إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

المؤرخ الهادي التيمومي لـ"الصباح": تونس تعيش "مرحلة التدمير الاجتماعي المعمم".. وهذا ما أقوله للطبقة السياسية

أملي وطيد في نخبة الطبقة الوسطى التي كانت منذ العهد البورقيبي صمام أمن اجتماعي وسياسي وثقافي

"مهما ستكون الانتكاسات والاحباطات الأمل كل الأمل أن تعود تونس إلى نفسها"

تونس- الصباح

الهادي التمومي كان من أحد المؤرخين القلائل الذين اختاروا أن يكتبوا "تاريخ الزمن الراهن بحوادثه الطازجة ووقائعه الطرية الغضة"، مثلما قال فيه الباحث في علم الاجتماعي المولدي قسومي خلال تقديمه في الملتقى الشهري للمركز التونسي للبحوث والدراسات حول الإرهاب، "في معركة التصدي لمعضلة تزوير التاريخ". أين يكون "أمام مهمة تكاد تكون مستحيلة فهو يقوم بمعالجة أحداث لا تزال مندلعة أو لم تستقر بعد ويركب مغامرة غير مأمونة العواقب قد تجره، إن لم يتحل باليقظة، إلى الإقرارات الفائرة والأحكام المتهافتة وأنصاف الحقائق".

وكان التيمومي قد أصدر في إطار قراءته للزمن الراهن موسوعة "الربيع العربي" في تونس 2010/2020 التي كانت موضوع النقاش. وعلى هامش الجلسة كان لـ"الصباح" لقاء مع هذا المؤرخ عسى أن نرفع عبره شيئا من الضبابية وعدم الوضوح التي تخيم على أذهاننا منذ فترة، علنا نكتسب آليات لفهم هذه المرحلة التاريخية والتحول السياسي والاجتماعي الذي تعيشه بلادنا منذ أكثر من السنة.

وفيما يلي إجابات المؤرخ الهادي التيمومي:

  • ما هي القراءة التاريخية التي يقدمها الأستاذ والمؤرخ لهذه الفترة، بكل ما تحمله من إشكاليات وصعاب وعدم وضوح؟

-الرأي عندي أن تونس تعيش اليوم ما سميته في موسوعة "الربيع العربي" في تونس2011/2020، مرحلة ما يطلق عليه بالتدمير الاجتماعي المعمم، وهو ظرف عاشته شعوب قبلنا، وهو يعني أن الصراع الحاد الذي دار بين 2011 و2020 بين قطبين اجتماعيين. القطب الذي يتربع في أعلى هرم المجتمع والقطب الذي يتربع في أسفل المجتمع، أدى لا إلى تثوير المجتمع، وإنما أدى إلى تدمير هذين القطبين الاجتماعيين والنتيجة هي بروز تيار شعبوي سلطوي. وبما أن الوضعية غير مريحة جدا في تونس اليوم على جميع المستويات فمن الصعب أن تتجاوز تونس مرحلة التدمير الاجتماعي المعمم في ظرف وجيز، وأنا اشعر بتشاؤم العقل لكن أيضا اشعر بتفاؤل القلب مثلما يقول غرامشي، وأملي وطيد في نخبة الطبقة الوسطي. هذه الطبقة التي كانت منذ العهد البورقيبي صمام أمن اجتماعي وسياسي وثقافي بالنسبة إلى تونس. ومهما ستكون الانتكاسات والاحباطات الأمل كل الأمل أن تعود تونس إلى نفسها، تونس الولادة وتونس الغنية بفكر شبابها. تونس لا تملك لا بترول ولا ذهب لكنها تملك كما يقول الحبيب بورقيبة المادة الشخمة، الفكر ولا خاب من عول على الفكر.

  • حسب نفس القراءة التاريخية ما السقف الزمني الذي يمكن أن تمتد عليه هذه الفترة؟

-يصعب تحديد فترة زمنية، فحتى علم الفيتولوجية، علم المستقبليات، قد تجاوزه التاريخ لأنه دخل في متاهات كثيرة. اظهر التاريخ خطأها، فقط نأمل بصفتنا ولدنا في هذا البلد ونحب هذا البلد وأن نعيش إلا في هذا البلد، أن تكون هذه الفترة اقصر ما يمكن وأملي وطيد في أن هذه المدة لن تطول لان لتونس نخبتها، رغم وجود مؤشر سلبي وهو أن عددا لابأس به من أفراد هذه النخبة ومن أحسن عقولها استقطبته الدول الغربية مثل فرنسا وألمانيا وكندا.

  • ما هي المؤشرات التي تجعلك متشائم؟

-متشائم لان القطبين الاجتماعيين اللذين تصارعا بين 2011 و2020 كانا يضمان السياسيين المعروفين في تونس ببعض التجربة أو بتجربة متطورة، هؤلاء السياسيون لفظهم الشعب لأنهم لم يحققوا التطلعات التي كانت تحدوه بعد 2011، إثر خروج أو مغادرة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. ماذا بقي في الساحة السياسية؟ بقي سياسيون تجربتهم محدودة جدا أو منعدمة لذلك لا ننتظر من هؤلاء السياسيين إلا تحركات عشوائية قد تنجح نسبيا وقد تفشل في الكثير من الأحيان حسب تصوري ولن تهدأ الأمور لا بعد مدة نتمناها قصيرة.

  • ما هي المؤشرات التي تجعلك متفائلا؟

-أما بالنسبة لمؤشرات التفاؤل، فتتعلق بأن تونس ولادة، تونس قد عاش فيها الإنسان البدائي 40 ألف سنة قبل الميلاد، ومرت عليها حضارات كثيرة وأنجبت عظماء من حنبعل للقديس اغسطين لابن منظور لخير الدين للحبيب بورقيبة، هذا البلد القادر دائما على الحضور في المعادلة العالمية بانجازات ايجابية، هو أيضا قادر على تجاوز هذه المرحلة الصعبة لان التاريخ يعلمنا أن تونس في الماضي قد تجاوزت مراحل صعبة مثل المرحلة الحالية أو حتى أصعب، فلا ننسى الفترة الاستعمارية التي خيم عليها الظلام الاستعماري الرهيب على تونس الذي تصدت له المقاومة المسلحة سنة 1881، ثم ظهر بصيص أمل عبر كتاب الثعالبي، التحري في القرآن، ثم مع تأسيسه للحزب الدستوري المكنى بالقديم سنة 1920 ثم الحركة النقابية ثم الحركة الوطنية الرديكالية مع الحبيب بورقيبة بداية من 1934 ثم الاستقلال، والخلاف حول الاستقلال الداخلي واستطاع العقل التونسي أن يتجاوز ما كان يعتقد أنه أمر لا يمكن تجنبه وهو الحرب الأهلية، كما استطاع العقل التونسي أن يتجاوز ما كان يخطط له أعداء تونس. وحققت تونس انجازات أشاد بها العالم اجمع، وأنا اعتقد أن تونس ولادة فتونس ليست جزيرة من جزر المحيط الهادي ولدت منذ آلاف السنوات، تونس لها المادة الشخمة التي تنتصر دائما على الثروات الموجودة في باطن الأرض التي تستهلك وتستنفد بينما العقل البشري هو أعظم شيئا خلقه الله.

  • ما هي التوصيات التي يتوجه بها الباحث وكاتب التاريخ اليوم إلى الطبقة السياسية وخاصة إلى عائلته اليسارية؟

-أنا أقول للطبقة السياسية، لا تيأسوا من بلدكم ويجب أن تتكاتفوا وأن تنبذوا الخلافات الثانوية، ويجب أن تكون القيمة الأعلى بالنسبة لكم هي الوطن، لأننا دون هذا الوطن ليس لنا أي مستقبل. هذا البلد عشنا فيه وقدم لنا الكثير وعلينا أن نرد له الجميل وخاصة في اللحظات الصعبة والحاسمة مثل اللحظة التي نعيشها اليوم.

أما اليسار التونسي وبصفته عائلتي الإيديولوجية، فانا أحمله مسؤولية أكبر لأن اليسار عودنا بالتعويل على الفكر وليس على القوة الانقلابية والعمل في الخفاء كخفافيش الظلام. اليسار عودنا على الفكر الخلاق رغم انشقاقاته الكثيرة. والآن يجب ترك الانشقاقات جانبا والتكاتف إلى حين تتجاوز تونس هذه العقبة الكأداء.

ريم سوودي

المؤرخ الهادي التيمومي لـ"الصباح": تونس تعيش "مرحلة التدمير الاجتماعي المعمم".. وهذا ما أقوله للطبقة السياسية

أملي وطيد في نخبة الطبقة الوسطى التي كانت منذ العهد البورقيبي صمام أمن اجتماعي وسياسي وثقافي

"مهما ستكون الانتكاسات والاحباطات الأمل كل الأمل أن تعود تونس إلى نفسها"

تونس- الصباح

الهادي التمومي كان من أحد المؤرخين القلائل الذين اختاروا أن يكتبوا "تاريخ الزمن الراهن بحوادثه الطازجة ووقائعه الطرية الغضة"، مثلما قال فيه الباحث في علم الاجتماعي المولدي قسومي خلال تقديمه في الملتقى الشهري للمركز التونسي للبحوث والدراسات حول الإرهاب، "في معركة التصدي لمعضلة تزوير التاريخ". أين يكون "أمام مهمة تكاد تكون مستحيلة فهو يقوم بمعالجة أحداث لا تزال مندلعة أو لم تستقر بعد ويركب مغامرة غير مأمونة العواقب قد تجره، إن لم يتحل باليقظة، إلى الإقرارات الفائرة والأحكام المتهافتة وأنصاف الحقائق".

وكان التيمومي قد أصدر في إطار قراءته للزمن الراهن موسوعة "الربيع العربي" في تونس 2010/2020 التي كانت موضوع النقاش. وعلى هامش الجلسة كان لـ"الصباح" لقاء مع هذا المؤرخ عسى أن نرفع عبره شيئا من الضبابية وعدم الوضوح التي تخيم على أذهاننا منذ فترة، علنا نكتسب آليات لفهم هذه المرحلة التاريخية والتحول السياسي والاجتماعي الذي تعيشه بلادنا منذ أكثر من السنة.

وفيما يلي إجابات المؤرخ الهادي التيمومي:

  • ما هي القراءة التاريخية التي يقدمها الأستاذ والمؤرخ لهذه الفترة، بكل ما تحمله من إشكاليات وصعاب وعدم وضوح؟

-الرأي عندي أن تونس تعيش اليوم ما سميته في موسوعة "الربيع العربي" في تونس2011/2020، مرحلة ما يطلق عليه بالتدمير الاجتماعي المعمم، وهو ظرف عاشته شعوب قبلنا، وهو يعني أن الصراع الحاد الذي دار بين 2011 و2020 بين قطبين اجتماعيين. القطب الذي يتربع في أعلى هرم المجتمع والقطب الذي يتربع في أسفل المجتمع، أدى لا إلى تثوير المجتمع، وإنما أدى إلى تدمير هذين القطبين الاجتماعيين والنتيجة هي بروز تيار شعبوي سلطوي. وبما أن الوضعية غير مريحة جدا في تونس اليوم على جميع المستويات فمن الصعب أن تتجاوز تونس مرحلة التدمير الاجتماعي المعمم في ظرف وجيز، وأنا اشعر بتشاؤم العقل لكن أيضا اشعر بتفاؤل القلب مثلما يقول غرامشي، وأملي وطيد في نخبة الطبقة الوسطي. هذه الطبقة التي كانت منذ العهد البورقيبي صمام أمن اجتماعي وسياسي وثقافي بالنسبة إلى تونس. ومهما ستكون الانتكاسات والاحباطات الأمل كل الأمل أن تعود تونس إلى نفسها، تونس الولادة وتونس الغنية بفكر شبابها. تونس لا تملك لا بترول ولا ذهب لكنها تملك كما يقول الحبيب بورقيبة المادة الشخمة، الفكر ولا خاب من عول على الفكر.

  • حسب نفس القراءة التاريخية ما السقف الزمني الذي يمكن أن تمتد عليه هذه الفترة؟

-يصعب تحديد فترة زمنية، فحتى علم الفيتولوجية، علم المستقبليات، قد تجاوزه التاريخ لأنه دخل في متاهات كثيرة. اظهر التاريخ خطأها، فقط نأمل بصفتنا ولدنا في هذا البلد ونحب هذا البلد وأن نعيش إلا في هذا البلد، أن تكون هذه الفترة اقصر ما يمكن وأملي وطيد في أن هذه المدة لن تطول لان لتونس نخبتها، رغم وجود مؤشر سلبي وهو أن عددا لابأس به من أفراد هذه النخبة ومن أحسن عقولها استقطبته الدول الغربية مثل فرنسا وألمانيا وكندا.

  • ما هي المؤشرات التي تجعلك متشائم؟

-متشائم لان القطبين الاجتماعيين اللذين تصارعا بين 2011 و2020 كانا يضمان السياسيين المعروفين في تونس ببعض التجربة أو بتجربة متطورة، هؤلاء السياسيون لفظهم الشعب لأنهم لم يحققوا التطلعات التي كانت تحدوه بعد 2011، إثر خروج أو مغادرة الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. ماذا بقي في الساحة السياسية؟ بقي سياسيون تجربتهم محدودة جدا أو منعدمة لذلك لا ننتظر من هؤلاء السياسيين إلا تحركات عشوائية قد تنجح نسبيا وقد تفشل في الكثير من الأحيان حسب تصوري ولن تهدأ الأمور لا بعد مدة نتمناها قصيرة.

  • ما هي المؤشرات التي تجعلك متفائلا؟

-أما بالنسبة لمؤشرات التفاؤل، فتتعلق بأن تونس ولادة، تونس قد عاش فيها الإنسان البدائي 40 ألف سنة قبل الميلاد، ومرت عليها حضارات كثيرة وأنجبت عظماء من حنبعل للقديس اغسطين لابن منظور لخير الدين للحبيب بورقيبة، هذا البلد القادر دائما على الحضور في المعادلة العالمية بانجازات ايجابية، هو أيضا قادر على تجاوز هذه المرحلة الصعبة لان التاريخ يعلمنا أن تونس في الماضي قد تجاوزت مراحل صعبة مثل المرحلة الحالية أو حتى أصعب، فلا ننسى الفترة الاستعمارية التي خيم عليها الظلام الاستعماري الرهيب على تونس الذي تصدت له المقاومة المسلحة سنة 1881، ثم ظهر بصيص أمل عبر كتاب الثعالبي، التحري في القرآن، ثم مع تأسيسه للحزب الدستوري المكنى بالقديم سنة 1920 ثم الحركة النقابية ثم الحركة الوطنية الرديكالية مع الحبيب بورقيبة بداية من 1934 ثم الاستقلال، والخلاف حول الاستقلال الداخلي واستطاع العقل التونسي أن يتجاوز ما كان يعتقد أنه أمر لا يمكن تجنبه وهو الحرب الأهلية، كما استطاع العقل التونسي أن يتجاوز ما كان يخطط له أعداء تونس. وحققت تونس انجازات أشاد بها العالم اجمع، وأنا اعتقد أن تونس ولادة فتونس ليست جزيرة من جزر المحيط الهادي ولدت منذ آلاف السنوات، تونس لها المادة الشخمة التي تنتصر دائما على الثروات الموجودة في باطن الأرض التي تستهلك وتستنفد بينما العقل البشري هو أعظم شيئا خلقه الله.

  • ما هي التوصيات التي يتوجه بها الباحث وكاتب التاريخ اليوم إلى الطبقة السياسية وخاصة إلى عائلته اليسارية؟

-أنا أقول للطبقة السياسية، لا تيأسوا من بلدكم ويجب أن تتكاتفوا وأن تنبذوا الخلافات الثانوية، ويجب أن تكون القيمة الأعلى بالنسبة لكم هي الوطن، لأننا دون هذا الوطن ليس لنا أي مستقبل. هذا البلد عشنا فيه وقدم لنا الكثير وعلينا أن نرد له الجميل وخاصة في اللحظات الصعبة والحاسمة مثل اللحظة التي نعيشها اليوم.

أما اليسار التونسي وبصفته عائلتي الإيديولوجية، فانا أحمله مسؤولية أكبر لأن اليسار عودنا بالتعويل على الفكر وليس على القوة الانقلابية والعمل في الخفاء كخفافيش الظلام. اليسار عودنا على الفكر الخلاق رغم انشقاقاته الكثيرة. والآن يجب ترك الانشقاقات جانبا والتكاتف إلى حين تتجاوز تونس هذه العقبة الكأداء.

ريم سوودي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews