نقترب يوما بعد يوم من فصل الخريف مع ما يعنيه ذلك من تغير في نسق الحياة وأيضا أولوياتها. ولا شك أن رحيل الصيف يعني بالدرجة الأولى نهاية العطلة التي تقترن به مع ما تحمله معها من "علامات مميزة" لعل من أبرزها عودة المهاجرين إلى تونس لقضاء العطلة الصيفية. وهذا ما يوفر فرصة للوقوف عند أهم ما ميز العطلة الصيفية الحالية في علاقة بالهجرة والمهاجرين. وقد يبدو مفيدا الانطلاق هنا من ارتفاع وتيرة الهجرة في حد ذاتها سواء كانت هجرة نظامية أو هجرة غير شرعية. فقد غادر عدد كبير من التونسيين والتونسيات أرض الوطن للاستقرار في عدة دول من أبرزها كندا التي أصبحت تستوعب أعدادا متزايدة من الكفاءات التونسية. واللافت للنظر أن الأغلبية الساحقة من الذين اختاروا الاستقرار في كندا لا يشكون من تردي وضعهم الاجتماعي بل إن أغلبهم يتمتعون في تونس بوضعية اجتماعية مستقرة وأقل ما يقال عنها أنها مقبولة حتى لا نقول جيدة. هؤلاء يبحثون، إلى جانب تحسين الوضعية الاجتماعية، عن إطار عيش أفضل في ظل التدهور الشامل لظروف العيش التي تشهدها تونس. وإلى جانب هذه الهجرة المنظمة تميزت العطلة الصيفية بارتفاع مزعج في محاولات الهجرة السرية. تحركت قوارب الموت والوهم بشكل كبير حاملة معها آلاف التونسيين والتونسيات. حضرت المأساة في أبهى تجلياتها سواء في عدد الذين تمكنوا من الوصول إلى الضفة الشمالية للمتوسط أو أولئك الذين ابتلعهم البحر. الجهد الذي تقوم به مصالح الأمن للتصدي للظاهرة مهم ولكنه غير كاف في ظل ما يتأكد من ضرورة بذل جهود أكبر في العمل الاستباقي لأن تفكيك عصابات الهجرة السرية له مردودية أهم في ما يتعلق بالقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة على الاستقرار الاجتماعي.
وما يلفت الانتباه في ما يتعلق بالصيف والمهاجرين هو أن عدد الذين اختاروا قضاء العطلة الصيفية في تونس لم يكن كبيرا مقارنة بالمواسم العادية. وهنا تطل تعقيدات النقل وتكلفته برأسها. ذلك أن أسعار النقل البحري والجوي من أوروبا إلى تونس ليست تنافسية بالمرة وهي تمثل، إلى جانب تردي الخدمات، أحد أسباب "النفور" من قضاء العطلة الصيفية في تونس خاصة وأن الالتقاء بالعائلة الموسعة لم يعد هو سبب العودة الصيفية إلى تونس في ظل تتالي أجيال المهاجرين وتغير الارتباطات العائلية. أصبح المهاجر حين يعود في العطلة الصيفية أشبه بسائح يبحث عن الظروف المثلى لقضاء العطلة الصيفية وعن مردوديتها النفسية والمادية. وهنا يبدو أن الارتفاع المشط للأسعار في تونس إلى جانب تردي الخدمات تحول الى أحد أسباب نفور التونسيين بالخارج من العودة إلى تونس في الصيف. أسعار النزل والمطاعم وأماكن الترفيه في تونس مرتفعة جدا وأصبحت عائقا كبيرا أمام الجميع. وهذا الارتفاع هو الذي يفسر أن أبناء الأجيال الجديدة للهجرة أصبحوا يفضلون قضاء العطلة الصيفية في دول أخرى توفر لهم ظروف إقامة أفضل وبتكلفة أقل.
الروابط بين المهاجرين وتونس ما انفكت تهتز وربما تضعف دون أن يكون ذلك قد أثار اهتمام المسؤولين ودعاهم للتفكير في سبل القضاء على هذا الاهتزاز.
بقلم هشام الحاجي
نقترب يوما بعد يوم من فصل الخريف مع ما يعنيه ذلك من تغير في نسق الحياة وأيضا أولوياتها. ولا شك أن رحيل الصيف يعني بالدرجة الأولى نهاية العطلة التي تقترن به مع ما تحمله معها من "علامات مميزة" لعل من أبرزها عودة المهاجرين إلى تونس لقضاء العطلة الصيفية. وهذا ما يوفر فرصة للوقوف عند أهم ما ميز العطلة الصيفية الحالية في علاقة بالهجرة والمهاجرين. وقد يبدو مفيدا الانطلاق هنا من ارتفاع وتيرة الهجرة في حد ذاتها سواء كانت هجرة نظامية أو هجرة غير شرعية. فقد غادر عدد كبير من التونسيين والتونسيات أرض الوطن للاستقرار في عدة دول من أبرزها كندا التي أصبحت تستوعب أعدادا متزايدة من الكفاءات التونسية. واللافت للنظر أن الأغلبية الساحقة من الذين اختاروا الاستقرار في كندا لا يشكون من تردي وضعهم الاجتماعي بل إن أغلبهم يتمتعون في تونس بوضعية اجتماعية مستقرة وأقل ما يقال عنها أنها مقبولة حتى لا نقول جيدة. هؤلاء يبحثون، إلى جانب تحسين الوضعية الاجتماعية، عن إطار عيش أفضل في ظل التدهور الشامل لظروف العيش التي تشهدها تونس. وإلى جانب هذه الهجرة المنظمة تميزت العطلة الصيفية بارتفاع مزعج في محاولات الهجرة السرية. تحركت قوارب الموت والوهم بشكل كبير حاملة معها آلاف التونسيين والتونسيات. حضرت المأساة في أبهى تجلياتها سواء في عدد الذين تمكنوا من الوصول إلى الضفة الشمالية للمتوسط أو أولئك الذين ابتلعهم البحر. الجهد الذي تقوم به مصالح الأمن للتصدي للظاهرة مهم ولكنه غير كاف في ظل ما يتأكد من ضرورة بذل جهود أكبر في العمل الاستباقي لأن تفكيك عصابات الهجرة السرية له مردودية أهم في ما يتعلق بالقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة على الاستقرار الاجتماعي.
وما يلفت الانتباه في ما يتعلق بالصيف والمهاجرين هو أن عدد الذين اختاروا قضاء العطلة الصيفية في تونس لم يكن كبيرا مقارنة بالمواسم العادية. وهنا تطل تعقيدات النقل وتكلفته برأسها. ذلك أن أسعار النقل البحري والجوي من أوروبا إلى تونس ليست تنافسية بالمرة وهي تمثل، إلى جانب تردي الخدمات، أحد أسباب "النفور" من قضاء العطلة الصيفية في تونس خاصة وأن الالتقاء بالعائلة الموسعة لم يعد هو سبب العودة الصيفية إلى تونس في ظل تتالي أجيال المهاجرين وتغير الارتباطات العائلية. أصبح المهاجر حين يعود في العطلة الصيفية أشبه بسائح يبحث عن الظروف المثلى لقضاء العطلة الصيفية وعن مردوديتها النفسية والمادية. وهنا يبدو أن الارتفاع المشط للأسعار في تونس إلى جانب تردي الخدمات تحول الى أحد أسباب نفور التونسيين بالخارج من العودة إلى تونس في الصيف. أسعار النزل والمطاعم وأماكن الترفيه في تونس مرتفعة جدا وأصبحت عائقا كبيرا أمام الجميع. وهذا الارتفاع هو الذي يفسر أن أبناء الأجيال الجديدة للهجرة أصبحوا يفضلون قضاء العطلة الصيفية في دول أخرى توفر لهم ظروف إقامة أفضل وبتكلفة أقل.
الروابط بين المهاجرين وتونس ما انفكت تهتز وربما تضعف دون أن يكون ذلك قد أثار اهتمام المسؤولين ودعاهم للتفكير في سبل القضاء على هذا الاهتزاز.