إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الأموال ما زالت تُهرب من ليبيا بإشراف مسؤولين في الدولة

بقلم:رشيد خشانة

 قد يكون من السهل تجاوز قضية الشرعية في ليبيا اليوم، بإجراء انتخابات عامة وشفافة بمعايير دولية. لكن العقبة الأساسية في طريق الانتقال إلى دولة المؤسسات ستظل قائمة من خلال الجماعات المسلحة، التي لا سلطان عليها سوى أمراءها. والمهم بالنسبة للدول الكبرى المتداخلة في الملف الليبي هو كيفية جمع 20 مليون قطعة سلاح وإبعاد السلاح الثقيل عن وسط المدن مسافة لا تقل عن ثلاثين كيلومترا. ويرتبط هذا السعيُ للاستقرار بالرغبة الأوروبية في زيادة الاعتماد على النفط والغاز الليبيين، كي لا تبقى رهينة لدى روسيا.

وبدا واضحا أن التقليل من الاعتماد على الغاز الروسي بات يشكل في الفترة الأخيرة، أولوية لدول الاتحاد. وهم يطرحون، تعويضا لشراء الغاز الروسي، فكرة تشكيل "المجموعة الأوروبية المتوسطية للطاقة"، مثلما اقترح ذلك جان لوي غيغو مؤسس "معهد الدراسات الاقتصادية المستقبلية للعالم المتوسطي" ومقره في مدريد. ويرى غيغو أن الحرب الراهنة في أوكرانيا تقتضي إيجاد استراتيجيا سياسية واقتصادية تُحرر أوروبا من التبعية للغاز والنفط الروسيين، وتجعلها تلتفت إلى أفريقيا، التي تعاني من تفاوت كبير بين الزيادة السريعة في عدد السكان ونمو اقتصادي متواضع. وسيكون مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا "تيكاد"، الذي تستضيفه تونس أواخر الأسبوع المقبل، فرصة لحض المجموعات الصناعية اليابانية، الباحثة عن أسواق جديدة، للاستثمار في القارة الأفريقية، لاسيما بعد بروز منتجين جددا للنفط والغاز.

ضعف الحوكمة

غير أن اليابانيين لا يُخفون حساسيتهم لظواهر الفساد والرشوة وضعف الحوكمة، خاصة أن فضائح مالية تطفو على السطح بين الفينة والأخرى، وتتعلق بنهب جزء من إيرادات النفط والغاز الليبيين. وكشف تقرير منظمة دولية غير حكومية، أساليب التحايل التي يلجأ إليها المستوردون في ليبيا للتغطية على النشاطات المالية المشبوهة عبر الاعتمادات المستندية،وكانت لندن مركزًا لهذه النشاطات. وأثير هذا الموضوع في لندن خلال مهاجمة رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان البريطاني توم توغهاتند رئيس مصرف إنكلترا، أندرو بيلي بعد لقائه الأخير مع محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير متهمًا إياه (بيلي) بكونه ممولا للميليشيات، بحسب تقرير نشرته جريدة "إكسبرس" البريطانية. وبحسب توم توغهاتند مازالت الأموال العامة تتدفق من ليبيا إلى بنوك لندن وإلى أيدي رجال الميليشيات. من جهة أخرى بات التقليل من الاعتماد على الغاز الروسي يشكل أولوية لدول الاتحاد، وبالتالي سيزيد هذا من الاهتمام بالملف الليبي ويدفع للبحث عن الحل السياسي المنشود، بالضغط على المترددين إن لزم الأمر.

عمليات فساد وتحويلات مشبوهة

فهناك العديد من التحويلات المشبوهة التي قام بها أركان النظام السابق من المسؤولين الحكوميين وأفراد أسرة معمر القذافي. ونقلت جريدة "اكسبرس" عن تقرير استقصائي حديث لمنظمة "غلوبال ويتنس" الدولية غير الحكومية، أن هناك استخداما واسعا لخطابات الاعتماد، بعدما تبين منحُ حوالي 9 مليارات دولار من العملات الأجنبية للشركات والسلطات العامة سنويًا، بحسب ما أوردت "بوابة الوسط" الليبية. وكشف النائب العام الصديق الصور، تفاصيل التحقيقات في عملية الاختلاس والفساد التي شابت العقد المبرم بين "المؤسسة الليبية للاستثمار" وشركة "بلادين الدولية لإدارة الاستثمار"، بمبلغ 700 مليون دولار.

ونقلت جريدة "اكسبرس" الانتقادات التي وجهها النائب توم توغهاتند إلى كل من محافظ بنك انكلترا وحاكم بنك ليبيا معتبرا أن الأموال العامة تتدفق من ليبيا إلى بنوك لندن، وإلى أيدي رجال الميليشيات على حد قوله. وكشف التقرير الاستقصائي المذكور أن لندن هي موطن عشرات البنوك الليبية، وقد لعبت دورا رئيسيا في العملية، إذ انطلقت "غلوبال ويتنس" لفحص مسار الأموال، من خطاب الاعتماد الموجه من مصرف ليبيا المركزي، إلى المصارف المملوكة لليبيين في قلب لندن. كما بين كيف يشرف النظام المصرفي الليبي على عمليات الاحتيال واسعة النطاق محليًا، وفق ما نقلته الجريدة.

تحويلات مشبوهة إلى مالطا

لكن لندن ليست المركز الوحيد لتلك المغامرات، التي ترمي إلى التغطية عن النشاطات المالية المشبوهة عبر الاعتمادات المستندية. وقال مسؤولون قضائيون إن صفية فركاش محمد، أرملة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي طعنت في قرار أصدرته محكمة في مالطا قضى بإعادة "بنك فاليتا" 100 مليون دولار إلى ليبيا، رغم أن من أودعها هو المعتصم نجل القذافي. ودفعت صفية فركاش ومحاموها في طعنهم بأن محاكم مالطا غير مختصة بالنظر في القضية، ولا يمكنها البت في قضية مالية. وصدر الحكم في نهاية يونيو/حزيران بعد معركة قانونية بدأت في عام 2012، أي بعد سنة من الإطاحة بالقذافي ومقتله عقب ذلك.

وعُثر بحوزة المعتصم، الذي قُتل أيضا، على العديد من البطاقات الائتمانية الصادرة عن بنك فاليتا بصفته مالكا لشركة مسجلة في مالطا. وكانت المحكمة الأصلية أيّدت دفوع النائب العام الليبي بأن المعتصم، بصفته ضابطا في الجيش، ممنوع من الاستفادة من أي مصالح تجارية، بموجب القانون الليبي. وفضلا عن ذلك، لم يقدم المعتصم إقرارا كاملا بالأصول، كما يقتضي القانون. وفي معرض طعنها، قالت أرملة القذافي إن القوانين الليبية التي استُند عليها في القضية هي قوانين جنائية، في حين لم تُرفع أي دعوى جنائية على المعتصم أو ورثته.

مربع القذافي

وطالت شبهات تهريب الأموال إلى الخارج أحد مساعدي القذافي البارزين، وهو علي الدبيبة، عمُ رئيس الحكومة الحالي عبد الحميد الدبيبة. وكانت صحيفة "صاندي تايمز" البريطانية نشرت تقريرا مفصلا مقتبسا من تحقيق أجرته الشرطة الاسكتلندية، يتحدث عن تحويل مئات الملايين من الجنيهات من ليبيا، عبر "شبكة سوداء". لكن الدبيبة نفى وجود التهم التي ذكرتها الصحيفة. وكان علي الدبيبة مُشرفا على مشاريع البنية التحتية الرئيسة في ليبيا بين عامي 1989 و2011، واستثمر ملايين الجنيهات في عقارات فاخرة في إدنبرة ولندن، على الرغم من أن راتبه السنوي كرئيس "جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية" في ليبيا لا يتجاوز 12 ألف جنيه استرليني. وأكد مسؤولون ليبيون أن الأموال تم توجيهها من خلال شركات يبدو أنها مملوكة من قبل العديد من رجال الأعمال في اسكتلندا ولها صلات بعلي الدبيبة.

غسيل أموال

وأكد مكتب التاج والنيابة العامة في اسكتلندا من جهته أن التحقيق الذي أُطلق في عام 2014 مازال جارياً، مما دفع رجال الأعمال الأسكتلنديين إلى التحدث علناً عن القضية للمرة الأولى، نافين أن يكونوا ضالعين في عمليات غسيل الأموال. وكان علي الدبيبة، بصفته رئيس جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية في ليبيا آنذاك، مسؤولاً عن ميزانية سنوية تقدر بحوالي 6 مليارات دولار. إلا أن المحققين والمحامين الذين استأجرتهم السلطات الليبية، شككوا في الروابط بين رجال الأعمال الليبيين والاسكتلنديين وشركاتهم، مؤكدين أنها شركات مرتبطة بعائلة الدبيبة، وأن جميع العلاقات بين الجانبين انتهت في عام 2009.

179 مليارا في جنوب أفريقيا

ومن بين الدول الرئيسية التي وجه إليها القذافي أموال ليبيا، جنوب إفريقيا، إذ أكدت تقارير إعلامية عدة أن الأموال الليبية المهربة إلى هناك تقدر بعشرات المليارات، بالإضافة إلی كميات كبيرة من الذهب وملايين القراريط من الألماس. ولم يتسن التعرف على تلك الثروة المهربة إلا عندما نشرت صحيفة "إندبندنت أون سنداي"، تقريرا في 2014، قالت فيه إنها اطلعت على وثائق رسمية من حكومة جنوب إفريقيا تؤكد وجود 179 مليار دولار، في أدنى التقديرات، محفوظة بشكل غير قانوني، في مرافق للتخزين في محافظة غوتنغ في جنوب أفريقيا، بالإضافة إلى أطنان من الذهب و6 ملايين قيراط من الألماس.

السلطات غير مهتمة

وتحتاج السلطات الليبية أيضًا إلى تعاون جدي من سلطات جنوب أفريقيا حتى تتقدم خطوات في مهمة البحث عن الأموال في مرحلة أولى، ثم في مرحلة ثانية استرجاعها أو إعادة استثمارها هناك، حتى تعود بالفائدة على الطرفين. لكن خبراء يؤكدون أنه لا ينبغي انتظار حلحلة هذا الملف في الظروف الحاليّة بسبب عدم وجود جهة رسمية تتمتع بالشرعية في ليبيا. كما أن السلطات الليبية بدورها تبدو غير مهتمة اهتماما جديا باسترجاع تلك الأموال. أكثر من ذلك، هناك تأكيدات مفادها أن الأموال ما زالت تُهرب من ليبيا إلى اليوم، وأن من يشرف على ذلك مسؤولون في الدولة، بالتعاون مع ميليشيات في الداخل، وجهات خارجية بعضها عربي.

والمؤكد أن هناك، إلى جانب العمل على استرداد تلك الأموال المهربة، علاجات أخرى تساعد الدولة على الحد من النزيف المالي، أبرزها الكشف عن أرقام وطنية مزورة تُستخدم للحصول على رواتب غير مستحقة من المال العام. وأعلن الصديق الصور مؤخرا اكتشاف حوالي 63 ألف رقم وطني مزور، أي أنها أرقامٌ غير موجودة في منظومة السجل المدني، ما يستوجب مراجعة تلك القائمات مراجعة دقيقة. وبرهنت المعلومات التي عرضها النائب العام، في مؤتمر صحفي الأربعاء الماضي، على اتساع دائرة الفساد في ليبيا بعد سقوط النظام السابق، مؤكدا أنه تغلغل في مفاصل الدولة وفي جميع القطاعات. وأشار المستشار الصور إلى وجود عيوب في الأجهزة الشرطية ونهب للمال العام وجرائم تزوير للأرقام الوطنية بالآلاف. وبحسب الصور استفاد 88 ألفاً و819 رقماً وطنياً غير صحيح من نحو 208 ملايين دينار، و29 ألف شخص من المنح دون وجه حق.

ويُبدي قطاع واسع من الليبيين غضبهم من استمرار الفساد في ظل الحكومات التي أتت بعد إسقاط النظام السابق، مُطالبين بإجراء التحقيقات اللازمة لتحديد قيمة الأضرار ومحاسبة المُذنبين وتطبيق القانون على الجميع. وهم يستغربون من أن التحقيق الذي أُطلق في اسكتلندا عام 2014 مازال مفتوحا إلى اليوم، على سبيل المثال، كما أن قضايا الفساد التي اكتُشفت في السنوات الأخيرة لم يتم التعاطي مع المشتبهين فيها بالحزم المطلوب. ولذلك شاهدنا لافتات في المظاهرات الأخيرة تدعو إلى مكافحة الفساد وملاحقة مهربي الأموال إلى الخارج، فهل يرى الليبيون يوما رؤوس الفساد تُضبط وتُساق إلى المحاكم مثلما حصل في الجزائر؟

مدير المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا

 

الأموال ما زالت تُهرب من ليبيا بإشراف مسؤولين في الدولة

بقلم:رشيد خشانة

 قد يكون من السهل تجاوز قضية الشرعية في ليبيا اليوم، بإجراء انتخابات عامة وشفافة بمعايير دولية. لكن العقبة الأساسية في طريق الانتقال إلى دولة المؤسسات ستظل قائمة من خلال الجماعات المسلحة، التي لا سلطان عليها سوى أمراءها. والمهم بالنسبة للدول الكبرى المتداخلة في الملف الليبي هو كيفية جمع 20 مليون قطعة سلاح وإبعاد السلاح الثقيل عن وسط المدن مسافة لا تقل عن ثلاثين كيلومترا. ويرتبط هذا السعيُ للاستقرار بالرغبة الأوروبية في زيادة الاعتماد على النفط والغاز الليبيين، كي لا تبقى رهينة لدى روسيا.

وبدا واضحا أن التقليل من الاعتماد على الغاز الروسي بات يشكل في الفترة الأخيرة، أولوية لدول الاتحاد. وهم يطرحون، تعويضا لشراء الغاز الروسي، فكرة تشكيل "المجموعة الأوروبية المتوسطية للطاقة"، مثلما اقترح ذلك جان لوي غيغو مؤسس "معهد الدراسات الاقتصادية المستقبلية للعالم المتوسطي" ومقره في مدريد. ويرى غيغو أن الحرب الراهنة في أوكرانيا تقتضي إيجاد استراتيجيا سياسية واقتصادية تُحرر أوروبا من التبعية للغاز والنفط الروسيين، وتجعلها تلتفت إلى أفريقيا، التي تعاني من تفاوت كبير بين الزيادة السريعة في عدد السكان ونمو اقتصادي متواضع. وسيكون مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا "تيكاد"، الذي تستضيفه تونس أواخر الأسبوع المقبل، فرصة لحض المجموعات الصناعية اليابانية، الباحثة عن أسواق جديدة، للاستثمار في القارة الأفريقية، لاسيما بعد بروز منتجين جددا للنفط والغاز.

ضعف الحوكمة

غير أن اليابانيين لا يُخفون حساسيتهم لظواهر الفساد والرشوة وضعف الحوكمة، خاصة أن فضائح مالية تطفو على السطح بين الفينة والأخرى، وتتعلق بنهب جزء من إيرادات النفط والغاز الليبيين. وكشف تقرير منظمة دولية غير حكومية، أساليب التحايل التي يلجأ إليها المستوردون في ليبيا للتغطية على النشاطات المالية المشبوهة عبر الاعتمادات المستندية،وكانت لندن مركزًا لهذه النشاطات. وأثير هذا الموضوع في لندن خلال مهاجمة رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان البريطاني توم توغهاتند رئيس مصرف إنكلترا، أندرو بيلي بعد لقائه الأخير مع محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير متهمًا إياه (بيلي) بكونه ممولا للميليشيات، بحسب تقرير نشرته جريدة "إكسبرس" البريطانية. وبحسب توم توغهاتند مازالت الأموال العامة تتدفق من ليبيا إلى بنوك لندن وإلى أيدي رجال الميليشيات. من جهة أخرى بات التقليل من الاعتماد على الغاز الروسي يشكل أولوية لدول الاتحاد، وبالتالي سيزيد هذا من الاهتمام بالملف الليبي ويدفع للبحث عن الحل السياسي المنشود، بالضغط على المترددين إن لزم الأمر.

عمليات فساد وتحويلات مشبوهة

فهناك العديد من التحويلات المشبوهة التي قام بها أركان النظام السابق من المسؤولين الحكوميين وأفراد أسرة معمر القذافي. ونقلت جريدة "اكسبرس" عن تقرير استقصائي حديث لمنظمة "غلوبال ويتنس" الدولية غير الحكومية، أن هناك استخداما واسعا لخطابات الاعتماد، بعدما تبين منحُ حوالي 9 مليارات دولار من العملات الأجنبية للشركات والسلطات العامة سنويًا، بحسب ما أوردت "بوابة الوسط" الليبية. وكشف النائب العام الصديق الصور، تفاصيل التحقيقات في عملية الاختلاس والفساد التي شابت العقد المبرم بين "المؤسسة الليبية للاستثمار" وشركة "بلادين الدولية لإدارة الاستثمار"، بمبلغ 700 مليون دولار.

ونقلت جريدة "اكسبرس" الانتقادات التي وجهها النائب توم توغهاتند إلى كل من محافظ بنك انكلترا وحاكم بنك ليبيا معتبرا أن الأموال العامة تتدفق من ليبيا إلى بنوك لندن، وإلى أيدي رجال الميليشيات على حد قوله. وكشف التقرير الاستقصائي المذكور أن لندن هي موطن عشرات البنوك الليبية، وقد لعبت دورا رئيسيا في العملية، إذ انطلقت "غلوبال ويتنس" لفحص مسار الأموال، من خطاب الاعتماد الموجه من مصرف ليبيا المركزي، إلى المصارف المملوكة لليبيين في قلب لندن. كما بين كيف يشرف النظام المصرفي الليبي على عمليات الاحتيال واسعة النطاق محليًا، وفق ما نقلته الجريدة.

تحويلات مشبوهة إلى مالطا

لكن لندن ليست المركز الوحيد لتلك المغامرات، التي ترمي إلى التغطية عن النشاطات المالية المشبوهة عبر الاعتمادات المستندية. وقال مسؤولون قضائيون إن صفية فركاش محمد، أرملة الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي طعنت في قرار أصدرته محكمة في مالطا قضى بإعادة "بنك فاليتا" 100 مليون دولار إلى ليبيا، رغم أن من أودعها هو المعتصم نجل القذافي. ودفعت صفية فركاش ومحاموها في طعنهم بأن محاكم مالطا غير مختصة بالنظر في القضية، ولا يمكنها البت في قضية مالية. وصدر الحكم في نهاية يونيو/حزيران بعد معركة قانونية بدأت في عام 2012، أي بعد سنة من الإطاحة بالقذافي ومقتله عقب ذلك.

وعُثر بحوزة المعتصم، الذي قُتل أيضا، على العديد من البطاقات الائتمانية الصادرة عن بنك فاليتا بصفته مالكا لشركة مسجلة في مالطا. وكانت المحكمة الأصلية أيّدت دفوع النائب العام الليبي بأن المعتصم، بصفته ضابطا في الجيش، ممنوع من الاستفادة من أي مصالح تجارية، بموجب القانون الليبي. وفضلا عن ذلك، لم يقدم المعتصم إقرارا كاملا بالأصول، كما يقتضي القانون. وفي معرض طعنها، قالت أرملة القذافي إن القوانين الليبية التي استُند عليها في القضية هي قوانين جنائية، في حين لم تُرفع أي دعوى جنائية على المعتصم أو ورثته.

مربع القذافي

وطالت شبهات تهريب الأموال إلى الخارج أحد مساعدي القذافي البارزين، وهو علي الدبيبة، عمُ رئيس الحكومة الحالي عبد الحميد الدبيبة. وكانت صحيفة "صاندي تايمز" البريطانية نشرت تقريرا مفصلا مقتبسا من تحقيق أجرته الشرطة الاسكتلندية، يتحدث عن تحويل مئات الملايين من الجنيهات من ليبيا، عبر "شبكة سوداء". لكن الدبيبة نفى وجود التهم التي ذكرتها الصحيفة. وكان علي الدبيبة مُشرفا على مشاريع البنية التحتية الرئيسة في ليبيا بين عامي 1989 و2011، واستثمر ملايين الجنيهات في عقارات فاخرة في إدنبرة ولندن، على الرغم من أن راتبه السنوي كرئيس "جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية" في ليبيا لا يتجاوز 12 ألف جنيه استرليني. وأكد مسؤولون ليبيون أن الأموال تم توجيهها من خلال شركات يبدو أنها مملوكة من قبل العديد من رجال الأعمال في اسكتلندا ولها صلات بعلي الدبيبة.

غسيل أموال

وأكد مكتب التاج والنيابة العامة في اسكتلندا من جهته أن التحقيق الذي أُطلق في عام 2014 مازال جارياً، مما دفع رجال الأعمال الأسكتلنديين إلى التحدث علناً عن القضية للمرة الأولى، نافين أن يكونوا ضالعين في عمليات غسيل الأموال. وكان علي الدبيبة، بصفته رئيس جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية في ليبيا آنذاك، مسؤولاً عن ميزانية سنوية تقدر بحوالي 6 مليارات دولار. إلا أن المحققين والمحامين الذين استأجرتهم السلطات الليبية، شككوا في الروابط بين رجال الأعمال الليبيين والاسكتلنديين وشركاتهم، مؤكدين أنها شركات مرتبطة بعائلة الدبيبة، وأن جميع العلاقات بين الجانبين انتهت في عام 2009.

179 مليارا في جنوب أفريقيا

ومن بين الدول الرئيسية التي وجه إليها القذافي أموال ليبيا، جنوب إفريقيا، إذ أكدت تقارير إعلامية عدة أن الأموال الليبية المهربة إلى هناك تقدر بعشرات المليارات، بالإضافة إلی كميات كبيرة من الذهب وملايين القراريط من الألماس. ولم يتسن التعرف على تلك الثروة المهربة إلا عندما نشرت صحيفة "إندبندنت أون سنداي"، تقريرا في 2014، قالت فيه إنها اطلعت على وثائق رسمية من حكومة جنوب إفريقيا تؤكد وجود 179 مليار دولار، في أدنى التقديرات، محفوظة بشكل غير قانوني، في مرافق للتخزين في محافظة غوتنغ في جنوب أفريقيا، بالإضافة إلى أطنان من الذهب و6 ملايين قيراط من الألماس.

السلطات غير مهتمة

وتحتاج السلطات الليبية أيضًا إلى تعاون جدي من سلطات جنوب أفريقيا حتى تتقدم خطوات في مهمة البحث عن الأموال في مرحلة أولى، ثم في مرحلة ثانية استرجاعها أو إعادة استثمارها هناك، حتى تعود بالفائدة على الطرفين. لكن خبراء يؤكدون أنه لا ينبغي انتظار حلحلة هذا الملف في الظروف الحاليّة بسبب عدم وجود جهة رسمية تتمتع بالشرعية في ليبيا. كما أن السلطات الليبية بدورها تبدو غير مهتمة اهتماما جديا باسترجاع تلك الأموال. أكثر من ذلك، هناك تأكيدات مفادها أن الأموال ما زالت تُهرب من ليبيا إلى اليوم، وأن من يشرف على ذلك مسؤولون في الدولة، بالتعاون مع ميليشيات في الداخل، وجهات خارجية بعضها عربي.

والمؤكد أن هناك، إلى جانب العمل على استرداد تلك الأموال المهربة، علاجات أخرى تساعد الدولة على الحد من النزيف المالي، أبرزها الكشف عن أرقام وطنية مزورة تُستخدم للحصول على رواتب غير مستحقة من المال العام. وأعلن الصديق الصور مؤخرا اكتشاف حوالي 63 ألف رقم وطني مزور، أي أنها أرقامٌ غير موجودة في منظومة السجل المدني، ما يستوجب مراجعة تلك القائمات مراجعة دقيقة. وبرهنت المعلومات التي عرضها النائب العام، في مؤتمر صحفي الأربعاء الماضي، على اتساع دائرة الفساد في ليبيا بعد سقوط النظام السابق، مؤكدا أنه تغلغل في مفاصل الدولة وفي جميع القطاعات. وأشار المستشار الصور إلى وجود عيوب في الأجهزة الشرطية ونهب للمال العام وجرائم تزوير للأرقام الوطنية بالآلاف. وبحسب الصور استفاد 88 ألفاً و819 رقماً وطنياً غير صحيح من نحو 208 ملايين دينار، و29 ألف شخص من المنح دون وجه حق.

ويُبدي قطاع واسع من الليبيين غضبهم من استمرار الفساد في ظل الحكومات التي أتت بعد إسقاط النظام السابق، مُطالبين بإجراء التحقيقات اللازمة لتحديد قيمة الأضرار ومحاسبة المُذنبين وتطبيق القانون على الجميع. وهم يستغربون من أن التحقيق الذي أُطلق في اسكتلندا عام 2014 مازال مفتوحا إلى اليوم، على سبيل المثال، كما أن قضايا الفساد التي اكتُشفت في السنوات الأخيرة لم يتم التعاطي مع المشتبهين فيها بالحزم المطلوب. ولذلك شاهدنا لافتات في المظاهرات الأخيرة تدعو إلى مكافحة الفساد وملاحقة مهربي الأموال إلى الخارج، فهل يرى الليبيون يوما رؤوس الفساد تُضبط وتُساق إلى المحاكم مثلما حصل في الجزائر؟

مدير المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews