إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

القيادية في الجبهة الشعبية الدكتورة مريم أبودقة لـ"الصباح": الانقسام كان النكبة الأولى.. وقارة غزة حالة خارقة تحارب العالم بصبرها وكرامتها

تونس - الصباح

على ملامح وجهها الأسمر تقرأ خارطة فلسطين بمختلف محطاتها النضالية وانتفاضاتها المسلحة والشعبية، وفي حديثها رحلة عابرة للزمن بين غزة والضفة والقدس.. هي فلسطينية ككل نساء فلسطين الأبيات وهي  فدائية الى جانب رفيقة الدرب المناضلة ليلى خالد في معسكرات التدريب من سوريا الى لبنان والأردن وليبيا.. رضعت القضية وحملت المقاومة في دمائها فسخرت لها حياتها وجعلت من أطفال وشباب فلسطين عائلتها، اختارت طريق النضال ومنحت حياتها للشعب الفلسطيني وللأرض المغتصبة, عرفت الاعتقال والسجون في سن مبكرة فدائية رائدة، لم تنس وصية أمها قبل اعتقالها ألا تخون رفيقاتها ولا تعترف للاحتلال بشيء.. مريم ابودقة قد لا تفي كل الكلمات حقها في تقديم مسيرتها الطويلة وهي التي تواصل المعركة دون استسلام, عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأول غزّية يطاردها الاحتلال الإسرائيلي, ولدت أبودقة في بلدة عبسان  شرقي خانيونس جنوبي قطاع غزة  وقد انخرطت في العمل النضالي منذ سن مبكر والتحقت بمجموعات "جيفارا غزة" وكان أول اعتقال لها بعمر الخامسة عشر، استمرت عامين خلف قضبان السجون الإسرائيلية تعرضت خلالهما للتعذيب والتحقيق المستمر حتى أفرج عنها عام 1970. أبعدتها سلطات الاحتلال إلى الأردن. تلقت العديد من الدورات العسكرية وتقلدت مهاما حتى أصبحت قائد فصيل. متحصلة على الدكتوراه في الفلسفة والعلوم الاجتماعية في بلغاريا. انتسبت للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية منذ عام 1965، وانتمت إلى الجبهة الشعبية عام 1967، وشاركت في نشاطاتها في فلسطين والأردن، وانتقلت إلى لبنان عام 1972، انتقلت إلى سوريا عام 1982، وكانت إحدى قيادات الجبهة الشعبية فيها، ثمَّ انتقلت إلى العراق، ثمَّ إلى ليبيا، وكانت أمين سر الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في ليبيا عام 1983.

عادت إلى فلسطين عام 1996 عبر تصريح زيارة من أهلها، واختيرت عضوا في المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 2000، وكانت مسؤولة اللجنة العليا لدعم الانتفاضة الثانية، وتجمع القوى الوطنية الفلسطينية.

في جرابها عدد من الدراسات منها آثار التعذيب النفسي والجسدي بعيد الأمد على الأسيرات المحررات والتأثير النفسي والاجتماعي على الأسيرات من واقع السيرة الذاتية، ومن كتبها: الأسيرات المحررات الفلسطينيات بين الواقع والمأمول (مشترك، 2014)، والمشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية (مشترك)..

كان لا بد من هذا التقديم الموجز لإعطاء ضيفة تونس التي جاءت من غزة المحاصرة للمشاركة في فعاليات مؤتمر النساء القاعديات حقها في استحضار مشهد فلسطيني مأساوي بكل المقاييس ولكنه يبقى من المتناقضات مشهد يأبى السقوط من الأذهان او الاندثار والسبب بسيط وهو ان هناك شعبا حيا يصر على البقاء  وهناك نساء في غزة يواصلن رسم الملحمة والمقاومة حتى في القطاع المحاصر.. في هذا الحوار تأخذنا د مريم ابودقة في جولة فلسطينية عابرة للحدود لتعيد احياء الذاكرة واعادة تحديد البوصلة التائهة وفيما يلي نص الحوار ..

 

حوار: آسيا العتروس

 

*جئت من غزة للمشاركة في مؤتمر النساء القاعديات، ماذا لو تحدثت غزة اليوم ما عساها تقول لنا وللعالم؟

-لا شك أنه من المهم أن تكون فلسطين حاضرة في هذا المؤتمر الذي يعقد على أرض تونس بمشاركة ممثلين عن المجتمع المدني من مختلف أنحاء العالم دفاعا عن حقوق المرأة ومن أجل العدالة الاجتماعية ورفع الظلم وتكريس الوعي لدى المرأة كل في قطره ضد الاستغلال والحروب والمظالم ..

نأتي الآن الى غزة , فقد كانت تاريخيا مخزنا للثورة الفلسطينية وجزءا لا يتجزأ من الوطن أسقطت مشروع التوطين في 55-و56 صمدت أمام الكثير من المؤامرات. جغرافيا غزة مساحة صغيرة ولكن فيها أكثر من مليونين و300 ألف فلسطيني . 70 بالمائة منهم لاجئون، الناس يعيشون كما لو كانوا علب سردين وليس هناك موارد غير الموارد البشرية. كانت غزة مصنع تكوين جيوش المعلمين والمدرسين الذين كانوا ينتقلون للتعليم في مصر وفي كل دول العالم الى ان جاءت حرب 67 لتتحول غزة الى معقل لحركة القوميين العرب المرتبطة بعبد الناصر ثم جاءت الجبهة الشعبية وجبهة التحرير وغيرها من الحركات النضالية وتأسست "جيفارا غزة" وكانت غزة تحت الاحتلال في النهار ولكنها بالليل تحت سلطة الفدائيين كنت ضمن أول مجموعات "جيفارا غزة" وكان من أعضائها فتح والجبهة معا كانت ثورة عارمة للقوات العسكرية، هذه غزة التي انطلقت منها اول شرارة للانتفاضة الاولى لتلبي الضفة النداء. بعد قدوم عرفات استمر المخزون النضالي بوجود كل القيادات التاريخية من كل الفصائل.

 *ولكن الوضع اليوم اختلف.. غزة المحاصرة ما عساها تقول للعالم؟

-اليوم  المناخ تغير الاحتلال سعى لفصل غزة عن الخريطة. ما حدث في 48 وحد الفلسطينيين في الضفة وغزة والقدس. قلت منذ البداية أن أوسلو كان فخا لم يكن انسحابا من غزة بل إعادة انتشار. لم تكن النكبة الأولى هي الاحتلال، النكبة الأولى هي الانقسام الذي وقع بفعل قوى خارجية ومؤامرات. الحصار مستمر منذ 15 سنة الانقسام سبب كل المآسي. معركة سيف القدس جاءت لتؤكد وحدة الساحة وتذكر العالم ان الفلسطيني ليس ملفا في الـ48 وملف الـ67 نحن ملف واحد عنوانه فلسطين المحتلة من مستوطنين جاؤوا من كل العالم. انا اسميها قارة غزة لأنها حالة خارقة، غزة تحارب العالم بصبرها وكرامتها. غزة بلا ماء ولا كهرباء ثمانون بالمائة من أهلها في حالة بطالة ويعيشون على مساعدات قد تأتي وقد لا تأتي. ليس لي أولاد واعتبر أن كل أولاد الشعب أولادي وبيتي مبيت للطلبة حتى يتمكنوا من مواصلة الدراسة. في غزة نعيش تحت شعار الحاجة أم الاختراع انقطع البنزين فاستعمل الشباب الزيت المستعمل وقودا. العاطلون يبيعون أي شيء مناديل أو أرغفة أو غيرها حتى لا يمدون أيديهم. الإمراض السرطانية تنتشر بسبب تواتر الاعتداءات الإسرائيلية والتفجيرات على القطاع. خلال المعارك الناس تحضن المقاومة وهذا ما يتعين فهمه. القيادة يجب ان تعتمد على جماهيرها فهي مصدر قوتها. منذ 74 عاما والمجتمع الدولي يعبر عن أسفه وانشغاله ولا يفعل شيئا لإنهاء الاحتلال. انظروا ما يفعل المجتمع الدولي مع أوكرانيا. اليوم  ستحصل أوكرانيا على 5 مليار دولار دون اعتبار للمساعدات العسكرية. لا احد يتحدث عن استقدام آلاف الأوكرانيين للاستيطان في فلسطين المحتلة هناك حديث عن 500 ألف مستوطن جاؤوا من أوكرانيا .

الوضع في غزة صعب ولا يمكن الخروج حتى للعلاج. توقفنا حتى عن زيارة المقابر في إحدى المرات كنت أريد زيارة قبر أمي للترحم عليها في العيد فلم يكن بإمكاني ذلك لعدم توفر الوقود خرجت وقلت في التلفزيون اعتذر من أمي ليس بإمكاني الذهاب الى المقبرة سأقرأ الفاتحة من بعيد وأتمنى أن يسمع العالم صوتي.. نحن في غزة لا نتبادل قنينة عطر في العيد كل أملنا الحصول على قنينة بنزين. هناك غلاء فظيع خاصة بعد حرب أوكرانيا ندفع الثمن غاليا أهالي الأسرى محرومون من زيارة أسرهم، هناك أسر ممزقة بين الضفة وغزة وهناك عائلات بلا هوية لا مجال للمغادرة الدول العربية اختلف وضعها. العودة المدرسية هذا العام نكبة حقيقية الأولياء يرقعون الشنط القديمة والأطفال يريدون ملابس وشنطا جديدة كل الدعم يذهب الى أوكرانيا.. الأطفال لا يفهمون ذلك. الطفل الفلسطيني يعرف صوت وشكل الصاروخ  بسبب كثرة الاعتداءات أكثر من اللعب.. هناك أسر في غزة مسحت من الوجود .

*هناك قرار من حكومة غزة بإعدام 5 فلسطينيين بتهمة التخابر مع العدو كيف تنظرون الى ذلك؟

نحن في الجبهة ضد الإعدامات وهناك مراكز حقوقية نددت بذلك. الإعدام يفترض أن يصادق عليه الرئيس ونحن في الحالة الفلسطينية لدينا دولتان وكلاهما تحت الاحتلال .

*أمام هذا المشهد هل باتت المصالحة مستعصية؟

وقعت محاولات كثيرة للمصالحة ممكن تكون مستحيلة وممكن تكون سهلة إذا توفرت الإرادة ولكن دعنا نقول بصراحة دون وحدة وطنية لن يكون هناك انتصار لا لفتح ولا لحماس ولا حتى للجبهة. الانتخابات يمكن ان تشكل عنصرا من عناصر المصالحة على أرضية النسب فلا يسيطر أي طرف على المشهد وتكون هناك شراكة بين كل القوى لتعزيز الصمود والمنطلق وثيقة الشرف التي سيتعين على الجميع احترامها خاصة بعد زيارة بايدن الذي يروج بان القدس عاصمة موحدة لكيان الاحتلال. هناك مطلب شعبي ان تكون الانتخابات اعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني على قاعدة الشراكة وهي المرجعية. نحن في مسار تحرر وطني ولابد من الالتزام بقرارات المجلس الوطني الأخيرة وإنهاء اتفاق أوسلو واتفاقية باريس التي تخنقنا وإجراء انتخابات المجلس الوطني والتشريعي والرئاسي ..

*ماذا عن حوار الجزائر وهل هناك تقدم؟

الجزائر وجهت دعوة للفصائل منفردة من جانبنا لا يمكن أن نقبل أن تفشل الجزائر. الجبهة قدمت مبادرة اعتقد انها متوازنة وقابلة للتحقيق لأننا نريد مجلسا موحدا فتح وحماس كل منهما قدمت مبادرة وكل طرف متمسك بموقفه. نحن كجبهة نسعى لتشكيل جبهة وطنية فلسطينية لتحقيق الوحدة ونسعى الى إنشاء تكتل نسوي من كل الفعاليات من فتح وحماس وغيرهما للوصول الى جبهة قومية عريضة بما في ذلك القوة المعادية للتطبيع في الدول المطبعة لمقاومة هذا المسار الذي يبقى خنجرا في ظهر القضية وخطرا على الأمة العربية وإذا اشتد الاحتلال على كل المنطقة فهذا عار علينا. نحن إزاء صراع عربي صهيوني ولكن هناك قوى متنفذة تريد تسويقه على انه ليس صراعا. هذا آخر احتلال استيطاني في العالم وهذا ما يجب تسويقه للرأي العام الدولي .

مازالت ترفضين اتفاق أوسلو؟

من البداية قلت انه فخ وما حدث في غزة لم يكن انسحابا بل إعادة انتشار، وأعتبر أن الاعتراف بدولة الاحتلال هو تنازل عن حق الفلسطينيين التاريخي، فكل فلسطين للفلسطينيين، ومن وقَّع الاتفاق كان مجحفا بحق الشعب الفلسطيني، والانقسام أخطر شيء واجه المشروع الوطني الفلسطيني، وهو النكبة الأولى للفلسطينيين على عكس نكبة 48 التي وحدَّت الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال ولا يمكن للفلسطينيين الانتصار دون أن يكونوا موحدين.

* الجبهة تقاطع اجتماعات المجلس المركزي؟

ليست مقاطعة لأجل المقاطعة ولكن الاصرار على عقد اجتماعات المركزي دون مشاركة الجميع، يعني أن اجتماعات المركزي تهدف إلى تكريس الانقسام، والجبهة لن تكون شاهد زور على أي قرارات أو لقاءات تعزز الانقسام. موقف الجبهة الشعبية من عدم المشاركة في اجتماعات المركزي، ينسجم تمامًا مع مواقفها السابقة بضرورة وجود مجلس وطني توحيدي، ومجلس مركزي توحيدي، يضم القوى والفصائل كافة.

*أي دور لمنظمة التحرير اليوم؟

منظمة التحرير فقدت بريقها ودورها الريادي في توحيد البيت الفلسطيني تحت مظلة واحدة منذ أعوام عدة، وفقدت بوصلتها الحقيقية لتحرير البلاد، ولكن المنظمة تبقى الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ونحن نريد أن تكون منظمة التحرير ممثلة لكل القوى والفصائل كافة ولذلك وجب العودة للميثاق الأساسي الذي انطلقت منه لتحرير فلسطين، وبناء إستراتيجية وطنية مقاومة وموحدة فمعركتنا مع الاحتلال مفتوحة، وأي اجتماعات للمركزي دون توحيد الصفوف بمثابة تعزيز وتكريس للانقسام.

لذلك وجب إعادة بناء منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا على أن يتم إعادة بنائها لتستوعب الكل الوطني، والاتفاق على إستراتيجية وطنية تجمع الكل على أرضية المقاومة.

منذ 73 عامًا ونحن نناشد العالم للنظر لما يجري في بلادنا دون جدوى, لكن عندما اندلعت معركة سيف القدس انتفض العالم كله، وتلاحم الفلسطينيون في أمريكا، وأوروبا، وفي كل دول العالم من أجل قضيتنا وشعبنا في القدس.

*هل مازالت المرأة الفلسطينية قادرة على تغيير المشهد؟

قناعتنا أنه على المرأة الفلسطينية أن تكون متواجدة في جميع المحافل الدولية لأن تراجعها يصب في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي الذي حاول منذ البداية إقصائها وتجهيلها .

ممارسات الاحتلال لا تقف عند حد وهي تصر على التضييق على المؤسسات الفلسطينية فتجفف منابعها وتحجب التمويل عن بعضها، وتصنف بعضها الآخر كمنظمات إرهابية كما حدث مع اتحاد لجان المرأة مؤخراً، وبعض المؤسسات المعنية بالدفاع عن الطفل الفلسطيني وحقوقه.

* من أين تأتي المرأة الفلسطينية بهذه القوة والقدرة على الصمود؟

المرأة الفلسطينية هي الوحيدة في العالم التي مازالت تعيش تحت سيطرة احتلال فاشي عنصري استيطاني. المرأة الفلسطينية جسدت أقوى نماذج الصمود أمام جميع الانتهاكات. القوة تولد من الثورة في وطن يعاني من الاحتلال وليس بيننا أسرة واحدة لم يستهدفها ظلم الاحتلال وليس فيها شهيد أو أسير أو أب يستهدف أو زوج أو ابن أو أخ أو أخت أو زوجة. أكثر من 17 ألف فلسطينية اعتقلت وأنا عرفت الاعتقال في سن مبكرة كنت في الخامسة عشرة وكل رفيقاتي في السجن كن في هذا السن. الاحتلال يستهدف النساء لأنه يعرف أن المرأة تبقى قضية حساسة في مجتمعنا ولكن ردة فعل العائلات الفلسطينية صدمت الاحتلال فالأسيرات أصبحن بطلات وأصبحن حافزا لغيرهن والكل أصبح يريد أن يكون بطلا. المرأة الفلسطينية تتحول الى أسد عندما تعرف أن ابنها مهدد من الاحتلال الذي يقتحم البيوت في كل حين ويقتل الناس عمدا .

*وماذا عن المستقبل؟

أمامنا طريقان، ما يجري اليوم في العالم يمكن ان يكون فرصة لنا أو نقمة علينا، الأمر يختلف حسب استعدادنا للاستفادة من هذا الوضع. ازدواجية المعايير انكشفت. العدوان المتكرر على الأقصى وعلى غزة والتطهير العرقي خاصة بعد سيف القدس وعملية برج الإعلاميين نقل الصورة للرأي العام وليس للحكومات. نحن ضد الحروب ومع حق تقرير المصير لكل الشعوب ولا يمكن ان نقبل الى ما لا نهاية بدعوات ضبط النفس. القانون الدولي لا ينتصر للضعفاء رأينا ما يحدث في العراق والأمثلة كثيرة. أبومازن تعرض الى حملة شرسة في ألمانيا عندما وصف ما يتعرض له شعبنا بالمحارق. علينا أن نشتغل على هذه النقطة الاتصالية مع كل الشعوب المحبة للسلام وهي كثيرة ومع منظمات المجتمع المدني وتبقى الوحدة الفلسطينية كلمة السر. الاحتلال يعمل على سد المنافذ وتجفيف المنابع للسلطة ومنظمة التحرير وكل الفصائل. نحتاج إستراتيجية وطنية موحدة لمقاومة الاحتلال والتطبيع وإنهاء الانقسام. نحن في مرحلة تحرير ولم نحرر أرضنا بعد علينا التصدي للعدو ولا بد أن يكون للجامعة العربية دورها.

*ماذا تنتظرون من قمة الجزائر؟

طبعا نتمنى أن تعقد ففي ذلك مصلحة لنا وللجزائر وللعرب. فلسطين هي الممر ونهايتها يعني سقوط الأمة العربية. دعم العالم لنا حق وليس منة علينا أن نعمل من اجل نجاح المصالحة التي ستكون صفعة للاحتلال. ومن هذا المنبر ومن تونس أقول لكل الفعاليات اصفعوا الاحتلال بتوحيد الجهود ليس هناك ثورة بدون توحيد الصفوف .

*مريم أبودقة بدأت العمل السياسي مبكرا ومازلت حتى اليوم لم تستريحي؟

فعلا عرفت صفوف المقاومة والسجن مبكرا كنت مسؤولة فصيل عسكري وعضو مكتب سياسي للجبهة الشعبية. تخليت عن القيادة لصالح الشباب حتى يتدرب على المسؤولية، القائد من يربي القيادة هكذا تعلمنا من الحكيم جورج حبش الذي تخلى عن القيادة دون أن يتخلى عن دوره النضالي. اليوم تفرغت للجانب الوطني التوعوي للمرأة الفلسطينية. أنا أعيش بين الناس وانتبه لنبض الشارع الفلسطيني ازور الأسرى من مختلف الفصائل لدعمهم  أحاول تجميع ما دونته ونشر كل ما يخص التاريخ النضالي للمرأة الفلسطينية. أنا أولا ابنة وطني وابنة منظمة التحرير ولاحقا الجبهة الشعبية ولاؤنا للوطن وليس لأي جبهة .

كفلسطينيات لم نكن محايدات في الصراع مع الاحتلال بل كنا في قلب المعركة الوطنية وكنا وقودها المتوصل. انخرطت مباشرة في المقاومة وأدرك الاحتلال خطورة هذا الدور، فتصدي للفلسطينيات بعنف.. لا أعلم أن كان لسوء أو حسن حظي أني كنت من أوائل الفتيات اللواتي اعتقلن عام 1968 وقضين عامين في سجون الاحتلال.. كان ذلك في طفولتي المبكرة ولم يكن عمري يزيد عن الخمسة عشر عاماً، وفي السجن نضجت تجربتي وتضاعف عمري الزمني.. وفي السجن واجهت السجان وأدركت أنني محظوظة لأنني تعلمت الكثير والكثير وعرفت المعني الحقيقي للحرية.. واكتشفت القوة الرهيبة التي كانت كامنة في داخلي وداخل كل امرأة الفلسطينية، لم أكن وحدي، كنت مطوقة بالأسيرات البطلات اللواتي سبقوني في النضال، كل واحدة كانت عنوان لقصة بطولة.. اذكر جيدا ما قالت لي أمي لحظة اعتقالي عندما طوق الجيش الصهيوني بيتنا "مريم..إياك أن تعترفي علي أحد من رفاقك.. إذا اعترفت ستكونين خائنة لشعبك وحينها لست بنتي، وخلال المحاكمة احضر العسكري قنابل وألغام ورصاصات ووضعها علي الطاولة، وقال لي ما هذا؟.. قلت له: لا أعرف أمي لا تتركني ألعب في المزبلة.. وعندما سألني كم عملية عملتي.. قلت له.. لم أدخل المستشفي في حياتي.. صحتي جيدة..؟ هو لا يقصد ذلك وأنا أفهم المقصود ولكني هربت بالتورية.

*مريم أبودقة حكاية فلسطينية كيف يمكن نقلها للأجيال؟

بتاريخي النضالي فقدت أسرتي، لأني ما كونت أسرة فاعتبرت الشعب الفلسطيني كله أسرتي وكل المناضلين أسرتي وكل أسر الشهداء والأسرى أسرتي، ضحيت بكل لحظة من حياتي واقْتُلعتُ من الأرض بسبب الاحتلال وبذا فقدت طفولتي البريئة وكبرت بغير زمني…أعتز بأني ضحيت من أجل شيء مهم جداً، إني ضحيت من أجل فلسطين لا من أجل فتح أو حماس ولا الجبهة الشعبية التي أنا فيها لأني تعلمت في مدرسة الجبهة الشعبية أن فلسطين هي المنطلق وهي الأساس وهي الهدف.

القيادية في الجبهة الشعبية الدكتورة مريم أبودقة لـ"الصباح": الانقسام كان النكبة الأولى.. وقارة غزة حالة خارقة تحارب العالم بصبرها وكرامتها

تونس - الصباح

على ملامح وجهها الأسمر تقرأ خارطة فلسطين بمختلف محطاتها النضالية وانتفاضاتها المسلحة والشعبية، وفي حديثها رحلة عابرة للزمن بين غزة والضفة والقدس.. هي فلسطينية ككل نساء فلسطين الأبيات وهي  فدائية الى جانب رفيقة الدرب المناضلة ليلى خالد في معسكرات التدريب من سوريا الى لبنان والأردن وليبيا.. رضعت القضية وحملت المقاومة في دمائها فسخرت لها حياتها وجعلت من أطفال وشباب فلسطين عائلتها، اختارت طريق النضال ومنحت حياتها للشعب الفلسطيني وللأرض المغتصبة, عرفت الاعتقال والسجون في سن مبكرة فدائية رائدة، لم تنس وصية أمها قبل اعتقالها ألا تخون رفيقاتها ولا تعترف للاحتلال بشيء.. مريم ابودقة قد لا تفي كل الكلمات حقها في تقديم مسيرتها الطويلة وهي التي تواصل المعركة دون استسلام, عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأول غزّية يطاردها الاحتلال الإسرائيلي, ولدت أبودقة في بلدة عبسان  شرقي خانيونس جنوبي قطاع غزة  وقد انخرطت في العمل النضالي منذ سن مبكر والتحقت بمجموعات "جيفارا غزة" وكان أول اعتقال لها بعمر الخامسة عشر، استمرت عامين خلف قضبان السجون الإسرائيلية تعرضت خلالهما للتعذيب والتحقيق المستمر حتى أفرج عنها عام 1970. أبعدتها سلطات الاحتلال إلى الأردن. تلقت العديد من الدورات العسكرية وتقلدت مهاما حتى أصبحت قائد فصيل. متحصلة على الدكتوراه في الفلسفة والعلوم الاجتماعية في بلغاريا. انتسبت للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية منذ عام 1965، وانتمت إلى الجبهة الشعبية عام 1967، وشاركت في نشاطاتها في فلسطين والأردن، وانتقلت إلى لبنان عام 1972، انتقلت إلى سوريا عام 1982، وكانت إحدى قيادات الجبهة الشعبية فيها، ثمَّ انتقلت إلى العراق، ثمَّ إلى ليبيا، وكانت أمين سر الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في ليبيا عام 1983.

عادت إلى فلسطين عام 1996 عبر تصريح زيارة من أهلها، واختيرت عضوا في المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 2000، وكانت مسؤولة اللجنة العليا لدعم الانتفاضة الثانية، وتجمع القوى الوطنية الفلسطينية.

في جرابها عدد من الدراسات منها آثار التعذيب النفسي والجسدي بعيد الأمد على الأسيرات المحررات والتأثير النفسي والاجتماعي على الأسيرات من واقع السيرة الذاتية، ومن كتبها: الأسيرات المحررات الفلسطينيات بين الواقع والمأمول (مشترك، 2014)، والمشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية (مشترك)..

كان لا بد من هذا التقديم الموجز لإعطاء ضيفة تونس التي جاءت من غزة المحاصرة للمشاركة في فعاليات مؤتمر النساء القاعديات حقها في استحضار مشهد فلسطيني مأساوي بكل المقاييس ولكنه يبقى من المتناقضات مشهد يأبى السقوط من الأذهان او الاندثار والسبب بسيط وهو ان هناك شعبا حيا يصر على البقاء  وهناك نساء في غزة يواصلن رسم الملحمة والمقاومة حتى في القطاع المحاصر.. في هذا الحوار تأخذنا د مريم ابودقة في جولة فلسطينية عابرة للحدود لتعيد احياء الذاكرة واعادة تحديد البوصلة التائهة وفيما يلي نص الحوار ..

 

حوار: آسيا العتروس

 

*جئت من غزة للمشاركة في مؤتمر النساء القاعديات، ماذا لو تحدثت غزة اليوم ما عساها تقول لنا وللعالم؟

-لا شك أنه من المهم أن تكون فلسطين حاضرة في هذا المؤتمر الذي يعقد على أرض تونس بمشاركة ممثلين عن المجتمع المدني من مختلف أنحاء العالم دفاعا عن حقوق المرأة ومن أجل العدالة الاجتماعية ورفع الظلم وتكريس الوعي لدى المرأة كل في قطره ضد الاستغلال والحروب والمظالم ..

نأتي الآن الى غزة , فقد كانت تاريخيا مخزنا للثورة الفلسطينية وجزءا لا يتجزأ من الوطن أسقطت مشروع التوطين في 55-و56 صمدت أمام الكثير من المؤامرات. جغرافيا غزة مساحة صغيرة ولكن فيها أكثر من مليونين و300 ألف فلسطيني . 70 بالمائة منهم لاجئون، الناس يعيشون كما لو كانوا علب سردين وليس هناك موارد غير الموارد البشرية. كانت غزة مصنع تكوين جيوش المعلمين والمدرسين الذين كانوا ينتقلون للتعليم في مصر وفي كل دول العالم الى ان جاءت حرب 67 لتتحول غزة الى معقل لحركة القوميين العرب المرتبطة بعبد الناصر ثم جاءت الجبهة الشعبية وجبهة التحرير وغيرها من الحركات النضالية وتأسست "جيفارا غزة" وكانت غزة تحت الاحتلال في النهار ولكنها بالليل تحت سلطة الفدائيين كنت ضمن أول مجموعات "جيفارا غزة" وكان من أعضائها فتح والجبهة معا كانت ثورة عارمة للقوات العسكرية، هذه غزة التي انطلقت منها اول شرارة للانتفاضة الاولى لتلبي الضفة النداء. بعد قدوم عرفات استمر المخزون النضالي بوجود كل القيادات التاريخية من كل الفصائل.

 *ولكن الوضع اليوم اختلف.. غزة المحاصرة ما عساها تقول للعالم؟

-اليوم  المناخ تغير الاحتلال سعى لفصل غزة عن الخريطة. ما حدث في 48 وحد الفلسطينيين في الضفة وغزة والقدس. قلت منذ البداية أن أوسلو كان فخا لم يكن انسحابا من غزة بل إعادة انتشار. لم تكن النكبة الأولى هي الاحتلال، النكبة الأولى هي الانقسام الذي وقع بفعل قوى خارجية ومؤامرات. الحصار مستمر منذ 15 سنة الانقسام سبب كل المآسي. معركة سيف القدس جاءت لتؤكد وحدة الساحة وتذكر العالم ان الفلسطيني ليس ملفا في الـ48 وملف الـ67 نحن ملف واحد عنوانه فلسطين المحتلة من مستوطنين جاؤوا من كل العالم. انا اسميها قارة غزة لأنها حالة خارقة، غزة تحارب العالم بصبرها وكرامتها. غزة بلا ماء ولا كهرباء ثمانون بالمائة من أهلها في حالة بطالة ويعيشون على مساعدات قد تأتي وقد لا تأتي. ليس لي أولاد واعتبر أن كل أولاد الشعب أولادي وبيتي مبيت للطلبة حتى يتمكنوا من مواصلة الدراسة. في غزة نعيش تحت شعار الحاجة أم الاختراع انقطع البنزين فاستعمل الشباب الزيت المستعمل وقودا. العاطلون يبيعون أي شيء مناديل أو أرغفة أو غيرها حتى لا يمدون أيديهم. الإمراض السرطانية تنتشر بسبب تواتر الاعتداءات الإسرائيلية والتفجيرات على القطاع. خلال المعارك الناس تحضن المقاومة وهذا ما يتعين فهمه. القيادة يجب ان تعتمد على جماهيرها فهي مصدر قوتها. منذ 74 عاما والمجتمع الدولي يعبر عن أسفه وانشغاله ولا يفعل شيئا لإنهاء الاحتلال. انظروا ما يفعل المجتمع الدولي مع أوكرانيا. اليوم  ستحصل أوكرانيا على 5 مليار دولار دون اعتبار للمساعدات العسكرية. لا احد يتحدث عن استقدام آلاف الأوكرانيين للاستيطان في فلسطين المحتلة هناك حديث عن 500 ألف مستوطن جاؤوا من أوكرانيا .

الوضع في غزة صعب ولا يمكن الخروج حتى للعلاج. توقفنا حتى عن زيارة المقابر في إحدى المرات كنت أريد زيارة قبر أمي للترحم عليها في العيد فلم يكن بإمكاني ذلك لعدم توفر الوقود خرجت وقلت في التلفزيون اعتذر من أمي ليس بإمكاني الذهاب الى المقبرة سأقرأ الفاتحة من بعيد وأتمنى أن يسمع العالم صوتي.. نحن في غزة لا نتبادل قنينة عطر في العيد كل أملنا الحصول على قنينة بنزين. هناك غلاء فظيع خاصة بعد حرب أوكرانيا ندفع الثمن غاليا أهالي الأسرى محرومون من زيارة أسرهم، هناك أسر ممزقة بين الضفة وغزة وهناك عائلات بلا هوية لا مجال للمغادرة الدول العربية اختلف وضعها. العودة المدرسية هذا العام نكبة حقيقية الأولياء يرقعون الشنط القديمة والأطفال يريدون ملابس وشنطا جديدة كل الدعم يذهب الى أوكرانيا.. الأطفال لا يفهمون ذلك. الطفل الفلسطيني يعرف صوت وشكل الصاروخ  بسبب كثرة الاعتداءات أكثر من اللعب.. هناك أسر في غزة مسحت من الوجود .

*هناك قرار من حكومة غزة بإعدام 5 فلسطينيين بتهمة التخابر مع العدو كيف تنظرون الى ذلك؟

نحن في الجبهة ضد الإعدامات وهناك مراكز حقوقية نددت بذلك. الإعدام يفترض أن يصادق عليه الرئيس ونحن في الحالة الفلسطينية لدينا دولتان وكلاهما تحت الاحتلال .

*أمام هذا المشهد هل باتت المصالحة مستعصية؟

وقعت محاولات كثيرة للمصالحة ممكن تكون مستحيلة وممكن تكون سهلة إذا توفرت الإرادة ولكن دعنا نقول بصراحة دون وحدة وطنية لن يكون هناك انتصار لا لفتح ولا لحماس ولا حتى للجبهة. الانتخابات يمكن ان تشكل عنصرا من عناصر المصالحة على أرضية النسب فلا يسيطر أي طرف على المشهد وتكون هناك شراكة بين كل القوى لتعزيز الصمود والمنطلق وثيقة الشرف التي سيتعين على الجميع احترامها خاصة بعد زيارة بايدن الذي يروج بان القدس عاصمة موحدة لكيان الاحتلال. هناك مطلب شعبي ان تكون الانتخابات اعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني على قاعدة الشراكة وهي المرجعية. نحن في مسار تحرر وطني ولابد من الالتزام بقرارات المجلس الوطني الأخيرة وإنهاء اتفاق أوسلو واتفاقية باريس التي تخنقنا وإجراء انتخابات المجلس الوطني والتشريعي والرئاسي ..

*ماذا عن حوار الجزائر وهل هناك تقدم؟

الجزائر وجهت دعوة للفصائل منفردة من جانبنا لا يمكن أن نقبل أن تفشل الجزائر. الجبهة قدمت مبادرة اعتقد انها متوازنة وقابلة للتحقيق لأننا نريد مجلسا موحدا فتح وحماس كل منهما قدمت مبادرة وكل طرف متمسك بموقفه. نحن كجبهة نسعى لتشكيل جبهة وطنية فلسطينية لتحقيق الوحدة ونسعى الى إنشاء تكتل نسوي من كل الفعاليات من فتح وحماس وغيرهما للوصول الى جبهة قومية عريضة بما في ذلك القوة المعادية للتطبيع في الدول المطبعة لمقاومة هذا المسار الذي يبقى خنجرا في ظهر القضية وخطرا على الأمة العربية وإذا اشتد الاحتلال على كل المنطقة فهذا عار علينا. نحن إزاء صراع عربي صهيوني ولكن هناك قوى متنفذة تريد تسويقه على انه ليس صراعا. هذا آخر احتلال استيطاني في العالم وهذا ما يجب تسويقه للرأي العام الدولي .

مازالت ترفضين اتفاق أوسلو؟

من البداية قلت انه فخ وما حدث في غزة لم يكن انسحابا بل إعادة انتشار، وأعتبر أن الاعتراف بدولة الاحتلال هو تنازل عن حق الفلسطينيين التاريخي، فكل فلسطين للفلسطينيين، ومن وقَّع الاتفاق كان مجحفا بحق الشعب الفلسطيني، والانقسام أخطر شيء واجه المشروع الوطني الفلسطيني، وهو النكبة الأولى للفلسطينيين على عكس نكبة 48 التي وحدَّت الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال ولا يمكن للفلسطينيين الانتصار دون أن يكونوا موحدين.

* الجبهة تقاطع اجتماعات المجلس المركزي؟

ليست مقاطعة لأجل المقاطعة ولكن الاصرار على عقد اجتماعات المركزي دون مشاركة الجميع، يعني أن اجتماعات المركزي تهدف إلى تكريس الانقسام، والجبهة لن تكون شاهد زور على أي قرارات أو لقاءات تعزز الانقسام. موقف الجبهة الشعبية من عدم المشاركة في اجتماعات المركزي، ينسجم تمامًا مع مواقفها السابقة بضرورة وجود مجلس وطني توحيدي، ومجلس مركزي توحيدي، يضم القوى والفصائل كافة.

*أي دور لمنظمة التحرير اليوم؟

منظمة التحرير فقدت بريقها ودورها الريادي في توحيد البيت الفلسطيني تحت مظلة واحدة منذ أعوام عدة، وفقدت بوصلتها الحقيقية لتحرير البلاد، ولكن المنظمة تبقى الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ونحن نريد أن تكون منظمة التحرير ممثلة لكل القوى والفصائل كافة ولذلك وجب العودة للميثاق الأساسي الذي انطلقت منه لتحرير فلسطين، وبناء إستراتيجية وطنية مقاومة وموحدة فمعركتنا مع الاحتلال مفتوحة، وأي اجتماعات للمركزي دون توحيد الصفوف بمثابة تعزيز وتكريس للانقسام.

لذلك وجب إعادة بناء منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا على أن يتم إعادة بنائها لتستوعب الكل الوطني، والاتفاق على إستراتيجية وطنية تجمع الكل على أرضية المقاومة.

منذ 73 عامًا ونحن نناشد العالم للنظر لما يجري في بلادنا دون جدوى, لكن عندما اندلعت معركة سيف القدس انتفض العالم كله، وتلاحم الفلسطينيون في أمريكا، وأوروبا، وفي كل دول العالم من أجل قضيتنا وشعبنا في القدس.

*هل مازالت المرأة الفلسطينية قادرة على تغيير المشهد؟

قناعتنا أنه على المرأة الفلسطينية أن تكون متواجدة في جميع المحافل الدولية لأن تراجعها يصب في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي الذي حاول منذ البداية إقصائها وتجهيلها .

ممارسات الاحتلال لا تقف عند حد وهي تصر على التضييق على المؤسسات الفلسطينية فتجفف منابعها وتحجب التمويل عن بعضها، وتصنف بعضها الآخر كمنظمات إرهابية كما حدث مع اتحاد لجان المرأة مؤخراً، وبعض المؤسسات المعنية بالدفاع عن الطفل الفلسطيني وحقوقه.

* من أين تأتي المرأة الفلسطينية بهذه القوة والقدرة على الصمود؟

المرأة الفلسطينية هي الوحيدة في العالم التي مازالت تعيش تحت سيطرة احتلال فاشي عنصري استيطاني. المرأة الفلسطينية جسدت أقوى نماذج الصمود أمام جميع الانتهاكات. القوة تولد من الثورة في وطن يعاني من الاحتلال وليس بيننا أسرة واحدة لم يستهدفها ظلم الاحتلال وليس فيها شهيد أو أسير أو أب يستهدف أو زوج أو ابن أو أخ أو أخت أو زوجة. أكثر من 17 ألف فلسطينية اعتقلت وأنا عرفت الاعتقال في سن مبكرة كنت في الخامسة عشرة وكل رفيقاتي في السجن كن في هذا السن. الاحتلال يستهدف النساء لأنه يعرف أن المرأة تبقى قضية حساسة في مجتمعنا ولكن ردة فعل العائلات الفلسطينية صدمت الاحتلال فالأسيرات أصبحن بطلات وأصبحن حافزا لغيرهن والكل أصبح يريد أن يكون بطلا. المرأة الفلسطينية تتحول الى أسد عندما تعرف أن ابنها مهدد من الاحتلال الذي يقتحم البيوت في كل حين ويقتل الناس عمدا .

*وماذا عن المستقبل؟

أمامنا طريقان، ما يجري اليوم في العالم يمكن ان يكون فرصة لنا أو نقمة علينا، الأمر يختلف حسب استعدادنا للاستفادة من هذا الوضع. ازدواجية المعايير انكشفت. العدوان المتكرر على الأقصى وعلى غزة والتطهير العرقي خاصة بعد سيف القدس وعملية برج الإعلاميين نقل الصورة للرأي العام وليس للحكومات. نحن ضد الحروب ومع حق تقرير المصير لكل الشعوب ولا يمكن ان نقبل الى ما لا نهاية بدعوات ضبط النفس. القانون الدولي لا ينتصر للضعفاء رأينا ما يحدث في العراق والأمثلة كثيرة. أبومازن تعرض الى حملة شرسة في ألمانيا عندما وصف ما يتعرض له شعبنا بالمحارق. علينا أن نشتغل على هذه النقطة الاتصالية مع كل الشعوب المحبة للسلام وهي كثيرة ومع منظمات المجتمع المدني وتبقى الوحدة الفلسطينية كلمة السر. الاحتلال يعمل على سد المنافذ وتجفيف المنابع للسلطة ومنظمة التحرير وكل الفصائل. نحتاج إستراتيجية وطنية موحدة لمقاومة الاحتلال والتطبيع وإنهاء الانقسام. نحن في مرحلة تحرير ولم نحرر أرضنا بعد علينا التصدي للعدو ولا بد أن يكون للجامعة العربية دورها.

*ماذا تنتظرون من قمة الجزائر؟

طبعا نتمنى أن تعقد ففي ذلك مصلحة لنا وللجزائر وللعرب. فلسطين هي الممر ونهايتها يعني سقوط الأمة العربية. دعم العالم لنا حق وليس منة علينا أن نعمل من اجل نجاح المصالحة التي ستكون صفعة للاحتلال. ومن هذا المنبر ومن تونس أقول لكل الفعاليات اصفعوا الاحتلال بتوحيد الجهود ليس هناك ثورة بدون توحيد الصفوف .

*مريم أبودقة بدأت العمل السياسي مبكرا ومازلت حتى اليوم لم تستريحي؟

فعلا عرفت صفوف المقاومة والسجن مبكرا كنت مسؤولة فصيل عسكري وعضو مكتب سياسي للجبهة الشعبية. تخليت عن القيادة لصالح الشباب حتى يتدرب على المسؤولية، القائد من يربي القيادة هكذا تعلمنا من الحكيم جورج حبش الذي تخلى عن القيادة دون أن يتخلى عن دوره النضالي. اليوم تفرغت للجانب الوطني التوعوي للمرأة الفلسطينية. أنا أعيش بين الناس وانتبه لنبض الشارع الفلسطيني ازور الأسرى من مختلف الفصائل لدعمهم  أحاول تجميع ما دونته ونشر كل ما يخص التاريخ النضالي للمرأة الفلسطينية. أنا أولا ابنة وطني وابنة منظمة التحرير ولاحقا الجبهة الشعبية ولاؤنا للوطن وليس لأي جبهة .

كفلسطينيات لم نكن محايدات في الصراع مع الاحتلال بل كنا في قلب المعركة الوطنية وكنا وقودها المتوصل. انخرطت مباشرة في المقاومة وأدرك الاحتلال خطورة هذا الدور، فتصدي للفلسطينيات بعنف.. لا أعلم أن كان لسوء أو حسن حظي أني كنت من أوائل الفتيات اللواتي اعتقلن عام 1968 وقضين عامين في سجون الاحتلال.. كان ذلك في طفولتي المبكرة ولم يكن عمري يزيد عن الخمسة عشر عاماً، وفي السجن نضجت تجربتي وتضاعف عمري الزمني.. وفي السجن واجهت السجان وأدركت أنني محظوظة لأنني تعلمت الكثير والكثير وعرفت المعني الحقيقي للحرية.. واكتشفت القوة الرهيبة التي كانت كامنة في داخلي وداخل كل امرأة الفلسطينية، لم أكن وحدي، كنت مطوقة بالأسيرات البطلات اللواتي سبقوني في النضال، كل واحدة كانت عنوان لقصة بطولة.. اذكر جيدا ما قالت لي أمي لحظة اعتقالي عندما طوق الجيش الصهيوني بيتنا "مريم..إياك أن تعترفي علي أحد من رفاقك.. إذا اعترفت ستكونين خائنة لشعبك وحينها لست بنتي، وخلال المحاكمة احضر العسكري قنابل وألغام ورصاصات ووضعها علي الطاولة، وقال لي ما هذا؟.. قلت له: لا أعرف أمي لا تتركني ألعب في المزبلة.. وعندما سألني كم عملية عملتي.. قلت له.. لم أدخل المستشفي في حياتي.. صحتي جيدة..؟ هو لا يقصد ذلك وأنا أفهم المقصود ولكني هربت بالتورية.

*مريم أبودقة حكاية فلسطينية كيف يمكن نقلها للأجيال؟

بتاريخي النضالي فقدت أسرتي، لأني ما كونت أسرة فاعتبرت الشعب الفلسطيني كله أسرتي وكل المناضلين أسرتي وكل أسر الشهداء والأسرى أسرتي، ضحيت بكل لحظة من حياتي واقْتُلعتُ من الأرض بسبب الاحتلال وبذا فقدت طفولتي البريئة وكبرت بغير زمني…أعتز بأني ضحيت من أجل شيء مهم جداً، إني ضحيت من أجل فلسطين لا من أجل فتح أو حماس ولا الجبهة الشعبية التي أنا فيها لأني تعلمت في مدرسة الجبهة الشعبية أن فلسطين هي المنطلق وهي الأساس وهي الهدف.

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews