أصدر رئيس الجمهورية قيس سعيد بتاريخ 15 سبتمبر الجاري المرسوم الانتخابي المنظم لانتخابات 17 ديسمبر المقبل، متضمنا لفصول وأحكام متعلقة بكيفية تقسيم الدوائر الانتخابية، والأمر الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين لنفس الانتخابات، في انتظار إتمام المرسوم الانتخابي لاحقا بجزء جديد يتعلق بانتخاب أعضاء مجلس الجهات والأقاليم ووضع نص يُنظم العلاقات بين المجلسين، وفق ما أعلن عنه الرئيس في كلمته له في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد أول أمس.
ومن المقرر أن تتولى الهيئة المستقلة للانتخابات الإشراف على تنظيم الانتخابات والإشراف عليها والسهر على احترام المسار الانتخابي وشفافية العملية الانتحابية ونزاهتها، مثل ما نص عليه دستور جويلية 2022، وهو أمر لا شك فيه ولا نقاش. لكن رئيس الجمهورية لم يتطرق إلى إمكانية النظر في مشروع مرسوم يتعلق بتغيير تركيبة الهيئة أو في صلاحياتها، ليتماشى مع النص الدستوري الجديد. ما يجعل الباب مفتوحا أمام التأويلات بخصوص الفرضيات التي سيلجأ إليها "المشرّع" حتى تتطابق تركيبة الهيئة مع مقتضيات الفصل من الدستور الجديد.
وينص دستور "الجمهورية الجديدة" الذي دخل حيز النفاذ يوم 16 أوت الماضي بعد أن وافق عليه الأغلبية الساحقة من الناخبين في استفتاء 25 جويلية 2022، في فصله 134، على تركيبة مغايرة للتركيبة الحالية لمجلس الهيئة المكون من سبعة أعضاء (ثلاثة أعضاء من قدماء الهيئة، مهندس إعلامية، وثلاثة قضاة) بمقتضى المرسوم عدد 22 المؤرخ في 21 أفريل 2022، المنقح للقانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات..
وينص الفصل 134 من الدستور الجديد على دور الهيئة في تنظيم الانتخابات والإشراف عليها، وعلى تركيبتها المكونة من تسعة أعضاء مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة، يباشرون مهامهم لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين". وهي نفس الصيغة التي وردت بالفصل 126 من دستور جانفي 2014، إذ تم نسخ كامل الفقرة التي تتحدث عن صلاحيات هيئة الانتخابات وتركيبتها. وترك تفصيل طريقة تعيين (أو ترشيح) أعضاء الهيئة وتحديد اختصاصاتهم إلى مرسوم أو قانون خاص. وهو أمر لم يتم بعد.
خلافات.. في انتظار القرار الرئاسي الحاسم..
في جل الحالات، فإن القرارات أو التعديلات التي سيتم اعتمادها على تركيبة الهيئة سيكون لها تداعيات وتأثيرات على طريقة أداء الهيئة ومدى انسجام أعضائها، لكنها لن تكون منفصلة عما يجري داخل الهيئة من خلافات مزمنة بين أعضائها معلومة للجميع وللرأي العام الوطني وحتى الدولي، وبالتحديد بين أغلب أعضاء مجلسها (خمسة أعضاء) والعضو سامي بن سلامة. علما أن الهيئة شهدت استقالة العضو القاضي العدلي الحبيب العدلي بتاريخ 13 جوان 2022.
وكانت الخلافات قد برزت قبل موعد الاستفتاء بقليل، وبلغت ذروتها أثناء عملية الاستفتاء وخلال مرحلة الإعلان عن النتائج، وهي مستمرة إلى اليوم.
وكان مجلس الهيئة قد قرر سلسلة من العقوبات على العضو بن سلامة بعد اتهامه بارتكابه جملة من الخروقات التي وصفها المجلس بالجسيمة، على غرار تجميد عضويته ومنعه من حضور اجتماعات المجلس، ومن الدخول إلى مقر المركز الإعلامي بالعاصمة أثناء إعلان النتائج، وصولا إلى تطبيق الفصل 16 من قانون الهيئة وطرده من الهيئة نهائيا وتتبعه جزائيا.
علما أن بن سلامة ما يزال إلى حد اللحظة، متمسكا بعضويته الكاملة في مجلس الهيئة، وهو الذي اتهم زملاءه بالسعي لإفشال الاستفتاء والتقصير في الأداء، وأكد في تدوينات فايسبوكية أن اتهامه بالغياب المتكرر هو محض افتراء، واتهم أعضاء المجلس بالتحيّل على القانون، على اعتبار أنه مُنِع بالقوة من دخول مقر الهيئة ولم يتم استدعائه بشكل رسمي على عنوانه الالكتروني لحضور اجتماعات مجلس الهيئة.
وكان المتحدث الرسمي باسم هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري، قد أكد في تصريحات صحفية متواترة أن "قرار الهيئة حول عزل بن سلامة نهائي فقد من خلاله العضوية، باعتبار غيابه لأكثر من سبع مجالس متتالية، مشيرا إلى أن "القانون ينص على أن العضو الذي يتغيب ثلاثة مجالس متتالية يعتبر متخليا ويفقد العضوية".
ووفق بلاغ صادر عن الهيئة، فقد قرّر مجلسها المنعقد بتاريخ 25 أوت 2022، بإجماع أعضائه، معاينة حالة الشغور الحاصلة في تركيبة مجلس الهيئة جرّاء تخلّي أحد أعضائه، وذلك عملا بمقتضيات الفصل 16 الفقرة الثانية من القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012، المؤرّخ في 20 ديسمبر 2012."
وكان سامي بن سلامة قد رفض القرار، واتهم الهيئة بالتزوير وقال أنها لا تملك صلاحية إقرار حالة الشغور الطارئ، وأكد أن الهيئة لها فقط صلاحية معاينة الشغور، الذي يعتبرها أساس غير قانوني وأن رئيس الجمهورية هو المسؤول عن إقرار حالة الشغور ومراقبة سلامة إجراءات الهيئة. وقال أيضا إنه ينتظر موقف رئيس الدولة من المسألة، الذي قام بنفسه بتعيين أعضاء المجلس الجديد.
لكن رئيس الجمهورية، ورغم علمه بمختلف التطورات الحاصلة داخل الهيئة، لم يكشف عن أي موقف رسمي تجاه المسألة، ولم يحسم في عضوية سامي بن سلامة، على اعتبار أن المرسوم عدد 22 في فصله 15 يمنح رئيس الجمهورية حق اتخاذ قرار الإعفاء من عدمه. وبالتالي فإن موقفه من الخلاف الحاصل سيعدّ بمثابة حكما بين الطرفين. فإما ينتصر لمجلس الهيئة ويفعّل قرار إعفاء بن سلامة من مهامه وبالتالي تصبح رسمية، أو يتم الإبقاء على عضويته كاملة مع تغيير تركيبة المجلس، وبالتالي فهو ينتصر لموقف بن سلامة.
نحن إذن، أمام معضلة حقيقية، وقراءتين قانونيتين متضادتان لمعنى المرسوم عدد 22 وأيضا القانون الأساسي للهيئة المؤرخ في 20 ديسمبر 2012.
فمن جهة يرى مجلس الهيئة أن له الأحقية الكاملة في عزل العضو بن سلامة بناء على الفصل 16 من القانون الأساسي للهيئة، والفصل 15 من المرسوم عدد 22، وذلك اعتبارا للخروقات التي ارتكبها بن سلامة وتغيبه المتكرر عن اجتماعات المجلس.
ومن جهة أخرى، فإن بن سلامة يرى أن المجلس ليس له أحقية عزله من عضوية المجلس على اعتبار أن الفصل 15 فقرة جديدة، من المرسوم 22، ينص على أن "يُرفع مقترح الإعفاء من قبل رئيس الهيئة أو من خمسة أعضاء على الأقل بناء على تقرير معلل وبعد تمكين المعني بالأمر من حق الدفاع. ويرفع مقترح الهيئة إلى رئيس الجمهورية لاتخاذ قرار الإعفاء من عدمه."
فرضيات حل المشكلة
عموما، هناك ثلاث فرضيات قد يلجأ إليها الرئيس سعيد في قادم الأيام لحل المشكلة، وتتمثل الفرضية الأولى في إمكانية أن يعوّض رئيس الجمهورية "الشغور" الحاصل في تركيبة مجلس الهيئة بتعويض عضو مستقيل وهو القاضي العدلي الحبيب الربعي، مع الإبقاء على العضوية الكاملة لسامي بن سلامة، وتسمية عضوين جديدين لتكتمل تركيبة الهيئة وتصبح مكونة من تسعة أعضاء، لكن هذا الخيار لن يحل المشكلة بل قد يزيد من حدتها ويطيل من أمدها.
الفرضية الثانية، تتمثل في اتخاذ قرار رئاسي بإعفاء سامي بن سلامة من عضوية مجلس الهيئة، وإكمال الشغور بتعيين أربعة أعضاء جدد. وبالتالي إنهاء حالة الخصام والتراشق بالتهم بين أعضاء الهيئة. وهذا الخيار – إن حصل فعلا- فإنه قد يُقرأ على أنه تجديد الثقة التي يكنها الرئيس لرئيس الهيئة الحالي فاروق بوعسكر وبقية الأعضاء، خاصة في ما يتعلق بتأمين تنظيم الانتخابات البرلمانية وإنجاحها.
أما الفرضية الثالثة، فتتمثل في إمكانية أن يقرر الرئيس تغييرا جذريا في كامل تركيبة الهيئة، أي إعفاء كامل الفريق الحالي، وتعويضه بفريق جديد مع الحفاظ على مبدأ المزج بين الخبرة والتجديد عن إقرار كيفية الاختيار على أعضاء المجلس الجديد وتحديد الاختصاصات المطلوبة مع توجه لتجاوز الأخطاء والثغرات القانونية التي وردت بالمرسوم 22.
جدير بالذكر، أن رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر صرّح أمس لراديو موزاييك، على هامش حضوره جلسة عمل لتقييم نتائج الاستفتاء والاستعدادات للانتخابات التشريعية بالحمامات الجنوبية، إنه بصدور القانون الجديد للانتخابات وأمر دعوة الناخبين عن رئيس الجمهورية أمس الخميس 15 سبتمبر، انطلقت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بصفة رسمية وبمجلسها الحالي المتكون من خمسة أعضاء في الإعداد لانتخابات 17 ديسمبر.
وأكد بوعسكر أن رئاسة الجمهورية على اطلاع بمسألة سد الشغور الحاصل في تركيبة الهيئة، وعلّل صمتها عن الموضوع في إطار دراسة ملفات المترشحين.
وبخصوص العضو سامي بن سلامة قال: "الموضوع انتهى وبعلم ومراسلة رئيس الجمهورية وفق النظام الداخلي للهيئة." وأضاف أن الهيئة على اطلاع بمراحل إعداد القانون الانتخابي وتمت استشارتها في مضمونه من قبل رئاستي الحكومة والجمهورية.
يذكر أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أشرفت على الانتخابات منذ أكتوبر 2011. ووفق المرسوم عدد 27 لسنة 2011 مؤرخ في 18 أفريل 2011 المتعلق بإحداث هيئة عليا مستقلة للانتخابات، تكونت تركيبة الهيئة التي أشرفت على انتخابات المجلس التأسيسي، من ستة عشر عضوا تم تسميتهم بأمر ويتم اختيارهم من قبل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي من بين مترشحين عن كل صنف (قضاة، محامون، عدول إشهاد، عدول تنفيذ، مهندسون، صحفيون، خبراء محاسبون، ممثلون عن منظمات، ممثلون عن التونسيين بالخارج).
بعد انتخابات 2011، أقدم المجلس التأسيسي على وضع قانون جديد للهيئة وغيّر في تركيبتها، وتم للغرض إصدار القانون الأساسي الجديد للهيئة المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 ليعوض المرسوم عدد لسنة 2011، وأصبحت بمقتضاه التركيبة متكونة من 9 أعضاء “مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة” ينتخبهم البرلمان بأغلبية الثلثين، ويباشرون مهامهم فترة واحدة مدتها 6 سنوات، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين.
ثم تغيرت تركيبة الهيئة بعد 25 جويلية 2021، بمرسوم رئاسي عدد 22 المؤرخ في 11 أفريل 2022، وأصبح مجلسها “يتكون من 7 أعضاء يتم تعيينهم بأمر رئاسي”.
رفيق بن عبد الله
تونس- الصباح
أصدر رئيس الجمهورية قيس سعيد بتاريخ 15 سبتمبر الجاري المرسوم الانتخابي المنظم لانتخابات 17 ديسمبر المقبل، متضمنا لفصول وأحكام متعلقة بكيفية تقسيم الدوائر الانتخابية، والأمر الرئاسي المتعلق بدعوة الناخبين لنفس الانتخابات، في انتظار إتمام المرسوم الانتخابي لاحقا بجزء جديد يتعلق بانتخاب أعضاء مجلس الجهات والأقاليم ووضع نص يُنظم العلاقات بين المجلسين، وفق ما أعلن عنه الرئيس في كلمته له في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد أول أمس.
ومن المقرر أن تتولى الهيئة المستقلة للانتخابات الإشراف على تنظيم الانتخابات والإشراف عليها والسهر على احترام المسار الانتخابي وشفافية العملية الانتحابية ونزاهتها، مثل ما نص عليه دستور جويلية 2022، وهو أمر لا شك فيه ولا نقاش. لكن رئيس الجمهورية لم يتطرق إلى إمكانية النظر في مشروع مرسوم يتعلق بتغيير تركيبة الهيئة أو في صلاحياتها، ليتماشى مع النص الدستوري الجديد. ما يجعل الباب مفتوحا أمام التأويلات بخصوص الفرضيات التي سيلجأ إليها "المشرّع" حتى تتطابق تركيبة الهيئة مع مقتضيات الفصل من الدستور الجديد.
وينص دستور "الجمهورية الجديدة" الذي دخل حيز النفاذ يوم 16 أوت الماضي بعد أن وافق عليه الأغلبية الساحقة من الناخبين في استفتاء 25 جويلية 2022، في فصله 134، على تركيبة مغايرة للتركيبة الحالية لمجلس الهيئة المكون من سبعة أعضاء (ثلاثة أعضاء من قدماء الهيئة، مهندس إعلامية، وثلاثة قضاة) بمقتضى المرسوم عدد 22 المؤرخ في 21 أفريل 2022، المنقح للقانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012 المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 المتعلق بالهيئة العليا المستقلة للانتخابات..
وينص الفصل 134 من الدستور الجديد على دور الهيئة في تنظيم الانتخابات والإشراف عليها، وعلى تركيبتها المكونة من تسعة أعضاء مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة والنزاهة، يباشرون مهامهم لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين". وهي نفس الصيغة التي وردت بالفصل 126 من دستور جانفي 2014، إذ تم نسخ كامل الفقرة التي تتحدث عن صلاحيات هيئة الانتخابات وتركيبتها. وترك تفصيل طريقة تعيين (أو ترشيح) أعضاء الهيئة وتحديد اختصاصاتهم إلى مرسوم أو قانون خاص. وهو أمر لم يتم بعد.
خلافات.. في انتظار القرار الرئاسي الحاسم..
في جل الحالات، فإن القرارات أو التعديلات التي سيتم اعتمادها على تركيبة الهيئة سيكون لها تداعيات وتأثيرات على طريقة أداء الهيئة ومدى انسجام أعضائها، لكنها لن تكون منفصلة عما يجري داخل الهيئة من خلافات مزمنة بين أعضائها معلومة للجميع وللرأي العام الوطني وحتى الدولي، وبالتحديد بين أغلب أعضاء مجلسها (خمسة أعضاء) والعضو سامي بن سلامة. علما أن الهيئة شهدت استقالة العضو القاضي العدلي الحبيب العدلي بتاريخ 13 جوان 2022.
وكانت الخلافات قد برزت قبل موعد الاستفتاء بقليل، وبلغت ذروتها أثناء عملية الاستفتاء وخلال مرحلة الإعلان عن النتائج، وهي مستمرة إلى اليوم.
وكان مجلس الهيئة قد قرر سلسلة من العقوبات على العضو بن سلامة بعد اتهامه بارتكابه جملة من الخروقات التي وصفها المجلس بالجسيمة، على غرار تجميد عضويته ومنعه من حضور اجتماعات المجلس، ومن الدخول إلى مقر المركز الإعلامي بالعاصمة أثناء إعلان النتائج، وصولا إلى تطبيق الفصل 16 من قانون الهيئة وطرده من الهيئة نهائيا وتتبعه جزائيا.
علما أن بن سلامة ما يزال إلى حد اللحظة، متمسكا بعضويته الكاملة في مجلس الهيئة، وهو الذي اتهم زملاءه بالسعي لإفشال الاستفتاء والتقصير في الأداء، وأكد في تدوينات فايسبوكية أن اتهامه بالغياب المتكرر هو محض افتراء، واتهم أعضاء المجلس بالتحيّل على القانون، على اعتبار أنه مُنِع بالقوة من دخول مقر الهيئة ولم يتم استدعائه بشكل رسمي على عنوانه الالكتروني لحضور اجتماعات مجلس الهيئة.
وكان المتحدث الرسمي باسم هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري، قد أكد في تصريحات صحفية متواترة أن "قرار الهيئة حول عزل بن سلامة نهائي فقد من خلاله العضوية، باعتبار غيابه لأكثر من سبع مجالس متتالية، مشيرا إلى أن "القانون ينص على أن العضو الذي يتغيب ثلاثة مجالس متتالية يعتبر متخليا ويفقد العضوية".
ووفق بلاغ صادر عن الهيئة، فقد قرّر مجلسها المنعقد بتاريخ 25 أوت 2022، بإجماع أعضائه، معاينة حالة الشغور الحاصلة في تركيبة مجلس الهيئة جرّاء تخلّي أحد أعضائه، وذلك عملا بمقتضيات الفصل 16 الفقرة الثانية من القانون الأساسي عدد 23 لسنة 2012، المؤرّخ في 20 ديسمبر 2012."
وكان سامي بن سلامة قد رفض القرار، واتهم الهيئة بالتزوير وقال أنها لا تملك صلاحية إقرار حالة الشغور الطارئ، وأكد أن الهيئة لها فقط صلاحية معاينة الشغور، الذي يعتبرها أساس غير قانوني وأن رئيس الجمهورية هو المسؤول عن إقرار حالة الشغور ومراقبة سلامة إجراءات الهيئة. وقال أيضا إنه ينتظر موقف رئيس الدولة من المسألة، الذي قام بنفسه بتعيين أعضاء المجلس الجديد.
لكن رئيس الجمهورية، ورغم علمه بمختلف التطورات الحاصلة داخل الهيئة، لم يكشف عن أي موقف رسمي تجاه المسألة، ولم يحسم في عضوية سامي بن سلامة، على اعتبار أن المرسوم عدد 22 في فصله 15 يمنح رئيس الجمهورية حق اتخاذ قرار الإعفاء من عدمه. وبالتالي فإن موقفه من الخلاف الحاصل سيعدّ بمثابة حكما بين الطرفين. فإما ينتصر لمجلس الهيئة ويفعّل قرار إعفاء بن سلامة من مهامه وبالتالي تصبح رسمية، أو يتم الإبقاء على عضويته كاملة مع تغيير تركيبة المجلس، وبالتالي فهو ينتصر لموقف بن سلامة.
نحن إذن، أمام معضلة حقيقية، وقراءتين قانونيتين متضادتان لمعنى المرسوم عدد 22 وأيضا القانون الأساسي للهيئة المؤرخ في 20 ديسمبر 2012.
فمن جهة يرى مجلس الهيئة أن له الأحقية الكاملة في عزل العضو بن سلامة بناء على الفصل 16 من القانون الأساسي للهيئة، والفصل 15 من المرسوم عدد 22، وذلك اعتبارا للخروقات التي ارتكبها بن سلامة وتغيبه المتكرر عن اجتماعات المجلس.
ومن جهة أخرى، فإن بن سلامة يرى أن المجلس ليس له أحقية عزله من عضوية المجلس على اعتبار أن الفصل 15 فقرة جديدة، من المرسوم 22، ينص على أن "يُرفع مقترح الإعفاء من قبل رئيس الهيئة أو من خمسة أعضاء على الأقل بناء على تقرير معلل وبعد تمكين المعني بالأمر من حق الدفاع. ويرفع مقترح الهيئة إلى رئيس الجمهورية لاتخاذ قرار الإعفاء من عدمه."
فرضيات حل المشكلة
عموما، هناك ثلاث فرضيات قد يلجأ إليها الرئيس سعيد في قادم الأيام لحل المشكلة، وتتمثل الفرضية الأولى في إمكانية أن يعوّض رئيس الجمهورية "الشغور" الحاصل في تركيبة مجلس الهيئة بتعويض عضو مستقيل وهو القاضي العدلي الحبيب الربعي، مع الإبقاء على العضوية الكاملة لسامي بن سلامة، وتسمية عضوين جديدين لتكتمل تركيبة الهيئة وتصبح مكونة من تسعة أعضاء، لكن هذا الخيار لن يحل المشكلة بل قد يزيد من حدتها ويطيل من أمدها.
الفرضية الثانية، تتمثل في اتخاذ قرار رئاسي بإعفاء سامي بن سلامة من عضوية مجلس الهيئة، وإكمال الشغور بتعيين أربعة أعضاء جدد. وبالتالي إنهاء حالة الخصام والتراشق بالتهم بين أعضاء الهيئة. وهذا الخيار – إن حصل فعلا- فإنه قد يُقرأ على أنه تجديد الثقة التي يكنها الرئيس لرئيس الهيئة الحالي فاروق بوعسكر وبقية الأعضاء، خاصة في ما يتعلق بتأمين تنظيم الانتخابات البرلمانية وإنجاحها.
أما الفرضية الثالثة، فتتمثل في إمكانية أن يقرر الرئيس تغييرا جذريا في كامل تركيبة الهيئة، أي إعفاء كامل الفريق الحالي، وتعويضه بفريق جديد مع الحفاظ على مبدأ المزج بين الخبرة والتجديد عن إقرار كيفية الاختيار على أعضاء المجلس الجديد وتحديد الاختصاصات المطلوبة مع توجه لتجاوز الأخطاء والثغرات القانونية التي وردت بالمرسوم 22.
جدير بالذكر، أن رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر صرّح أمس لراديو موزاييك، على هامش حضوره جلسة عمل لتقييم نتائج الاستفتاء والاستعدادات للانتخابات التشريعية بالحمامات الجنوبية، إنه بصدور القانون الجديد للانتخابات وأمر دعوة الناخبين عن رئيس الجمهورية أمس الخميس 15 سبتمبر، انطلقت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بصفة رسمية وبمجلسها الحالي المتكون من خمسة أعضاء في الإعداد لانتخابات 17 ديسمبر.
وأكد بوعسكر أن رئاسة الجمهورية على اطلاع بمسألة سد الشغور الحاصل في تركيبة الهيئة، وعلّل صمتها عن الموضوع في إطار دراسة ملفات المترشحين.
وبخصوص العضو سامي بن سلامة قال: "الموضوع انتهى وبعلم ومراسلة رئيس الجمهورية وفق النظام الداخلي للهيئة." وأضاف أن الهيئة على اطلاع بمراحل إعداد القانون الانتخابي وتمت استشارتها في مضمونه من قبل رئاستي الحكومة والجمهورية.
يذكر أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أشرفت على الانتخابات منذ أكتوبر 2011. ووفق المرسوم عدد 27 لسنة 2011 مؤرخ في 18 أفريل 2011 المتعلق بإحداث هيئة عليا مستقلة للانتخابات، تكونت تركيبة الهيئة التي أشرفت على انتخابات المجلس التأسيسي، من ستة عشر عضوا تم تسميتهم بأمر ويتم اختيارهم من قبل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي من بين مترشحين عن كل صنف (قضاة، محامون، عدول إشهاد، عدول تنفيذ، مهندسون، صحفيون، خبراء محاسبون، ممثلون عن منظمات، ممثلون عن التونسيين بالخارج).
بعد انتخابات 2011، أقدم المجلس التأسيسي على وضع قانون جديد للهيئة وغيّر في تركيبتها، وتم للغرض إصدار القانون الأساسي الجديد للهيئة المؤرخ في 20 ديسمبر 2012 ليعوض المرسوم عدد لسنة 2011، وأصبحت بمقتضاه التركيبة متكونة من 9 أعضاء “مستقلين محايدين من ذوي الكفاءة” ينتخبهم البرلمان بأغلبية الثلثين، ويباشرون مهامهم فترة واحدة مدتها 6 سنوات، ويجدد ثلث أعضائها كل سنتين.
ثم تغيرت تركيبة الهيئة بعد 25 جويلية 2021، بمرسوم رئاسي عدد 22 المؤرخ في 11 أفريل 2022، وأصبح مجلسها “يتكون من 7 أعضاء يتم تعيينهم بأمر رئاسي”.