إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الأزمة التونسية-المغربية "المفتعلة".. حيادنا ثابت في ملف الصحراء.. وسيادتنا لا نقاش فيها

تونس – الصباح

أثارت مشاركة جمهورية الصحراء الغربية في قمة طوكيو للتنمية في إفريقيا "تيكاد 8" التي تحتضنها بلادنا يومي 27 و28 من الشهر الجاري جدلا واسعا بعد التصعيد المسجل "في حرب البيانات" بين الجانبين التونسي والمغربي في ظرف وجيز على خلفية استقبال رئيس الجمهورية قيس سعيد للأمين العام لجبهة البوليساريو، إبراهيم غالي الذي جاء للمشاركة في القمة بدعوة من الاتحاد الإفريقي، وهو ما أدى إلى قرار المملكة المغربية مقاطعة القمة واستدعاء سفيرها بتونس، وفق ما ورد في بيان رسمي صدر عن الجهات الرسمية المغربية منذ يومين، وجاء الرد التونسي سريعا بعد إصدار وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج بيانا أعربت فيه عن استغرابها الشديد مما ورد في بيان المملكة المغربية من تحامل غير مقبول على تونس ومغالطات بشأن مشاركة وفد الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في الندوة المذكورة. وقد تعددت القراءات والتأويلات لهذا الحدث الذي أجمعت جل القراءات على أنه "سياسي" بامتياز ولا يعود إلى خلافات جوهرية يمكن أن تؤثر سلبيا على علاقاتهما ولا يخدم مصلحة وعلاقة البلدين وأنه مجرد "بلبلة" مفتعلة من الجانب المغربي ومحاولة للتدخل في السيادة الداخلية للدولة التونسية بما يتنافى والمبادئ الأممية لاستقلالية البلدان، تطورت إلى ما يقارب المزايدات السياسية، لاسيما أن المغرب سبق أن شارك بأعلى تمثيلية في قمتي "تيكاد 6" بنيروبي بكينيا سنة 2017 و"تيكاد 7" المنعقدة بيوكوهاما باليابان سنة 2019" وكانت جبهة البوليساريو مشاركا رسميا في القمتين ولم يصدر مثل هذا القرار عن المغرب.

وأكدت تونس حرصها على المحافظة على "علاقاتها الودية والأخوية والتاريخية العريقة التي تجمعها بالشعب المغربي، رافضة بشكل قطعي ما تضمنه البيان المغربي من عبارات تتهم بلادنا باتخاذ موقف عدواني تجاه المغرب ويضر بالمصالح المغربية".

وشددت الخارجية التونسية على رفضها التدخل في شؤون تونس الداخلية وأكدت "سيادة قرارها الوطني"، مضيفة أنه "على هذا الأساس فقد قررت تونس دعوة سفيرها بالرباط حالا للتشاور". وقد وجدت العملية تفاعلا متفاوتا ومتباينا داخل تونس وخارجها، حيث شكلت "الأزمة" فرصة لمعارضي سعيد للانقضاض عليها، موجهين سهام نقدهم لسياسة رئيس الجمهورية وعدم دقة دبلوماسيته في مثل هذه المواقف فيما اعتبرها البعض الآخر مسا من السيادة الوطنية واستقلاليتها وتدخلا من المغرب في سياسة الدولة على خلاف ما تنص عليه المواثيق الدولية دون دراية أن الاتحاد الإفريقي هو من يوجه دعوات الحضور في هذه القمة وأن رئيس الجمهورية لا يمكن أن يستقبل بعض الرؤساء ويدير ظهره للبعض الآخر.

وتناقلت وسائل إعلام تونسية ومغربية أخبارا حول عودة سفير تونس بالمغرب محمد بن عياد إلى تونس يوم أمس وأيضا عودة السفير المغربي وكافة أفراد أسرته والطاقم العامل معه بالسفارة المغربية بتونس إلى الرباط.

ضغط مغربي

على خلاف ردود الفعل وطنيا تميزت ردود الفعل المغربية بتوحد مواقفها من القضية حكومة ومعارضة، وصف الرئيس السابق لمجلس المستشارين المغربي الدكتور محمد الشيخ بيد الله استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لزعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي في العاصمة تونس "طعنة في ظهر المغاربة".

وذهب بعض المتابعين في قراءتهم للمسألة إلى أنها لا تعدو أن تكون مواصلة للدبلوماسية المغربية الناشطة في سياق هذه القضية منذ عقود بهدف الضغط على تونس كما الاتحاد الإفريقي، بعد أن نجحت في مناسبات سابقة في دفع عديد البلدان الإفريقية والأمريكية وغيرها إلى سحب أو إلغاء أو تجميد اعترافها باستقلالية الصحراء الغربية رغم أن بلدان أخرى عمدت إلى استئناف هذه العلاقات في مرحلة لاحقة. فيما ذهبت قراءات أخرى إلى تنزيل هذه الأزمة في سياقات سياسية وجيواستراتيجية تتعلق بالأساس بالجانب المغربي الذي حاول الضغط من أجل عدم اعتراف بلدان افريقية باستقلالية جمهورية الصحراء الغربية وإجبار تونس على تحديد موقفها النهائي من هذه القضية، بعد الجدل الذي طرح حول المسألة في أكتوبر الماضي بعد امتناع تونس عن التصويت لقرار مجلس الأمن بالتمديد لبعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية "مينورسو"، واعتبر البعض أنه انحياز للموقف الروسي المعارض للقرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة، وقال آخرون إنه انحياز للجزائر على حساب المغرب فيما نزلته تونس في إطار سياستها الخارجية للالتزام الحياد والحفاظ على نقاء أجواء الفضاء المغاربي دون تحيز لأي صف أو جهة في القضية القائمة حول "الصحراء" بين المغرب والجزائر. ويرى آخرون أن تحرك المغرب على هامش هذه القمة والحضور "الصحراوي" يأتي في سياق السعي إثارة هذه القضية خاصة أن الملك محمد السادس وجه دعوة لجميع البلدان منذ أسبوع تقريبا طالبها فيها بتحديد موقفها من قضية الصحراء الغربية لاسيما في ظل الدعم الأمريكي للمغرب بعد قبولها التطبيع مع الكيان الصهيوني مقابل دعم الولايات المتحدة لها في هذه القضية. فضلا عن التقارب المسجل بين بلدان إقليمية وقارية وأوروبية فيما تتوسع دائرة "الفتور" والتوتر في علاقة المغرب ببعضها من بينها الجزائر وفرنسا.

ويذكر أنه سبق أن تم قطع العلاقات بين تونس والمغرب بعد اعتراف بلادنا باستقلال موريتانيا سنة 1960 عن فرنسا وذلك بعد أن عارض المغرب استقلال موريتانيا وسعى إلى اعتبارها جزءا من التراب المغربي، ونجحت الرباط في الحصول على دعم بعض الدول العربية، وشنت معركة دبلوماسية من أجل الحيلولة دون اعتراف المجتمع الدولي بموريتانيا. لكن في سنة 1961 اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدولة الجديدة التي انضمت لجامعة الدول العربية عام 1973، لتستأنف بعد ذلك العلاقات بين البلدين.

 بيانات مضادة

كما تضمن البيان الصادر عن الخارجية التونسية أن "تونس حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء الغربية التزاما بالشرعية الدولية.. إلى جانب التزامها بقرارات الأمم المتحدة، فإنّها مُلتزمة أيضا بقرارات الاتحاد الإفريقي التي تعدّ بلادنا من أحد مؤسّسيه". وبينت الخارجية أنه خلافا لما ورد في البيان المغربي، فقد قام الاتحاد الإفريقي في مرحلة أولى بصفته مشاركا رئيسيا في تنظيم ندوة طوكيو الدولية بتعميم مذكّرة يدعو فيها كافة أعضاء الاتحاد الإفريقي بما فيهم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية للمشاركة في فعاليات قمة تيكاد-8 بتونس.

كما وجّه رئيس المفوضية الإفريقية، في مرحلة ثانية دعوة فردية مباشرة للجمهورية الصحراوية لحضور القمة، مشيرة إلى أن هاتان الدعوتان تأتيان تنفيذا لقرارات المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي في اجتماعه المنعقد بلوزاكا بزمبيا يومي 14 و15 جويلية 2022 بحضور الوفد المغربي، حيث أكّد القرار على ضرورة دعوة كافة أعضاء الاتحاد الإفريقي للمشاركة في قمة تيكاد-8. وأكدت وزارة الخارجية التونسية أنه بناء على ما سبق من معطيات موثقة لدى الاتحاد الإفريقي، فأنّه لا وجود لأي تبرير منطقي للبيان المغربي، لا سيما وأنّ تونس احترمت جميع الإجراءات الترتيبية المتعلقة باحتضان القمة وفقا للمرجعيات القانونية الإفريقية ذات الصلة بتنظيم القمم والمؤتمرات واجتماعات الشراكات. وأكدت تونس حرصها على المحافظة على علاقاتها الودية والأخوية والتاريخية العريقة التي تجمعها بالشعب المغربي، رافضة بشكل قطعيّ ما تضمنه البيان المغربي من عبارات تتهم بلادنا باتخاذ موقف عدواني تجاه المغرب ويضر بالمصالح المغربية.

في المقابل تضمن البيان الصادر عن المملكة المغربية اتهاما لتونس بـ"العداء" للمغرب "وفي انتهاك لعملية الإعداد والقواعد المعمول بها، بشكل أحادي الجانب، دعوة الكيان الانفصالي".

واعتبر البيان أن في استقبال رئيس الجمهورية قيس سعيد للأمين عام جبهة البوليساريو مس من مشاعر المغربيين.

في سياق متصل أصدرت وزارة الشؤون الخارجية "الصحراوية الغربية" بيانا تضمن جملة من النقاط احتجاجاً منها على ما اعتبرته "عداءاً صارخاً" من المغرب بمقاطعتها القمة "لمجرد استقبال الرئيس التونسي، قيس السعيد، لنظيره الصحراوي، إبراهيم غالي، على غرار ما فعل، على قدم المساواة، مع كل رؤساء الدول والحكومات والوفود الأعضاء في الاتحاد الإفريقي الذين استقبلهم في مطار قرطاج الدولي".

وأكد البيان أنه" منذ انضمامها إلى الاتحاد الإفريقي مطلع سنة 2017، حضرت المملكة المغربية، جنباً إلى جنب مع الجمهورية الصحراوية، في كل قمم ومؤتمرات وندوات ومختلف أنشطة الاتحاد، الذي تعتبر الجمهورية الصحراوية عضواً مؤسساً له، بعد أن وقعت المملكة على القانون التأسيسي للاتحاد، ونشرت مصادقتها في جريدتها الرسمية. وذكر البيان بحضور ملك المغرب محمد السادس شخصياً إلى جانب الرئيس الصحراوي في القمة الخامسة للشراكة بين الاتحاد الإفريقي و الاتحاد الأوروبي المنعقدة بالعاصمة الإيفوارية أبيدجان سنة 2017، حيث لم تحرك المغرب ساكناً، وأذعنت لقرار الاتحاد القاضي بحق جميع الدول الأعضاء في الحضور إلى كل المؤتمرات والفعاليات التي يكون فيها الاتحاد طرفا.

وذكر أيضا بمشاركة المغرب في مؤتمر وزراء تيكاد 6 وأيضا حضور الرئيس الصحراوي، إلى جانب نظرائه الأفارقة، في قمة تيكاد 7 في مدينة يوكوهاما اليابانية في أوت 2019، ولم يصدر عن المغرب أي تلميح في كل المناسبات السابقة للمقاطعة أو استدعاء سفيرها" أو الاحتجاج.

ونزلت ذلك في إطار "أهداف خفية للمغرب"، تنفيذا لأجندات أجنبية تخريبية تستهدف السلم والاستقرار في المنقطة.

 الاتحاد الإفريقي يوضح

بدوره عبر الرئيس السينغالي ماكي سال، باعتباره رئيس الاتحاد الإفريقي حاليا، عن تأسفه لغياب تمثيلية المغرب خلال الجلسة الافتتاحية للدورة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية بإفريقيا، التي تنعقد بتونس. وقال في كلمته أثناء رئاسة الاتحاد الإفريقي للقاء الافتتاحي للقمة: “نتأسف أن يعقد هذا الاجتماع بغياب المغرب بسبب مشاكل التمثيل وهو العضو المؤسس للاتحاد الإفريقي"، متابعا: "نتمنى أن يجد هذا المشكل طريقه لحل دائم مستقبلا، للاستمرار الجيد لمنظمتنا وشراكتنا".

 ردود فعل مغربية

وصف الرئيس السابق لمجلس المستشارين المغربي الدكتور محمد الشيخ بيد الله استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لزعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي في العاصمة تونس "طعنة في ظهر المغاربة" مشيرا أنها لا تحترم شعور الشعب المغربي الذي يقف كرجل واحد وراء جلالة الملك الذي يعتبر قضية الصحراء قضية مقدسة." واعتبر في جانب آخر في تناوله للمسألة في وسائل إعلام عربية "أنه ما من أي مصلحة لتونس للإقدام على هذه الخطوة إلا إذا كانت خاضعة لضغوطات من جيرانها، بهدف التأثير على المملكة المغربية ووحدتها الترابية".

كما أعرب حزب الأصالة والمعاصرة المغربي عن استنكاره للموقف الذي وصفه بـ"الشاذ والمستفز" الذي أقدم عليه الرئيس التونسي، مبرزا أن الخطوة حملت انحيازا غير مقبول ومعاد للوحدة الترابية وللسيادة الوطنية للمملكة المغربية. معتبرا أن الموقف لم يأت صدفة بل نتيجة لعدد من الخطوات غير المفهومة الصادرة عن الرئاسة التونسية في السنوات الأخيرة، والتي تجسدت في العديد من الإشارات السلبية والمواقف المعادية للمصالح العليا للمملكة المغربية. وتواترت ردود أفعال أحزاب وسياسيين عبر تصريحات وبيانات بشن "هجوم" غير مسبوق على تونس وقيادتها واصفة وطأة أقدام غالي الأراضي التونسية بما يشبه "الجرم".

 

أحمد ونيس لـ"الصباح": الزيارة ليست "ثنائية" وتونس ليست مسؤولة عن الدعوات

أكد وزير الخارجية السابق أحمد ونيس أن حلول أمين عام جبهة البوليساريو في قمة "تيكاد 8" بتونس لم يكن في إطار زيارة ثنائية بين البلدين وإنما جاء في سياق مشاركته في قمة طوكيو للتنمية في إفريقيا بدعوة من الاتحاد الإفريقي باعتباره الجهة الشريكة مع اليابان في تنظيم هذا المؤتمر الاقتصادي وبلادنا ليست إلا حاضنة لهذه الدورة، وفق ما ورد في حديثه حول المسألة لـ"الصباح". مبينا أن تونس لم تعترف بالكيان الصحراوي بعد وحافظت على موقف التقليدي والمحايد في هذه القضية.

وشدد على ضرورة تجاوز الخلاف القائم بين البلدين المغاربيين بعد نهاية القمة وعودة البلدين إلى طرح مسألة عودة العلاقات والسفيرين. ونزل محدثنا الموقف المغربي من مشاركة "الصحراء الغربية" في هذه القمة بأنه يأتي بعد النداء الذي وجهته المغرب في أوت الماضي لتوضيح مواقف البلدان من قضية البوليساريو لأنه يعتبر أن السياسية المغربية مبنية في مجملها على الصحراء الغربية. لذلك يعتبر الوضع اليوم أصبح حرجا في علاقة البلدين المغاربيين والإفريقيين ببعضهما البعض.

 عبد المجيد العبدلي لـ"الصباح": التقارب التونسي الجزائري "المقلق"

وفسر عبد المجيد العبدلي، أستاذ القانون الدولي العام بالجامعة التونسية، هذه الأزمة بأن المغرب هي من بادرت بافتعالها رغم أنه سبق للملكة وممثلي السلطة "الصحراوية" المشاركة جنبا إلى جنب في عدة قمم ومناسبات دولية ولم تتخذ المغرب مثل هذه الموقف وبنفس هذه الحدّة. وأرجع ذلك بقوله في حديثه لـ"الصباح": "في تقديري التقارب التونسي الجزائري هو السبب لافتعال المغرب لهذا الإشكال وإثارة الرأي العام حول المسألة في هذا المناسبة تحديدا". مبينا أن حقيقة الإشكال المغربي ليس مع تونس وإنما مع الاتحاد الإفريقي الذي يعترف بحق جمهورية الصحراء العربية المغربية في تقرير مصيرها ويقبل بعضويتها باعتبار أنها عضو أيضا بالأمم المتحدة منذ سنة 1963 وفق ما أكده أستاذ القانون الدولي العام. لذلك يرى زج المغرب بتونس في مثل هذه المعركة خاطئ ولكنه يكشف في حقيقته موقف المغرب الرافض للتقارب التونسي الجزائري.

نزيهة الغضباني 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 الأزمة التونسية-المغربية "المفتعلة".. حيادنا ثابت في ملف الصحراء.. وسيادتنا لا نقاش فيها

تونس – الصباح

أثارت مشاركة جمهورية الصحراء الغربية في قمة طوكيو للتنمية في إفريقيا "تيكاد 8" التي تحتضنها بلادنا يومي 27 و28 من الشهر الجاري جدلا واسعا بعد التصعيد المسجل "في حرب البيانات" بين الجانبين التونسي والمغربي في ظرف وجيز على خلفية استقبال رئيس الجمهورية قيس سعيد للأمين العام لجبهة البوليساريو، إبراهيم غالي الذي جاء للمشاركة في القمة بدعوة من الاتحاد الإفريقي، وهو ما أدى إلى قرار المملكة المغربية مقاطعة القمة واستدعاء سفيرها بتونس، وفق ما ورد في بيان رسمي صدر عن الجهات الرسمية المغربية منذ يومين، وجاء الرد التونسي سريعا بعد إصدار وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج بيانا أعربت فيه عن استغرابها الشديد مما ورد في بيان المملكة المغربية من تحامل غير مقبول على تونس ومغالطات بشأن مشاركة وفد الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في الندوة المذكورة. وقد تعددت القراءات والتأويلات لهذا الحدث الذي أجمعت جل القراءات على أنه "سياسي" بامتياز ولا يعود إلى خلافات جوهرية يمكن أن تؤثر سلبيا على علاقاتهما ولا يخدم مصلحة وعلاقة البلدين وأنه مجرد "بلبلة" مفتعلة من الجانب المغربي ومحاولة للتدخل في السيادة الداخلية للدولة التونسية بما يتنافى والمبادئ الأممية لاستقلالية البلدان، تطورت إلى ما يقارب المزايدات السياسية، لاسيما أن المغرب سبق أن شارك بأعلى تمثيلية في قمتي "تيكاد 6" بنيروبي بكينيا سنة 2017 و"تيكاد 7" المنعقدة بيوكوهاما باليابان سنة 2019" وكانت جبهة البوليساريو مشاركا رسميا في القمتين ولم يصدر مثل هذا القرار عن المغرب.

وأكدت تونس حرصها على المحافظة على "علاقاتها الودية والأخوية والتاريخية العريقة التي تجمعها بالشعب المغربي، رافضة بشكل قطعي ما تضمنه البيان المغربي من عبارات تتهم بلادنا باتخاذ موقف عدواني تجاه المغرب ويضر بالمصالح المغربية".

وشددت الخارجية التونسية على رفضها التدخل في شؤون تونس الداخلية وأكدت "سيادة قرارها الوطني"، مضيفة أنه "على هذا الأساس فقد قررت تونس دعوة سفيرها بالرباط حالا للتشاور". وقد وجدت العملية تفاعلا متفاوتا ومتباينا داخل تونس وخارجها، حيث شكلت "الأزمة" فرصة لمعارضي سعيد للانقضاض عليها، موجهين سهام نقدهم لسياسة رئيس الجمهورية وعدم دقة دبلوماسيته في مثل هذه المواقف فيما اعتبرها البعض الآخر مسا من السيادة الوطنية واستقلاليتها وتدخلا من المغرب في سياسة الدولة على خلاف ما تنص عليه المواثيق الدولية دون دراية أن الاتحاد الإفريقي هو من يوجه دعوات الحضور في هذه القمة وأن رئيس الجمهورية لا يمكن أن يستقبل بعض الرؤساء ويدير ظهره للبعض الآخر.

وتناقلت وسائل إعلام تونسية ومغربية أخبارا حول عودة سفير تونس بالمغرب محمد بن عياد إلى تونس يوم أمس وأيضا عودة السفير المغربي وكافة أفراد أسرته والطاقم العامل معه بالسفارة المغربية بتونس إلى الرباط.

ضغط مغربي

على خلاف ردود الفعل وطنيا تميزت ردود الفعل المغربية بتوحد مواقفها من القضية حكومة ومعارضة، وصف الرئيس السابق لمجلس المستشارين المغربي الدكتور محمد الشيخ بيد الله استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لزعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي في العاصمة تونس "طعنة في ظهر المغاربة".

وذهب بعض المتابعين في قراءتهم للمسألة إلى أنها لا تعدو أن تكون مواصلة للدبلوماسية المغربية الناشطة في سياق هذه القضية منذ عقود بهدف الضغط على تونس كما الاتحاد الإفريقي، بعد أن نجحت في مناسبات سابقة في دفع عديد البلدان الإفريقية والأمريكية وغيرها إلى سحب أو إلغاء أو تجميد اعترافها باستقلالية الصحراء الغربية رغم أن بلدان أخرى عمدت إلى استئناف هذه العلاقات في مرحلة لاحقة. فيما ذهبت قراءات أخرى إلى تنزيل هذه الأزمة في سياقات سياسية وجيواستراتيجية تتعلق بالأساس بالجانب المغربي الذي حاول الضغط من أجل عدم اعتراف بلدان افريقية باستقلالية جمهورية الصحراء الغربية وإجبار تونس على تحديد موقفها النهائي من هذه القضية، بعد الجدل الذي طرح حول المسألة في أكتوبر الماضي بعد امتناع تونس عن التصويت لقرار مجلس الأمن بالتمديد لبعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية "مينورسو"، واعتبر البعض أنه انحياز للموقف الروسي المعارض للقرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة، وقال آخرون إنه انحياز للجزائر على حساب المغرب فيما نزلته تونس في إطار سياستها الخارجية للالتزام الحياد والحفاظ على نقاء أجواء الفضاء المغاربي دون تحيز لأي صف أو جهة في القضية القائمة حول "الصحراء" بين المغرب والجزائر. ويرى آخرون أن تحرك المغرب على هامش هذه القمة والحضور "الصحراوي" يأتي في سياق السعي إثارة هذه القضية خاصة أن الملك محمد السادس وجه دعوة لجميع البلدان منذ أسبوع تقريبا طالبها فيها بتحديد موقفها من قضية الصحراء الغربية لاسيما في ظل الدعم الأمريكي للمغرب بعد قبولها التطبيع مع الكيان الصهيوني مقابل دعم الولايات المتحدة لها في هذه القضية. فضلا عن التقارب المسجل بين بلدان إقليمية وقارية وأوروبية فيما تتوسع دائرة "الفتور" والتوتر في علاقة المغرب ببعضها من بينها الجزائر وفرنسا.

ويذكر أنه سبق أن تم قطع العلاقات بين تونس والمغرب بعد اعتراف بلادنا باستقلال موريتانيا سنة 1960 عن فرنسا وذلك بعد أن عارض المغرب استقلال موريتانيا وسعى إلى اعتبارها جزءا من التراب المغربي، ونجحت الرباط في الحصول على دعم بعض الدول العربية، وشنت معركة دبلوماسية من أجل الحيلولة دون اعتراف المجتمع الدولي بموريتانيا. لكن في سنة 1961 اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدولة الجديدة التي انضمت لجامعة الدول العربية عام 1973، لتستأنف بعد ذلك العلاقات بين البلدين.

 بيانات مضادة

كما تضمن البيان الصادر عن الخارجية التونسية أن "تونس حافظت على حيادها التام في قضية الصحراء الغربية التزاما بالشرعية الدولية.. إلى جانب التزامها بقرارات الأمم المتحدة، فإنّها مُلتزمة أيضا بقرارات الاتحاد الإفريقي التي تعدّ بلادنا من أحد مؤسّسيه". وبينت الخارجية أنه خلافا لما ورد في البيان المغربي، فقد قام الاتحاد الإفريقي في مرحلة أولى بصفته مشاركا رئيسيا في تنظيم ندوة طوكيو الدولية بتعميم مذكّرة يدعو فيها كافة أعضاء الاتحاد الإفريقي بما فيهم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية للمشاركة في فعاليات قمة تيكاد-8 بتونس.

كما وجّه رئيس المفوضية الإفريقية، في مرحلة ثانية دعوة فردية مباشرة للجمهورية الصحراوية لحضور القمة، مشيرة إلى أن هاتان الدعوتان تأتيان تنفيذا لقرارات المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي في اجتماعه المنعقد بلوزاكا بزمبيا يومي 14 و15 جويلية 2022 بحضور الوفد المغربي، حيث أكّد القرار على ضرورة دعوة كافة أعضاء الاتحاد الإفريقي للمشاركة في قمة تيكاد-8. وأكدت وزارة الخارجية التونسية أنه بناء على ما سبق من معطيات موثقة لدى الاتحاد الإفريقي، فأنّه لا وجود لأي تبرير منطقي للبيان المغربي، لا سيما وأنّ تونس احترمت جميع الإجراءات الترتيبية المتعلقة باحتضان القمة وفقا للمرجعيات القانونية الإفريقية ذات الصلة بتنظيم القمم والمؤتمرات واجتماعات الشراكات. وأكدت تونس حرصها على المحافظة على علاقاتها الودية والأخوية والتاريخية العريقة التي تجمعها بالشعب المغربي، رافضة بشكل قطعيّ ما تضمنه البيان المغربي من عبارات تتهم بلادنا باتخاذ موقف عدواني تجاه المغرب ويضر بالمصالح المغربية.

في المقابل تضمن البيان الصادر عن المملكة المغربية اتهاما لتونس بـ"العداء" للمغرب "وفي انتهاك لعملية الإعداد والقواعد المعمول بها، بشكل أحادي الجانب، دعوة الكيان الانفصالي".

واعتبر البيان أن في استقبال رئيس الجمهورية قيس سعيد للأمين عام جبهة البوليساريو مس من مشاعر المغربيين.

في سياق متصل أصدرت وزارة الشؤون الخارجية "الصحراوية الغربية" بيانا تضمن جملة من النقاط احتجاجاً منها على ما اعتبرته "عداءاً صارخاً" من المغرب بمقاطعتها القمة "لمجرد استقبال الرئيس التونسي، قيس السعيد، لنظيره الصحراوي، إبراهيم غالي، على غرار ما فعل، على قدم المساواة، مع كل رؤساء الدول والحكومات والوفود الأعضاء في الاتحاد الإفريقي الذين استقبلهم في مطار قرطاج الدولي".

وأكد البيان أنه" منذ انضمامها إلى الاتحاد الإفريقي مطلع سنة 2017، حضرت المملكة المغربية، جنباً إلى جنب مع الجمهورية الصحراوية، في كل قمم ومؤتمرات وندوات ومختلف أنشطة الاتحاد، الذي تعتبر الجمهورية الصحراوية عضواً مؤسساً له، بعد أن وقعت المملكة على القانون التأسيسي للاتحاد، ونشرت مصادقتها في جريدتها الرسمية. وذكر البيان بحضور ملك المغرب محمد السادس شخصياً إلى جانب الرئيس الصحراوي في القمة الخامسة للشراكة بين الاتحاد الإفريقي و الاتحاد الأوروبي المنعقدة بالعاصمة الإيفوارية أبيدجان سنة 2017، حيث لم تحرك المغرب ساكناً، وأذعنت لقرار الاتحاد القاضي بحق جميع الدول الأعضاء في الحضور إلى كل المؤتمرات والفعاليات التي يكون فيها الاتحاد طرفا.

وذكر أيضا بمشاركة المغرب في مؤتمر وزراء تيكاد 6 وأيضا حضور الرئيس الصحراوي، إلى جانب نظرائه الأفارقة، في قمة تيكاد 7 في مدينة يوكوهاما اليابانية في أوت 2019، ولم يصدر عن المغرب أي تلميح في كل المناسبات السابقة للمقاطعة أو استدعاء سفيرها" أو الاحتجاج.

ونزلت ذلك في إطار "أهداف خفية للمغرب"، تنفيذا لأجندات أجنبية تخريبية تستهدف السلم والاستقرار في المنقطة.

 الاتحاد الإفريقي يوضح

بدوره عبر الرئيس السينغالي ماكي سال، باعتباره رئيس الاتحاد الإفريقي حاليا، عن تأسفه لغياب تمثيلية المغرب خلال الجلسة الافتتاحية للدورة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية بإفريقيا، التي تنعقد بتونس. وقال في كلمته أثناء رئاسة الاتحاد الإفريقي للقاء الافتتاحي للقمة: “نتأسف أن يعقد هذا الاجتماع بغياب المغرب بسبب مشاكل التمثيل وهو العضو المؤسس للاتحاد الإفريقي"، متابعا: "نتمنى أن يجد هذا المشكل طريقه لحل دائم مستقبلا، للاستمرار الجيد لمنظمتنا وشراكتنا".

 ردود فعل مغربية

وصف الرئيس السابق لمجلس المستشارين المغربي الدكتور محمد الشيخ بيد الله استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لزعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي في العاصمة تونس "طعنة في ظهر المغاربة" مشيرا أنها لا تحترم شعور الشعب المغربي الذي يقف كرجل واحد وراء جلالة الملك الذي يعتبر قضية الصحراء قضية مقدسة." واعتبر في جانب آخر في تناوله للمسألة في وسائل إعلام عربية "أنه ما من أي مصلحة لتونس للإقدام على هذه الخطوة إلا إذا كانت خاضعة لضغوطات من جيرانها، بهدف التأثير على المملكة المغربية ووحدتها الترابية".

كما أعرب حزب الأصالة والمعاصرة المغربي عن استنكاره للموقف الذي وصفه بـ"الشاذ والمستفز" الذي أقدم عليه الرئيس التونسي، مبرزا أن الخطوة حملت انحيازا غير مقبول ومعاد للوحدة الترابية وللسيادة الوطنية للمملكة المغربية. معتبرا أن الموقف لم يأت صدفة بل نتيجة لعدد من الخطوات غير المفهومة الصادرة عن الرئاسة التونسية في السنوات الأخيرة، والتي تجسدت في العديد من الإشارات السلبية والمواقف المعادية للمصالح العليا للمملكة المغربية. وتواترت ردود أفعال أحزاب وسياسيين عبر تصريحات وبيانات بشن "هجوم" غير مسبوق على تونس وقيادتها واصفة وطأة أقدام غالي الأراضي التونسية بما يشبه "الجرم".

 

أحمد ونيس لـ"الصباح": الزيارة ليست "ثنائية" وتونس ليست مسؤولة عن الدعوات

أكد وزير الخارجية السابق أحمد ونيس أن حلول أمين عام جبهة البوليساريو في قمة "تيكاد 8" بتونس لم يكن في إطار زيارة ثنائية بين البلدين وإنما جاء في سياق مشاركته في قمة طوكيو للتنمية في إفريقيا بدعوة من الاتحاد الإفريقي باعتباره الجهة الشريكة مع اليابان في تنظيم هذا المؤتمر الاقتصادي وبلادنا ليست إلا حاضنة لهذه الدورة، وفق ما ورد في حديثه حول المسألة لـ"الصباح". مبينا أن تونس لم تعترف بالكيان الصحراوي بعد وحافظت على موقف التقليدي والمحايد في هذه القضية.

وشدد على ضرورة تجاوز الخلاف القائم بين البلدين المغاربيين بعد نهاية القمة وعودة البلدين إلى طرح مسألة عودة العلاقات والسفيرين. ونزل محدثنا الموقف المغربي من مشاركة "الصحراء الغربية" في هذه القمة بأنه يأتي بعد النداء الذي وجهته المغرب في أوت الماضي لتوضيح مواقف البلدان من قضية البوليساريو لأنه يعتبر أن السياسية المغربية مبنية في مجملها على الصحراء الغربية. لذلك يعتبر الوضع اليوم أصبح حرجا في علاقة البلدين المغاربيين والإفريقيين ببعضهما البعض.

 عبد المجيد العبدلي لـ"الصباح": التقارب التونسي الجزائري "المقلق"

وفسر عبد المجيد العبدلي، أستاذ القانون الدولي العام بالجامعة التونسية، هذه الأزمة بأن المغرب هي من بادرت بافتعالها رغم أنه سبق للملكة وممثلي السلطة "الصحراوية" المشاركة جنبا إلى جنب في عدة قمم ومناسبات دولية ولم تتخذ المغرب مثل هذه الموقف وبنفس هذه الحدّة. وأرجع ذلك بقوله في حديثه لـ"الصباح": "في تقديري التقارب التونسي الجزائري هو السبب لافتعال المغرب لهذا الإشكال وإثارة الرأي العام حول المسألة في هذا المناسبة تحديدا". مبينا أن حقيقة الإشكال المغربي ليس مع تونس وإنما مع الاتحاد الإفريقي الذي يعترف بحق جمهورية الصحراء العربية المغربية في تقرير مصيرها ويقبل بعضويتها باعتبار أنها عضو أيضا بالأمم المتحدة منذ سنة 1963 وفق ما أكده أستاذ القانون الدولي العام. لذلك يرى زج المغرب بتونس في مثل هذه المعركة خاطئ ولكنه يكشف في حقيقته موقف المغرب الرافض للتقارب التونسي الجزائري.

نزيهة الغضباني 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews