إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أحزاب المعارضة فشلت في اختبار كسب تأييد "الشارع" !

 

تونس- الصباح

منذ أن قام رئيس الجمهورية قيس سعيد بتجميد البرلمان قبل حلّه لاحقا وإعلان التدابير الاستثنائية..، والأحزاب المعارضة لمسار 25 جويلية تقاوم من أجل الثبات والصمود أمام حدث كان أشبه بالزلزال الذي هزّ المشهد السياسي برمته وفرض بعد ذلك قواعد جديدة للعبة السياسية من خلال الدستور الجديد الذي مرّ بالاستفتاء الشعبي والقانون الانتخابي الجديد والذي ما زال يثير منذ صدوره ردود فعل رافضة ومستنكرة لكل ما ورد فيها خاصة وأن البعض يتهمه بالتأسيس للنظام القاعدي وعملية وأد للأحزاب وأن البرلمان القادم سيكون مجرد خليط هجين من النواب ولن يكون ديمقراطيا كما يزعم صاحب المشروع قيس سعيد، وفق تأكيد البعض.

واقصاء الأحزاب لم يقتصر فقط على القانون الانتخابي باعتبار أن سعيد اختار أن يكون نظام اقتراع على الافراد بعد ما أكد أن نظام الاقتراع السابق على القوائم وأكبر البقايا "غير مجد"، مشبها إياه بـ"نظام العار الذي لا يمكّن من تمثيل إرادة الشعب بشكل حقيقي".. بل تجاوز ذلك الى الفضاء العام حيث لم يعد للأحزاب وجود يذكر في الشارع او في التحركات الميدانية وبات حضور أغلبها يقتصر على البيانات المنددة بسياسات قيس سعيد أو الندوات الصحفية كلما كان هناك قرار سياسي جديد..، بما يعني أن أغلب القوى السياسية المعارضة لقيس سعيد لم تغادر بعد دائرة رد الفعل إلى الفعل..، كما لم تعد تجرؤ على مغادرة مقراتها والذهاب الى الشارع ومحاولة تثويره وقلب الموازين لصالحها.

شارع لا يتجاوب..

لا يمكن بناء نظام ديمقراطي حقيقي دون أن يكون للأحزاب دور فيه، وبالتالي فان محاولات الاقصاء الممنهجة لدور الأحزاب السياسية في صياغة كل المشاريع السياسية سيترك ثغرات كبرى في هذه الديمقراطية المزعومة التي بدأت تتآكل كل مظاهرها وعناوينها، خاصة مع تقزيم دور المؤسسات المنتخبة ومحاولة الغاء دور الاجسام الوسيطة تحت عنوان جذاب وهو التواصل المباشر بين الحاكم والمحكوم ولكن في الحقيقة فان الغاء الاجسام الوسيطة هو بداية السقوط في شرك الدكتاتورية، فالمزاج والعقل السياسي التونسي اعتاد طوال تاريخه على هذه الاجسام الوسيطة من أحزاب وهياكل مهنية ونقابات واعلام ولم يعتد على الحكم الجماهيري وعلى ما يسميها سعيد بالحكم الجماهيري او الديمقراطية المباشرة التي لم تنجح في كل التجارب التي عاشتها.

وقد عقّد وضعية الأحزاب أكثر في مواجهة قيس سعيد هو غياب التفاعل الإيجابي معها من طرف الشارع أو الشعب حتى بالنسبة لتلك الأحزاب التي كانت تزعم انها تحتكم على قاعدة جماهيرية وشعبية واسعة، حيث اتضح أن تلك المزاعم واهية وانه ليس هناك حزب يمكنه أن يقلب موازين القوى لصالحه انطلاقا من الشارع، فمنذ اعلان رئيس الدولة قيس سعيد دخول البلاد في مرحلة الاستثناء، تحاول كل القوى المعارضة لتوجهات رئيس الجمهورية قيس سعيد استنفار الشارع في مسيرات حاشدة للإطاحة به، ولكن هذه المسيرات والتحركات بدأت تأفل مع مرور الوقت وتقلص عدد المحتجين في الشارع وفضح بشكل ما وزن الأحزاب وتأثيرها الشعبي. ووجدت القوى السياسية المتضررة سياسيا من إجراءات 25 جويلية نفسها شبه معزولة، عن عمقها الشعبي المزعوم، وتواجه لوحدها مصيرها وحتى محاولات تداركها بعد ذلك من خلال سعيها كل مرة إلى تثوير الشارع في مظاهرات حاشدة وقوية وشعبية تلفت انظار الرأي العام المحلي والدولي لقضيتها، فشل كل مرة في تحقيق الهدف وظلت المظاهرات ولأشهر طويلة تتناقص بشكل متواتر..، لتتحول في الأشهر الأخيرة الى حالة من الخمول والتقاعس في الذهاب الى الشارع الذي ما زال يصرّ على معاقبة هذه الأحزاب التي يراها عناوينا للخراب والفشل طوال العشر سنوات الماضية.

ورغم أنه تتوفر اليوم أسباب في الشارع للتعبير عن الغضب وخاصة في علاقة بأسباب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن هذا الشارع ما يزال الى اليوم يتصرّف بنوع من الخمول ولا يتجاوب مع دعوات الغضب الحزبية، حيث فشل الحزب الدستوري الحر في نهاية الأسبوعية في التحشيد الشعبي ليوم الغضب الذي أعلنه رغم أن مطالب الحزب كانت مطالب اجتماعية واقتصادية وذلك احتجاجا على ارتفاع الأسعار وفقدان بعض المواد الأساسية..، وقبله فشلت النهضة أيضا في استمالة الشارع في أكثر من مناسبة وهي الحزب الذي كان يزعم أنه الأكثر تمثيلية شعبية..، وبالنسبة لبقية الأحزاب وحتى تلك التي كانت لها تمثيلة معتبرة في البرلمان مثل قلب تونس أو ائتلاف الكرامة أو تلك التي كان لها تاريخ وارث نضالي مثل حزب العمال أو التكتل فإنها في أغلبها إما اختفت تماما من المشهد او انحسر وجودها في تحركات محتشمة لا تعبّر لا عن تاريخها ولا عن تأثيرها السابق وحتى محاولات بعضها التجمّع في جبهة او كتلة سياسية باءت بالفشل وظلت دون تأثير.

وفي ظل أزمة سياسية مطبقة اليوم ومحكومة بمنعرجات خطيرة قد تفضي بدورها الى نهايات أخطر تحاول مختلف القوى سواء تلك المعارضة لمسار 25 جويلية بكل تصنيفاتها وتموقعاتها أو تلك المؤيدة لقيس سعيد، الاحتكام إلى الشارع واختبار قوتها الشعبية، بحثا عن شرعية جماهيرية ما، لكن دون جدوى ودون تأثير..، حيث فشلت هذه القوى وطوال الأشهر الماضية في تثوير الشارع لصالحها، رغم كلا المعسكرين - معسكر 25 جويلية ومعسكر المعارضة بكل أطيافها- يؤكد في خطاباته السياسية أنه يمثل هذا الشعب ويعبر عن تطلعاته، ولكنه في المقابل يفشل في حشد الأنصار من أجل دعم أفكاره وما يعبّر عنه من قناعات..، حيث لم يستطع أي طرف الى القيام بمظاهرة شعبية حاشدة يمكن أن تعكس قوته في الشارع..، ودخلت اغلب الأحزاب في مرحلة موت سريري بطيء ومؤلم للتجربة الديمقراطية.

منية العرفاويَ

أحزاب المعارضة فشلت في اختبار كسب تأييد "الشارع" !

 

تونس- الصباح

منذ أن قام رئيس الجمهورية قيس سعيد بتجميد البرلمان قبل حلّه لاحقا وإعلان التدابير الاستثنائية..، والأحزاب المعارضة لمسار 25 جويلية تقاوم من أجل الثبات والصمود أمام حدث كان أشبه بالزلزال الذي هزّ المشهد السياسي برمته وفرض بعد ذلك قواعد جديدة للعبة السياسية من خلال الدستور الجديد الذي مرّ بالاستفتاء الشعبي والقانون الانتخابي الجديد والذي ما زال يثير منذ صدوره ردود فعل رافضة ومستنكرة لكل ما ورد فيها خاصة وأن البعض يتهمه بالتأسيس للنظام القاعدي وعملية وأد للأحزاب وأن البرلمان القادم سيكون مجرد خليط هجين من النواب ولن يكون ديمقراطيا كما يزعم صاحب المشروع قيس سعيد، وفق تأكيد البعض.

واقصاء الأحزاب لم يقتصر فقط على القانون الانتخابي باعتبار أن سعيد اختار أن يكون نظام اقتراع على الافراد بعد ما أكد أن نظام الاقتراع السابق على القوائم وأكبر البقايا "غير مجد"، مشبها إياه بـ"نظام العار الذي لا يمكّن من تمثيل إرادة الشعب بشكل حقيقي".. بل تجاوز ذلك الى الفضاء العام حيث لم يعد للأحزاب وجود يذكر في الشارع او في التحركات الميدانية وبات حضور أغلبها يقتصر على البيانات المنددة بسياسات قيس سعيد أو الندوات الصحفية كلما كان هناك قرار سياسي جديد..، بما يعني أن أغلب القوى السياسية المعارضة لقيس سعيد لم تغادر بعد دائرة رد الفعل إلى الفعل..، كما لم تعد تجرؤ على مغادرة مقراتها والذهاب الى الشارع ومحاولة تثويره وقلب الموازين لصالحها.

شارع لا يتجاوب..

لا يمكن بناء نظام ديمقراطي حقيقي دون أن يكون للأحزاب دور فيه، وبالتالي فان محاولات الاقصاء الممنهجة لدور الأحزاب السياسية في صياغة كل المشاريع السياسية سيترك ثغرات كبرى في هذه الديمقراطية المزعومة التي بدأت تتآكل كل مظاهرها وعناوينها، خاصة مع تقزيم دور المؤسسات المنتخبة ومحاولة الغاء دور الاجسام الوسيطة تحت عنوان جذاب وهو التواصل المباشر بين الحاكم والمحكوم ولكن في الحقيقة فان الغاء الاجسام الوسيطة هو بداية السقوط في شرك الدكتاتورية، فالمزاج والعقل السياسي التونسي اعتاد طوال تاريخه على هذه الاجسام الوسيطة من أحزاب وهياكل مهنية ونقابات واعلام ولم يعتد على الحكم الجماهيري وعلى ما يسميها سعيد بالحكم الجماهيري او الديمقراطية المباشرة التي لم تنجح في كل التجارب التي عاشتها.

وقد عقّد وضعية الأحزاب أكثر في مواجهة قيس سعيد هو غياب التفاعل الإيجابي معها من طرف الشارع أو الشعب حتى بالنسبة لتلك الأحزاب التي كانت تزعم انها تحتكم على قاعدة جماهيرية وشعبية واسعة، حيث اتضح أن تلك المزاعم واهية وانه ليس هناك حزب يمكنه أن يقلب موازين القوى لصالحه انطلاقا من الشارع، فمنذ اعلان رئيس الدولة قيس سعيد دخول البلاد في مرحلة الاستثناء، تحاول كل القوى المعارضة لتوجهات رئيس الجمهورية قيس سعيد استنفار الشارع في مسيرات حاشدة للإطاحة به، ولكن هذه المسيرات والتحركات بدأت تأفل مع مرور الوقت وتقلص عدد المحتجين في الشارع وفضح بشكل ما وزن الأحزاب وتأثيرها الشعبي. ووجدت القوى السياسية المتضررة سياسيا من إجراءات 25 جويلية نفسها شبه معزولة، عن عمقها الشعبي المزعوم، وتواجه لوحدها مصيرها وحتى محاولات تداركها بعد ذلك من خلال سعيها كل مرة إلى تثوير الشارع في مظاهرات حاشدة وقوية وشعبية تلفت انظار الرأي العام المحلي والدولي لقضيتها، فشل كل مرة في تحقيق الهدف وظلت المظاهرات ولأشهر طويلة تتناقص بشكل متواتر..، لتتحول في الأشهر الأخيرة الى حالة من الخمول والتقاعس في الذهاب الى الشارع الذي ما زال يصرّ على معاقبة هذه الأحزاب التي يراها عناوينا للخراب والفشل طوال العشر سنوات الماضية.

ورغم أنه تتوفر اليوم أسباب في الشارع للتعبير عن الغضب وخاصة في علاقة بأسباب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، إلا أن هذا الشارع ما يزال الى اليوم يتصرّف بنوع من الخمول ولا يتجاوب مع دعوات الغضب الحزبية، حيث فشل الحزب الدستوري الحر في نهاية الأسبوعية في التحشيد الشعبي ليوم الغضب الذي أعلنه رغم أن مطالب الحزب كانت مطالب اجتماعية واقتصادية وذلك احتجاجا على ارتفاع الأسعار وفقدان بعض المواد الأساسية..، وقبله فشلت النهضة أيضا في استمالة الشارع في أكثر من مناسبة وهي الحزب الذي كان يزعم أنه الأكثر تمثيلية شعبية..، وبالنسبة لبقية الأحزاب وحتى تلك التي كانت لها تمثيلة معتبرة في البرلمان مثل قلب تونس أو ائتلاف الكرامة أو تلك التي كان لها تاريخ وارث نضالي مثل حزب العمال أو التكتل فإنها في أغلبها إما اختفت تماما من المشهد او انحسر وجودها في تحركات محتشمة لا تعبّر لا عن تاريخها ولا عن تأثيرها السابق وحتى محاولات بعضها التجمّع في جبهة او كتلة سياسية باءت بالفشل وظلت دون تأثير.

وفي ظل أزمة سياسية مطبقة اليوم ومحكومة بمنعرجات خطيرة قد تفضي بدورها الى نهايات أخطر تحاول مختلف القوى سواء تلك المعارضة لمسار 25 جويلية بكل تصنيفاتها وتموقعاتها أو تلك المؤيدة لقيس سعيد، الاحتكام إلى الشارع واختبار قوتها الشعبية، بحثا عن شرعية جماهيرية ما، لكن دون جدوى ودون تأثير..، حيث فشلت هذه القوى وطوال الأشهر الماضية في تثوير الشارع لصالحها، رغم كلا المعسكرين - معسكر 25 جويلية ومعسكر المعارضة بكل أطيافها- يؤكد في خطاباته السياسية أنه يمثل هذا الشعب ويعبر عن تطلعاته، ولكنه في المقابل يفشل في حشد الأنصار من أجل دعم أفكاره وما يعبّر عنه من قناعات..، حيث لم يستطع أي طرف الى القيام بمظاهرة شعبية حاشدة يمكن أن تعكس قوته في الشارع..، ودخلت اغلب الأحزاب في مرحلة موت سريري بطيء ومؤلم للتجربة الديمقراطية.

منية العرفاويَ

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews