إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ.. أي مستقبل للهيئات الدستورية في تونس؟

أستاذ قانون دستوري لـ"الصباح": مآل الهيئات الدستورية الاضمحلال وإنقاذها رهين إرادة سياسية

تونس – الصباح

استفهامات وتأويلات عديدة ومختلفة حول مآل الهيئات الدستورية الموجودة في تونس اليوم، والتي يتجاوز عددها الثلاثين سواء منها المحدثة بعد الثورة أو المنبثقة عن دستور 2014 أو القديمة التي تم إحداثها قبل سنة 2011 ، خاصة أنه لم يعد في الظرف الدستوري الحالي سوى مؤسستين دستوريتين تتمثل الأولى في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمجلس الأعلى للتربية الذي تم الإعلان عنه مؤخرا من قبل رئاسة الجمهورية فيما يعتبر البعض الآخر أن المحكمة الدستورية التي تم الإعلان عنها، لا يمكن تصنيفها ضمن المؤسسات الدستورية. وذلك بعد إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن قبول مجلس الهيئة لمشروع نص الدستور الجديد للجمهورية الذي عرض على الاستفتاء في تونس وخارجها يوم 25 جويلية الماضي، وحصول التصويت بـ"نعم" على نص هذا الدستور على نسبة 94.6 %، مقابل نسبة 4.5% للتصويت بـ"لا" على هذا النص. وجاء ذلك بعد استكمال كل مراحل التقاضي للأطراف التي طعنت في النتائج الأولية للتصويت وتأكيد القضاء الإداري سلامة العملية الاستفتائية خلال الأيام القليلة الماضية. ليدخل بذلك الدستور الجديد حيز النفاذ من تاريخ الإعلان عن نتائجه النهائية، وبعد ختمه من قبل رئيس الجمهورية، ونشره في عدد خاص من الرائد الرسمي منذ يومين.

يأتي ذلك في ظل عدم طرح الجهات الرسمية لبرنامجها ورؤيتها الجديدة وطرحها البديل لهذه الهيئات سواء منها الموجودة أو الأخرى التي لم توجد وتفعل بعد، مقابل تواصل الضبابية والغموض الذي يكتنف المسألة بسبب تأخر سلطة الإشراف في الحسم في هذه المسألة في الإبان وعدم تفاعل رئاسة الحكومة مع "الصباح" في استفسارها حول هذه المسألة بما يدعو لإنارة الرأيين الخاص والعام ووضع حد للتأويلات والجدل المفتوح حول مآلات هذه المؤسسات والعاملين فيها وطرق عملها، ليساهم بذلك هذا الغموض والتلكؤ والتردد والتأخر في الحسم والقرار في تعزيز هواجس الخوف من المستقبل لدى العاملين والناشطين في هذه المؤسسات والهياكل وعموم التونسيين والهياكل والمنظمات الدولية ذات علاقة بأنشطة ومهام بعضها.

وقد ذهب الصغير الزكراوي، أستاذ القانون الدستوري، في حديثه عن الموضوع إلى أن الهيئات الدستورية الموجودة حاليا لم تعد ذات صبغة علوية، بمقتضى الدستور الجديد، وأن تمشي رئيس الدولة قيس سعيد بالسير نحو نزع الصبغة الدستورية عن أغلب الهيئات بات واضحا لآن. موضحا في نفس السياق أثناء تطرقه لنفس المسألة في إحدى وسائل الإعلام، أنه من المنتظر، في الفترة القادمة، تقليص عدد الهيئات الدستورية أو إعادة تنظيمها من خلال مراسيم أو إلى حين تأسيس البرلمان الجديد، مرجحا تحويلها إلى مؤسسات عمومية مع نزع الصبغة الدستورية عنها.

ولعل ما عزز مخاوف البعض ما حصل صلب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بعد إقالة رئيسها في مرحلة وتجميد دورها والعاملين فيها في مرحلة ثانية، بقطع النظر عن مآل المؤسسة التشريعية بعد قرار رئيس الجمهوري تجميد نشاط النواب في مرحلة أولى ثم حل البرلمان في مرحلة أخرى.

خالد الدبابي لـ"الصباح": مآل الهيئات الدستورية الاضمحلال وإنقاذها رهين إرادة سياسية

في حديثه حول الموضوع أكد خالد الدبابي، أستاذ القانون الدستوري لـ"الصباح"، أنه بموجب الدستور الجديد فإن مآل الهيئات الدستورية الاضمحلال ولم يعد لها وجود، مشددا بالقول: "في الحقيقة الدستور الحالي لم يعد للهيئات الدستورية أي وجود، لكن إمكانية إنقاذها والإبقاء على أدوارها مرتبط بوجود إرادة سياسية عبر مرسوم رئاسي أو قرار من هذا القبيل لتغيير صبغتها من هيئات دستورية إلى هيئات إدارية مستقلة". ويرى أنه ليس هناك فرق كبير بين الهيئات الدستورية والإدارية.

ولكنه يعتبر أنه لا يمكن تصنيف كل الهيئات في نفس الخانة رغم اختلاف طبيعة مهام وأدوار كل هيئة، على اعتبار أن هيئة حقوق الإنسان أو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري من الهيئات التعديلية التي لا يجب بأي حال من الأحوال التخلي عنها لاسيما بالنسبة لـ"الهايكا" التي يعتبر مكانتها هامة ودورها إداري تعديلي أكثر منه دستوري، على غرار ما هو موجود في المجلس الدستوري الفرنسي.

ولم يخف أستاذ القانون الدستوري شكوكه في وجود إرادة سياسية لإصلاح مثل هذه الهياكل والمؤسسات مضيفا القول: "يبدو أنه من المستبعد الحفاظ عليها، وذلك بالعودة إلى سياسة سعيد منذ مسكه بزمام السلطات وبالنظر إلى الدستور الجديد".

وفي تطرقه للمحكمة الدستورية التي يعتبرها أعلى من الهياكل الدستورية، اعتبر الدبابي أنها أهم من الهيئات الدستورية نظرا لكون دورها قضائي بحت، موضحا أن الإشكال القائم في هذه المحكمة في مستوى الصلاحيات الموكولة لها. وأضاف: "المحكمة الدستورية ضعيفة في التركيبة ومحدودة في الصلاحيات فمن حيث التركيبة تتكون من قضاة فقط، وهي لا مثيل لها في التجارب المقارنة التي تجمع بين مختصين في القانون العملي والنظري وقضاة وجامعيين ومحامين، لتكون بذلك تقنية بصلاحيات محدودة وتابعة للرئيس لأنها في العادة لها دور العدالة الدستورية وليس لها رقابة على دستورية القوانين بما يخول لها التصدي للنصوص التشريعية التي فيها خرق للدستور".

في جانب آخر من حديثه أفاد أستاذ القانون الدستوري في الجامعة التونسية قائلا: "لا أرى وجود مثل هذه الهيئات الدستورية كلها ضرورية وسبق أن أشرت إلى ذلك في السنوات الماضية". ويذكر أن عديد الجهات انتقدت الكم الهائل من هذه الهيئات وذلك بعد مباشرة عملها لسنوات في المقابل لم تقدم النتائج المرجوة من مهامها ومما هو موكول لها من أهداف خاصة بعد أن أصبحت بمثابة مغانم ومحل محاصصة للأحزاب السياسية الحاكمة واللوبيات المتنفذة في الدولة، فحولتها إلى آليات ساهمت في "إضعاف" الدولة وفق ما ذهبت له بعض القراءات، الأمر الذي ساهم في تفشي الفساد وتراكم الأزمات في ظل تواصل الصراعات السياسية وغياب إرادة سياسية للإصلاح.

كما أكد خالد الدبابي في حديثه عن واقع وآفاق الهيئات الدستورية في تونس اليوم، أن الراهن يفترض وجود عدد من الهيئات التعديلية التي لا يمكن الاستغناء عنها معتبرا وجودها ضروريا إذا كانت هناك إرادة فعلية للإصلاح والتغيير، وفق تقديره. وذكر من بينها الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري وهيئة حقوق الإنسان متسائلا في نفس الوقت عن مصير الهيئتين! مضيفا في نفس الإطار: "الجميع يعلم مدى أهمية قطاع الإعلام وضرورة إصلاحه، ويكفي العودة إلى المجلس الدستوري الفرنسي مثلا لنجد الهيكل الاتصالي والإعلامي منصوصا عليه كمؤسسة دستورية وذلك يؤكد أهمية هذه الهيئة، ولكن يبدو أن نزعة سياسة رئيس الجمهورية لوضع اليد على هذا القطاع أيضا من الدوافع التي تجعل التنبؤ ومحاولة قراءة ما يمكن أن يؤول إليه وضع "الهياكا" في هذه المرحلة الجديدة، صعبا وفي غياهب المجهول".

نزيهة الغضباني

 

 

بعد دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ.. أي مستقبل للهيئات الدستورية في تونس؟

أستاذ قانون دستوري لـ"الصباح": مآل الهيئات الدستورية الاضمحلال وإنقاذها رهين إرادة سياسية

تونس – الصباح

استفهامات وتأويلات عديدة ومختلفة حول مآل الهيئات الدستورية الموجودة في تونس اليوم، والتي يتجاوز عددها الثلاثين سواء منها المحدثة بعد الثورة أو المنبثقة عن دستور 2014 أو القديمة التي تم إحداثها قبل سنة 2011 ، خاصة أنه لم يعد في الظرف الدستوري الحالي سوى مؤسستين دستوريتين تتمثل الأولى في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والمجلس الأعلى للتربية الذي تم الإعلان عنه مؤخرا من قبل رئاسة الجمهورية فيما يعتبر البعض الآخر أن المحكمة الدستورية التي تم الإعلان عنها، لا يمكن تصنيفها ضمن المؤسسات الدستورية. وذلك بعد إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن قبول مجلس الهيئة لمشروع نص الدستور الجديد للجمهورية الذي عرض على الاستفتاء في تونس وخارجها يوم 25 جويلية الماضي، وحصول التصويت بـ"نعم" على نص هذا الدستور على نسبة 94.6 %، مقابل نسبة 4.5% للتصويت بـ"لا" على هذا النص. وجاء ذلك بعد استكمال كل مراحل التقاضي للأطراف التي طعنت في النتائج الأولية للتصويت وتأكيد القضاء الإداري سلامة العملية الاستفتائية خلال الأيام القليلة الماضية. ليدخل بذلك الدستور الجديد حيز النفاذ من تاريخ الإعلان عن نتائجه النهائية، وبعد ختمه من قبل رئيس الجمهورية، ونشره في عدد خاص من الرائد الرسمي منذ يومين.

يأتي ذلك في ظل عدم طرح الجهات الرسمية لبرنامجها ورؤيتها الجديدة وطرحها البديل لهذه الهيئات سواء منها الموجودة أو الأخرى التي لم توجد وتفعل بعد، مقابل تواصل الضبابية والغموض الذي يكتنف المسألة بسبب تأخر سلطة الإشراف في الحسم في هذه المسألة في الإبان وعدم تفاعل رئاسة الحكومة مع "الصباح" في استفسارها حول هذه المسألة بما يدعو لإنارة الرأيين الخاص والعام ووضع حد للتأويلات والجدل المفتوح حول مآلات هذه المؤسسات والعاملين فيها وطرق عملها، ليساهم بذلك هذا الغموض والتلكؤ والتردد والتأخر في الحسم والقرار في تعزيز هواجس الخوف من المستقبل لدى العاملين والناشطين في هذه المؤسسات والهياكل وعموم التونسيين والهياكل والمنظمات الدولية ذات علاقة بأنشطة ومهام بعضها.

وقد ذهب الصغير الزكراوي، أستاذ القانون الدستوري، في حديثه عن الموضوع إلى أن الهيئات الدستورية الموجودة حاليا لم تعد ذات صبغة علوية، بمقتضى الدستور الجديد، وأن تمشي رئيس الدولة قيس سعيد بالسير نحو نزع الصبغة الدستورية عن أغلب الهيئات بات واضحا لآن. موضحا في نفس السياق أثناء تطرقه لنفس المسألة في إحدى وسائل الإعلام، أنه من المنتظر، في الفترة القادمة، تقليص عدد الهيئات الدستورية أو إعادة تنظيمها من خلال مراسيم أو إلى حين تأسيس البرلمان الجديد، مرجحا تحويلها إلى مؤسسات عمومية مع نزع الصبغة الدستورية عنها.

ولعل ما عزز مخاوف البعض ما حصل صلب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بعد إقالة رئيسها في مرحلة وتجميد دورها والعاملين فيها في مرحلة ثانية، بقطع النظر عن مآل المؤسسة التشريعية بعد قرار رئيس الجمهوري تجميد نشاط النواب في مرحلة أولى ثم حل البرلمان في مرحلة أخرى.

خالد الدبابي لـ"الصباح": مآل الهيئات الدستورية الاضمحلال وإنقاذها رهين إرادة سياسية

في حديثه حول الموضوع أكد خالد الدبابي، أستاذ القانون الدستوري لـ"الصباح"، أنه بموجب الدستور الجديد فإن مآل الهيئات الدستورية الاضمحلال ولم يعد لها وجود، مشددا بالقول: "في الحقيقة الدستور الحالي لم يعد للهيئات الدستورية أي وجود، لكن إمكانية إنقاذها والإبقاء على أدوارها مرتبط بوجود إرادة سياسية عبر مرسوم رئاسي أو قرار من هذا القبيل لتغيير صبغتها من هيئات دستورية إلى هيئات إدارية مستقلة". ويرى أنه ليس هناك فرق كبير بين الهيئات الدستورية والإدارية.

ولكنه يعتبر أنه لا يمكن تصنيف كل الهيئات في نفس الخانة رغم اختلاف طبيعة مهام وأدوار كل هيئة، على اعتبار أن هيئة حقوق الإنسان أو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري من الهيئات التعديلية التي لا يجب بأي حال من الأحوال التخلي عنها لاسيما بالنسبة لـ"الهايكا" التي يعتبر مكانتها هامة ودورها إداري تعديلي أكثر منه دستوري، على غرار ما هو موجود في المجلس الدستوري الفرنسي.

ولم يخف أستاذ القانون الدستوري شكوكه في وجود إرادة سياسية لإصلاح مثل هذه الهياكل والمؤسسات مضيفا القول: "يبدو أنه من المستبعد الحفاظ عليها، وذلك بالعودة إلى سياسة سعيد منذ مسكه بزمام السلطات وبالنظر إلى الدستور الجديد".

وفي تطرقه للمحكمة الدستورية التي يعتبرها أعلى من الهياكل الدستورية، اعتبر الدبابي أنها أهم من الهيئات الدستورية نظرا لكون دورها قضائي بحت، موضحا أن الإشكال القائم في هذه المحكمة في مستوى الصلاحيات الموكولة لها. وأضاف: "المحكمة الدستورية ضعيفة في التركيبة ومحدودة في الصلاحيات فمن حيث التركيبة تتكون من قضاة فقط، وهي لا مثيل لها في التجارب المقارنة التي تجمع بين مختصين في القانون العملي والنظري وقضاة وجامعيين ومحامين، لتكون بذلك تقنية بصلاحيات محدودة وتابعة للرئيس لأنها في العادة لها دور العدالة الدستورية وليس لها رقابة على دستورية القوانين بما يخول لها التصدي للنصوص التشريعية التي فيها خرق للدستور".

في جانب آخر من حديثه أفاد أستاذ القانون الدستوري في الجامعة التونسية قائلا: "لا أرى وجود مثل هذه الهيئات الدستورية كلها ضرورية وسبق أن أشرت إلى ذلك في السنوات الماضية". ويذكر أن عديد الجهات انتقدت الكم الهائل من هذه الهيئات وذلك بعد مباشرة عملها لسنوات في المقابل لم تقدم النتائج المرجوة من مهامها ومما هو موكول لها من أهداف خاصة بعد أن أصبحت بمثابة مغانم ومحل محاصصة للأحزاب السياسية الحاكمة واللوبيات المتنفذة في الدولة، فحولتها إلى آليات ساهمت في "إضعاف" الدولة وفق ما ذهبت له بعض القراءات، الأمر الذي ساهم في تفشي الفساد وتراكم الأزمات في ظل تواصل الصراعات السياسية وغياب إرادة سياسية للإصلاح.

كما أكد خالد الدبابي في حديثه عن واقع وآفاق الهيئات الدستورية في تونس اليوم، أن الراهن يفترض وجود عدد من الهيئات التعديلية التي لا يمكن الاستغناء عنها معتبرا وجودها ضروريا إذا كانت هناك إرادة فعلية للإصلاح والتغيير، وفق تقديره. وذكر من بينها الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري وهيئة حقوق الإنسان متسائلا في نفس الوقت عن مصير الهيئتين! مضيفا في نفس الإطار: "الجميع يعلم مدى أهمية قطاع الإعلام وضرورة إصلاحه، ويكفي العودة إلى المجلس الدستوري الفرنسي مثلا لنجد الهيكل الاتصالي والإعلامي منصوصا عليه كمؤسسة دستورية وذلك يؤكد أهمية هذه الهيئة، ولكن يبدو أن نزعة سياسة رئيس الجمهورية لوضع اليد على هذا القطاع أيضا من الدوافع التي تجعل التنبؤ ومحاولة قراءة ما يمكن أن يؤول إليه وضع "الهياكا" في هذه المرحلة الجديدة، صعبا وفي غياهب المجهول".

نزيهة الغضباني

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews