إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في مراجعة منجز الثورة : هل بالإمكان أفضل مما كان أو كيف تأكل الديمقراطية نفسها؟

بقلم : نوفل سلامة

نظمت مكتبة الشبكة العربية للأبحاث والنشر بتونس بالتعاون المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة فكرية بعد ظهر يوم السبت 9 سبتمبر الجاري خصصتها لتقديم الكتاب الجديد لأيمن البوغانمي الباحث في العلوم السياسية " الشعب يريد ، حين تأكل الديمقراطية نفسها " وهو مؤلف يبحث في تجربة 30 حالة ديمقراطية في العالم ويناقش مكامن الضعف في هذه التجارب وعوامل التراجع التي شهدتها الديمقراطيات التمثيلية في العالم وخاصة في البلدان العريقة في الممارسة ويبحث في ظاهرة التآكل الذي تعرفها الديمقراطية من داخلها وخاصة مسألة حدود الزمن الديمقراطي بمعنى إلى أي مدى يمكن للديمقراطية أن تواصل في تحقق أهدافها في اسعاد الشعوب ؟ وهل هناك حد للمسار الديمقراطي الذي تتبعه الأنظمة الديمقراطية حتى نجد أنفسنا بعد مرحلة من التطبيق أمام انتكاسة وخيبة في تراجع منجزها السياسي والاجتماعي وقد انتهى الكاتب في هذا المؤلف إلى تفسير الانهيار الذي تشهده الديمقراطية على المستوى العالمي بعاملين اثنين الأول خارجي يتمثل في حصول انقلاب على الحكم الديمقراطي باستعمال المؤسسة العسكرية و استقدام ما يسميه أيمن البوغانمي القوة الخشنة من أمنية وعسكرية وما يقوم به الجيش من افتكاك للسلطة الشرعية واحتكاره لوحده العنف الشرعي وهو المسار الاكثر شيوعا وشهرة في جعل الحياة الديمقراطية تتراجع إلى حد التوقف وهو طريق أصبح اليوم اللجوء إليه منحصرا في أماكن محددة من العالم.

أما المصدر الثاني لانهيار الديمقراطية وانحسارها فيتمثل في العامل الداخلي والسبب الذاتي الذي عادة لا يكون الوعي به حاضرا لدى الشعوب ويتسبب في تراجع الديمقراطية وتآكلها من داخلها ومن داخل نسقها ومنظومتها بما يعني أنه كلما زاد منسوب الديمقراطية كلما كان التراجع عنها أسرع فحسب الكاتب فإن دمقرطة الديكتاتورية يؤدي إلى الديمقراطية أما دمقرطة الديمقراطية فيؤدي الى انهيارها بما يعني أن التجارب العالمية قد أوضحت أنه كلما قمنا بضخ جرعات من الديمقراطية في الحياة السياسية فإن ذلك يؤدي حتما إلى التعجيل بانهيارها وفشلها على اعتبار أن للديمقراطية حد لا يمكن تجاوزه وإلا انهار كل البناء الديمقراطي.

وبالنسبة للحالة التونسية ولفهم لماذا وكيف فشل التحول الديمقراطي في تونس ؟ وكيف تم انهاء المسار الثوري بعد عشرية عرفت انتكاسة كبرى وما حصل من تراجع والتفاف حول أهدافها وغاياتها الكبرى والتي من أجلها قامت الثورة ؟ فإن أيمن البوغانمي يرجع ما حصل من انهيار للتجربة التونسية إلى ما يسميه بغياب حراس المعبد الديمقراطي من أعلام ونخب فكرية في عمومها خانت الديمقراطية ولم تقم بحمايتها من الغوغاء ولم تكن الحارس الذي يؤسس بدل الهدم ومؤسسات حزبية لم توفق في اختيار قيادتها الحزبية لتمثيل الشعب مما جعل الحياة الحزبية مشوهة وعرجاء ذلك أن الثابت أن الاستقرار الديمقراطي لا يتحقق إلا حينما يلعب الإعلام دوره في نشر القيم الديمقراطية عوض أن ينجر نحو بث الفوضى وأن يلعب دور الحارس من الخطاب الفوضوي المدمر. هذه العوامل الثلاث هي ما يشكل حراس المعبد الديمقراطي ولكن مع الاسف هؤلاء الحراس في التجربة التونسية لم يكونوا حراسا للمعبد.

ويضيف أيمن البوغانمي إلى العوامل السابقة ضعف الثقافة الديمقراطية لدى عموم الشعب أو ما يسميها بغياب الدستور الديمقراطي غير المكتوب حيث لم نقدر أن ننتج دستورا غير مكتوب يمثل ثقافة سياسية مؤمنة بالديمقراطية تكون قادرة على تحصين السلوك والقيم الديمقراطية وتمنع كل تجاوز يحصل للعودة للديكتاتورية .

المشكل في هذا التحليل وهذه المقاربة التي يتبناها أيمن البوغانمي في كونها مستفزة ومخالفة لكل الفكر السياسي المستقر في تحليل النظرية الديمقراطية و مآلاتها على اعتبار أن كل الأبحاث وكل التنظير السياسي يذهب إلى عكس ما قاله الكاتب أي أن الأصل أنه كلما وسعنا من نطاق الديمقراطية وكلما ادمجنا عناصر جديدة فيها كلما حسنا من الأداء السياسي وجعلنا الديمقراطية أكثر نجاعة وفائدة على اعتبار أن قوة الديمقراطية في قابليتها للنقد و قدرتها على التجدد من خلال الاجراءات التي تتخذ لحل المشاكل الطارئة والمحرجة وهذا التحليل يؤدي إلى فكرة هامة وهي أنه اذا كانت للديمقراطية التمثيلية حدود لا يمكن تجاوزها وإلا انقلبت على نفسها وإذا كان للديمقراطية نهاية محتومة فإن هذا يعني أن نهايتها هو الذهاب نحو الديمقراطية المباشرة التي تنادي بها الشعبوية وهذا قول لا يستقيم ذلك أن الديمقراطية التمثيلية هي نسق فكري ونظام سياسي وقانوني مختلف من حيث التكوين والعناصر والتصور عن الديمقراطية المباشرة التي لا يمكن أن تكون هي بداية النهاية للديمقراطية التمثيلية حيث أن لكل واحدة منهما نسقها ومنطقها الخاص بها وأن قوة الديمقراطية التمثيلية في قدرتها على التأقلم مع مختلف الوضعيات الحرجة وقدرتها على الخروج من المآزق .

المهم في هذا النقاش الذي دار حول الكتاب في كونه تجاوز الإطار العالمي وحاول تسليط الأضواء على ما يحصل في التجربة التونسية من تراجع عن النهج الديمقراطي ومن حصول انهيار كبير للتجربة الديمقراطية الوليدة وهي لا تزال في بداياتها وفي مرحلة تشكلها الجنيني حيث بقدر ما تنسحب العوامل التي ذكرها الكاتب على الحالة التونسية فإن عوامل أخرى محلية مثلت السبب الرئيسي فيما حصل من انهيار رهيب للثورة التونسية ومن ورائها تراجع الانتقال الديمقراطي أولها غياب المضمون الاجتماعي في التجربة الديمقراطية التونسية حيث تم التركيز كليا على المضمون السياسي وعلى كيفية تقييد تصرفات الحاكم حتى لا يقع الانفراد بالسلطة وتم التراخي أو تأجيل المطلب الاجتماعي والالتفات إلى تحسين الحالة الاجتماعية للشعب الذي ظن أن الديمقراطية سوف تجلب له الرفاهية ولم يقع الاستجابة إلى طلبات من قام بالثورة من تحقيق تنمية وتوزيع عادل للثروة وتنفيذ العدالة الاجتماعية.

 العامل الثاني الذي جعل الديمقراطية التونسية تنتكس الدور الذي قام به بقايا المنظومة القديمة والدولة العميقة وقوى الجذب إلى الوراء لإفشال الثورة والانتقال الديمقراطي حيث شكل عدم الحسم في القديم والذهاب نحو خيار التعايش مع الجديد والمراهنة على الثورة لاحتوائه الخنجر الذي قتل الديمقراطية مما جعل المنظومة القديمة تسترجع أنفاسها وتقاوم من أجل إسقاط الثورة وإظهار فشل الحل الديمقراطي وهو ما حصل فعلا خلال عشرية كاملة لعبت فيها المنظومة القديمة على تشويه الصورة وإفشال كامل المسار .

 

 

 

في مراجعة منجز الثورة : هل بالإمكان أفضل مما كان أو كيف تأكل الديمقراطية نفسها؟

بقلم : نوفل سلامة

نظمت مكتبة الشبكة العربية للأبحاث والنشر بتونس بالتعاون المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ندوة فكرية بعد ظهر يوم السبت 9 سبتمبر الجاري خصصتها لتقديم الكتاب الجديد لأيمن البوغانمي الباحث في العلوم السياسية " الشعب يريد ، حين تأكل الديمقراطية نفسها " وهو مؤلف يبحث في تجربة 30 حالة ديمقراطية في العالم ويناقش مكامن الضعف في هذه التجارب وعوامل التراجع التي شهدتها الديمقراطيات التمثيلية في العالم وخاصة في البلدان العريقة في الممارسة ويبحث في ظاهرة التآكل الذي تعرفها الديمقراطية من داخلها وخاصة مسألة حدود الزمن الديمقراطي بمعنى إلى أي مدى يمكن للديمقراطية أن تواصل في تحقق أهدافها في اسعاد الشعوب ؟ وهل هناك حد للمسار الديمقراطي الذي تتبعه الأنظمة الديمقراطية حتى نجد أنفسنا بعد مرحلة من التطبيق أمام انتكاسة وخيبة في تراجع منجزها السياسي والاجتماعي وقد انتهى الكاتب في هذا المؤلف إلى تفسير الانهيار الذي تشهده الديمقراطية على المستوى العالمي بعاملين اثنين الأول خارجي يتمثل في حصول انقلاب على الحكم الديمقراطي باستعمال المؤسسة العسكرية و استقدام ما يسميه أيمن البوغانمي القوة الخشنة من أمنية وعسكرية وما يقوم به الجيش من افتكاك للسلطة الشرعية واحتكاره لوحده العنف الشرعي وهو المسار الاكثر شيوعا وشهرة في جعل الحياة الديمقراطية تتراجع إلى حد التوقف وهو طريق أصبح اليوم اللجوء إليه منحصرا في أماكن محددة من العالم.

أما المصدر الثاني لانهيار الديمقراطية وانحسارها فيتمثل في العامل الداخلي والسبب الذاتي الذي عادة لا يكون الوعي به حاضرا لدى الشعوب ويتسبب في تراجع الديمقراطية وتآكلها من داخلها ومن داخل نسقها ومنظومتها بما يعني أنه كلما زاد منسوب الديمقراطية كلما كان التراجع عنها أسرع فحسب الكاتب فإن دمقرطة الديكتاتورية يؤدي إلى الديمقراطية أما دمقرطة الديمقراطية فيؤدي الى انهيارها بما يعني أن التجارب العالمية قد أوضحت أنه كلما قمنا بضخ جرعات من الديمقراطية في الحياة السياسية فإن ذلك يؤدي حتما إلى التعجيل بانهيارها وفشلها على اعتبار أن للديمقراطية حد لا يمكن تجاوزه وإلا انهار كل البناء الديمقراطي.

وبالنسبة للحالة التونسية ولفهم لماذا وكيف فشل التحول الديمقراطي في تونس ؟ وكيف تم انهاء المسار الثوري بعد عشرية عرفت انتكاسة كبرى وما حصل من تراجع والتفاف حول أهدافها وغاياتها الكبرى والتي من أجلها قامت الثورة ؟ فإن أيمن البوغانمي يرجع ما حصل من انهيار للتجربة التونسية إلى ما يسميه بغياب حراس المعبد الديمقراطي من أعلام ونخب فكرية في عمومها خانت الديمقراطية ولم تقم بحمايتها من الغوغاء ولم تكن الحارس الذي يؤسس بدل الهدم ومؤسسات حزبية لم توفق في اختيار قيادتها الحزبية لتمثيل الشعب مما جعل الحياة الحزبية مشوهة وعرجاء ذلك أن الثابت أن الاستقرار الديمقراطي لا يتحقق إلا حينما يلعب الإعلام دوره في نشر القيم الديمقراطية عوض أن ينجر نحو بث الفوضى وأن يلعب دور الحارس من الخطاب الفوضوي المدمر. هذه العوامل الثلاث هي ما يشكل حراس المعبد الديمقراطي ولكن مع الاسف هؤلاء الحراس في التجربة التونسية لم يكونوا حراسا للمعبد.

ويضيف أيمن البوغانمي إلى العوامل السابقة ضعف الثقافة الديمقراطية لدى عموم الشعب أو ما يسميها بغياب الدستور الديمقراطي غير المكتوب حيث لم نقدر أن ننتج دستورا غير مكتوب يمثل ثقافة سياسية مؤمنة بالديمقراطية تكون قادرة على تحصين السلوك والقيم الديمقراطية وتمنع كل تجاوز يحصل للعودة للديكتاتورية .

المشكل في هذا التحليل وهذه المقاربة التي يتبناها أيمن البوغانمي في كونها مستفزة ومخالفة لكل الفكر السياسي المستقر في تحليل النظرية الديمقراطية و مآلاتها على اعتبار أن كل الأبحاث وكل التنظير السياسي يذهب إلى عكس ما قاله الكاتب أي أن الأصل أنه كلما وسعنا من نطاق الديمقراطية وكلما ادمجنا عناصر جديدة فيها كلما حسنا من الأداء السياسي وجعلنا الديمقراطية أكثر نجاعة وفائدة على اعتبار أن قوة الديمقراطية في قابليتها للنقد و قدرتها على التجدد من خلال الاجراءات التي تتخذ لحل المشاكل الطارئة والمحرجة وهذا التحليل يؤدي إلى فكرة هامة وهي أنه اذا كانت للديمقراطية التمثيلية حدود لا يمكن تجاوزها وإلا انقلبت على نفسها وإذا كان للديمقراطية نهاية محتومة فإن هذا يعني أن نهايتها هو الذهاب نحو الديمقراطية المباشرة التي تنادي بها الشعبوية وهذا قول لا يستقيم ذلك أن الديمقراطية التمثيلية هي نسق فكري ونظام سياسي وقانوني مختلف من حيث التكوين والعناصر والتصور عن الديمقراطية المباشرة التي لا يمكن أن تكون هي بداية النهاية للديمقراطية التمثيلية حيث أن لكل واحدة منهما نسقها ومنطقها الخاص بها وأن قوة الديمقراطية التمثيلية في قدرتها على التأقلم مع مختلف الوضعيات الحرجة وقدرتها على الخروج من المآزق .

المهم في هذا النقاش الذي دار حول الكتاب في كونه تجاوز الإطار العالمي وحاول تسليط الأضواء على ما يحصل في التجربة التونسية من تراجع عن النهج الديمقراطي ومن حصول انهيار كبير للتجربة الديمقراطية الوليدة وهي لا تزال في بداياتها وفي مرحلة تشكلها الجنيني حيث بقدر ما تنسحب العوامل التي ذكرها الكاتب على الحالة التونسية فإن عوامل أخرى محلية مثلت السبب الرئيسي فيما حصل من انهيار رهيب للثورة التونسية ومن ورائها تراجع الانتقال الديمقراطي أولها غياب المضمون الاجتماعي في التجربة الديمقراطية التونسية حيث تم التركيز كليا على المضمون السياسي وعلى كيفية تقييد تصرفات الحاكم حتى لا يقع الانفراد بالسلطة وتم التراخي أو تأجيل المطلب الاجتماعي والالتفات إلى تحسين الحالة الاجتماعية للشعب الذي ظن أن الديمقراطية سوف تجلب له الرفاهية ولم يقع الاستجابة إلى طلبات من قام بالثورة من تحقيق تنمية وتوزيع عادل للثروة وتنفيذ العدالة الاجتماعية.

 العامل الثاني الذي جعل الديمقراطية التونسية تنتكس الدور الذي قام به بقايا المنظومة القديمة والدولة العميقة وقوى الجذب إلى الوراء لإفشال الثورة والانتقال الديمقراطي حيث شكل عدم الحسم في القديم والذهاب نحو خيار التعايش مع الجديد والمراهنة على الثورة لاحتوائه الخنجر الذي قتل الديمقراطية مما جعل المنظومة القديمة تسترجع أنفاسها وتقاوم من أجل إسقاط الثورة وإظهار فشل الحل الديمقراطي وهو ما حصل فعلا خلال عشرية كاملة لعبت فيها المنظومة القديمة على تشويه الصورة وإفشال كامل المسار .

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews