي يمثل 30 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وبعد الثورة أصبح يشكل حوالي 53 بالمائة، ووفق تقديرات رسمية بلغ اليوم قرابة 60٪ .

النقد الدولي يطالب بالاستفادة من الاقتصاد الموازي

وهناك تقديرات تصدرها الحكومة وأخرى تصدرها منظمات محلية أو دولية، ورغم اختلافها، إلا أنها تجمع في المحصلة على أن الاقتصاد الموازي يساهم على الأقل بأكثر من 50٪ من الناتج الداخلي الخام، وحسب دراسات دولية، فإن الاقتصاد الموازي يشغِّل قرابة 75 في المائة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة،.

وتظل الدعوات الرامية الى إلحاق الاقتصاد الموازي بالمنظم، أحد ابرز النقاط التي يدعو إليها صندوق النقد الدولي في مفاوضاته مع تونس، رغم ما يكتسيه من خطورة لدى أوساط اقتصادية أخرى، اعتبرته ملاذا شرعيا للبعض لتبييض الأموال، وقد يجر البلاد الى مستنقع العقوبات الدولية مجددا.

إلا انه ومنذ تصاعد الأزمة الاقتصادية في العالم، خاصة في الفترة الأخيرة، أقر العديد من الخبراء بضرورة تسريع نسق إدماج الاقتصاد الموازي بالمنظم ، وذلك كخطوة استباقية لتوفير مداخيل إضافية لخزينة الدولة، في ظل حالة عدم اليقين، التي تخيم على المسار الإصلاحي في تونس، علما وأن الحكومة الحالية باشرت في دمج الاقتصاد الموازي في المنظومة عبر قانون المالية لسنة 2022، للاستفادة من السيولات المالية التي يوفرها باعتباره يمثل 60 في المائة من الاستثمارات والأموال المتداولة، إلا انه مع تنامي الأزمة الاقتصادية في تونس، وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين، ارتفع عزوف التجار عن الانخراط في الاقتصاد المنظم، بل ولوحظ خلال الاشهر القليلة الماضية، هروب المئات من التجار في الاقتصاد المنظم الى الاقتصاد الموازي، والذي يعتبره البعض ملاذا آمنا، بعيدا عن الدوائر الرقابية للدولة، في ظل تنامي الأزمة المالية في البلاد، ما يعد فشلا ذريعا في معالجة الاقتصاد التونسي الجريح.

انعكاسات خطيرة على الاقتصاد الجريح

ويرى اغلب الخبراء في الشأن الاقتصادي في تصريحات لـ"الصباح" أن معالجة ظاهرة التهريب والاقتصاد الموازي تتطلب رسم رؤية شاملة ومتكاملة تشارك فيها جميع الخبرات التونسية، منبهين إلى خطورة تفاقم هذه الظاهرة التي أصبحت تسيطر على الاقتصاد الوطني، والتي تتفاقم من سنة إلى أخرى ، وفشلت جميع الحكومات المتعاقبة وصولا إلى حكومة نجلاء بودن في معالجتها، خاصة وأن الأرقام الرسمية تشير إلى أن الاقتصاد الموازي أصبح يسيطر على الدورة الاقتصادية وفاق نسبة 56% من معاملات الاقتصاد التونسي.

ويؤكد الخبراء، ان معالجة تنامي الاقتصاد الموازي، تكمن في تشغيل محركات الاقتصاد الوطني، وتوفير مناخ تكون فيه المؤسسات الاقتصادية المنتجة قادرة على خلق الثروة وتوفير منتوجات بأسعار في متناول الجميع، بالإضافة إلى القيام بإصلاحات جبائية عميقة وعادلة، وفي أسرع الآجال، حتى يتم إيواء الاقتصاد الموازي تدريجيا في الاقتصاد المنظم، وفي ذلك منفعة كبيرة للدولة التونسية.

وكان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، قد نشر مؤخرا ، تقريرا حول القطاع الموازي في تونس وانعكاساته السلبية على الاقتصاد التونسي ، وأشار المنتدى الى العلاقة الوثيقة بين الفقر والبطالة، وانتشار الاقتصاد الموازي في ظل الحكومات المتعاقبة .

وبحسب التقرير ارتفعت نسبة الاقتصاد الموازي منذ سنة 2011 ، حيث كان الاقتصاد الموازي يمثل 30 بالمائة من الناتج الداخلي الخام و بعد الثورة أصبح يشكل حوالي 53 بالمائة، لافتا الى أن الاقتصاد الموازي يتغذى من أزمة القطاع الاقتصادي المنظم ، فكلما كان الاقتصاد المنظم في أزمة ارتفع منسوب الاقتصاد الموازي ، وهناك علاقة وثيقة بارتفاع مستوى الفقر في البلاد.

وفي البلدان المتقدمة بالكاد يتجاوز الاقتصاد الموازي 10 بالمائة مثل ايطاليا على سبيل المثال، أما في البلدان النامية تصل نسبة الاقتصاد الموازي الى حدود 50 و 60 بالمائة من الناتج الداخلي الخام وهو ما سجلته العديد من التقارير الرسمية في بعض بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وأيضا شمال إفريقيا .

وكشف تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية انه يوجد ما بين 25 و30 نسمة يعيشون من تجارة التهريب في بن قردان، ويبلغ رأس مال كل تاجر جملة حوالي 300 ألف دينار، فيما يبلغ رأس مال تجار الجملة البالغ عددهم 60 تاجرا حوالي 18 مليون دينار. ويتم تهريب حوالي 300 ألف لتر من الوقود يوميًا من ليبيا الي تونس اي 110 مليون لتر سنويا. ويتراوح حجم التبادل اليومي من عمليات التهريب بين مليون و3 ملايين دينار، أي ما يقارب 750 مليون دينار سنويا. ويقدر رقم المعدل السنوي للمعاملات التجارية في منطقة رأس الجدير على سبيل المثال بأكثر من مليار دينار .

سفيان المهداوي

بسبب انهيار القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار .. التجار يهجرون نحو الإقتصاد الموازي والدولة عاجزة

تونس- الصباح

يواجه الاقتصاد المنظم في تونس في الفترة الأخيرة، أزمة حادة، دفعت بعديد التجار الى الهجرة نحو الاقتصاد الموازي أو الاقتصاد غير المنظم، وذلك للبحث عن فرص استثمار أوسع، والتهرب من الأداءات الضريبية، وتوسيع الأنشطة التجارية في عديد المجالات، وهو الأمر الذي أضر بشكل لافت بالاقتصاد المنظم، مقابل ارتفاع نشاط الاقتصاد الموازي الى قرابة 56٪ وفق تقديرات خبراء الاقتصاد.

واللافت للانتباه اليوم أن الاقتصاد الموازي سجل نموا خلال السنتين الأخيرتين، تزامنا مع ظهور جائحة كوفيد-19 ، حيث كان لا يراوح 50٪ من الأنشطة الاقتصادية، ليرتفع مع منتصف سنة 2022 ، الى أكثر من 56٪، وهناك تقديرات غير رسمية تؤكد ارتفاع نسبة الاقتصاد الموازي في البلاد الى قرابة 60٪ ، وهي نسبة شديدة الخطورة على الاقتصاد الوطني الذي يشكو عجزا فادحا، وبالتالي أصبح يسيطر على الدورة الاقتصادية للبلاد، خصوصا، وأنه أصبح ملاذ المواطن التونسي في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار، وكثير من التونسيين يقتنون على سبيل المثال المواد المدرسية من السوق الموازية حيث أنها أصبحت الوجهة الأساسية للمواطن بسبب تدهور قدرته الشرائية، بالإضافة الى البنزين المهرب، والذي يشهد إقبالا عليه في اغلب المناطق الحدودية، بعد الارتفاع اللافت في أسعار المحروقات في تونس.

تضرر التوازنات المالية للدولة

ويحذر خبراء الاقتصاد، ومن بينهم الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان من تضرر التوازنات المالية للدولة، ومداخيلها الجبائية ويجعل من العملية معقدة، ويتطلب الأمر الشروع الفوري في عملية إصلاح هيكلية للاقتصاد الوطني، وإعادة ضم النشاط الموازي في الدورة الاقتصادية المنظمة، عبر العديد من الإجراءات المحفزة، علما وان إحصاءات المعهد الوطني للإحصاء في تونس، أظهرت أن حوالي مليون و600 ألف تونسي، من مجموع 3 ملايين و570 ألف شخص من بين اليد العاملة النشيطة في البلاد، أي بنسبة لا تقل عن 44.8 في المائة من العاملين، يشتغلون، في ما يُتعارف عليه بالعمل غير المنظم أو الاقتصاد الموازي.

وتعمل هذه الفئة من التونسيين في أنشطة اقتصادية متنوعة يجمع بينها غياب التراخيص الرسمية أو دفع الضرائب للدولة أو التكفل بالنفقات الصحية ومصاريف الضمان الاجتماعي للعاملين والعاملات، ومن بينهم القادمون من الأرياف للعمل في حظائر البناء والحدادة والنجارة وغيرها من المهن اليدوية، سواء في العاصمة أو المدن الساحلية، وبعضهم من أصحاب المحلات التجارية الصغيرة والكبيرة التي تعرض البضائع المقلدة والموردة عبر الحدود، ضمن أنشطة تعتمد على التهريب.

رغم الإجراءات.. الظاهرة في تنام مستمر

وما يلفت الانتباه خلال السنتين الأخيرتين، دخول المهاجرين الوافدين من جنوب الصحراء في الاقتصاد غير المنظم، حيث باتوا من أهم المحركين للدورة الاقتصادية الموازية عبر تهريب البضائع المقلدة عبر الحدود التونسية وتزويد التجار بها، وهذه مخاطرة كبيرة جدا على الدورة الاقتصادية في البلاد، وأيضا على الدولة التونسية بشكل خاص.

وأقر قانون المالية لسنة 2022 عفوا جبائيا يشمل الديون الجبائية المثقلة والخطايا والعقوبات المالية والمخالفات الديوانية، مرورا الى تسوية الوضعية الجبائية للمداخيل المتأتية من أنشطة غير مصرح بها(الاقتصاد الموازي)، وحسب ما أعلن عنه كاهية مدير الإدارة العامة للأداءات كمال بن صالح، مؤخرا ،في تصريحات إعلامية، فإن العفو الجبائي الصادر في قانون ميزانية سنة 2022، تضمن جملة من الحوافز التي تحفظ الموارد المالية للدولة وتخفف العبء على المواطنين.

وأضاف كمال بن صالح أن العفو الجبائي الذي تضمنه قانون المالية لسنة 2022، يعد فرصة كبيرة لمن ينشطون في الاقتصاد الموازي لتسوية وضعياتهم القانونية مع الدولة، مؤكدا أن الأموال المتوفرة لدى هذه الفئة ممن ينشطون في الاقتصاد الموازي والسوق السوداء لا يمكنهم التصرف في أموالهم بشكل قانوني باعتبار أن كل اقتناء للعقار أو استثمار لهذه الأموال يعرض صاحبه للمساءلة القانونية والتتبعات، في حين يضمن قانون المالية لسنة 2022 لهذه الفئة من الناشطين في الاقتصاد الموازي فرصة للاستثمار في العلن وشراء العقارات والقيام بالتحويلات المالية القانونية، لافتا الى انه مهما كان المبلغ الذي سيقع إيداعه والتصريح به، فإن معدل نسبة الخصم للدولة ثابتة وهي في حدود 10٪،، وبالتالي بإمكان المعني بالأمر التصرف في كافة أمواله بشكل قانوني والقيام بالتحويلات المالية والاستثمار وشراء العقارات.

وأكد بن صالح أن كل شخص لديه أموال غير مصرح بها مهما كان حجم المبلغ، بإمكانه إيداعها في البنك والحصول على وثيقة فورية من البنك لاستخلاص نسبة 10 ٪ في القباضة المالية، وبالتالي يصبح الشخص في وضعية قانونية صرفة وبإمكانه التصرف في أمواله مثلما يشاء في الاقتصاد المنظم.

الرفع من حجم السيولة في البنوك

وبخصوص تأثير الاقتصاد الموازي على الوضع المالي في تونس والذي يمثل أكثر من 17 مليار دينار، دعا الخبير الاقتصادي احمد كرم في تصريحات سابقة لـ"الصباح" بضرورة عمل الدولة مع كل الفاعلين في المجال الاقتصادي و المالي لوضع إستراتيجية وطنية تعمل على إدماج العاملين في القطاع الموازي داخل القطاع الرسمي وبالتالي إعادة هذا الحجم من الأموال المتداولة ضمن المسالك البنكية الرسمية باعتماد عديد الآليات المتاحة لدى المؤسسات البنكية والتي تعتمد على الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة.

ويرى خبراء المالية والمحاسبة أن إجراءات الحد من سقف التداول في عمليات البيع والشراء والنزول به الى 3000 دينار، هي خطوات تحد من التهرب الضريبي والرفع من حجم الأموال المتداولة على مستوى البنوك، والحد من التلاعب والتحيل، بالإضافة الى إرساء عدالة ضريبية، لذلك من الضروري حسب المختصين في الجباية والاقتصاد من إتباع أسس وفرضيات علمية لمعرفة حجم التهرب الضريبي أهمها التوازن الاقتصادي وعدد التصاريح الجبائية والوعي بأهمية دفع معلوم الجباية للدولة وانه واجب على الجميع.

وبحسب تقرير نشره المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول القطاع الموازي في تونس، وانعكاساته السلبية على الاقتصاد التونسي، فقد كشف عن ارتفاع نسبة الاقتصاد الموازي منذ سنة 2011، فقبل الثورة كان الاقتصاد الموازي يمثل 30 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وبعد الثورة أصبح يشكل حوالي 53 بالمائة، ووفق تقديرات رسمية بلغ اليوم قرابة 60٪ .

النقد الدولي يطالب بالاستفادة من الاقتصاد الموازي

وهناك تقديرات تصدرها الحكومة وأخرى تصدرها منظمات محلية أو دولية، ورغم اختلافها، إلا أنها تجمع في المحصلة على أن الاقتصاد الموازي يساهم على الأقل بأكثر من 50٪ من الناتج الداخلي الخام، وحسب دراسات دولية، فإن الاقتصاد الموازي يشغِّل قرابة 75 في المائة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة،.

وتظل الدعوات الرامية الى إلحاق الاقتصاد الموازي بالمنظم، أحد ابرز النقاط التي يدعو إليها صندوق النقد الدولي في مفاوضاته مع تونس، رغم ما يكتسيه من خطورة لدى أوساط اقتصادية أخرى، اعتبرته ملاذا شرعيا للبعض لتبييض الأموال، وقد يجر البلاد الى مستنقع العقوبات الدولية مجددا.

إلا انه ومنذ تصاعد الأزمة الاقتصادية في العالم، خاصة في الفترة الأخيرة، أقر العديد من الخبراء بضرورة تسريع نسق إدماج الاقتصاد الموازي بالمنظم ، وذلك كخطوة استباقية لتوفير مداخيل إضافية لخزينة الدولة، في ظل حالة عدم اليقين، التي تخيم على المسار الإصلاحي في تونس، علما وأن الحكومة الحالية باشرت في دمج الاقتصاد الموازي في المنظومة عبر قانون المالية لسنة 2022، للاستفادة من السيولات المالية التي يوفرها باعتباره يمثل 60 في المائة من الاستثمارات والأموال المتداولة، إلا انه مع تنامي الأزمة الاقتصادية في تونس، وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين، ارتفع عزوف التجار عن الانخراط في الاقتصاد المنظم، بل ولوحظ خلال الاشهر القليلة الماضية، هروب المئات من التجار في الاقتصاد المنظم الى الاقتصاد الموازي، والذي يعتبره البعض ملاذا آمنا، بعيدا عن الدوائر الرقابية للدولة، في ظل تنامي الأزمة المالية في البلاد، ما يعد فشلا ذريعا في معالجة الاقتصاد التونسي الجريح.

انعكاسات خطيرة على الاقتصاد الجريح

ويرى اغلب الخبراء في الشأن الاقتصادي في تصريحات لـ"الصباح" أن معالجة ظاهرة التهريب والاقتصاد الموازي تتطلب رسم رؤية شاملة ومتكاملة تشارك فيها جميع الخبرات التونسية، منبهين إلى خطورة تفاقم هذه الظاهرة التي أصبحت تسيطر على الاقتصاد الوطني، والتي تتفاقم من سنة إلى أخرى ، وفشلت جميع الحكومات المتعاقبة وصولا إلى حكومة نجلاء بودن في معالجتها، خاصة وأن الأرقام الرسمية تشير إلى أن الاقتصاد الموازي أصبح يسيطر على الدورة الاقتصادية وفاق نسبة 56% من معاملات الاقتصاد التونسي.

ويؤكد الخبراء، ان معالجة تنامي الاقتصاد الموازي، تكمن في تشغيل محركات الاقتصاد الوطني، وتوفير مناخ تكون فيه المؤسسات الاقتصادية المنتجة قادرة على خلق الثروة وتوفير منتوجات بأسعار في متناول الجميع، بالإضافة إلى القيام بإصلاحات جبائية عميقة وعادلة، وفي أسرع الآجال، حتى يتم إيواء الاقتصاد الموازي تدريجيا في الاقتصاد المنظم، وفي ذلك منفعة كبيرة للدولة التونسية.

وكان المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ، قد نشر مؤخرا ، تقريرا حول القطاع الموازي في تونس وانعكاساته السلبية على الاقتصاد التونسي ، وأشار المنتدى الى العلاقة الوثيقة بين الفقر والبطالة، وانتشار الاقتصاد الموازي في ظل الحكومات المتعاقبة .

وبحسب التقرير ارتفعت نسبة الاقتصاد الموازي منذ سنة 2011 ، حيث كان الاقتصاد الموازي يمثل 30 بالمائة من الناتج الداخلي الخام و بعد الثورة أصبح يشكل حوالي 53 بالمائة، لافتا الى أن الاقتصاد الموازي يتغذى من أزمة القطاع الاقتصادي المنظم ، فكلما كان الاقتصاد المنظم في أزمة ارتفع منسوب الاقتصاد الموازي ، وهناك علاقة وثيقة بارتفاع مستوى الفقر في البلاد.

وفي البلدان المتقدمة بالكاد يتجاوز الاقتصاد الموازي 10 بالمائة مثل ايطاليا على سبيل المثال، أما في البلدان النامية تصل نسبة الاقتصاد الموازي الى حدود 50 و 60 بالمائة من الناتج الداخلي الخام وهو ما سجلته العديد من التقارير الرسمية في بعض بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وأيضا شمال إفريقيا .

وكشف تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية انه يوجد ما بين 25 و30 نسمة يعيشون من تجارة التهريب في بن قردان، ويبلغ رأس مال كل تاجر جملة حوالي 300 ألف دينار، فيما يبلغ رأس مال تجار الجملة البالغ عددهم 60 تاجرا حوالي 18 مليون دينار. ويتم تهريب حوالي 300 ألف لتر من الوقود يوميًا من ليبيا الي تونس اي 110 مليون لتر سنويا. ويتراوح حجم التبادل اليومي من عمليات التهريب بين مليون و3 ملايين دينار، أي ما يقارب 750 مليون دينار سنويا. ويقدر رقم المعدل السنوي للمعاملات التجارية في منطقة رأس الجدير على سبيل المثال بأكثر من مليار دينار .

سفيان المهداوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews