إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تونس من بين خمس دول عربية ستعرف أزمة غذاء

بقلم: نوفل سلامة

إذا كان هناك من إيجابية للحرب الروسية الأوكرانية على بشاعتها وما خلفته من دمار كبير في المباني والأرواح والتهجير القسري للآلاف من الأوكرانيين الذين اضطروا للجوء إلى بلدان مجاورة بعد أن توقفت حياتهم نتيجة الاجتياح الروسي وما نتج عنه من اضطراب في الحركة الاقتصادية على مستوى العالم وتعثر المبادلات التجارية في علاقة بتراجع تزويد الكثير من الدول الأوروبية بالغاز الطبيعي ونقص الإمدادات من الحبوب بجميع أنواعها ومشتقاتها من زيوت وأعلاف مما هدد حياة الملايين من البشر بحدوث أزمة غير مسبوقة في الغذاء وارتفاع في معدلات الجوع والفقر والموت نتيجة فقدان الغذاء .. إذا كان من إيجابية لهذه الحرب الكريهة فإنها قد كشفت لنا على الأقل حقيقة وضعنا الغذائي وحقيقة ضعف زراعتنا وحقيقة عمق التهميش الذي تعرفه فلاحتنا وحقيقة ضعف الاستراتيجيات الوطنية والخيارات السياسية والبرامج الحكومية لتحقيق الأمن الغذائي للشعب وتحقيق السيادة الوطنية التي كثيرا ما نتحدث عنها وكثيرا ما نرفض من يتدخل فيها .. إذا كان هناك من إيجابية لهذه الحرب الروسية الأوكرانية كونها عرت وضعنا المتردي الذي جعلنا تحت رحمة الأجنبي في تأمين قوت الشعب وتوفير الغذاء الضروري لعيشه .. إذا كان هناك من إيجابية لهذه الحرب فقد كشفت لنا بكل وضوح أن الزراعات الكبرى والمخصصة لإنتاج الحبوب من قمح صلب وقمح لين وهي المادة الأساسية لعيش المواطن لن تستطع أن توفر في أفضل الأحوال أكثر من 8 أو 9 مليون قنطار في السنة في حين أن حاجيات البلاد السنوية من هذه المادة تتراوح بين 25 و 30 مليون قنطار بما يعني أن الكمية التي تم جمعها لن تستطيع في أفضل الأحوال أن تؤمن عيش الشعب لأكثر من ستة أشهر فقط لنجد أنفسنا بعد موسم الحصاد وفي بداية كل سنة في حاجة إلى توريد الكميات الناقصة من القمح بنوعيه وكذلك الأعلاف الضرورية لتأمين منظومة الألبان والحفاظ على الثروة الحيوانية وهي كميات معتبرة إذ نحتاج سنويا وبهذا النسق الذي تسير عليه الزراعات الكبرى إلى توريد ما يقارب الثلثين من حاجيات مادة القمح وكل المواد الأخرى المرتبطة به (تونس تستورد سنويا حوالي 65 بالمائة من حاجياتها من القمح الصلب والقمح اللين) وهذا فضلا عن جعل البلاد مرتهنة في غذائها إلى دول أخرى منتجة لهذه المواد وجعلها غير قادرة بإمكانياتها الذاتية على تحقيق الأمن الغذائي والسيادة الفلاحية وهذا يعني أن الدولة تضطر سنويا إلى توفير كميات كبيرة من العملة الصعبة لتأمين التوريد الغذائي في الوقت الذي تؤكد كل الدراسات الفلاحية أن تونس بمقدورها أن تفك ارتباطها الغذائي مع الخارج في توفير حاجياتها من القمح وباستطاعتها أن تحقق اكتفاء ذاتيا غذائيا في مادة القمح الصلب واللين فقط لو تتبع سياسة فلاحية مغايرة وتتخذ قرارا سياديا ثوريا بتوسيع المساحات المخصصة للزراعات الكبرى وهذا حسب العارفين ممكن وغير مكلف ويوفر على الدولة هدر أموال طائلة من العملة الصعبة في شراء غذائها من دول أخرى .

ما تقوله الدراسات العلمية الموضوعية وما صرح به العديد من الخبراء في مجال الفلاحة وكشفت عنه مخرجات الندوات التي أقيمت في هذا المجال أن تونس قادرة على تحقيق أمنها الغذائي وبإمكانها أن تصل إلى الاكتفاء الذاتي لو تغير من اختياراتها وتتبع سياسات وبرامج تقطع مع منوال التنمية الحالي وذلك بتوسيع المساحة المخصصة لزراعة الحبوب و تعامل الفلاح التونسي معاملة مختلفة بعيدة عن التهميش وقلة العناية والاهتمام وأن تشتري منه محصوله من القمح بنفس السعر الذي تشتري به من المورد الأجنبي وأن تتبع سياسة حمائية معاضدة ومرافقة له بتوفير البذور و الأسمدة والأدوية والدعم المادي وأن تقر سياسات من شأنها أن توطن الفلاح في أرضه حتى لا يهجرها أوينزح إلى الحواضر أو يلجأ إلى التخلي عن الزراعات الكبرى لفائدة زراعات أخرى أقل كلفة وخسارة ومخاطرة .

من ايجابيات هذه الحرب أنها كشفت عن حقيقة من يوفر الغذاء للبشرية وأبرزت قوة بعض الدول وقدرتها على التحكم في العالم من وراء الانتاج الزراعي وكشفت أن خمس دول كبرى في العالم تنتج أكبر منتوج من القمح والعلف والزيوت والأرز من بينها روسيا وأوكرانيا وأن تونس تستورد حوالي 65 بالمائة من حاجياتها من القمح والأعلاف و الزيوت النباتية من هاذين البلدين وأن الاجتياح الروسي ودخول أوكرانيا في حرب مجنونة معها وفرض الغرب عقوبات موجهة على موسكو قد أدخل العالم في أزمة غذاء خانقة ومخاوف جدية من انعدام الأمن الغذائي في الكثير من الدول الفقيرة و حدوث أزمة في توفير القمح للكثير من الدول التي يتوقف غذاؤها على الامدادات الأوكرانية والروسية فضلا عن تحذيرات المنظمة العالمية للتغذية التي تنبه إلى أن العالم قد يواجه صعوبات جدية في التزود بالمواد الأساسية للغذاء لو تستمر الحرب أكثر و تواصل ندرة التزود بالقمح مع ارتفاع أسعاره إلى جانب أن دول كثيرة سوف تكون على مشارف صعوبات حادة في توفير الغذاء لشعوبها من بينها دول عربية حيث صنفت المنظمات المختصة في الأمن الغذائي تونس واحدة من بين خمس دول عربية ستعاني في السنوات القادمة من تبعات تراجع امدادات القمح الأوكراني وارتفاع اسعاره العالمية مع الأردن ولبنان والمغرب ومصر .

فأزمة الحرب التي خلفت أزمة في امدادات القمح من المصانع الأوكرانية وصعوبة التوريد مع ضعف السياسة الفلاحية في البلدان العربية المعنية بالمخاطر ومنها تونس بالرغم من قدرتها على توفير الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي زادت عليها الصعوبات المالية التي تواجهها بعض هذه الدول في توفير الدعم المادي المطلوب لإدارة مثل هذه الأزمات وغياب الحلول البديلة لتعويض القمح الروسي والأوكراني لقوة المنافسة التي تجدها من دول أخرى هي أكثر منها امكانيات تنافسها في الحصول على هذه المادة .. كل هذه المخاطر تفرض على الدولة التونسية أن تفكر بجدية ونحن على مشارف تأسيس جمهورية جديدة رفعت شعار الشعب يريد والقطع مع الماضي بكل مكوناته ومن مكوناته طريقة التفكير ونوعية الحلول المعادة والتي ترجع إلى زمن حكم بن علي وحتى ما قبله نحو خيارات جديدة وبدائل مختلفة وسياسات تنموية تستجيب لمرحلة التأسيس الجديد وتكون منسجمة مع الخطاب السياسي الذي ينتصر إلى السيادة الوطنية ويرفض كل تدخل أو وصاية أو ارتهان للأجنبي .. خطاب يدعو إلى أن تكون تونس مالكة لسيادتها وقرارها السيادي وهذا لا يكون إلا بفك الارتباط عن الأجنبي في الغذاء ودون ذلك هراء وكلام سياسي للاستهلاك الاعلامي وتوجيه الشعب .. السيادة الوطنية لا تكون وتونس إحدى خمس دول عربية معرضة لأزمة غذائية حادة ومخزونها الذاتي لا يؤمن إلا بضعة أشهر لا غير ولم تفكر في خيارات بديلة تجعل منها بلدا منتجا للقمح ومحققا للأمن الغذائي للشعب.

 

 

تونس من بين خمس دول عربية ستعرف أزمة غذاء

بقلم: نوفل سلامة

إذا كان هناك من إيجابية للحرب الروسية الأوكرانية على بشاعتها وما خلفته من دمار كبير في المباني والأرواح والتهجير القسري للآلاف من الأوكرانيين الذين اضطروا للجوء إلى بلدان مجاورة بعد أن توقفت حياتهم نتيجة الاجتياح الروسي وما نتج عنه من اضطراب في الحركة الاقتصادية على مستوى العالم وتعثر المبادلات التجارية في علاقة بتراجع تزويد الكثير من الدول الأوروبية بالغاز الطبيعي ونقص الإمدادات من الحبوب بجميع أنواعها ومشتقاتها من زيوت وأعلاف مما هدد حياة الملايين من البشر بحدوث أزمة غير مسبوقة في الغذاء وارتفاع في معدلات الجوع والفقر والموت نتيجة فقدان الغذاء .. إذا كان من إيجابية لهذه الحرب الكريهة فإنها قد كشفت لنا على الأقل حقيقة وضعنا الغذائي وحقيقة ضعف زراعتنا وحقيقة عمق التهميش الذي تعرفه فلاحتنا وحقيقة ضعف الاستراتيجيات الوطنية والخيارات السياسية والبرامج الحكومية لتحقيق الأمن الغذائي للشعب وتحقيق السيادة الوطنية التي كثيرا ما نتحدث عنها وكثيرا ما نرفض من يتدخل فيها .. إذا كان هناك من إيجابية لهذه الحرب الروسية الأوكرانية كونها عرت وضعنا المتردي الذي جعلنا تحت رحمة الأجنبي في تأمين قوت الشعب وتوفير الغذاء الضروري لعيشه .. إذا كان هناك من إيجابية لهذه الحرب فقد كشفت لنا بكل وضوح أن الزراعات الكبرى والمخصصة لإنتاج الحبوب من قمح صلب وقمح لين وهي المادة الأساسية لعيش المواطن لن تستطع أن توفر في أفضل الأحوال أكثر من 8 أو 9 مليون قنطار في السنة في حين أن حاجيات البلاد السنوية من هذه المادة تتراوح بين 25 و 30 مليون قنطار بما يعني أن الكمية التي تم جمعها لن تستطيع في أفضل الأحوال أن تؤمن عيش الشعب لأكثر من ستة أشهر فقط لنجد أنفسنا بعد موسم الحصاد وفي بداية كل سنة في حاجة إلى توريد الكميات الناقصة من القمح بنوعيه وكذلك الأعلاف الضرورية لتأمين منظومة الألبان والحفاظ على الثروة الحيوانية وهي كميات معتبرة إذ نحتاج سنويا وبهذا النسق الذي تسير عليه الزراعات الكبرى إلى توريد ما يقارب الثلثين من حاجيات مادة القمح وكل المواد الأخرى المرتبطة به (تونس تستورد سنويا حوالي 65 بالمائة من حاجياتها من القمح الصلب والقمح اللين) وهذا فضلا عن جعل البلاد مرتهنة في غذائها إلى دول أخرى منتجة لهذه المواد وجعلها غير قادرة بإمكانياتها الذاتية على تحقيق الأمن الغذائي والسيادة الفلاحية وهذا يعني أن الدولة تضطر سنويا إلى توفير كميات كبيرة من العملة الصعبة لتأمين التوريد الغذائي في الوقت الذي تؤكد كل الدراسات الفلاحية أن تونس بمقدورها أن تفك ارتباطها الغذائي مع الخارج في توفير حاجياتها من القمح وباستطاعتها أن تحقق اكتفاء ذاتيا غذائيا في مادة القمح الصلب واللين فقط لو تتبع سياسة فلاحية مغايرة وتتخذ قرارا سياديا ثوريا بتوسيع المساحات المخصصة للزراعات الكبرى وهذا حسب العارفين ممكن وغير مكلف ويوفر على الدولة هدر أموال طائلة من العملة الصعبة في شراء غذائها من دول أخرى .

ما تقوله الدراسات العلمية الموضوعية وما صرح به العديد من الخبراء في مجال الفلاحة وكشفت عنه مخرجات الندوات التي أقيمت في هذا المجال أن تونس قادرة على تحقيق أمنها الغذائي وبإمكانها أن تصل إلى الاكتفاء الذاتي لو تغير من اختياراتها وتتبع سياسات وبرامج تقطع مع منوال التنمية الحالي وذلك بتوسيع المساحة المخصصة لزراعة الحبوب و تعامل الفلاح التونسي معاملة مختلفة بعيدة عن التهميش وقلة العناية والاهتمام وأن تشتري منه محصوله من القمح بنفس السعر الذي تشتري به من المورد الأجنبي وأن تتبع سياسة حمائية معاضدة ومرافقة له بتوفير البذور و الأسمدة والأدوية والدعم المادي وأن تقر سياسات من شأنها أن توطن الفلاح في أرضه حتى لا يهجرها أوينزح إلى الحواضر أو يلجأ إلى التخلي عن الزراعات الكبرى لفائدة زراعات أخرى أقل كلفة وخسارة ومخاطرة .

من ايجابيات هذه الحرب أنها كشفت عن حقيقة من يوفر الغذاء للبشرية وأبرزت قوة بعض الدول وقدرتها على التحكم في العالم من وراء الانتاج الزراعي وكشفت أن خمس دول كبرى في العالم تنتج أكبر منتوج من القمح والعلف والزيوت والأرز من بينها روسيا وأوكرانيا وأن تونس تستورد حوالي 65 بالمائة من حاجياتها من القمح والأعلاف و الزيوت النباتية من هاذين البلدين وأن الاجتياح الروسي ودخول أوكرانيا في حرب مجنونة معها وفرض الغرب عقوبات موجهة على موسكو قد أدخل العالم في أزمة غذاء خانقة ومخاوف جدية من انعدام الأمن الغذائي في الكثير من الدول الفقيرة و حدوث أزمة في توفير القمح للكثير من الدول التي يتوقف غذاؤها على الامدادات الأوكرانية والروسية فضلا عن تحذيرات المنظمة العالمية للتغذية التي تنبه إلى أن العالم قد يواجه صعوبات جدية في التزود بالمواد الأساسية للغذاء لو تستمر الحرب أكثر و تواصل ندرة التزود بالقمح مع ارتفاع أسعاره إلى جانب أن دول كثيرة سوف تكون على مشارف صعوبات حادة في توفير الغذاء لشعوبها من بينها دول عربية حيث صنفت المنظمات المختصة في الأمن الغذائي تونس واحدة من بين خمس دول عربية ستعاني في السنوات القادمة من تبعات تراجع امدادات القمح الأوكراني وارتفاع اسعاره العالمية مع الأردن ولبنان والمغرب ومصر .

فأزمة الحرب التي خلفت أزمة في امدادات القمح من المصانع الأوكرانية وصعوبة التوريد مع ضعف السياسة الفلاحية في البلدان العربية المعنية بالمخاطر ومنها تونس بالرغم من قدرتها على توفير الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي زادت عليها الصعوبات المالية التي تواجهها بعض هذه الدول في توفير الدعم المادي المطلوب لإدارة مثل هذه الأزمات وغياب الحلول البديلة لتعويض القمح الروسي والأوكراني لقوة المنافسة التي تجدها من دول أخرى هي أكثر منها امكانيات تنافسها في الحصول على هذه المادة .. كل هذه المخاطر تفرض على الدولة التونسية أن تفكر بجدية ونحن على مشارف تأسيس جمهورية جديدة رفعت شعار الشعب يريد والقطع مع الماضي بكل مكوناته ومن مكوناته طريقة التفكير ونوعية الحلول المعادة والتي ترجع إلى زمن حكم بن علي وحتى ما قبله نحو خيارات جديدة وبدائل مختلفة وسياسات تنموية تستجيب لمرحلة التأسيس الجديد وتكون منسجمة مع الخطاب السياسي الذي ينتصر إلى السيادة الوطنية ويرفض كل تدخل أو وصاية أو ارتهان للأجنبي .. خطاب يدعو إلى أن تكون تونس مالكة لسيادتها وقرارها السيادي وهذا لا يكون إلا بفك الارتباط عن الأجنبي في الغذاء ودون ذلك هراء وكلام سياسي للاستهلاك الاعلامي وتوجيه الشعب .. السيادة الوطنية لا تكون وتونس إحدى خمس دول عربية معرضة لأزمة غذائية حادة ومخزونها الذاتي لا يؤمن إلا بضعة أشهر لا غير ولم تفكر في خيارات بديلة تجعل منها بلدا منتجا للقمح ومحققا للأمن الغذائي للشعب.

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews