إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رغم تكثيف الرقابة وتشديد العقوبات: مظاهر الاحتكار والمضاربة تتواصل.. لماذا؟

تونس: الصباح

رغم الجهود التي بذلها أعوان المراقبة الاقتصادية بوزارة التجارة وتنمية الصادرات بالاشتراك مع مختلف الأسلاك الرقابية الأخرى منذ انطلاق الوزارة في تنفيذ البرنامج الوطني لمكافحة الاحتكار والمضاربة، ورغم الحرب التي أعلنها رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ شهر مارس الماضي على المضاربين والمحتكرين، ورغم صدور المرسوم المتعلق بمقاومة المضاربة غير المشروعة والرامي إلى التصدي إلى المضاربين والمحتكرين وتشديد العقوبات عليهم، ورغم تفعيل المرسوم عدد 10 لسنة 2020 المتعلق بضبط أحكام خاصة لزجر مخالفة قواعد المنافسة والأسعار لم يقع بعد القضاء على هذه الآفة التي أثقلت كاهل التونسيين وجوعت الأسر محدودة الدخل، وهو ما يدعو إلى التساؤل عن سبب عدم تحقيق الغاية المرجوة من هذه الحرب رغم مرور أكثر من خمسة أشهر عن الإعلان عن انطلاقها.

فاستنادا إلى معطيات رسمية حول نتائج المراقبة الاقتصادية خلال السبعة أشهر الأولى من السنة الجارية والتي تمت في إطار تنفيذ البرنامج الوطني لمكافحة الاحتكار والمضاربة، يمكن الإشارة إلى أن مصالح المراقبة الاقتصادية بالاشتراك مع مختلف الأسلاك الرقابية الأخرى نفذت 409 آلاف زيارة تفقد أي بنسبة تطور قدرها 56 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، وبلغ عدد المخالفات المرفوعة 59626 مخالفة اقتصادية أي بنسبة تطور قدرها 49 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية..

تكثيف الرقابة

وواصلت الأجهزة الرقابية خلال الشهر الجاري تنفيذ البرنامج الوطني للتصدي للمضاربة بالمواد الأساسية واحتكارها، وحسب معطيات وزارة التجارة وتنمية الصادرات، تمكن أعوان المراقبة يوم الأحد الماضي، بنابل من حجز 49 قنطارا من مادة الفارينة المدعمة لدى مخبزة من صنف "أ" تعمد صاحبها الإخلال بنسق التزويد وصنع وترويج الخبز المدعم من الحجم الكبير بأوزان تقل عن الوزن القانوني، وتم أيام 13 و17 و18 أوت 2022 حجز 8280 لترا من الزيت النباتي المدعم لدى تجار مواد غذائية عامة بالجملة ناشطين بمناطق مختلفة من ولاية نابل وذلك من أجل التفريط فيها لجهات غير معلومة. وفي قابس، تم يوم الخميس 18 أوت ضبط مخبزة مصنفة كانت متوقفة عن النشاط لكنها واصلت التزود بالفارينة المدعمة دون إعلام الإدارة وقامت بالتفريط في جزء من حصتها الشهرية من الفارينة لجهات غير معلومة، وفي نفس اليوم تم ضبط أحد تجار المواد الغذائية بالتفصيل بجهة أوتيك ببنزرت بصدد إخفاء 89 لترا من الزيت النباتي المدعم بمخزن عشوائي للتفريط فيها خارج المسالك القانونية. وخلال عملية مراقبة مشتركة بين وزارات التجارة والفلاحة والصحة لنشاط مذبح للدواجن بالمنطقة الصناعية بسيدي بوزيد تمكن أعوان المراقبة يوم 11 أوت الجاري، بعد استكمال الأبحاث اللازمة من إثبات تعمد التخفيض في مستويات الإنتاج من الدجاج الجاهز للطبخ ولحم الديك الرومي رغم التحكم في جميع حلقات الإنتاج من فراخ دواجن وعلف ومذبح وتم حجز طنين من منتوجات الدواجن من أجل ارتكاب مخالفة المضاربة غير المشروعة ومخالفة القيام بممارسات مخلة بالمنافسة.

وقام أعوان المراقبة بسوسة يوم 16 أوت الجاري بحجز 3810 لترات من الزيت النباتي المدعم، وذلك إثر ورود معلومات مفادها تعمد مؤسسة تنشط في قطاع تجارة المواد الغذائية بالجملة ترويج هذه المادة لغير مستحقيها. بينما تمكن فريق المراقبة بباجة يوم الاثنين15 أوت من الكشف عن مخزن عشوائي وحجز 417 لترا من الزيت النباتي المدعم، أما في القيروان فتمت خلال الليلة الفاصلة بين 13 و14 أوت 2022 مداهمة مخزن غير مرخص له تابع لحرفي في صناعة المقروض وحجز 1100 لتر من الزيت النباتي المدعم و400 كلغ من الفارينة الرفيعة و120 كلغ من السميد. وقام فريق مراقبة تابع لإدارة الأبحاث الاقتصادية يوم 11 أوت 2022 بمنطقة أريانة الشمالية بحجز 11112 لترا من الزيت المدعم إثر رصد تحركات تاجري جملة يقومان بالتفريط في كميات هامة من الزيت النباتي المدعم وترويجها إلى وجهات غير معلومة.

وتمكن أعوان المراقبة بسوسة يوم الأربعاء 10 أوت، من الكشف عن تلاعب صاحب مخبزة مصنفة "ج" بمادة الفارينة المدعمة بتعمده التوقف عن صنع "الباقات" والاكتفاء بصنع أصناف أخرى من الخبز وتم حجز 24 قنطارا من الفارينة المدعمة لديه، وفي نفس اليوم تولى أعوان المراقبة بتونس، حجز 1500 لتر من الزيت النباتي المدعم. وتمكن أعوان المراقبة بنابل، يوم الثلاثاء 9 أوت، من ضبط صاحب مخبزة بالحمامات يستعمل الفارينة المدعمة لإنتاج وتسويق أصناف مختلفة من الخبز الرفيع والمرطبات والانتفاع بفارق الدعم دون وجه شرعي فضلا على المساس بالنسق العادي للتزويد وتم حجز 36 قنطارا ونصف من هذه المادة. وفي نفس اليوم تمكن فريق المراقبة بسيدي بوزيد من حجز 9 أطنان من الاسمنت بمنطقة فائض بعد تعمد صاحبها التلاعب بها، وفي يوم 8 أوت الجاري حجز فريق المراقبة 600 لتر من الزيت النباتي المدعم بعد ثبوت تعمّد تاجر جملة للمواد الغذائية ناشط بمدينة سيدي بوزيد التلاعب بوجهتها، وفي نفس اليوم تمكن فريق المراقبة الاقتصادية بالقصرين، من رصد شركة بحالة تلبس لما كانت بصدد تسليم كمية من الزيت النباتي المدعم لغير مستحقيه ودون فاتورة وتم حجز 131 لترا من هذه المادة، وفي يوم السبت 6 أوت 2022، تم في منزل ببنبلة من ولاية المنستير حجز 1180كلغ من الفارينة الرفيعة و200 كلغ من الفارينة المدعمة المخصصة لصنع خبز الاستهلاك العائلي ينوي صاحبه ترويجها خارج المسالك القانونية.

وتولى أعوان المراقبة ببن عروس يوم الجمعة 5 أوت حجز 91 قنطارا من الفارينة المدعمة لدى مخبزة صنف "ج" تعمد صاحبها استعمال هذه المادة في صنع أنواع أخرى من الخبز. وتمكن فريق المراقبة الاقتصادية بالإدارة الجهوية للتجارة وتنمية الصادرات بأريانة، يوم الجمعة 5 أوت 2022، من ضبط شاحنة على متنها 200 لتر من الزيت النباتي غير المدعم معبأة في قوارير بلاستيكية مجهولة المصدر ومخبأة تحت كمية من الأعلاف. وتمكن أعوان المراقبة الاقتصادية بالإدارة الجهوية للتجارة وتنمية الصادرات بسوسة من التفطن إلى صاحب محل مخصص لبيع اللحوم الحمراء بالقلعة الكبرى، تعمد استغلال محله لبيع الأرز والسكر دون وجه حق وبأسعار غير قانونية. وتمكن أعوان المراقبة بولاية مدنين من حجز53 طنا من الدواجن ومشتقاتها و4 أطنان من شرايح الديك الرومي لدى مسلخ غير مرخص فيه، وذلك بعد استشارة النيابة العمومية، وفي الثالث من الشهر الجاري تم في قليبية تنفيذ حملة مراقبة للمخابز تم خلالها ضبط بعض المخابز التي يتعمد أصحابها استعمال الفارينة المدعمة في إنتاج خبز الباقات عوضاً عن إنتاج الخبز من الحجم الكبير بهدف الانتفاع بفارق الدعم دون وجه شرعي.

وتم في نفس الحملة تسجيل تجاوزات تتعلق بالتخفيض في الوزن القانوني للخبز وعدم احترام مقومات السلامة الصحية وشفافية المعاملات التجارية وحجز171 قنطارا من مادة الفارينة المدعمة. وتمكن فريق المراقبة بالمنستير، يوم الأربعاء 3 أوت 2022، من ضبط مخبزة مصنفة بمدينة بني حسان متوقفة عن النشاط لكنها واصلت التزود بالفارينة المدعمة دون إعلام الإدارة ووقع حجز 5 فاصل 8 طن من هذه المادة.

حرب على المضاربين

 ويستشف من هذه الأرقام المنشورة على الصفحة الرسمية لوزارة التجارة وتنمية الصادرات، مضاعفة الجهود التي بذلتها الأجهزة الرقابية طيلة الأشهر الماضية وخاصة بعد الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية قيس سعيد ليلة 9 مارس من مقر وزارة الداخلية والذي أعلن فيه الحرب على المضاربين والمحتكرين للمواد الأساسية والمواد المدعمة والحرب على من يقفون وراء ظاهرة الترفيع في الأسعار. وقد قال سعيد ليلتها، إنه يريدها حربا دون هوادة ضد هؤلاء المحتكرين المجرمين وإنه تم تحديد ساعة الصفر للقيام بالواجب الذي تقتضيه المسؤولية، لأن من يضارب بقوت المواطنين، حسب اعتقاده، لا يسعى هو ومن يقف خلفه لتجويع الشعب والتنكيل به فحسب، بل يسعى إلى ضرب السلم الأهلية، كما أشار إلى أنه سيقع التصدي للمضاربين المجرمين بالقانون وبقوة القانون.. ليتم في نفس الشهر، إصدار المرسوم عدد 14 لسنة 2022 المؤرّخ في 20 مارس 2022 المتعلق بمقاومة المضاربة غير المشروعة، وهو نص زجري بامتياز، نظرا إلى ما تضمنه من عقوبات قاسية تصل إلى السجن المؤبد.

فالمضاربة غير المشروعة حسب ما جاء في المرسوم المذكور هي كل تخزين أو إخفاء للسلع أو البضائع أيا كان مصدرها وطريقة إنتاجها يكون الهدف منه إحداث ندرة فيها واضطراب في تزويد السوق بها، وكل ترفيع أو تخفيض مفتعل في أسعارها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أو عن طريق وسيط، أو استعمال الوسائل الإلكترونية، أو أي طرق أو وسائل احتيالية، ويعد مرتكبا لجريمة المضاربة غير المشروعة كل من باشر بأي شكل من الأشكال وبأي وسيلة كانت سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة أو عن طريق وسيط أو وسطاء أفعالا تندرج ضمن المضاربة غير المشروعة، وكل من روّج عمدا أخبارا أو معلومات كاذبة أو غير صحيحة لدفع المستهلك للعزوف عن الشراء أو قصد إحــداث اضــطـراب في تزويد الســوق والترفيع في الأسعار بطريقة مباغتة وغير مبررة، وكل من طرح عروضا في السوق بغرض إحداث اضطراب في تزويده بنية الترفيع في الأسعار، وكل من حقق أرباحا غير مشروعة باستغلال أوضاع استثنائية لتقديم عروض بأسعار مرتفعة عن الأسعار المعتادة وكل من قام بممارسات في السوق بغرض الحصول على ربح غير ناتج عن التطبيق الطبيعي لقواعد العرض والطلب وكل من مسك منتجات بنية تهريبها خارج تراب الوطن، ويعاقب بالسجن عشر سنوات وبخطية مالية قدرها مائة ألف دينار كل من قام بأحد الأفعال المجرّمة بموجب هذا المرسوم باعتبارها مضاربة غير مشروعة. ويكون العقاب بالسجن عشرين سنة وبخطية مالية قدرها مائتا ألف دينار إذا كانت المضاربة غير المشروعة تتعلق بمواد مدعمة من ميزانية الدولة أو بالأدوية وسائر المواد الصيدلية. ويكون العقاب بالسجـــن ثلاثين سنة وبخطية مالية قدرها خمسمائة ألف دينار إذا ارتكبت الجرائم المذكورة سالفا خلال الحالات الاستثنائية أو ظهور أزمة صحية طارئة أو تفشي وباء أو وقوع كارثة، ويعاقب بالسجن بقية العمر وبخطية مالية قدرها خمسمائة ألف دينار إذا ارتكبت هذه الجرائم من قبل وفاق أو عصابة أو تنظيم إجرامي أو عند مسك المنتجات بنية تهريبها خارج أرض الوطن.

فرق رقابية مشتركة

 وجاء المرسوم المتعلق بمقاومة المضاربة غير المشروعة بعيد تركيز خطة مشتركة بين مختلف الأجهزة الرقابية التابعة لوزارات التجارة وتنمية الصادرات والداخلية والمالية والفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والصحة، وتهدف هذه الخطة إلى تنفيذ برامج رقابية نوعية ومسترسلة بمختلف حلقات الإنتاج والخزن والتوزيع.

محمد مسيليني وزير التجارة السابق: المقاربة الردعية لا تكفي.. والحل في الرقمنة

قال محمد مسيليني وزير التجارة السابق والقيادي بحركة الشعب إن الاحتكار والمضاربة مشكلة، لكن القضية لا تتعلق فقط بالمضاربة والاحتكار، بل هناك مسائل أخرى لا بد من معالجتها وهي الصعوبة في تزيد السوق بالمواد الأساسية والمدعمة والتي هي في أغلبها مواد مستوردة.

 ومرد هذا الإشكال حسب رأيه هو وضعية المالية العمومية الصعبة، الأمر الذي يؤدي إلى ندرة بعض المنتجات، فمرة يتعلق الأمر بالزيت النباتي ومرة أخرى بالقمح الصلب أو بالقمح اللين..

وإضافة إلى ذلك هناك استعمال للمواد المدعمة في غير الاستهلاك المنزلي حيث يتم استهلاكها في المطاعم ومحلات المرطبات وحتى في مصانع الدهن فضلا عن تهريبها.

وأشار الوزير السابق في تصريح لـ "الصباح" إلى غياب رقابة حقيقية على مسالك توزيع هذه المواد وهو يرى أن هذا المشكل موروث نظرا لتراكم الاقتصاد الريعي وسيطرة بعض اللوبيات على هذه المسالك، ومع ضعف الدولة ومؤسساتها تصبح مراقبة هذه المسالك صعبة.

وفسر أن الاحتكار هو جزء من المشكل وليس كله، وبين أن الحل يكمن في توجيه الدعم إلى مستحقيه، وأضاف محدثنا أن الحل لا يكون فقط بالردع لأنه عند توخي الردع يمكن ظلم بعض الناس، وبين أنه لا بد من توفر آليات أخرى لمقاومة الاحتكار والمضاربة ولعل أهمها رقمنة المسالك ووضع بطاقة هوية لكل مادة تساعد على تقفي أثرها وبهذه الكيفية يمكن الحد من الاحتكار.

التلاعب بالمواد المدعمة

وأشار الوزير السابق إلى أنه في حال إيجاد منظومة رقمنة جيدة يمكن معرفة حاجة كل منطقة للمواد المدعمة، ولاحظ أنه في الوقت الراهن هناك عدد من محلات تجارة جملة في مناطق صغيرة ومناطق حدودية يفوق حاجيات متساكني تلك المناطق وهو ما يؤدي إلى فتح الباب للتلاعب بالمواد المدعمة وتهريبها خراج الحدود..

ولاحظ المسيليني أن هناك مسألة هامة لا بد من التركيز عليها وهي الإرادة السياسية، وبين أنه توجد اليوم محاولات لتفعيل القوانين وزجر المضاربين والمحتكرين ولكن الردع لا يكفي بل المطلوب هو توفر الإرادة السياسية الواضحة لمقاومة هذه الظاهرة، كما يجب مراجعة منظومة الدعم وتطبيق شعار توجيه الدعم إلى مستحقيه ووضع آليات لهذا الغرض، وأضاف الوزير السابق أن قرابة 70 بالمائة من العائلات التونسية تحتاج إلى الدعم، ولكن هذا الدعم متفاوت حسب القدرة الشرائية للأسرة وعدد أفرادها وحاجياتها ودخلها فهذه المسائل لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند تحديد نسب الدعم الموجه إلى الأسر.

بوهلال

 

 

 

 

 

رغم تكثيف الرقابة وتشديد العقوبات: مظاهر الاحتكار والمضاربة تتواصل.. لماذا؟

تونس: الصباح

رغم الجهود التي بذلها أعوان المراقبة الاقتصادية بوزارة التجارة وتنمية الصادرات بالاشتراك مع مختلف الأسلاك الرقابية الأخرى منذ انطلاق الوزارة في تنفيذ البرنامج الوطني لمكافحة الاحتكار والمضاربة، ورغم الحرب التي أعلنها رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ شهر مارس الماضي على المضاربين والمحتكرين، ورغم صدور المرسوم المتعلق بمقاومة المضاربة غير المشروعة والرامي إلى التصدي إلى المضاربين والمحتكرين وتشديد العقوبات عليهم، ورغم تفعيل المرسوم عدد 10 لسنة 2020 المتعلق بضبط أحكام خاصة لزجر مخالفة قواعد المنافسة والأسعار لم يقع بعد القضاء على هذه الآفة التي أثقلت كاهل التونسيين وجوعت الأسر محدودة الدخل، وهو ما يدعو إلى التساؤل عن سبب عدم تحقيق الغاية المرجوة من هذه الحرب رغم مرور أكثر من خمسة أشهر عن الإعلان عن انطلاقها.

فاستنادا إلى معطيات رسمية حول نتائج المراقبة الاقتصادية خلال السبعة أشهر الأولى من السنة الجارية والتي تمت في إطار تنفيذ البرنامج الوطني لمكافحة الاحتكار والمضاربة، يمكن الإشارة إلى أن مصالح المراقبة الاقتصادية بالاشتراك مع مختلف الأسلاك الرقابية الأخرى نفذت 409 آلاف زيارة تفقد أي بنسبة تطور قدرها 56 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية، وبلغ عدد المخالفات المرفوعة 59626 مخالفة اقتصادية أي بنسبة تطور قدرها 49 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية..

تكثيف الرقابة

وواصلت الأجهزة الرقابية خلال الشهر الجاري تنفيذ البرنامج الوطني للتصدي للمضاربة بالمواد الأساسية واحتكارها، وحسب معطيات وزارة التجارة وتنمية الصادرات، تمكن أعوان المراقبة يوم الأحد الماضي، بنابل من حجز 49 قنطارا من مادة الفارينة المدعمة لدى مخبزة من صنف "أ" تعمد صاحبها الإخلال بنسق التزويد وصنع وترويج الخبز المدعم من الحجم الكبير بأوزان تقل عن الوزن القانوني، وتم أيام 13 و17 و18 أوت 2022 حجز 8280 لترا من الزيت النباتي المدعم لدى تجار مواد غذائية عامة بالجملة ناشطين بمناطق مختلفة من ولاية نابل وذلك من أجل التفريط فيها لجهات غير معلومة. وفي قابس، تم يوم الخميس 18 أوت ضبط مخبزة مصنفة كانت متوقفة عن النشاط لكنها واصلت التزود بالفارينة المدعمة دون إعلام الإدارة وقامت بالتفريط في جزء من حصتها الشهرية من الفارينة لجهات غير معلومة، وفي نفس اليوم تم ضبط أحد تجار المواد الغذائية بالتفصيل بجهة أوتيك ببنزرت بصدد إخفاء 89 لترا من الزيت النباتي المدعم بمخزن عشوائي للتفريط فيها خارج المسالك القانونية. وخلال عملية مراقبة مشتركة بين وزارات التجارة والفلاحة والصحة لنشاط مذبح للدواجن بالمنطقة الصناعية بسيدي بوزيد تمكن أعوان المراقبة يوم 11 أوت الجاري، بعد استكمال الأبحاث اللازمة من إثبات تعمد التخفيض في مستويات الإنتاج من الدجاج الجاهز للطبخ ولحم الديك الرومي رغم التحكم في جميع حلقات الإنتاج من فراخ دواجن وعلف ومذبح وتم حجز طنين من منتوجات الدواجن من أجل ارتكاب مخالفة المضاربة غير المشروعة ومخالفة القيام بممارسات مخلة بالمنافسة.

وقام أعوان المراقبة بسوسة يوم 16 أوت الجاري بحجز 3810 لترات من الزيت النباتي المدعم، وذلك إثر ورود معلومات مفادها تعمد مؤسسة تنشط في قطاع تجارة المواد الغذائية بالجملة ترويج هذه المادة لغير مستحقيها. بينما تمكن فريق المراقبة بباجة يوم الاثنين15 أوت من الكشف عن مخزن عشوائي وحجز 417 لترا من الزيت النباتي المدعم، أما في القيروان فتمت خلال الليلة الفاصلة بين 13 و14 أوت 2022 مداهمة مخزن غير مرخص له تابع لحرفي في صناعة المقروض وحجز 1100 لتر من الزيت النباتي المدعم و400 كلغ من الفارينة الرفيعة و120 كلغ من السميد. وقام فريق مراقبة تابع لإدارة الأبحاث الاقتصادية يوم 11 أوت 2022 بمنطقة أريانة الشمالية بحجز 11112 لترا من الزيت المدعم إثر رصد تحركات تاجري جملة يقومان بالتفريط في كميات هامة من الزيت النباتي المدعم وترويجها إلى وجهات غير معلومة.

وتمكن أعوان المراقبة بسوسة يوم الأربعاء 10 أوت، من الكشف عن تلاعب صاحب مخبزة مصنفة "ج" بمادة الفارينة المدعمة بتعمده التوقف عن صنع "الباقات" والاكتفاء بصنع أصناف أخرى من الخبز وتم حجز 24 قنطارا من الفارينة المدعمة لديه، وفي نفس اليوم تولى أعوان المراقبة بتونس، حجز 1500 لتر من الزيت النباتي المدعم. وتمكن أعوان المراقبة بنابل، يوم الثلاثاء 9 أوت، من ضبط صاحب مخبزة بالحمامات يستعمل الفارينة المدعمة لإنتاج وتسويق أصناف مختلفة من الخبز الرفيع والمرطبات والانتفاع بفارق الدعم دون وجه شرعي فضلا على المساس بالنسق العادي للتزويد وتم حجز 36 قنطارا ونصف من هذه المادة. وفي نفس اليوم تمكن فريق المراقبة بسيدي بوزيد من حجز 9 أطنان من الاسمنت بمنطقة فائض بعد تعمد صاحبها التلاعب بها، وفي يوم 8 أوت الجاري حجز فريق المراقبة 600 لتر من الزيت النباتي المدعم بعد ثبوت تعمّد تاجر جملة للمواد الغذائية ناشط بمدينة سيدي بوزيد التلاعب بوجهتها، وفي نفس اليوم تمكن فريق المراقبة الاقتصادية بالقصرين، من رصد شركة بحالة تلبس لما كانت بصدد تسليم كمية من الزيت النباتي المدعم لغير مستحقيه ودون فاتورة وتم حجز 131 لترا من هذه المادة، وفي يوم السبت 6 أوت 2022، تم في منزل ببنبلة من ولاية المنستير حجز 1180كلغ من الفارينة الرفيعة و200 كلغ من الفارينة المدعمة المخصصة لصنع خبز الاستهلاك العائلي ينوي صاحبه ترويجها خارج المسالك القانونية.

وتولى أعوان المراقبة ببن عروس يوم الجمعة 5 أوت حجز 91 قنطارا من الفارينة المدعمة لدى مخبزة صنف "ج" تعمد صاحبها استعمال هذه المادة في صنع أنواع أخرى من الخبز. وتمكن فريق المراقبة الاقتصادية بالإدارة الجهوية للتجارة وتنمية الصادرات بأريانة، يوم الجمعة 5 أوت 2022، من ضبط شاحنة على متنها 200 لتر من الزيت النباتي غير المدعم معبأة في قوارير بلاستيكية مجهولة المصدر ومخبأة تحت كمية من الأعلاف. وتمكن أعوان المراقبة الاقتصادية بالإدارة الجهوية للتجارة وتنمية الصادرات بسوسة من التفطن إلى صاحب محل مخصص لبيع اللحوم الحمراء بالقلعة الكبرى، تعمد استغلال محله لبيع الأرز والسكر دون وجه حق وبأسعار غير قانونية. وتمكن أعوان المراقبة بولاية مدنين من حجز53 طنا من الدواجن ومشتقاتها و4 أطنان من شرايح الديك الرومي لدى مسلخ غير مرخص فيه، وذلك بعد استشارة النيابة العمومية، وفي الثالث من الشهر الجاري تم في قليبية تنفيذ حملة مراقبة للمخابز تم خلالها ضبط بعض المخابز التي يتعمد أصحابها استعمال الفارينة المدعمة في إنتاج خبز الباقات عوضاً عن إنتاج الخبز من الحجم الكبير بهدف الانتفاع بفارق الدعم دون وجه شرعي.

وتم في نفس الحملة تسجيل تجاوزات تتعلق بالتخفيض في الوزن القانوني للخبز وعدم احترام مقومات السلامة الصحية وشفافية المعاملات التجارية وحجز171 قنطارا من مادة الفارينة المدعمة. وتمكن فريق المراقبة بالمنستير، يوم الأربعاء 3 أوت 2022، من ضبط مخبزة مصنفة بمدينة بني حسان متوقفة عن النشاط لكنها واصلت التزود بالفارينة المدعمة دون إعلام الإدارة ووقع حجز 5 فاصل 8 طن من هذه المادة.

حرب على المضاربين

 ويستشف من هذه الأرقام المنشورة على الصفحة الرسمية لوزارة التجارة وتنمية الصادرات، مضاعفة الجهود التي بذلتها الأجهزة الرقابية طيلة الأشهر الماضية وخاصة بعد الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية قيس سعيد ليلة 9 مارس من مقر وزارة الداخلية والذي أعلن فيه الحرب على المضاربين والمحتكرين للمواد الأساسية والمواد المدعمة والحرب على من يقفون وراء ظاهرة الترفيع في الأسعار. وقد قال سعيد ليلتها، إنه يريدها حربا دون هوادة ضد هؤلاء المحتكرين المجرمين وإنه تم تحديد ساعة الصفر للقيام بالواجب الذي تقتضيه المسؤولية، لأن من يضارب بقوت المواطنين، حسب اعتقاده، لا يسعى هو ومن يقف خلفه لتجويع الشعب والتنكيل به فحسب، بل يسعى إلى ضرب السلم الأهلية، كما أشار إلى أنه سيقع التصدي للمضاربين المجرمين بالقانون وبقوة القانون.. ليتم في نفس الشهر، إصدار المرسوم عدد 14 لسنة 2022 المؤرّخ في 20 مارس 2022 المتعلق بمقاومة المضاربة غير المشروعة، وهو نص زجري بامتياز، نظرا إلى ما تضمنه من عقوبات قاسية تصل إلى السجن المؤبد.

فالمضاربة غير المشروعة حسب ما جاء في المرسوم المذكور هي كل تخزين أو إخفاء للسلع أو البضائع أيا كان مصدرها وطريقة إنتاجها يكون الهدف منه إحداث ندرة فيها واضطراب في تزويد السوق بها، وكل ترفيع أو تخفيض مفتعل في أسعارها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أو عن طريق وسيط، أو استعمال الوسائل الإلكترونية، أو أي طرق أو وسائل احتيالية، ويعد مرتكبا لجريمة المضاربة غير المشروعة كل من باشر بأي شكل من الأشكال وبأي وسيلة كانت سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة أو عن طريق وسيط أو وسطاء أفعالا تندرج ضمن المضاربة غير المشروعة، وكل من روّج عمدا أخبارا أو معلومات كاذبة أو غير صحيحة لدفع المستهلك للعزوف عن الشراء أو قصد إحــداث اضــطـراب في تزويد الســوق والترفيع في الأسعار بطريقة مباغتة وغير مبررة، وكل من طرح عروضا في السوق بغرض إحداث اضطراب في تزويده بنية الترفيع في الأسعار، وكل من حقق أرباحا غير مشروعة باستغلال أوضاع استثنائية لتقديم عروض بأسعار مرتفعة عن الأسعار المعتادة وكل من قام بممارسات في السوق بغرض الحصول على ربح غير ناتج عن التطبيق الطبيعي لقواعد العرض والطلب وكل من مسك منتجات بنية تهريبها خارج تراب الوطن، ويعاقب بالسجن عشر سنوات وبخطية مالية قدرها مائة ألف دينار كل من قام بأحد الأفعال المجرّمة بموجب هذا المرسوم باعتبارها مضاربة غير مشروعة. ويكون العقاب بالسجن عشرين سنة وبخطية مالية قدرها مائتا ألف دينار إذا كانت المضاربة غير المشروعة تتعلق بمواد مدعمة من ميزانية الدولة أو بالأدوية وسائر المواد الصيدلية. ويكون العقاب بالسجـــن ثلاثين سنة وبخطية مالية قدرها خمسمائة ألف دينار إذا ارتكبت الجرائم المذكورة سالفا خلال الحالات الاستثنائية أو ظهور أزمة صحية طارئة أو تفشي وباء أو وقوع كارثة، ويعاقب بالسجن بقية العمر وبخطية مالية قدرها خمسمائة ألف دينار إذا ارتكبت هذه الجرائم من قبل وفاق أو عصابة أو تنظيم إجرامي أو عند مسك المنتجات بنية تهريبها خارج أرض الوطن.

فرق رقابية مشتركة

 وجاء المرسوم المتعلق بمقاومة المضاربة غير المشروعة بعيد تركيز خطة مشتركة بين مختلف الأجهزة الرقابية التابعة لوزارات التجارة وتنمية الصادرات والداخلية والمالية والفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والصحة، وتهدف هذه الخطة إلى تنفيذ برامج رقابية نوعية ومسترسلة بمختلف حلقات الإنتاج والخزن والتوزيع.

محمد مسيليني وزير التجارة السابق: المقاربة الردعية لا تكفي.. والحل في الرقمنة

قال محمد مسيليني وزير التجارة السابق والقيادي بحركة الشعب إن الاحتكار والمضاربة مشكلة، لكن القضية لا تتعلق فقط بالمضاربة والاحتكار، بل هناك مسائل أخرى لا بد من معالجتها وهي الصعوبة في تزيد السوق بالمواد الأساسية والمدعمة والتي هي في أغلبها مواد مستوردة.

 ومرد هذا الإشكال حسب رأيه هو وضعية المالية العمومية الصعبة، الأمر الذي يؤدي إلى ندرة بعض المنتجات، فمرة يتعلق الأمر بالزيت النباتي ومرة أخرى بالقمح الصلب أو بالقمح اللين..

وإضافة إلى ذلك هناك استعمال للمواد المدعمة في غير الاستهلاك المنزلي حيث يتم استهلاكها في المطاعم ومحلات المرطبات وحتى في مصانع الدهن فضلا عن تهريبها.

وأشار الوزير السابق في تصريح لـ "الصباح" إلى غياب رقابة حقيقية على مسالك توزيع هذه المواد وهو يرى أن هذا المشكل موروث نظرا لتراكم الاقتصاد الريعي وسيطرة بعض اللوبيات على هذه المسالك، ومع ضعف الدولة ومؤسساتها تصبح مراقبة هذه المسالك صعبة.

وفسر أن الاحتكار هو جزء من المشكل وليس كله، وبين أن الحل يكمن في توجيه الدعم إلى مستحقيه، وأضاف محدثنا أن الحل لا يكون فقط بالردع لأنه عند توخي الردع يمكن ظلم بعض الناس، وبين أنه لا بد من توفر آليات أخرى لمقاومة الاحتكار والمضاربة ولعل أهمها رقمنة المسالك ووضع بطاقة هوية لكل مادة تساعد على تقفي أثرها وبهذه الكيفية يمكن الحد من الاحتكار.

التلاعب بالمواد المدعمة

وأشار الوزير السابق إلى أنه في حال إيجاد منظومة رقمنة جيدة يمكن معرفة حاجة كل منطقة للمواد المدعمة، ولاحظ أنه في الوقت الراهن هناك عدد من محلات تجارة جملة في مناطق صغيرة ومناطق حدودية يفوق حاجيات متساكني تلك المناطق وهو ما يؤدي إلى فتح الباب للتلاعب بالمواد المدعمة وتهريبها خراج الحدود..

ولاحظ المسيليني أن هناك مسألة هامة لا بد من التركيز عليها وهي الإرادة السياسية، وبين أنه توجد اليوم محاولات لتفعيل القوانين وزجر المضاربين والمحتكرين ولكن الردع لا يكفي بل المطلوب هو توفر الإرادة السياسية الواضحة لمقاومة هذه الظاهرة، كما يجب مراجعة منظومة الدعم وتطبيق شعار توجيه الدعم إلى مستحقيه ووضع آليات لهذا الغرض، وأضاف الوزير السابق أن قرابة 70 بالمائة من العائلات التونسية تحتاج إلى الدعم، ولكن هذا الدعم متفاوت حسب القدرة الشرائية للأسرة وعدد أفرادها وحاجياتها ودخلها فهذه المسائل لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند تحديد نسب الدعم الموجه إلى الأسر.

بوهلال

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews