إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في أزمة نقص المواد الغذائية والارتفاع المتواصل في الأسعار.. القادم لن يكون مريحا

بقلم: نوفل سلامة

اعتاد رئيس الجمهورية في كل خروج إعلامي له يلتقي خلاله مع رئيسة الحكومة أو وزيرة التجارة أو وزير الاقتصاد وحتى مع وزير الداخلية إلا وتحدث عن الوضع الاجتماعي الصعب الذي تعيشه فئات كثيرة من الشعب حتى وصل الإحراج الاجتماعي إلى الطبقات المتوسطة والتي تعرف نوعا من الرفاهية ولا يفوت الفرصة لتناول موضوع الارتفاع المتواصل في أسعار الكثير من المواد الغذائية الأساسية وموضوع ندرة السلع وفقدانها المتكرر من الأسواق وهي ظاهرة لم يتعود عليها الشعب إلا في الأيام الأولى للثورة نتيجة الظرف الصعب الذي مرت به البلاد بعد انهيار حكم الرئيس بن علي غير أن الأزمة تجاوزت هذه المرة المواد الغذائية الأساسية لتصل إلى الماء المعبأ وبنزين السيارات وهي مرشحة في قادم الأيام لتعرف فقدان مادة البطاطا والحليب والكثير من المواد التي كانت تخزن ليتم اللجوء إليها عند الحاجة في وقت النقص الموسمي لتعديل السوق.. اعتاد الرئيس في تناوله لهذه المسائل إلى إرجاع المتسبب في هذا الوضع المضطرب الذي يعسر على الناس حياتهم إلى المضاربين والمحتكرين والجهات التي تفتعل الأزمات وتعمل على عرقلة مسار الإصلاح الذي بدأ فيه الرئيس وإرباك منظومة 25 جويلية لإظهارها أمام الناس بمظهر الفشل  وغير القادرة على تقديم أداء أفضل مما قدمته حكومات ما بعد الثورة.

وقد حافظ الخطاب الذي يعتمد عليه رئيس الجمهورية لتفسير ظاهرة غلاء الأسعار وظاهرة نقص المواد الغذائية من الأسواق على مفرداته وعلى نسقه وحافظ كذلك على تصوره لهذه الأزمة الغذائية الحادة في حصرها في العوامل الداخلية التي تتحكم فيها جهات معادية للإصلاح تعمل على جعل الفساد يتحكم في كل مفاصل المجتمع وتتسبب في تفقير الشعب وتجويعه على حد قوله وراءها شبكات تفتعل الأزمات المتكررة لتأجيج الأوضاع وجعل الشعب يفقد صبره لجره للتمرد على الدولة والاحتجاج على أدائها.

كما حافظ الخطاب الرئاسي في تناوله لهذه الظاهرة على التصور الذي يعتبر أن ما يحصل مع المواد الغذائية من غلاء في أسعارها وفقدانها من الأسواق هو جريمة ترتكب في حق الشعب وأن الدولة لن تسكت أمام هذا السلوك الإجرامي الذي يضر بمصالح عموم الناس مع اعتماد صورة للدولة تظهرها في وضع المدافع الوحيد عن شعبها أمام شراسة هؤلاء المجرمين وهي في ذلك تخوض حربا على الفساد و لن تقف مكتوفة الأيدي ولن تتسامح مع المجرمين و مع من يتسبب في تجويع الشعب حسب قول الرئيس.

هذه الرؤية وهذا التصور لمشكلة ندرة المواد الغذائية والارتفاع المتواصل في الأسعار يركز فقط على أن المتسبب فيها هو الفاعل الداخلي من لوبيات وشبكات تهريب وعصابات الاحتكار والمضاربة ويقصي من تحليله العوامل الخارجية المؤثرة بقوة فيما يحصل في الأسواق والعوامل الهيكلية التي تتحكم في الظاهرة من مسالك توزيع وغلاء المواد الأولية وغياب الرقابة وضعفها وعدم التحكم في الأسعار لكونها محررة ولا تخضع لرقابة الدولة وهي خاضعة لقاعدة العرض والطلب وكلفة الإنتاج المرتفعة وهي كلها عوامل ومعطيات لو تؤخذ في الحسبان فإن الحكم على مشكلة الندرة وغلاء الأسعار سوف يتغير لنجد أنفسنا أمام تحليل أشمل وأكثر موضوعية و عقلانية وأكثر إقناعا في فهم الظاهرة نتيجته فقدان الخطاب الرسمي جانبا من قيمته عند الرأي العام بعد أن يقف على أن ما يحصل هو نتاج عملية مركبة معقدة ومتداخلة وأن العنصر الخارجي مؤثر فيها بقوة وأن الفاعل الداخلي هو جزء منها فقط وليس كل المشكل وأن المسؤولية في جانب كبير منها تقع على المعطى الخارجي المفروض علينا.

ولكن في غياب التحليل الموضوعي والرؤية الشمولية لمشكلة ندرة المواد الغذائية والغلاء في أسعارها فإن ما يقدمه رئيس جمهورية من رؤية تركز على من يسميهم بمفتعلي الأزمات المحليين فقط ليست هي هذه نفس النظرة التي تتبناها حكومته التي تعتبر أن المشكلة أعمق من ذلك بكثير وأن أزمة الغذاء في تونس سببها الرئيسي العوامل الخارجية بالأساس وهذا يجعل  أن ما يقترحه وزراء حكومة السيدة نجلاء بودن هو مختلف عما يطرحه رئيس الدولة ذلك أن الحكومة لا تتحدث عن لوبيات احتكار ولا عن جهات تفتعل الأزمات هي المتسببة في ارتفاع الأسعار وإنما خطابها موجه إلى فكرة أننا في ظرف عالمي صعب يشهد حالة من التضخم غير المسبوقة أثرت فيها جائحة كورونا وزادت في حدتها وتعميقها الحرب الأوكرانية الروسية التي أثرت في إمدادات الغاز والنفط وإمدادات الغذاء وخاصة ما تعلق بمادة القمح والزيت والعلف وهو ظرف يفرض على الدولة الذهاب إلى توريد النقص الحاصل في هذه المواد والتفكير في البحث عن مصادر تمويل إضافية في غياب الموارد المالية الذاتية التي تعرف نقصا كبيرا في ميزانية  الدولة.

المشكل الذي يعترضنا ونحن بصدد فهم حقيقة هذا المشكل أننا إزاء خطابين رسمين مختلفين وغير متفقين في المقاربة وفي الحل الأول يتبناه رئيس الدولة الذي يعتبر أن ظاهرة ندرة المواد الغذائية وارتفاع الأسعار سببها أطراف داخلية تفتعل الأزمات وهو خطاب يحاول أن يقنع بأن المواد الغذائية موجودة في مخازن المضاربين والمحتكرين وما على الدولة إلا أن تذهب إلى مواضعها وتسترجعها وبذلك يعود للسوق توازنه ورؤية أخرى تروج لها الحكومة ترى أن أصل المشكل في العوامل الخارجية بالأساس وأن الظرف العالمي الذي تمر به الدول المتحكمة في امدادات الغذاء والطاقة هو من أحدث هذه الأزمة يفرض على الدولة التونسية توفير السيولة المالية اللازمة لمجابهة الأزمة من خلال توريد البضائع الناقصة وهذه الرؤية تتأكد أكثر في علاقة بما أعلن عنه اتحاد الفلاحين مؤخرا من أن الأسابيع القادمة وخلال شهري نوفمبر وديسمبر سوف تشهد  نقصا في مادة الحليب وهي ظاهرة تعرفها تونس في مثل هذه الفترة من السنة لأسباب عدة أهمها المشاكل التي تعرفها منظومة الألبان والتي تؤثر سنويا وفي مثل هذه الفترات على إنتاج مادة الحليب ما يجعل الدولة تضطر الى توريد النقص المقدر ب 30 % بما يعني اللجوء إلى مخزوننا من العملة الصعبة المتآكل والذي يعرف تراجعا كبيرا  من شأنه أن يؤثر سلبا على الميزان التجاري بعد النزيف الذي حصل في الاحتياطي من العملة الصعبة جراء التوريد المتواصل.

في أزمة نقص المواد الغذائية والارتفاع المتواصل في الأسعار.. القادم لن يكون مريحا

بقلم: نوفل سلامة

اعتاد رئيس الجمهورية في كل خروج إعلامي له يلتقي خلاله مع رئيسة الحكومة أو وزيرة التجارة أو وزير الاقتصاد وحتى مع وزير الداخلية إلا وتحدث عن الوضع الاجتماعي الصعب الذي تعيشه فئات كثيرة من الشعب حتى وصل الإحراج الاجتماعي إلى الطبقات المتوسطة والتي تعرف نوعا من الرفاهية ولا يفوت الفرصة لتناول موضوع الارتفاع المتواصل في أسعار الكثير من المواد الغذائية الأساسية وموضوع ندرة السلع وفقدانها المتكرر من الأسواق وهي ظاهرة لم يتعود عليها الشعب إلا في الأيام الأولى للثورة نتيجة الظرف الصعب الذي مرت به البلاد بعد انهيار حكم الرئيس بن علي غير أن الأزمة تجاوزت هذه المرة المواد الغذائية الأساسية لتصل إلى الماء المعبأ وبنزين السيارات وهي مرشحة في قادم الأيام لتعرف فقدان مادة البطاطا والحليب والكثير من المواد التي كانت تخزن ليتم اللجوء إليها عند الحاجة في وقت النقص الموسمي لتعديل السوق.. اعتاد الرئيس في تناوله لهذه المسائل إلى إرجاع المتسبب في هذا الوضع المضطرب الذي يعسر على الناس حياتهم إلى المضاربين والمحتكرين والجهات التي تفتعل الأزمات وتعمل على عرقلة مسار الإصلاح الذي بدأ فيه الرئيس وإرباك منظومة 25 جويلية لإظهارها أمام الناس بمظهر الفشل  وغير القادرة على تقديم أداء أفضل مما قدمته حكومات ما بعد الثورة.

وقد حافظ الخطاب الذي يعتمد عليه رئيس الجمهورية لتفسير ظاهرة غلاء الأسعار وظاهرة نقص المواد الغذائية من الأسواق على مفرداته وعلى نسقه وحافظ كذلك على تصوره لهذه الأزمة الغذائية الحادة في حصرها في العوامل الداخلية التي تتحكم فيها جهات معادية للإصلاح تعمل على جعل الفساد يتحكم في كل مفاصل المجتمع وتتسبب في تفقير الشعب وتجويعه على حد قوله وراءها شبكات تفتعل الأزمات المتكررة لتأجيج الأوضاع وجعل الشعب يفقد صبره لجره للتمرد على الدولة والاحتجاج على أدائها.

كما حافظ الخطاب الرئاسي في تناوله لهذه الظاهرة على التصور الذي يعتبر أن ما يحصل مع المواد الغذائية من غلاء في أسعارها وفقدانها من الأسواق هو جريمة ترتكب في حق الشعب وأن الدولة لن تسكت أمام هذا السلوك الإجرامي الذي يضر بمصالح عموم الناس مع اعتماد صورة للدولة تظهرها في وضع المدافع الوحيد عن شعبها أمام شراسة هؤلاء المجرمين وهي في ذلك تخوض حربا على الفساد و لن تقف مكتوفة الأيدي ولن تتسامح مع المجرمين و مع من يتسبب في تجويع الشعب حسب قول الرئيس.

هذه الرؤية وهذا التصور لمشكلة ندرة المواد الغذائية والارتفاع المتواصل في الأسعار يركز فقط على أن المتسبب فيها هو الفاعل الداخلي من لوبيات وشبكات تهريب وعصابات الاحتكار والمضاربة ويقصي من تحليله العوامل الخارجية المؤثرة بقوة فيما يحصل في الأسواق والعوامل الهيكلية التي تتحكم في الظاهرة من مسالك توزيع وغلاء المواد الأولية وغياب الرقابة وضعفها وعدم التحكم في الأسعار لكونها محررة ولا تخضع لرقابة الدولة وهي خاضعة لقاعدة العرض والطلب وكلفة الإنتاج المرتفعة وهي كلها عوامل ومعطيات لو تؤخذ في الحسبان فإن الحكم على مشكلة الندرة وغلاء الأسعار سوف يتغير لنجد أنفسنا أمام تحليل أشمل وأكثر موضوعية و عقلانية وأكثر إقناعا في فهم الظاهرة نتيجته فقدان الخطاب الرسمي جانبا من قيمته عند الرأي العام بعد أن يقف على أن ما يحصل هو نتاج عملية مركبة معقدة ومتداخلة وأن العنصر الخارجي مؤثر فيها بقوة وأن الفاعل الداخلي هو جزء منها فقط وليس كل المشكل وأن المسؤولية في جانب كبير منها تقع على المعطى الخارجي المفروض علينا.

ولكن في غياب التحليل الموضوعي والرؤية الشمولية لمشكلة ندرة المواد الغذائية والغلاء في أسعارها فإن ما يقدمه رئيس جمهورية من رؤية تركز على من يسميهم بمفتعلي الأزمات المحليين فقط ليست هي هذه نفس النظرة التي تتبناها حكومته التي تعتبر أن المشكلة أعمق من ذلك بكثير وأن أزمة الغذاء في تونس سببها الرئيسي العوامل الخارجية بالأساس وهذا يجعل  أن ما يقترحه وزراء حكومة السيدة نجلاء بودن هو مختلف عما يطرحه رئيس الدولة ذلك أن الحكومة لا تتحدث عن لوبيات احتكار ولا عن جهات تفتعل الأزمات هي المتسببة في ارتفاع الأسعار وإنما خطابها موجه إلى فكرة أننا في ظرف عالمي صعب يشهد حالة من التضخم غير المسبوقة أثرت فيها جائحة كورونا وزادت في حدتها وتعميقها الحرب الأوكرانية الروسية التي أثرت في إمدادات الغاز والنفط وإمدادات الغذاء وخاصة ما تعلق بمادة القمح والزيت والعلف وهو ظرف يفرض على الدولة الذهاب إلى توريد النقص الحاصل في هذه المواد والتفكير في البحث عن مصادر تمويل إضافية في غياب الموارد المالية الذاتية التي تعرف نقصا كبيرا في ميزانية  الدولة.

المشكل الذي يعترضنا ونحن بصدد فهم حقيقة هذا المشكل أننا إزاء خطابين رسمين مختلفين وغير متفقين في المقاربة وفي الحل الأول يتبناه رئيس الدولة الذي يعتبر أن ظاهرة ندرة المواد الغذائية وارتفاع الأسعار سببها أطراف داخلية تفتعل الأزمات وهو خطاب يحاول أن يقنع بأن المواد الغذائية موجودة في مخازن المضاربين والمحتكرين وما على الدولة إلا أن تذهب إلى مواضعها وتسترجعها وبذلك يعود للسوق توازنه ورؤية أخرى تروج لها الحكومة ترى أن أصل المشكل في العوامل الخارجية بالأساس وأن الظرف العالمي الذي تمر به الدول المتحكمة في امدادات الغذاء والطاقة هو من أحدث هذه الأزمة يفرض على الدولة التونسية توفير السيولة المالية اللازمة لمجابهة الأزمة من خلال توريد البضائع الناقصة وهذه الرؤية تتأكد أكثر في علاقة بما أعلن عنه اتحاد الفلاحين مؤخرا من أن الأسابيع القادمة وخلال شهري نوفمبر وديسمبر سوف تشهد  نقصا في مادة الحليب وهي ظاهرة تعرفها تونس في مثل هذه الفترة من السنة لأسباب عدة أهمها المشاكل التي تعرفها منظومة الألبان والتي تؤثر سنويا وفي مثل هذه الفترات على إنتاج مادة الحليب ما يجعل الدولة تضطر الى توريد النقص المقدر ب 30 % بما يعني اللجوء إلى مخزوننا من العملة الصعبة المتآكل والذي يعرف تراجعا كبيرا  من شأنه أن يؤثر سلبا على الميزان التجاري بعد النزيف الذي حصل في الاحتياطي من العملة الصعبة جراء التوريد المتواصل.

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews