إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

على خلفية تنامي ظاهرتي الانتحار والحرقة : هذا ما يحصل حينما تصبح الدولة طاردة لأبنائها

بقلم: نوفل سلامة

الإنتحار و" الحرقة " من الظواهر الاجتماعية التي باتت تتعب المجتمع التونسي ومن الظواهر التي شهدت في السنوات الأخيرة حركية كبرى جعلتها تنتقل في عشرية الثورة وإلى الآن من مجرد حوادث عابرة تتحكم فيها ملابسات اجتماعية ونفسية خاصة بالأفراد إلى ظاهرة مجتمعية خطيرة ساهمت في نمائها أسباب عديدة فرضت على الجميع تقبلها والتعايش معها والاعتراف بها كواقع معيش يعبر عن أزمة مجتمع حادة في معاييره ونماذج إرشاده وأزمة ثقافة وخطاب سياسي لم يعد قادرا على الاقناع واحتواء الأزمات وأزمة دولة فقدت السيطرة على كل الانفلاتات التي تحصل وفقدت الكثير من حضورها ومثل غيابها في تقديم عروض جالبة للاطمئنان على المستقبل وحلول مقنعة سببا في تحكم مشاعر اليأس والإحباط وفقدان الأمل لدى الكثير من الشباب الحالم بأن المستقبل يمكن أن يكون في بلاده وتخلت عن الكثير من أدوارها المطالبة بها بعد أن تحولت إلى ما يعبر عنه بنموذج " الدولة الحد الأدنى " وهي صورة تسعى الدولة من خلالها إلى التخلص من الكثير من مهامها وواجباتها تجاه مواطنيها .. وأزمة خيارات سياسية واجتماعية وتنموية قديمة تعود إلى بداية الاستقلال ما زالت متحكمة وتطبق رغم أن الواقع قد كشف فشلها وضعفها وفقدانها لصلاحيتها ولقدرتها على مواكبة تحديات الواقع الراهن.

المشكل الكبير الذي يرافق هذه المتغيرات في واقع الناس وفي صورة الدولة أن السلطة الحاكمة ومن ورائها كل الحكومات المتعاقبة قد خرجت من دائرة العجز الحائل دون مرافقة الشعب والوقوف مع أفراده وفقدت السيطرة والتحكم في عملية الضبط الاجتماعي جراء غياب الحلول الجماعية التي قامت عليها دولة الاستقلال وفتحت المجال إلى المبادرات الفردية للخروج من حالة العجز الذي يكبل ويأسر الأفراد نحو الحل الفردي بدل الجماعي لتجاوز حالة اللا حل ووضعية اللا مستقبل ومع هذا الواقع الجديد انتقلنا إلى صورة الدولة الطاردة لأبنائها والرافضة لتواجدهم بينها وصورة المجتمع الذي لم يعد يربطه بدولته غير بطاقة هوية وفتات من الخدمات الاجتماعية المتعثرة في الكثير من الأحيان وإلى صورة الدولة التي لم تعد حاضنة لشعبها والجاذبة للعيش في ظلها بكرامة وبالحد الأدنى من الحقوق الأساسية.

هذه الحقيقة المؤلمة والتي لم تعد مجرد توهم وإنما واقعا ملموسا يعيشه الكثير من شباب هذا الوطن قد عبرت عنه بكل وضوح رئيسة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فرع القيروان خلال حديثها عن الواقع المتردي الذي تعرفه هذه الولاية وعند تعرضها للمأساة الاجتماعية والإنسانية التي يعرفها سكان هذه الجهة من التراب التونسي المصنفة ضمن الجهات الأكثر فقرا في ترتيب حالات الفقر في تونس ومن الجهات التي تعرف ارتفاعا كبيرا في نسبة الرسوب و الانقطاع المدرسي المبكر و من الجهات التي تعرف ارتفاعا كبيرا في نسبة البطالة وفقدان فرص التشغيل ومن الجهات المعروفة بكثرة تناول الكحول وتعاطي المخدرات ومن أكثر الجهات التي تغيب عنها التنمية ويتحكم فيها التهميش والنسيان ومن الجهات التي ترتفع فيها حالات الانتحار وعمليات التسلل خلسة إلى بلدان ما وراء البحار أو ما يعبر عنه بالحرقة في قوارب الموت في رحلة من أجل البحث عن واقع أفضل وعن معنى مختلف للحياة وعن اعتراف متوهم ومتخيل في بلدان الجنة الموعودة فقدوه في بلادهم ، حيث كشفت الأرقام والإحصائيات الرسمية أن ظاهرة الانتحار والرغبة في التخلص من الحياة بإرادة حرة ومنفردة تحت وقع فقدان الأمل وانسداد الأفق متفشية في جهة القيروان بسبب التهميش الذي عاشته الجهة لعقود من الزمن غابت فيها الدولة وفقدت فيها التنمية بالحد الأدنى المطلوب من وراء عملية عقاب أو اقصاء انتهجتها الدولة التونسية التي لم تعتن ولم ترافق سكان هذه الجهة التي ظلت محرومة وإلى اليوم من الكثير من الحاجيات والمرافق الأساسية للعيش الكريم حتى بات العيش فيها مستحيلا وأصبح من الصعب أن تمثل الأمل والمستقبل لأبنائها الذين باتوا يبحثون عن حلول من خارج حلول الدولة ويفكرون في خلاص فردي قد يجدونه في الإقدام على الانتحار لإنهاء الحياة أو اللجوء إلى المخدرات والكحول لنسيان الهموم والمشاكل والتخلص من حالة العجز المكبل أو بالذهاب نحو خيار صعب فيه مجازفة ومقامرة في الهجرة السرية ومغادرة البلاد خلسة أو الحرقة إلى بلد " الطليان ".

الخطير في هذا الواقع الرديء والعفن في تواصله حتى الآن رغم الأمل الكبير الذي حمله حراك 25 جويلية 2021 لكل الشباب المهمش ولكل التائهين ولكل الشباب الشارد التائه وفي عودة اليأس من جديد وعودة مشاعر انسداد الأفق في ظل واقع لم يتغير رغم بريق الأمل الذي حملته منظومة 25 جويلية .. الخطير فيما نبه إليه المنتدى الاقتصادي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من حصول انفجار اجتماعي قريب إذا لم يحصل تغيير في الأفق القريب في الواقع الاجتماعي لمثل هذه الجهات المنكوبة نتيجة الغليان الذي بدأ يظهر في الأطراف وفي الهمواش والدواخل ونتيجة حالة الاحتقان الاجتماعي التي عادت للتشكل من جديد في حركات احتجاجية شبابية انهكتها الوعود الزائفة وأتعبها خطاب التسويف المتكرر الذي لا يقدم حلولا وضاقت ذرعا ونفذ صبرها جراء ما تتعرض له من عنف اجتماعي مسلط على ذواتها في ظل غياب الإحاطة بهؤلاء الشباب وغياب الحلول الادماجية وفي ظل مؤسسات وضعت للرعاية والحماية لم تعد صالحة وفقدت دورها وتحتاج الى مراجعة وتجديد في آليات عملها .

الخطير في التعاطي مع ظاهرتي الانتحار والحرقة فيما يشعر به هؤلاء الأفراد الذين اختاروا مثل هذه الحلول من كونه واقع مركب ومعقد يجتمع فيه الشعور بالقهر والتهميش مع مشاعر اليأس والإحباط وفقدان الأمل وتكرر خيبات الثقة في السياسي مع الفقر والبطالة وإعدام فرص العمل مع غياب الدولة وتجاهلها لصرخات هؤلاء المعذبين في الأرض مع مشاعر العجز لفك أسر الاكراهات الاجتماعية مع تواصل خطاب التسويف المنهك للذات وللشخصية .. كل هذا الواقع ينتج بالضرورة حالة من التوتر المؤدية إلى حالة من الغضب المفضي الى حالة من الاحتقان وعدم الثقة المفضي إلى حالة من رد الفعل العنيف الذي يتخذ اشكالا مختلفة منها خيار الانتحار وإنهاء الحياة التي لم تعد لها من فائدة في نظرهم او قرار المغادرة بعد أن يشعر الفرد بأن دولته تطرده ولم يعد مرغوبا فيه وبعد شعوره أنه يعيش في دولة لا تنتج إلا الضجر والعجز وفي دولة طاردة لأبنائها ..

 

 

 

 

على خلفية تنامي ظاهرتي الانتحار والحرقة : هذا ما يحصل حينما تصبح الدولة طاردة لأبنائها

بقلم: نوفل سلامة

الإنتحار و" الحرقة " من الظواهر الاجتماعية التي باتت تتعب المجتمع التونسي ومن الظواهر التي شهدت في السنوات الأخيرة حركية كبرى جعلتها تنتقل في عشرية الثورة وإلى الآن من مجرد حوادث عابرة تتحكم فيها ملابسات اجتماعية ونفسية خاصة بالأفراد إلى ظاهرة مجتمعية خطيرة ساهمت في نمائها أسباب عديدة فرضت على الجميع تقبلها والتعايش معها والاعتراف بها كواقع معيش يعبر عن أزمة مجتمع حادة في معاييره ونماذج إرشاده وأزمة ثقافة وخطاب سياسي لم يعد قادرا على الاقناع واحتواء الأزمات وأزمة دولة فقدت السيطرة على كل الانفلاتات التي تحصل وفقدت الكثير من حضورها ومثل غيابها في تقديم عروض جالبة للاطمئنان على المستقبل وحلول مقنعة سببا في تحكم مشاعر اليأس والإحباط وفقدان الأمل لدى الكثير من الشباب الحالم بأن المستقبل يمكن أن يكون في بلاده وتخلت عن الكثير من أدوارها المطالبة بها بعد أن تحولت إلى ما يعبر عنه بنموذج " الدولة الحد الأدنى " وهي صورة تسعى الدولة من خلالها إلى التخلص من الكثير من مهامها وواجباتها تجاه مواطنيها .. وأزمة خيارات سياسية واجتماعية وتنموية قديمة تعود إلى بداية الاستقلال ما زالت متحكمة وتطبق رغم أن الواقع قد كشف فشلها وضعفها وفقدانها لصلاحيتها ولقدرتها على مواكبة تحديات الواقع الراهن.

المشكل الكبير الذي يرافق هذه المتغيرات في واقع الناس وفي صورة الدولة أن السلطة الحاكمة ومن ورائها كل الحكومات المتعاقبة قد خرجت من دائرة العجز الحائل دون مرافقة الشعب والوقوف مع أفراده وفقدت السيطرة والتحكم في عملية الضبط الاجتماعي جراء غياب الحلول الجماعية التي قامت عليها دولة الاستقلال وفتحت المجال إلى المبادرات الفردية للخروج من حالة العجز الذي يكبل ويأسر الأفراد نحو الحل الفردي بدل الجماعي لتجاوز حالة اللا حل ووضعية اللا مستقبل ومع هذا الواقع الجديد انتقلنا إلى صورة الدولة الطاردة لأبنائها والرافضة لتواجدهم بينها وصورة المجتمع الذي لم يعد يربطه بدولته غير بطاقة هوية وفتات من الخدمات الاجتماعية المتعثرة في الكثير من الأحيان وإلى صورة الدولة التي لم تعد حاضنة لشعبها والجاذبة للعيش في ظلها بكرامة وبالحد الأدنى من الحقوق الأساسية.

هذه الحقيقة المؤلمة والتي لم تعد مجرد توهم وإنما واقعا ملموسا يعيشه الكثير من شباب هذا الوطن قد عبرت عنه بكل وضوح رئيسة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فرع القيروان خلال حديثها عن الواقع المتردي الذي تعرفه هذه الولاية وعند تعرضها للمأساة الاجتماعية والإنسانية التي يعرفها سكان هذه الجهة من التراب التونسي المصنفة ضمن الجهات الأكثر فقرا في ترتيب حالات الفقر في تونس ومن الجهات التي تعرف ارتفاعا كبيرا في نسبة الرسوب و الانقطاع المدرسي المبكر و من الجهات التي تعرف ارتفاعا كبيرا في نسبة البطالة وفقدان فرص التشغيل ومن الجهات المعروفة بكثرة تناول الكحول وتعاطي المخدرات ومن أكثر الجهات التي تغيب عنها التنمية ويتحكم فيها التهميش والنسيان ومن الجهات التي ترتفع فيها حالات الانتحار وعمليات التسلل خلسة إلى بلدان ما وراء البحار أو ما يعبر عنه بالحرقة في قوارب الموت في رحلة من أجل البحث عن واقع أفضل وعن معنى مختلف للحياة وعن اعتراف متوهم ومتخيل في بلدان الجنة الموعودة فقدوه في بلادهم ، حيث كشفت الأرقام والإحصائيات الرسمية أن ظاهرة الانتحار والرغبة في التخلص من الحياة بإرادة حرة ومنفردة تحت وقع فقدان الأمل وانسداد الأفق متفشية في جهة القيروان بسبب التهميش الذي عاشته الجهة لعقود من الزمن غابت فيها الدولة وفقدت فيها التنمية بالحد الأدنى المطلوب من وراء عملية عقاب أو اقصاء انتهجتها الدولة التونسية التي لم تعتن ولم ترافق سكان هذه الجهة التي ظلت محرومة وإلى اليوم من الكثير من الحاجيات والمرافق الأساسية للعيش الكريم حتى بات العيش فيها مستحيلا وأصبح من الصعب أن تمثل الأمل والمستقبل لأبنائها الذين باتوا يبحثون عن حلول من خارج حلول الدولة ويفكرون في خلاص فردي قد يجدونه في الإقدام على الانتحار لإنهاء الحياة أو اللجوء إلى المخدرات والكحول لنسيان الهموم والمشاكل والتخلص من حالة العجز المكبل أو بالذهاب نحو خيار صعب فيه مجازفة ومقامرة في الهجرة السرية ومغادرة البلاد خلسة أو الحرقة إلى بلد " الطليان ".

الخطير في هذا الواقع الرديء والعفن في تواصله حتى الآن رغم الأمل الكبير الذي حمله حراك 25 جويلية 2021 لكل الشباب المهمش ولكل التائهين ولكل الشباب الشارد التائه وفي عودة اليأس من جديد وعودة مشاعر انسداد الأفق في ظل واقع لم يتغير رغم بريق الأمل الذي حملته منظومة 25 جويلية .. الخطير فيما نبه إليه المنتدى الاقتصادي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من حصول انفجار اجتماعي قريب إذا لم يحصل تغيير في الأفق القريب في الواقع الاجتماعي لمثل هذه الجهات المنكوبة نتيجة الغليان الذي بدأ يظهر في الأطراف وفي الهمواش والدواخل ونتيجة حالة الاحتقان الاجتماعي التي عادت للتشكل من جديد في حركات احتجاجية شبابية انهكتها الوعود الزائفة وأتعبها خطاب التسويف المتكرر الذي لا يقدم حلولا وضاقت ذرعا ونفذ صبرها جراء ما تتعرض له من عنف اجتماعي مسلط على ذواتها في ظل غياب الإحاطة بهؤلاء الشباب وغياب الحلول الادماجية وفي ظل مؤسسات وضعت للرعاية والحماية لم تعد صالحة وفقدت دورها وتحتاج الى مراجعة وتجديد في آليات عملها .

الخطير في التعاطي مع ظاهرتي الانتحار والحرقة فيما يشعر به هؤلاء الأفراد الذين اختاروا مثل هذه الحلول من كونه واقع مركب ومعقد يجتمع فيه الشعور بالقهر والتهميش مع مشاعر اليأس والإحباط وفقدان الأمل وتكرر خيبات الثقة في السياسي مع الفقر والبطالة وإعدام فرص العمل مع غياب الدولة وتجاهلها لصرخات هؤلاء المعذبين في الأرض مع مشاعر العجز لفك أسر الاكراهات الاجتماعية مع تواصل خطاب التسويف المنهك للذات وللشخصية .. كل هذا الواقع ينتج بالضرورة حالة من التوتر المؤدية إلى حالة من الغضب المفضي الى حالة من الاحتقان وعدم الثقة المفضي إلى حالة من رد الفعل العنيف الذي يتخذ اشكالا مختلفة منها خيار الانتحار وإنهاء الحياة التي لم تعد لها من فائدة في نظرهم او قرار المغادرة بعد أن يشعر الفرد بأن دولته تطرده ولم يعد مرغوبا فيه وبعد شعوره أنه يعيش في دولة لا تنتج إلا الضجر والعجز وفي دولة طاردة لأبنائها ..

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews