إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الجالية ومفهوم الإقليم.. الجالية التونسية بالجزائر

بقلم: مقداد إسعاد

يعد الإقليم الجغرافي نتاجا للعلاقة المتبادلة بين الإنسان وبيئته، فهو مساحة من الأرض يمكن تمييزها عن غيرها في جانب أو أكثر عن المناطق المجاورة يحس بها تلقائيا نتيجة للتفاوت فيما بينها، مما يعطيها كيانا منفردا واضحا يبرز من خلال شخصية الإقليم"، وقد عرفت هذه الشخصية تطورا عبر العصور وخاصة منذ القرن التاسع شعر تمحور لها من الفضاء الطبيعي، إلى فضاء مسكون ليتسع تعريف الإقليم من شيء مادي مكمم ومحسوس كوحدة إدارية جغرافية إلى مفهوم وفكرة، حيث أضيفت إلى العنصرين المكونين له وهما المحيط الجغرافي وما فيه من حياة إلى عنصر ثالث وهو نوع العلاقة بينهما. ذلك أن الإقليم يتأثر سلبا أو إيجابا بعمل مكوناته والفاعلين فيه.

وقد زادت العولمة إلى شخصية الإقليم بعد آخر مرتبط بها وهو التأثير فيه من خارج محيطه الجغرافي بفعل العولمة، وأصبح كل من يؤثر في ذلك المحيط فاعلا فيه وجزءا منه أيا ما كان مقر سكناه، مثل جاليته في الخارج. هذا لكن بعضهم يوسع الانتماء للإقليم إلى كل من يؤثر فيه بخياراته وأفعاله في المعمورة كلها. وهي حقيقة قد تبعدنا عن موضوعنا حول حقيقة الجالية التونسية ودورها في حياة إقليم تونس بمفهومه الكلاسيكي. تقول الإحصائيات أن أكثر من عشر سكان تونس يعيشون خارجها. وهم في أغلبهم مرتبطون بها حسا ومعنى، أجسامهم بعيدة وقلوبهم في وطنهم.

بحسب تصريحات وزارة الشؤون الاجتماعية والإدارة العامة للهجرة، قبل زمن جائحة كرونا فإن عدد التونسيين بالخارج بلغ مليون وأربعمائة ألف نسمة أي بنسبة %12 من مجموع التونسيين في العالم، وأن الجالية في تزايد بحوالي ثلاثة عشر ألف سنويا، منها%37 يهاجرون طلبا للعمل و%24 للدراسة، وتأتي فرنسا في مقدمة الدول الحاضنة للتونسيين إذ بلغ عددهم حوالي 800 ألف نسمة، وذلك بفعل العلاقة التاريخية واللغة الفرنسية والتصاهر والعلاقات الاقتصادية والتربوية القوية التي تربط البلدين. أما المنطقة المغاربية فهي غير متوازنة من حيث عدد الجالية، إذ كانت ليبيا ما قبل الثورة تحتضن قرابة المائة ألف، ورغم الظروف الأمنية وجائحة كرونا فقد بقي التونسيون مرتبطين بالجارة الشرقية بدواع ثلاثة أولها الشغل ثم التجارة والخدمات. أما الجزائر وهي موضوعنا ومربط فرسنا فتحتاج إلى وقفة لفهم أسباب قلة عدد التونسيين المقيمين فيها وتصنيفهم الاجتماعي. فالهجرة "حراك جغرافي وسوسيولوجي تحركه دوافع وأسباب وينخرط في ثنائية الجذب والطرد التي تناولتها أدبيات علم اجتماع الهجرة والنظريات الكلاسيكية المفسرة للظاهرة". فالجزائر ليست جاذبة للتونسيين رغم الثوابت الجغرافية أولا، بحدود بطول 950 كلم تحتوي على تسعة معابر برية من أصل أحد عشر، ورغم أن التبادلات التجارية البرية الجزائرية تمر بما يزيد عن التسعين بالمائة عبر تونس، ورغم الروابط التاريخية والاجتماعية والثقافية، بقي عدد التونسيين المقيمين في الجارة الغربية و"الأخت الكبرى" لا يتجاوز العشرين ألفا بحسب وزير الشؤون الاجتماعية والهجرة لما قبل 2019.

وتأتي الجزائر في مرتبة متأخرة جدا بعد البلدان الأوروبية، وبحسب بيانات أخرى لوزارة الشؤون الاجتماعية التونسية، فبعد فرنسا تأتي ايطاليا بنحو 200 ألف، ثم ألمانيا بحوالي 100 ألف، ثم دول الخليج بأكثر من 120 ألف تونسي، كما يتزايد عددهم في أمريكيا الشمالية وخاصة في كندا.

القانون الجزائري له معاملة خاصة من حيث مدد بطاقات الإقامة للتونسيين والفرنسيين بحكم المعاملة بالمثل، حيث تحدد مدة صلاحية بطاقة الإقامة بعشر سنين. أما عدد الفرنسيين المسجلين بالقنصليات الفرنسية (الجزائر العاصمة وعنابة ووهران) فإن الجالية تعد 32.812 فرنسيا مسجلا في عام 2021. ولفرنسا حضور اقتصادي ذي وزن بمؤسسات صناعية وبنكية وخدماتية متنوعة تصدرت بها الشركات الاقتصادية الأجنبية بالجزائر، فبحسب السجل التجاري الجزائري لما قبل جائحة كرونا قد بلغ عدد الأجانب المسجلين في السجل التجاري 13800 مسجل، ثلاثة أرباعهم أشخاص طبيعيون. وفاق عدد شركات التونسيين الثمانمائة شركة ويحتلون بذلك المرتبة الخامسة بعد الفرنسيين والسوريين والأتراك والصينيين.

يعمل التونسيون في مجال الخدمات، خاصة منها البنكية والسياحية، وأيضا مؤسسات إنتاج السلع، ومنها الآلات الكهربائية وقطع الغيار وغيرها، وفي التجارة أيضا. هذا ورغم عدة اتفاقيات ثنائية لتحرير التبادل التجاري بين البلدين سنة 2010 و2014 و2017 إلى الاتفاقيات الأخيرة سنة 2021، والتي بدت واعدة إلا أن التطبيق بقي صعبا، وذلك لاكراهات داخلية خاصة بكل بلد تجعل السياسي يسبق التعاون التنموي ويؤخر الانطلاق فيه وترشيده.

وبالنظر لترتيب الفاعلين الاقتصاديين الأجانب في الجزائر فإن الثلاثي ـ فرنسا ـ تركيا والصين، يحتل الصدارة ويأخذ حصة الأسد من سوق الجزائر. يمكننا أن نتساءل عن سبب ذلك، ولعل الجواب البديهي يكون بوجود إرادة ورغبة سياسية من أعلى هرم القرار في تلك البلدان بالتموقع في بلد بترولي كبير يربط حسا ومعنى بين الشمال والجنوب، كثمرة لرؤية إستراتيجية وطنية ينفذها فاعلون اقتصاديون بدعم من حكوماتهم وهو ما غاب عن تونس وهي الغنية بإطاراتها في كل المجالات، لكن لا يجدون دعما ولا تشجيعا في سوق هو الأقرب لتونس والأسهل من حيث تكاليف النقل والسفر واللغة وغير ذلك.

لتلك الأسباب وأخرى احتلت تونس المرتبة الخامسة وبقيت تنافس السوريين ـ فرج الله عنهم ـ والفلسطينيين والمصريين، تونس تمتلك كل شروط النجاح في الجزائر إلا واحدة وهي الرؤية والإرادة السياسية.

على البلدين اغتنام الظروف العالمية الاستثنائية والتحديات المشتركة بينهما، وتنطلقان دون تأخير ولا انتظار لوضع آليات الوحدة، وقد يكون أولها النقل بكل أنواعه، وخاصة السكة الحديدية، وتشجيع الأنشطة السياحية مثل المسالك العابرة للحدود، وإدماج فعلي بتشريك المؤسسات العمومية قطاعيا، واستثمارات مشتركة في رأس المال والتسيير لقطاعات واعدة مثل الفسفاط الذي جعلته الجغرافيا قسمة بين البلدين حيث تمر الحدود في وسطه، وحوله تكامل بخبرة تونس في الإنتاج والتصدير وامتلاك الجزائر للمادة الأساسية لتحويله وهي الغاز.

بمثل هذا فقط يزاد عدد الجاليتين وينمو كما ونوعا ويزدهر البلدان بتثمين المشترك بينهما وتكامله.

 

الجالية ومفهوم الإقليم.. الجالية التونسية بالجزائر

بقلم: مقداد إسعاد

يعد الإقليم الجغرافي نتاجا للعلاقة المتبادلة بين الإنسان وبيئته، فهو مساحة من الأرض يمكن تمييزها عن غيرها في جانب أو أكثر عن المناطق المجاورة يحس بها تلقائيا نتيجة للتفاوت فيما بينها، مما يعطيها كيانا منفردا واضحا يبرز من خلال شخصية الإقليم"، وقد عرفت هذه الشخصية تطورا عبر العصور وخاصة منذ القرن التاسع شعر تمحور لها من الفضاء الطبيعي، إلى فضاء مسكون ليتسع تعريف الإقليم من شيء مادي مكمم ومحسوس كوحدة إدارية جغرافية إلى مفهوم وفكرة، حيث أضيفت إلى العنصرين المكونين له وهما المحيط الجغرافي وما فيه من حياة إلى عنصر ثالث وهو نوع العلاقة بينهما. ذلك أن الإقليم يتأثر سلبا أو إيجابا بعمل مكوناته والفاعلين فيه.

وقد زادت العولمة إلى شخصية الإقليم بعد آخر مرتبط بها وهو التأثير فيه من خارج محيطه الجغرافي بفعل العولمة، وأصبح كل من يؤثر في ذلك المحيط فاعلا فيه وجزءا منه أيا ما كان مقر سكناه، مثل جاليته في الخارج. هذا لكن بعضهم يوسع الانتماء للإقليم إلى كل من يؤثر فيه بخياراته وأفعاله في المعمورة كلها. وهي حقيقة قد تبعدنا عن موضوعنا حول حقيقة الجالية التونسية ودورها في حياة إقليم تونس بمفهومه الكلاسيكي. تقول الإحصائيات أن أكثر من عشر سكان تونس يعيشون خارجها. وهم في أغلبهم مرتبطون بها حسا ومعنى، أجسامهم بعيدة وقلوبهم في وطنهم.

بحسب تصريحات وزارة الشؤون الاجتماعية والإدارة العامة للهجرة، قبل زمن جائحة كرونا فإن عدد التونسيين بالخارج بلغ مليون وأربعمائة ألف نسمة أي بنسبة %12 من مجموع التونسيين في العالم، وأن الجالية في تزايد بحوالي ثلاثة عشر ألف سنويا، منها%37 يهاجرون طلبا للعمل و%24 للدراسة، وتأتي فرنسا في مقدمة الدول الحاضنة للتونسيين إذ بلغ عددهم حوالي 800 ألف نسمة، وذلك بفعل العلاقة التاريخية واللغة الفرنسية والتصاهر والعلاقات الاقتصادية والتربوية القوية التي تربط البلدين. أما المنطقة المغاربية فهي غير متوازنة من حيث عدد الجالية، إذ كانت ليبيا ما قبل الثورة تحتضن قرابة المائة ألف، ورغم الظروف الأمنية وجائحة كرونا فقد بقي التونسيون مرتبطين بالجارة الشرقية بدواع ثلاثة أولها الشغل ثم التجارة والخدمات. أما الجزائر وهي موضوعنا ومربط فرسنا فتحتاج إلى وقفة لفهم أسباب قلة عدد التونسيين المقيمين فيها وتصنيفهم الاجتماعي. فالهجرة "حراك جغرافي وسوسيولوجي تحركه دوافع وأسباب وينخرط في ثنائية الجذب والطرد التي تناولتها أدبيات علم اجتماع الهجرة والنظريات الكلاسيكية المفسرة للظاهرة". فالجزائر ليست جاذبة للتونسيين رغم الثوابت الجغرافية أولا، بحدود بطول 950 كلم تحتوي على تسعة معابر برية من أصل أحد عشر، ورغم أن التبادلات التجارية البرية الجزائرية تمر بما يزيد عن التسعين بالمائة عبر تونس، ورغم الروابط التاريخية والاجتماعية والثقافية، بقي عدد التونسيين المقيمين في الجارة الغربية و"الأخت الكبرى" لا يتجاوز العشرين ألفا بحسب وزير الشؤون الاجتماعية والهجرة لما قبل 2019.

وتأتي الجزائر في مرتبة متأخرة جدا بعد البلدان الأوروبية، وبحسب بيانات أخرى لوزارة الشؤون الاجتماعية التونسية، فبعد فرنسا تأتي ايطاليا بنحو 200 ألف، ثم ألمانيا بحوالي 100 ألف، ثم دول الخليج بأكثر من 120 ألف تونسي، كما يتزايد عددهم في أمريكيا الشمالية وخاصة في كندا.

القانون الجزائري له معاملة خاصة من حيث مدد بطاقات الإقامة للتونسيين والفرنسيين بحكم المعاملة بالمثل، حيث تحدد مدة صلاحية بطاقة الإقامة بعشر سنين. أما عدد الفرنسيين المسجلين بالقنصليات الفرنسية (الجزائر العاصمة وعنابة ووهران) فإن الجالية تعد 32.812 فرنسيا مسجلا في عام 2021. ولفرنسا حضور اقتصادي ذي وزن بمؤسسات صناعية وبنكية وخدماتية متنوعة تصدرت بها الشركات الاقتصادية الأجنبية بالجزائر، فبحسب السجل التجاري الجزائري لما قبل جائحة كرونا قد بلغ عدد الأجانب المسجلين في السجل التجاري 13800 مسجل، ثلاثة أرباعهم أشخاص طبيعيون. وفاق عدد شركات التونسيين الثمانمائة شركة ويحتلون بذلك المرتبة الخامسة بعد الفرنسيين والسوريين والأتراك والصينيين.

يعمل التونسيون في مجال الخدمات، خاصة منها البنكية والسياحية، وأيضا مؤسسات إنتاج السلع، ومنها الآلات الكهربائية وقطع الغيار وغيرها، وفي التجارة أيضا. هذا ورغم عدة اتفاقيات ثنائية لتحرير التبادل التجاري بين البلدين سنة 2010 و2014 و2017 إلى الاتفاقيات الأخيرة سنة 2021، والتي بدت واعدة إلا أن التطبيق بقي صعبا، وذلك لاكراهات داخلية خاصة بكل بلد تجعل السياسي يسبق التعاون التنموي ويؤخر الانطلاق فيه وترشيده.

وبالنظر لترتيب الفاعلين الاقتصاديين الأجانب في الجزائر فإن الثلاثي ـ فرنسا ـ تركيا والصين، يحتل الصدارة ويأخذ حصة الأسد من سوق الجزائر. يمكننا أن نتساءل عن سبب ذلك، ولعل الجواب البديهي يكون بوجود إرادة ورغبة سياسية من أعلى هرم القرار في تلك البلدان بالتموقع في بلد بترولي كبير يربط حسا ومعنى بين الشمال والجنوب، كثمرة لرؤية إستراتيجية وطنية ينفذها فاعلون اقتصاديون بدعم من حكوماتهم وهو ما غاب عن تونس وهي الغنية بإطاراتها في كل المجالات، لكن لا يجدون دعما ولا تشجيعا في سوق هو الأقرب لتونس والأسهل من حيث تكاليف النقل والسفر واللغة وغير ذلك.

لتلك الأسباب وأخرى احتلت تونس المرتبة الخامسة وبقيت تنافس السوريين ـ فرج الله عنهم ـ والفلسطينيين والمصريين، تونس تمتلك كل شروط النجاح في الجزائر إلا واحدة وهي الرؤية والإرادة السياسية.

على البلدين اغتنام الظروف العالمية الاستثنائية والتحديات المشتركة بينهما، وتنطلقان دون تأخير ولا انتظار لوضع آليات الوحدة، وقد يكون أولها النقل بكل أنواعه، وخاصة السكة الحديدية، وتشجيع الأنشطة السياحية مثل المسالك العابرة للحدود، وإدماج فعلي بتشريك المؤسسات العمومية قطاعيا، واستثمارات مشتركة في رأس المال والتسيير لقطاعات واعدة مثل الفسفاط الذي جعلته الجغرافيا قسمة بين البلدين حيث تمر الحدود في وسطه، وحوله تكامل بخبرة تونس في الإنتاج والتصدير وامتلاك الجزائر للمادة الأساسية لتحويله وهي الغاز.

بمثل هذا فقط يزاد عدد الجاليتين وينمو كما ونوعا ويزدهر البلدان بتثمين المشترك بينهما وتكامله.

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews