إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الكتب المدرسيّة بين التّجديد والإخراج

بقلم: المنصف الحميدي

تبقى الكتب المدرسيّة حجر الزّاوية في العمليّة التّربويّة وتغييرها يرتهن بتغيّير المناهج التّعليميّة فهي ترتبط بالأهداف العامّة والوسيطة وبالمواد المقرّرة لتكوين رديفا لها ومعزّزة أنشطتها وتبدو الكتب العلميّة أيسر تأليفا، ذلك أنّها تعرض دروسا بعينها بعد مراجعات للمكتسبات السّابقة وتقديم للمفاهيم الجديدة معزّزة بشروح لتنتهي بتطبيقات تعمّق هذه المفاهيم والقوانين العلميّة لترسخها حتّى يسهل استحضارها والتصرّف فيها بدقّة وفق منهج علمي دقيق. أمّا كتب القراءة من السّنوات الأولى إلى النّهائيّة في كلّ مرحلة من مراحل التّعليم، هذه الكتب تكتسي خطورة حيث أنّها سترسّخ أدوات القراءة انطلاقا من أهداف تتداخل فيها جميع الملكات اعتمادا على عديد الحواس من ملاحظة وسماع ونطق وفهم وعمل وخيال في تكامل لهذه الوظائف. والقراءة في حدّ ذاتها هي مفتاح المعرفة وتخدم كلّ المعارف الأخرى ويتوازى معها الإنتاج والكتابة لنا تظلّ القراءة وتبقى ذات أهميّة كبرى وعلى النّجاح فيها يتوقّف مستوى الطّفل ومنذ السّنوات الأولى تظهر قدرات التلميذ، لذلك كان يمكن أن يكون الإصلاح منعقدا على الفلسفة التربويّة أي وفق أية اختيارات يريدها الوطن لتخريج أطفاله عليها حتى يكون منسجما مع غيره في مجتمعه باعتباره مواطن الغد واعتبارا لأيّة غايات نروم تحقيقها حتى نضمن له توازنا وانسجاما مع التوجيهات الكبرى للبلاد حتى لا يكون هنا ارتجال وتسرّع في الإصلاح التّربوي المرتقب ولا يقصي سطحيا أملته ظروف استثنائيّة فلا بدّ أن تصاغ البرامج التّربويّة صياغة معقلنة بعيدة على كلّ توجّه سياسي وتجاذب إيديولوجي ويسهم في هذا الإصلاح رجال أكفاء وكفاءات نسائيه مشهود لها بالقدرة العلميّة والتّربويّة والنزاهة والموضوعيّة بعيدا عن خبراء التّربية المزعومين والمتفقّدين الذين يفتقر جلّهم إلى التّكوين المعرفي والتّربوي والبيداغوجي ويتطلّب هذا العمل حيّزا زمنيّا ذا قيمه لا أن يتمّ في نزل فخمة بلجان غير مسؤولة تخرج عملا مبثورا وشكليّا. ولنعد الآن إلى كتب القراءة فهي تعهد دائما إلى زمرة من المتفقّدين لاختيار نصوص تقتطف غصبا من بعض الكتب وحتّى من الكتب الموازية ومن بعض الكتب القديمة وتحشر حشرا في مدارات عوض محاولاتهم بالحياة الاجتماعيّة للتّونسي وقد أريد منها خلق وعي بيئي وسلوكي اجتماعي إيجابي ولكن التلاميذ يعتمدون أكثر على التمارين التّي تعجّ بها الكتب الموازية التّي أضرّت بمكتسبات التّلاميذ واعتمدها المربّي ليستريح من عناء البحث والتنقيب ويقدّمها هكذا، وقد يجد فيها الحلول جاهزة فيركن إلى السلبيّة ويقتصد في الجهد وهذه النّصوص التي تحويها كتب القراءة مبثورة كلّها ومجثّثة وتخرج دائما عن سياقاتها ولا تحمل قيما تسكن التلميذ يتمثلها ويتبناها وتكوّن لديه مواقف ايجابية، والمربي يهمل دروس القراءة وكذلك الأنشطة المعنوية واللغويّة في تفاعل تكون نتائجه معمّقة لعديد التمارين في بناء تراكمي يظهر أثره في الإنتاج الكتابي. وكتب القراءة تعاني فقرا في مضامينها حيث تحوي عديدها نصوصا للمؤلفين أي لواضعي هذا الكتاب وهم من المتفقدين الذين يريدون أن يتحوّلوا إلى أدباء ومبدعين وما أبعدهم عن ذلك وفيهم من له إجازة في التاريخ أو الجغرافيا أو الشريعة وأصول ليواصل تعليمه عن بعد ويتحصّل على وحدات يصبح بعدها متفقدا للغة العربيّة أو الفرنسيّة أو كان مساعدا بيداغوجيا فاشلا ليتحوّل إلى متفقّد يهتمّ بتأليف الكتب الموازية وحتى الكتب الرّسميّة وذكرنا في مقالات سابقة أنّ وزاره التّربية لم لا تعلن عن مناظرات في تأليف هذه الكتب وفق برامج رسميّة موضوعة ومقاييس واضحة تساوي فيها الجميع وأن تقيم بصفه نزيهة وموضوعية ليتمّ إنتاج كتب راقية تصل بالتلميذ إلى حفظ القراءة بأنواعها الصّامتة منها والجهريّة معزّزة بأنشطة في الفهم واللغة والإنتاج والاستعاضة عن طريق الاختبار والإجابة بنعم أو لا وشطب الخطأ وترك الإجابة الصّحيحة وغير ذلك من التّمارين الجوفاء التّي كلّست ذهن التّلميذ وسطحته وجعلته عاجزا عن القراءة والكتابة والإنتاج في كلّ المستويات والمراحل وهذا يؤكّده حصول آلاف التّلاميذ على "أصفار" في اللّغة الفرنسيّة والعربيّة واكتساب أعداد أقلّ من خمسة في اللّغتين المذكورتين في امتحانات (البكالوريا والنوفيام والسيزيام) وهذه المستويات الضحلة والمتدنية تعود إلى إهمال القراءة وأنشطتها وعزوف التّلاميذ عن قراءة الكتب منذ الابتدائي وبعده وخلوّ المدارس من المكتسبات رغم وجود هذه الدور في المدن والقرى ولكنها تشكو الفراغ والطامة الكبرى والمصيبة التي هي أكبر من أختها أن المربّي لا يقرأ كتبا وكذلك الأب والأم فكيف سترسخ عادة حبّ القراءة لدى الطّفل والتلميذ؟ وندعو إطار الإشراف إلى الاهتمام بمادّة القراءة قبل غيرها ليقيم المربّي من خلالها وأن تهتم الوزارة بتجديد الكتب المدرسيّة شكلا ومضمونا وأن تراجع المناهج بمشاركة واسعة من طرف كفاءات رائدة حتى يعود للكتاب دوره وليستعيد مكانته ويصبح جهازا تكوينيّا يمكّن التلميذ من رصيد لغوي وظيفي ويعهد تأليفه إلى مربين أكفاء ذوي اضطلاع كبير على الأدب والإبداع والتّجديد التّربوي حتى يكتسب الإصلاح التّربوي ديمومته وحتّى لا تسقط الكتب بين أيادي مؤلفين ومطبعين جهلة يخرجون كتبا تعجّ أخطاء رسميّة وتركيبية ولغويّة ونصوص جوفاء تنفر الطّفل وتجعله يكره القراءة والتعلّم في نقمته على مدرسته ويتحين الفرص صحبة أقرانه لسرقتها وحرقها والإساءة إلى مربيه وهذا منتهى العقوق وفقدان لقدسية الحياة وعناصرها والمسؤولية يتحمّلها الجميع؛ العائلة أوّلا فالمدرسة بكلّ عناصرها مربّيين ومكوّنين ومشرفين ومؤطرين، فالمجتمع بكلّ أركانه مسؤول على ما وصل إليه الحال وما تشهده المنظومة التّربوية من تفكّك وتشظي وانحلال وبقدر النّجاح في الرّهان التّربوي يكون نجاح البلاد وتقدّمها.

معلم متقاعد وكاتب – المتلوي

الكتب المدرسيّة بين التّجديد والإخراج

بقلم: المنصف الحميدي

تبقى الكتب المدرسيّة حجر الزّاوية في العمليّة التّربويّة وتغييرها يرتهن بتغيّير المناهج التّعليميّة فهي ترتبط بالأهداف العامّة والوسيطة وبالمواد المقرّرة لتكوين رديفا لها ومعزّزة أنشطتها وتبدو الكتب العلميّة أيسر تأليفا، ذلك أنّها تعرض دروسا بعينها بعد مراجعات للمكتسبات السّابقة وتقديم للمفاهيم الجديدة معزّزة بشروح لتنتهي بتطبيقات تعمّق هذه المفاهيم والقوانين العلميّة لترسخها حتّى يسهل استحضارها والتصرّف فيها بدقّة وفق منهج علمي دقيق. أمّا كتب القراءة من السّنوات الأولى إلى النّهائيّة في كلّ مرحلة من مراحل التّعليم، هذه الكتب تكتسي خطورة حيث أنّها سترسّخ أدوات القراءة انطلاقا من أهداف تتداخل فيها جميع الملكات اعتمادا على عديد الحواس من ملاحظة وسماع ونطق وفهم وعمل وخيال في تكامل لهذه الوظائف. والقراءة في حدّ ذاتها هي مفتاح المعرفة وتخدم كلّ المعارف الأخرى ويتوازى معها الإنتاج والكتابة لنا تظلّ القراءة وتبقى ذات أهميّة كبرى وعلى النّجاح فيها يتوقّف مستوى الطّفل ومنذ السّنوات الأولى تظهر قدرات التلميذ، لذلك كان يمكن أن يكون الإصلاح منعقدا على الفلسفة التربويّة أي وفق أية اختيارات يريدها الوطن لتخريج أطفاله عليها حتى يكون منسجما مع غيره في مجتمعه باعتباره مواطن الغد واعتبارا لأيّة غايات نروم تحقيقها حتى نضمن له توازنا وانسجاما مع التوجيهات الكبرى للبلاد حتى لا يكون هنا ارتجال وتسرّع في الإصلاح التّربوي المرتقب ولا يقصي سطحيا أملته ظروف استثنائيّة فلا بدّ أن تصاغ البرامج التّربويّة صياغة معقلنة بعيدة على كلّ توجّه سياسي وتجاذب إيديولوجي ويسهم في هذا الإصلاح رجال أكفاء وكفاءات نسائيه مشهود لها بالقدرة العلميّة والتّربويّة والنزاهة والموضوعيّة بعيدا عن خبراء التّربية المزعومين والمتفقّدين الذين يفتقر جلّهم إلى التّكوين المعرفي والتّربوي والبيداغوجي ويتطلّب هذا العمل حيّزا زمنيّا ذا قيمه لا أن يتمّ في نزل فخمة بلجان غير مسؤولة تخرج عملا مبثورا وشكليّا. ولنعد الآن إلى كتب القراءة فهي تعهد دائما إلى زمرة من المتفقّدين لاختيار نصوص تقتطف غصبا من بعض الكتب وحتّى من الكتب الموازية ومن بعض الكتب القديمة وتحشر حشرا في مدارات عوض محاولاتهم بالحياة الاجتماعيّة للتّونسي وقد أريد منها خلق وعي بيئي وسلوكي اجتماعي إيجابي ولكن التلاميذ يعتمدون أكثر على التمارين التّي تعجّ بها الكتب الموازية التّي أضرّت بمكتسبات التّلاميذ واعتمدها المربّي ليستريح من عناء البحث والتنقيب ويقدّمها هكذا، وقد يجد فيها الحلول جاهزة فيركن إلى السلبيّة ويقتصد في الجهد وهذه النّصوص التي تحويها كتب القراءة مبثورة كلّها ومجثّثة وتخرج دائما عن سياقاتها ولا تحمل قيما تسكن التلميذ يتمثلها ويتبناها وتكوّن لديه مواقف ايجابية، والمربي يهمل دروس القراءة وكذلك الأنشطة المعنوية واللغويّة في تفاعل تكون نتائجه معمّقة لعديد التمارين في بناء تراكمي يظهر أثره في الإنتاج الكتابي. وكتب القراءة تعاني فقرا في مضامينها حيث تحوي عديدها نصوصا للمؤلفين أي لواضعي هذا الكتاب وهم من المتفقدين الذين يريدون أن يتحوّلوا إلى أدباء ومبدعين وما أبعدهم عن ذلك وفيهم من له إجازة في التاريخ أو الجغرافيا أو الشريعة وأصول ليواصل تعليمه عن بعد ويتحصّل على وحدات يصبح بعدها متفقدا للغة العربيّة أو الفرنسيّة أو كان مساعدا بيداغوجيا فاشلا ليتحوّل إلى متفقّد يهتمّ بتأليف الكتب الموازية وحتى الكتب الرّسميّة وذكرنا في مقالات سابقة أنّ وزاره التّربية لم لا تعلن عن مناظرات في تأليف هذه الكتب وفق برامج رسميّة موضوعة ومقاييس واضحة تساوي فيها الجميع وأن تقيم بصفه نزيهة وموضوعية ليتمّ إنتاج كتب راقية تصل بالتلميذ إلى حفظ القراءة بأنواعها الصّامتة منها والجهريّة معزّزة بأنشطة في الفهم واللغة والإنتاج والاستعاضة عن طريق الاختبار والإجابة بنعم أو لا وشطب الخطأ وترك الإجابة الصّحيحة وغير ذلك من التّمارين الجوفاء التّي كلّست ذهن التّلميذ وسطحته وجعلته عاجزا عن القراءة والكتابة والإنتاج في كلّ المستويات والمراحل وهذا يؤكّده حصول آلاف التّلاميذ على "أصفار" في اللّغة الفرنسيّة والعربيّة واكتساب أعداد أقلّ من خمسة في اللّغتين المذكورتين في امتحانات (البكالوريا والنوفيام والسيزيام) وهذه المستويات الضحلة والمتدنية تعود إلى إهمال القراءة وأنشطتها وعزوف التّلاميذ عن قراءة الكتب منذ الابتدائي وبعده وخلوّ المدارس من المكتسبات رغم وجود هذه الدور في المدن والقرى ولكنها تشكو الفراغ والطامة الكبرى والمصيبة التي هي أكبر من أختها أن المربّي لا يقرأ كتبا وكذلك الأب والأم فكيف سترسخ عادة حبّ القراءة لدى الطّفل والتلميذ؟ وندعو إطار الإشراف إلى الاهتمام بمادّة القراءة قبل غيرها ليقيم المربّي من خلالها وأن تهتم الوزارة بتجديد الكتب المدرسيّة شكلا ومضمونا وأن تراجع المناهج بمشاركة واسعة من طرف كفاءات رائدة حتى يعود للكتاب دوره وليستعيد مكانته ويصبح جهازا تكوينيّا يمكّن التلميذ من رصيد لغوي وظيفي ويعهد تأليفه إلى مربين أكفاء ذوي اضطلاع كبير على الأدب والإبداع والتّجديد التّربوي حتى يكتسب الإصلاح التّربوي ديمومته وحتّى لا تسقط الكتب بين أيادي مؤلفين ومطبعين جهلة يخرجون كتبا تعجّ أخطاء رسميّة وتركيبية ولغويّة ونصوص جوفاء تنفر الطّفل وتجعله يكره القراءة والتعلّم في نقمته على مدرسته ويتحين الفرص صحبة أقرانه لسرقتها وحرقها والإساءة إلى مربيه وهذا منتهى العقوق وفقدان لقدسية الحياة وعناصرها والمسؤولية يتحمّلها الجميع؛ العائلة أوّلا فالمدرسة بكلّ عناصرها مربّيين ومكوّنين ومشرفين ومؤطرين، فالمجتمع بكلّ أركانه مسؤول على ما وصل إليه الحال وما تشهده المنظومة التّربوية من تفكّك وتشظي وانحلال وبقدر النّجاح في الرّهان التّربوي يكون نجاح البلاد وتقدّمها.

معلم متقاعد وكاتب – المتلوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews