إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

التاريخ ينصف ولو بعد حين: بعد خمسين عاما على صرخة مارلون براندو على التمييز ضد السكان الأصليين .. أكاديمية الأوسكار تعتذر

 

 

*دور الفنان الحقيقي يثمر ولو بعد عقود

*موقف مارلون براندو الرافض لتسلم جائزة أوسكار لم يكن حرثا في الماء

تونس- الصباح

في خضم الجدل المتواصل هذه الأيام في بلادنا حول دور الفنان في المجتمع بعد تلك المجموعة من الحوادث التي شهدتها مهرجاناتنا، منها مغادرة نسبة من جمهور قرطاج الدولي للمسرح قبل نهاية عرض "نموت عليك" للمين النهدي عن نص للمنصف ذويب، والمناوشات بين الممثل لطفي العبدلي أثناء تقديم عرضه الأخير في مهرجان صفاقس الدولي والتي تلاها انسحاب عناصر من الأمن المكلفة بتأمين المسرح احتجاجا على ما اعتبروه مساسا من المؤسسة الأمنية، وقد تلا ذلك نقاشات حول موقع الفنون والثقافة في المجتمع مع غلبة للنقاشات التي تؤكد ميل الجماهير للمضامين الرديئة الحاملة لكم من الاثارة حتى ولو كان ذلك على حساب القيم والأخلاق، والتي تنبه إلى خطورة افتقاد المجتمع لفن بناء ولمواقف الفنانين البناءة، يأتينا خبر من الخارج يرد على الجدل المذكور ولو بطريقة غير مباشرة.

فقد اعتذرت أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية في الولايات المتحدة لليتل فيذر، الناشطة والممثلة الأمريكية التي تنتمي إلى السكان الأصليين، عن صيحات الاستهجان التي أطلقت عندما كانت تقف على خشبة المسرح في حفل توزيع جوائز الأوسكار قبل حوالي خمسين سنة.

كان ذلك سنة 1973 حيث صعدت على الركح لتعلن عن رفض جائزة الأوسكار نيابة عن مارلون براندو، الذي فاز حينذاك بجائزة أفضل ممثل عن فيلم العراب.

ورفض مارلون براندو الجائزة بسبب عدم تمثيل السكان الأصليين تمثيلا عادلا في صناعة السينما الأمريكية. ويعتبر هذا الاعتذار حدثا تاريخيا ولو جاء بعد خمسة عقود من الزمن. فالحركة التي قام بها مارلون بروندو برفضه جائزة في قيمة جوائز الأوسكار اعطت أكلها وبينت أن الفنان دوره الحقيقي الانتصار للقضايا الانسانية الخالدة.

فقد اعتذرت الأكاديمية المانحة لجوائز الأوسكار واعترفت بأن الناشطة ليتل فيذر تعرضت "لإساءات غير مبررة".

وكانت ليتل فيذر، التي كانت تبلغ من العمر آنذاك 26 سنة ، قد تعرضت اثر الحركة التي قامت بها إلى المضايقة في أوساط صناعة الترفيه وتم نبذها بعد كلمتها القصيرة في حفل توزيع الجوائز وقالت في تصريحات لها أن احد نجوم التمثيل كاد ان يمارس العنف ضدها من شدة غضبه من موقفها.

وتم توصيف الكلمة التي قدمتها بالمناسبة على أنها كانت أول بيان سياسي في الحفل الذي بثته العديد من التلفزيونات وقدمت نفسها نيابة عن براندو وأعلنت بإيجاز "أنه للأسف الشديد لا يمكنه – براندو- قبول هذه الجائزة السخية جدا".

واضافت "أسباب ذلك هي معاملة صناعة السينما للهنود الأمريكيين اليوم وعلى شاشات التلفزيون ونوعية التفاعل مع الأحداث الأخيرة فيما عرف بالركبة المجروحة" في إشارة إلى مواجهة عنيفة بين نشاط من السكان الاصليين ووكلاء فيديراليين. وقوبلت كلمتها بصيحات استهجان وهتاف من الجمهور.

وفي تصريح لها مؤخرا للصحافة الأمريكية قالت ليتل فيذر إنها اضطرت بعد الخطاب مباشرة إلى مغادرة المنصة مع اثنين من حراس الأمن.

ورغم ان خطاب الناشطة الحقوقية لم يستمر اكثر من 60 ثانية، الوقت المسموح به لها من الأكاديمية (وكان خطاب مارلون براندو أطول بكثير)، إلا انها تركت بصمات غائرة في النفوس وكانت بداية الوعي بالظلم الذي يطال السكان الأمريكيين الأصليين على الأقل في صفوف الفنانين الذين هم من المفروض في طليعة المدافعين عن قضايا الانسان.

مع العلم أنه تم التشكيك في انتماء ليتل فيذر للسكان الأمريكيين الأصليين، وانتشرت حولها الاشاعات ومن بينها اشاعة حول علاقة غرامية تربطها بمارلون براندو وهو ما قامت بتكذيبه بنفسها.

وكان ديفيد روبين، الرئيس السابق لأكاديمية الفنون والعلوم السينمائية، قد وجه رسالة إلى ليتل فيذر نشرت يوم الاثنين قال فيها أن "الإساءة التي تعرضت لها كانت غير مبررة".

وقال نفس المتحدث إن الخطاب في حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ45 "يستمر في تذكيرنا بضرورة احترام كرامة الإنسان وأهمية ذلك".

ولنا ان نشير إلى أن المتحف الأكاديمي للصور المتحركة سينظم في سبتمبر القادم تظاهرة وفق ما تم الاعلان عن ذلك، تتحدث فيها ليتل فيذر عن ظهورها في حفل توزيع جوائز الأوسكار عام 1973 ومستقبل تمثيل السكان الأصليين على الشاشة.

وفي ردة فعلها حول اعتذار اكاديمة الاوسكار عما حدث لها، نقل عن ليتل فذر قولها "نحن الهنود صبورون جدا" واضافت ساخرة نحن، "في النهاية انتظرنا خمسين فقط" مشددة على أن الحفاظ على روح الدعابة هو "أسلوبنا في البقاء".

ولنا أن نذكر بأن مارلون براندو الذي كان سببا مباشرا في فتح العقول حول قضية السكان الأصليين، ممثل ومخرج وناشط أمريكي. وهو معروف بانه رائد الواقعية المثيرة في السينما.

 وهو مشهور بادواره الهامة وقد فاز بجائزتي اوسكار وذلك سنة 1954عن فيلم الواجهة البحرية وسنة 1972 عن دوره في فيلم العراب التي رفض تسلمها بسبب موقفه من الاساءة للسكان الأصليين.

وكان مارلون براندو يدعم العديد من القضايا وخاصة قضايا الحقوق المدنية ومختلف الحركات الهندية الأميركية وقد احتل المرتبة الرابعة في قائمة معهد الفيلم الأمريكي في قائمته التي تحمل عنوان 100 عام و 100 نجم بين نجوم السينما الذكور الذين ظهروا لأول مرة على الشاشة في أو قبل سنة 1959.

ومارلون براندو كان وفق سيرته الذاتية واحد من ثلاثة ممثلين محترفين فقط، مع تشارلي تشابلن ومارلين مونرو، وضعتهم مجلة تايم في قائمتها لأهم الأشخاص في القرن الماضي.

 وتوفي مارلون براندو في جويلية 2004 بسبب فشل رئوي عن سن ناهزت 80 سنة. وكان محبوبا في تونس وملهما للسينمائيين في بلادنا ومن ابرز السينمائيين الذين كرموا النجم العالمي نذكر المخرج رضا الباهي.

ولعل ابرز ما يمكن أن تستخلصه من هذه القصة وإذا ما وضعنا جانبا تحقيق الهنود الأمريكيين لاحد اهدافهم وهو الاعتراف بما لحقهم من تمييز في المشهد التمثيلي ( هنا لا نتحدث طبعا عن سياسة الدولة التي قامت لقرون على الاقصاء) وهو في حد ذاته مكسب لا يستهان وهو يأتي في سياق المراجعات التي تقوم بها أكاديمية الاوسكار تحت ضغط التحركات الغاضبة ومن بينها تحركات السود الذي ثاروا ضد التمييز ( عدد الممثلين السود الحاصلين على جوائز أوسكار قليل جدا ويكاد لا يذكر)، ابرز ما نستخلصه هو أن الفن الهادف يمكن أن يثمر في يوم ما نتائج مهمة وحاسمة ولو طال الانتظار.

فمارلون براندو لم يكن صاحب مواقف فحسب وإنما كان فنانا محترفا لا يقدم مضامين هابطة وكل اعماله ملهمة وتبقى في الذاكرة، لذلك عندما يصدر منه موقف على غرار ما صدر عنه منذ خمسين سنة حين رفض تسلم جائزة اوسكار لم يكن حرثا في الماء وإنما كان موقفا بناء بنت عليه الاجيال القادمة ولن يقتصر الأمر على اعتذار، بل ننتظر تغييرا كبيرا في الممارسات. وقد اثبت هذه القصة أن التاريخ لا بد له أن يكون منصفا ولو بعد حين وفي قضية الحال، بعد خمسين سنة.

ح س

 

 

 

التاريخ ينصف ولو بعد حين:  بعد خمسين  عاما على صرخة مارلون براندو  على التمييز ضد السكان الأصليين .. أكاديمية الأوسكار تعتذر

 

 

*دور الفنان الحقيقي يثمر ولو بعد عقود

*موقف مارلون براندو الرافض لتسلم جائزة أوسكار لم يكن حرثا في الماء

تونس- الصباح

في خضم الجدل المتواصل هذه الأيام في بلادنا حول دور الفنان في المجتمع بعد تلك المجموعة من الحوادث التي شهدتها مهرجاناتنا، منها مغادرة نسبة من جمهور قرطاج الدولي للمسرح قبل نهاية عرض "نموت عليك" للمين النهدي عن نص للمنصف ذويب، والمناوشات بين الممثل لطفي العبدلي أثناء تقديم عرضه الأخير في مهرجان صفاقس الدولي والتي تلاها انسحاب عناصر من الأمن المكلفة بتأمين المسرح احتجاجا على ما اعتبروه مساسا من المؤسسة الأمنية، وقد تلا ذلك نقاشات حول موقع الفنون والثقافة في المجتمع مع غلبة للنقاشات التي تؤكد ميل الجماهير للمضامين الرديئة الحاملة لكم من الاثارة حتى ولو كان ذلك على حساب القيم والأخلاق، والتي تنبه إلى خطورة افتقاد المجتمع لفن بناء ولمواقف الفنانين البناءة، يأتينا خبر من الخارج يرد على الجدل المذكور ولو بطريقة غير مباشرة.

فقد اعتذرت أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية في الولايات المتحدة لليتل فيذر، الناشطة والممثلة الأمريكية التي تنتمي إلى السكان الأصليين، عن صيحات الاستهجان التي أطلقت عندما كانت تقف على خشبة المسرح في حفل توزيع جوائز الأوسكار قبل حوالي خمسين سنة.

كان ذلك سنة 1973 حيث صعدت على الركح لتعلن عن رفض جائزة الأوسكار نيابة عن مارلون براندو، الذي فاز حينذاك بجائزة أفضل ممثل عن فيلم العراب.

ورفض مارلون براندو الجائزة بسبب عدم تمثيل السكان الأصليين تمثيلا عادلا في صناعة السينما الأمريكية. ويعتبر هذا الاعتذار حدثا تاريخيا ولو جاء بعد خمسة عقود من الزمن. فالحركة التي قام بها مارلون بروندو برفضه جائزة في قيمة جوائز الأوسكار اعطت أكلها وبينت أن الفنان دوره الحقيقي الانتصار للقضايا الانسانية الخالدة.

فقد اعتذرت الأكاديمية المانحة لجوائز الأوسكار واعترفت بأن الناشطة ليتل فيذر تعرضت "لإساءات غير مبررة".

وكانت ليتل فيذر، التي كانت تبلغ من العمر آنذاك 26 سنة ، قد تعرضت اثر الحركة التي قامت بها إلى المضايقة في أوساط صناعة الترفيه وتم نبذها بعد كلمتها القصيرة في حفل توزيع الجوائز وقالت في تصريحات لها أن احد نجوم التمثيل كاد ان يمارس العنف ضدها من شدة غضبه من موقفها.

وتم توصيف الكلمة التي قدمتها بالمناسبة على أنها كانت أول بيان سياسي في الحفل الذي بثته العديد من التلفزيونات وقدمت نفسها نيابة عن براندو وأعلنت بإيجاز "أنه للأسف الشديد لا يمكنه – براندو- قبول هذه الجائزة السخية جدا".

واضافت "أسباب ذلك هي معاملة صناعة السينما للهنود الأمريكيين اليوم وعلى شاشات التلفزيون ونوعية التفاعل مع الأحداث الأخيرة فيما عرف بالركبة المجروحة" في إشارة إلى مواجهة عنيفة بين نشاط من السكان الاصليين ووكلاء فيديراليين. وقوبلت كلمتها بصيحات استهجان وهتاف من الجمهور.

وفي تصريح لها مؤخرا للصحافة الأمريكية قالت ليتل فيذر إنها اضطرت بعد الخطاب مباشرة إلى مغادرة المنصة مع اثنين من حراس الأمن.

ورغم ان خطاب الناشطة الحقوقية لم يستمر اكثر من 60 ثانية، الوقت المسموح به لها من الأكاديمية (وكان خطاب مارلون براندو أطول بكثير)، إلا انها تركت بصمات غائرة في النفوس وكانت بداية الوعي بالظلم الذي يطال السكان الأمريكيين الأصليين على الأقل في صفوف الفنانين الذين هم من المفروض في طليعة المدافعين عن قضايا الانسان.

مع العلم أنه تم التشكيك في انتماء ليتل فيذر للسكان الأمريكيين الأصليين، وانتشرت حولها الاشاعات ومن بينها اشاعة حول علاقة غرامية تربطها بمارلون براندو وهو ما قامت بتكذيبه بنفسها.

وكان ديفيد روبين، الرئيس السابق لأكاديمية الفنون والعلوم السينمائية، قد وجه رسالة إلى ليتل فيذر نشرت يوم الاثنين قال فيها أن "الإساءة التي تعرضت لها كانت غير مبررة".

وقال نفس المتحدث إن الخطاب في حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ45 "يستمر في تذكيرنا بضرورة احترام كرامة الإنسان وأهمية ذلك".

ولنا ان نشير إلى أن المتحف الأكاديمي للصور المتحركة سينظم في سبتمبر القادم تظاهرة وفق ما تم الاعلان عن ذلك، تتحدث فيها ليتل فيذر عن ظهورها في حفل توزيع جوائز الأوسكار عام 1973 ومستقبل تمثيل السكان الأصليين على الشاشة.

وفي ردة فعلها حول اعتذار اكاديمة الاوسكار عما حدث لها، نقل عن ليتل فذر قولها "نحن الهنود صبورون جدا" واضافت ساخرة نحن، "في النهاية انتظرنا خمسين فقط" مشددة على أن الحفاظ على روح الدعابة هو "أسلوبنا في البقاء".

ولنا أن نذكر بأن مارلون براندو الذي كان سببا مباشرا في فتح العقول حول قضية السكان الأصليين، ممثل ومخرج وناشط أمريكي. وهو معروف بانه رائد الواقعية المثيرة في السينما.

 وهو مشهور بادواره الهامة وقد فاز بجائزتي اوسكار وذلك سنة 1954عن فيلم الواجهة البحرية وسنة 1972 عن دوره في فيلم العراب التي رفض تسلمها بسبب موقفه من الاساءة للسكان الأصليين.

وكان مارلون براندو يدعم العديد من القضايا وخاصة قضايا الحقوق المدنية ومختلف الحركات الهندية الأميركية وقد احتل المرتبة الرابعة في قائمة معهد الفيلم الأمريكي في قائمته التي تحمل عنوان 100 عام و 100 نجم بين نجوم السينما الذكور الذين ظهروا لأول مرة على الشاشة في أو قبل سنة 1959.

ومارلون براندو كان وفق سيرته الذاتية واحد من ثلاثة ممثلين محترفين فقط، مع تشارلي تشابلن ومارلين مونرو، وضعتهم مجلة تايم في قائمتها لأهم الأشخاص في القرن الماضي.

 وتوفي مارلون براندو في جويلية 2004 بسبب فشل رئوي عن سن ناهزت 80 سنة. وكان محبوبا في تونس وملهما للسينمائيين في بلادنا ومن ابرز السينمائيين الذين كرموا النجم العالمي نذكر المخرج رضا الباهي.

ولعل ابرز ما يمكن أن تستخلصه من هذه القصة وإذا ما وضعنا جانبا تحقيق الهنود الأمريكيين لاحد اهدافهم وهو الاعتراف بما لحقهم من تمييز في المشهد التمثيلي ( هنا لا نتحدث طبعا عن سياسة الدولة التي قامت لقرون على الاقصاء) وهو في حد ذاته مكسب لا يستهان وهو يأتي في سياق المراجعات التي تقوم بها أكاديمية الاوسكار تحت ضغط التحركات الغاضبة ومن بينها تحركات السود الذي ثاروا ضد التمييز ( عدد الممثلين السود الحاصلين على جوائز أوسكار قليل جدا ويكاد لا يذكر)، ابرز ما نستخلصه هو أن الفن الهادف يمكن أن يثمر في يوم ما نتائج مهمة وحاسمة ولو طال الانتظار.

فمارلون براندو لم يكن صاحب مواقف فحسب وإنما كان فنانا محترفا لا يقدم مضامين هابطة وكل اعماله ملهمة وتبقى في الذاكرة، لذلك عندما يصدر منه موقف على غرار ما صدر عنه منذ خمسين سنة حين رفض تسلم جائزة اوسكار لم يكن حرثا في الماء وإنما كان موقفا بناء بنت عليه الاجيال القادمة ولن يقتصر الأمر على اعتذار، بل ننتظر تغييرا كبيرا في الممارسات. وقد اثبت هذه القصة أن التاريخ لا بد له أن يكون منصفا ولو بعد حين وفي قضية الحال، بعد خمسين سنة.

ح س

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews