إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

المسرحي رياض حمدي: الفكر ليس في متناول الجميع.. وبين الحرية المطلقة والحرية المسؤولة في المسرح.. بون شاسع!

* أغلب أصحاب "الوان مان شو" ينتجون sur commande ويخاطبون جمهورا يميل إلى الإسفاف والانحطاط

تونس-الصباح

لا شك أنّ العشرية الأخيرة لم تكن طالع خير على بلدنا، بلد النجاحات المحدودة والإخفاقات الكثيرة، وحملت في طياتها جميع مظاهر الإحباط ومسببات الفوضى والتخلف.. ولم تبق سوى حرية التعبير التي لم تعد -هي الأخرى- تغني ولا تسمن من جوع باعتبار أنها أصبحت وسيلة للتصعيد، أُسيء استغلالها في ظل انحدار المستوى الأخلاقي وتدني الذوق العام في شتى المجالات..

الساحة الثقافية، طبعا، لم تكن بمعزل عن ذاك المسار، بل جٌسدت في مهرجانات وأنشطة هذه الصائفة وما سبقها وتحديدا في أعمال "الوان مان شو"..مسرحيات طالتها ردود أفعال متباينة.. بين من يثمن كل الأعمال مهما كان مستوى النص ومدى تجاوز الأخلاقيات العامة بتعلة حرية التعبير وبين من يعتبر ان مكسب الحرية يجب ان يكون آلية من آليات الرسائل الفنية الهادفة، وإن اندرج العمل ضمن فن الإضحاك والمونودرام..

كل ذلك يجرنا إلى طرح العديد من التساؤلات: ماذا نقصد بحرية التعبير؟ ماهو دور الفن الرابع في إنعاش حرية الرأي؟ وهل أنّ الأعمال المسرحية الحرة فعلا تجسد جزءا من الانتقال الديمقراطي؟

"الصباح" كان لها لقاء بالممثل المسرحي رياض حمدي للحديث عن ردود الأفعال إزاء أهم أعمال "الوان مان شو" على غرار عرض لطفي العبدلي الذي أثار ضجة كبيرة وكان محل خلاف بينه وبين عناصر من النقابات الأمنية بمسرح صفاقس الدولي.."نموت عليك" للمين النهدي ومغادرة الجماهير قبل انتهاء العرض بمسرح قرطاج.. "بيقْ بوسة" لوجيهة الجندوبي..و"حسين في بيكين" لمقداد السهيلي وعدم قبول العرض بمهرجان المنستير بـ"حجة الإساءة للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بإحدى المنابر الإعلامية"..

عن مسألة حرية التعبير بالأساس وتقييم أغلب مسرحيات "الوان مان شو" لم يرد محدثنا ذكر الأسماء ولكن استهل كلامه بسؤال:" بداية، من هم اولائك الذين نستطيع أن نصنفهم ضمن خانة الفنانين الأكفاء؟! لأن الفن باعتقادي يبقى مرتبطا بالفكر، وانا أؤمن بأهمية المشروع والمنطلقات الفكرية القائمة على أسس صحيحة وسليمة.. فأرسطو أهم الألسنة النقديةفي الادب المسرحي اليوناني الكلاسيكي رسم الآلية والغاية والأهداف من الفن.. لكن اليوم أصبحت "العوام" هي المتطفلة المؤلفة ومدعية الابتكار والإبداع..وهنا أتحدث عن أغلب العروض..فإذا كان أصحابها خاويي الوفاض فالأمر من مأتاه لا يستغرب.. لا يمكنهم الخوض في مسائل تهم المجتمع وتنفعه لأنه ليس لديهم الآليات ويجهلون الغاية الأساسية.. هم ينتجون sur commande ويخاطبون جمهورا يميل إلى الإسفاف والانحطاط.. جمهور استهلاك يجسد ظاهرة بذيئة بامتياز"..

ويواصل رياض حمدي تفاعله ليقول: "غالبا ما يلفت الشواذ الانتباه، وهنا طبعا لا اقصد الشواذ بالمفهوم الجنسي، إنما أولائك الذين يخرجون عن المألوف قصد شد فئات معينة من الجماهير .. منهم من يجهل أهداف الفن الرابع ومنهم من يتجاهل ذلك لكسب المال لا غير.. "الكوميك" بالنسبة لي قوة رهيبة.. فمن منا لا يروق له شارلي شابلان الذي كرس حياته في فن الإضحاك بعيدا عن الابتذال والإسفاف ليتابع الناس في كل أصقاع العالم جل أعماله إلى يوم الناس هذا.. كذلك لورال وهاردي، ماكس برافز، دريد لحام عند العرب.. والقائمة تطول"..

محدثنا رياض لم يخف كذلك امتعاضه الشديد من المبالغة في توظيف الإيحاءات الجنسية خاصة بأعمال "الوان مان شو" في المهرجانات الصيفية قائلا: هناك انحطاط كبير و"فجاجة" رهيبة في استعمال ألفاظ و gestuelles التي لا علاقة لها برقي الفن الرابع وفي غير موضعها..أغلبهم لم يدرك الى الآن أن هناك بونا شاسعا بين الحرية المطلقة والحرية المسؤولة، وأن حرية التعبير تبقى متعلقة بالمؤلف كقضية إنسانية بالأساس لا أن تتعلق بأي نص مسرحي.. وهنا أؤكد على التطور الذهني للفنان وتنشئته الاجتماعية باعتبار أن لا شيء يولد من عدم ..كما أني لا ألقي اللوم على أصحاب تلك الأعمال بل على سلطة الإشراف التي غالبا ما قامت بدعم هؤلاء والحال أن الكثير من الأعمال القيمة لم تلق الى الآن الاهتمام والدعم..

الأمر الذي يدعو الى سؤال ملح: ما سبب نشأة هذه الظاهرة؟..

 حتما لأنّ الطبيعة تأبى الفراغ ثانيا لأن "العشرية السوداء " "دقدقت" الثقافة وهمشت المفكرين وكلنا نتذكر تفاصيل الاحداث "المخربة" للأنشطة الثقافية..

وبما أن الفكر -تزامنا مع توافد "الدخلاء" والهواة في جميع القطاعات- ليس في متناول الجميع كان لا بد أن نعيش زمن التفاهة بامتياز..

في ذات السياق وفي إطار الحديث عن أهمية وقداسة النص المسرحي مهما كان نمطه، نوه المسرحي رياض حمدي بقدرة تأثير الرسائل المبطنة قائلا: " التهكم والسخرية في أي نص مسرحي يجب أن يحمل دلائل معمقة بل يمكن أن يكون أكثر وجعا من البكاء، وأن يحمل نفسا جديا من خلال المواعظ والرسائل الهادفة..وأنا شخصيا لي الشرف أني عملت في مسلسل "حرقة" للسعد الوسلاتي..وهو عمل درامي بالأساس لم يخل من مقتطفات كوميدية لكنها كانت مؤلمة للغاية من خلال تجسيد خطاب رهيب حول مسائل مصيرية ومظاهر الظلم والقهر على غرار العنصرية والاستبداد وغيرها.. رسائل من شأنها أن تثير فيك العديد من التساؤلات وتحملك الى عالم فيليني الفنان الايطالي الكبير، الفنان الدرامي الكوميدي..

وكي أختصر الوضع الثقافي بالبلد أقول : "الوضع يبكي"..وهناك تساؤلات لا بد من طرحها: من هم المؤهلون لكتابة النصوص المسرحية أو الدرامية ومن يستحق الدعم المنصف من الدولة؟.. أعتقد أنه آن الاوان للمراجعة ثم المراجعة والالتفات نحو اللجان الثقافية المرخص لها بمنح العروض في المهرجانات ودعمها ..

أقول هذا بفضل تجربتي المسرحية واحتكاكي بفنانين "مقهورين" لم يجدوا ضالتهم في هذا البلد رغم تفانيهم في القطاع وثقافتهم الواسعة.. إذ كيف للمؤلف العظيم حكيم المرزوقي على سبيل المثال "الي كان يعبي المسارح بكتاباتو" لا يتمتع الآن بمورد رزق ؟ - أيريدون تحطيمه وتحطيم العشرات مثل ما فعلوا مع الحمروني وغيره الذين وافتم المنية في الشوارع تحت الجدران؟ !.. "

في ختام الحوار يقول رياض: يجب ألا ننسى أن الزعيم الحبيب بورقيبة -على سبيل المثال- حين وصل الى مسامعه أن مسرحية "مراد الثالث" تتحدث عن حاكم جبروت يقطع الرؤوس وهو المقصود، تعمد متابعة العرض عن كثب ليشكر بطل المسرحية علي بن عياد ويحيي جميع الممثلين قائلا "نستطيع الآن الحديث عن مسرح يضاهي المسرح الأوروبي"..فالزعيم الراحل اعتلى خشبة المسرح ويميز جيدا الغث من السمين.. وهنا تكمن قيمة القارئ والملاحظ الجيد وانعكاس ذلك على الجانب الثقافي عامة..

 

وليد عبداللاوي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المسرحي رياض حمدي: الفكر ليس في متناول الجميع.. وبين الحرية المطلقة والحرية المسؤولة في المسرح.. بون شاسع!

* أغلب أصحاب "الوان مان شو" ينتجون sur commande ويخاطبون جمهورا يميل إلى الإسفاف والانحطاط

تونس-الصباح

لا شك أنّ العشرية الأخيرة لم تكن طالع خير على بلدنا، بلد النجاحات المحدودة والإخفاقات الكثيرة، وحملت في طياتها جميع مظاهر الإحباط ومسببات الفوضى والتخلف.. ولم تبق سوى حرية التعبير التي لم تعد -هي الأخرى- تغني ولا تسمن من جوع باعتبار أنها أصبحت وسيلة للتصعيد، أُسيء استغلالها في ظل انحدار المستوى الأخلاقي وتدني الذوق العام في شتى المجالات..

الساحة الثقافية، طبعا، لم تكن بمعزل عن ذاك المسار، بل جٌسدت في مهرجانات وأنشطة هذه الصائفة وما سبقها وتحديدا في أعمال "الوان مان شو"..مسرحيات طالتها ردود أفعال متباينة.. بين من يثمن كل الأعمال مهما كان مستوى النص ومدى تجاوز الأخلاقيات العامة بتعلة حرية التعبير وبين من يعتبر ان مكسب الحرية يجب ان يكون آلية من آليات الرسائل الفنية الهادفة، وإن اندرج العمل ضمن فن الإضحاك والمونودرام..

كل ذلك يجرنا إلى طرح العديد من التساؤلات: ماذا نقصد بحرية التعبير؟ ماهو دور الفن الرابع في إنعاش حرية الرأي؟ وهل أنّ الأعمال المسرحية الحرة فعلا تجسد جزءا من الانتقال الديمقراطي؟

"الصباح" كان لها لقاء بالممثل المسرحي رياض حمدي للحديث عن ردود الأفعال إزاء أهم أعمال "الوان مان شو" على غرار عرض لطفي العبدلي الذي أثار ضجة كبيرة وكان محل خلاف بينه وبين عناصر من النقابات الأمنية بمسرح صفاقس الدولي.."نموت عليك" للمين النهدي ومغادرة الجماهير قبل انتهاء العرض بمسرح قرطاج.. "بيقْ بوسة" لوجيهة الجندوبي..و"حسين في بيكين" لمقداد السهيلي وعدم قبول العرض بمهرجان المنستير بـ"حجة الإساءة للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بإحدى المنابر الإعلامية"..

عن مسألة حرية التعبير بالأساس وتقييم أغلب مسرحيات "الوان مان شو" لم يرد محدثنا ذكر الأسماء ولكن استهل كلامه بسؤال:" بداية، من هم اولائك الذين نستطيع أن نصنفهم ضمن خانة الفنانين الأكفاء؟! لأن الفن باعتقادي يبقى مرتبطا بالفكر، وانا أؤمن بأهمية المشروع والمنطلقات الفكرية القائمة على أسس صحيحة وسليمة.. فأرسطو أهم الألسنة النقديةفي الادب المسرحي اليوناني الكلاسيكي رسم الآلية والغاية والأهداف من الفن.. لكن اليوم أصبحت "العوام" هي المتطفلة المؤلفة ومدعية الابتكار والإبداع..وهنا أتحدث عن أغلب العروض..فإذا كان أصحابها خاويي الوفاض فالأمر من مأتاه لا يستغرب.. لا يمكنهم الخوض في مسائل تهم المجتمع وتنفعه لأنه ليس لديهم الآليات ويجهلون الغاية الأساسية.. هم ينتجون sur commande ويخاطبون جمهورا يميل إلى الإسفاف والانحطاط.. جمهور استهلاك يجسد ظاهرة بذيئة بامتياز"..

ويواصل رياض حمدي تفاعله ليقول: "غالبا ما يلفت الشواذ الانتباه، وهنا طبعا لا اقصد الشواذ بالمفهوم الجنسي، إنما أولائك الذين يخرجون عن المألوف قصد شد فئات معينة من الجماهير .. منهم من يجهل أهداف الفن الرابع ومنهم من يتجاهل ذلك لكسب المال لا غير.. "الكوميك" بالنسبة لي قوة رهيبة.. فمن منا لا يروق له شارلي شابلان الذي كرس حياته في فن الإضحاك بعيدا عن الابتذال والإسفاف ليتابع الناس في كل أصقاع العالم جل أعماله إلى يوم الناس هذا.. كذلك لورال وهاردي، ماكس برافز، دريد لحام عند العرب.. والقائمة تطول"..

محدثنا رياض لم يخف كذلك امتعاضه الشديد من المبالغة في توظيف الإيحاءات الجنسية خاصة بأعمال "الوان مان شو" في المهرجانات الصيفية قائلا: هناك انحطاط كبير و"فجاجة" رهيبة في استعمال ألفاظ و gestuelles التي لا علاقة لها برقي الفن الرابع وفي غير موضعها..أغلبهم لم يدرك الى الآن أن هناك بونا شاسعا بين الحرية المطلقة والحرية المسؤولة، وأن حرية التعبير تبقى متعلقة بالمؤلف كقضية إنسانية بالأساس لا أن تتعلق بأي نص مسرحي.. وهنا أؤكد على التطور الذهني للفنان وتنشئته الاجتماعية باعتبار أن لا شيء يولد من عدم ..كما أني لا ألقي اللوم على أصحاب تلك الأعمال بل على سلطة الإشراف التي غالبا ما قامت بدعم هؤلاء والحال أن الكثير من الأعمال القيمة لم تلق الى الآن الاهتمام والدعم..

الأمر الذي يدعو الى سؤال ملح: ما سبب نشأة هذه الظاهرة؟..

 حتما لأنّ الطبيعة تأبى الفراغ ثانيا لأن "العشرية السوداء " "دقدقت" الثقافة وهمشت المفكرين وكلنا نتذكر تفاصيل الاحداث "المخربة" للأنشطة الثقافية..

وبما أن الفكر -تزامنا مع توافد "الدخلاء" والهواة في جميع القطاعات- ليس في متناول الجميع كان لا بد أن نعيش زمن التفاهة بامتياز..

في ذات السياق وفي إطار الحديث عن أهمية وقداسة النص المسرحي مهما كان نمطه، نوه المسرحي رياض حمدي بقدرة تأثير الرسائل المبطنة قائلا: " التهكم والسخرية في أي نص مسرحي يجب أن يحمل دلائل معمقة بل يمكن أن يكون أكثر وجعا من البكاء، وأن يحمل نفسا جديا من خلال المواعظ والرسائل الهادفة..وأنا شخصيا لي الشرف أني عملت في مسلسل "حرقة" للسعد الوسلاتي..وهو عمل درامي بالأساس لم يخل من مقتطفات كوميدية لكنها كانت مؤلمة للغاية من خلال تجسيد خطاب رهيب حول مسائل مصيرية ومظاهر الظلم والقهر على غرار العنصرية والاستبداد وغيرها.. رسائل من شأنها أن تثير فيك العديد من التساؤلات وتحملك الى عالم فيليني الفنان الايطالي الكبير، الفنان الدرامي الكوميدي..

وكي أختصر الوضع الثقافي بالبلد أقول : "الوضع يبكي"..وهناك تساؤلات لا بد من طرحها: من هم المؤهلون لكتابة النصوص المسرحية أو الدرامية ومن يستحق الدعم المنصف من الدولة؟.. أعتقد أنه آن الاوان للمراجعة ثم المراجعة والالتفات نحو اللجان الثقافية المرخص لها بمنح العروض في المهرجانات ودعمها ..

أقول هذا بفضل تجربتي المسرحية واحتكاكي بفنانين "مقهورين" لم يجدوا ضالتهم في هذا البلد رغم تفانيهم في القطاع وثقافتهم الواسعة.. إذ كيف للمؤلف العظيم حكيم المرزوقي على سبيل المثال "الي كان يعبي المسارح بكتاباتو" لا يتمتع الآن بمورد رزق ؟ - أيريدون تحطيمه وتحطيم العشرات مثل ما فعلوا مع الحمروني وغيره الذين وافتم المنية في الشوارع تحت الجدران؟ !.. "

في ختام الحوار يقول رياض: يجب ألا ننسى أن الزعيم الحبيب بورقيبة -على سبيل المثال- حين وصل الى مسامعه أن مسرحية "مراد الثالث" تتحدث عن حاكم جبروت يقطع الرؤوس وهو المقصود، تعمد متابعة العرض عن كثب ليشكر بطل المسرحية علي بن عياد ويحيي جميع الممثلين قائلا "نستطيع الآن الحديث عن مسرح يضاهي المسرح الأوروبي"..فالزعيم الراحل اعتلى خشبة المسرح ويميز جيدا الغث من السمين.. وهنا تكمن قيمة القارئ والملاحظ الجيد وانعكاس ذلك على الجانب الثقافي عامة..

 

وليد عبداللاوي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews