إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منتدى الصباح: مذهب الفنّان مدبَّر بأشياء لا تلتقي عند كلّ إنسان ولا تجتمع في صدر كلّ أحد

بقلم مصدق الشريف 

تحول المشهد العام ببلادنا إلى فوضى عارمة باسم حرية التعبير والرّأي... وإنه لمن المؤسف أنَّ الكثير من وسائل الإعلام لعبت دورا كبيرا في هذا التهريج والخبط العشوائيّ. وقد تداولت وسائل الإعلام وبعض الصّفحات بمواقع التواصل الاجتماعي رفض أعوان الأمن مواصلة تأمين عرض مسرحيّ بمهرجان صفاقس الدّولي يوم 07 أوت 2022 من تقديم الفنان لطفي العبدلي. ويأتي ذلك على إثر قيام المسرحي المذكور بحركة لا أخلاقيّة تجاه أعوان الأمن خلال العرض ممّا تسبّب في حالة تشنج في صفوف بعض الأمنيّين المكلّفين بتأمين مختلف فعاليات مهرجان صفاقس الدولي.

وتحليلا لهذه الواقعة. اتصلنا بالأستاذ ابراهيم بن صالح "المتفقد العام للتربية " والحاصل على وسام الاستحقاق التربويّ. وصاحب الأعمال المتصلة باللّغة والأدب الميسّر والبيداغوجيا والثقافة السياسيّة. وهو النّاشط في المجتمع المدني بصفته عضو الهيأة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعضوا باتحاد الكتاب التونسيّين. ويرى الأستاذ إبراهيم بن صالح أنّ مسؤولية فسادٍ العرض المسرحيّ تتحمّلها ثلاثة أطراف. الطرف المسؤول الأول هو رئيس المهرجان الذي كان عليه أن يصَلع على هذا العمل مسبقا لكي يرى مدى صلاحيّتها ومدى مقبوليته لدى الجمهور المتنوع. ولا شك في أن للسيد مدير المهرجان من يستشيره في الأمر ويعرض العمل على التقييم أهو صالح أم لا. الطرف الثاني: هو صاحب العمل الفنّي نفسه. كان عليه أن ينظر إلى السياق الثقافي وحاجة عامة الشعب للارتقاء بذائقته وثقافته. فإذا الفنان مدعو إلى بناء خطاب مسرحيّ يخضع لضوابط فنية يرسمها بنفسه وتراعي ثقافة الناس.

أما الطرف الثالث فهو الأمن الذي سمح لنفسه بأن يفرض وصاية على الجمهور وعلى الفنان وهذا ليس من حقه. وإنَّ تقييم العمل الفني يعود إلى أهل الفن الرابع من جهة وإلى الجمهور الذي يحضر مثل هذا النشاط. إذا تحمل كل طرف مسؤوليته في مثل هذه الوقائع والصدمات تصبح غير ذات موضوع لأن مثل هذه الأحداث الصدامية تحولت بالعمل الفنى من مقصده النبيل إلى مهاترات شخصية.

ومن جانب آخر صرّح لنا الفنّان التشكيلي محمد بن الهادي الشريف صاحب المعارض الفردية والجماعية المشعّة في دور الشباب والثقافة في مختلف المدن التونسية وخارج أرض الوطن بما يلي: «إنّ ما سمعناه في شريط الفيديو المتداول على صفحات التواصل الاجتماعي الذي يوثق جزءا من عرض المسرحي لطفي العبدلي يجعلنا نقول دون تردّد إن الرجل بعيد كلّ البعد عن الفنّ وأصوله وما يحمله في طيَّاته من قيم سامية وسمؤ بالذوق الجماعي لاسيما لشبابنا. لقد توقفنا عند صور لم تخل من الهرج. ترك العبدلي روح الأصالة والتجديد جانبا وانبرى في التّزول إلى مستوى هابط وسوقيٌّ. نعم لحرية التعبير والرأي ونستميت من أجل الدفاع عنهما ولكن بضوابط تحمي مكانة الفن الرَّابع ورسالته».

وفي اعتقادنا أنّ الفنان عليه أن يعمّق مضمون ما يقدّمه إلى جمهوره حتي يوصله إليه عن طريق أدائه المتميّز. وبذلك يستطيع أن يكون صاحب رسالة نبيلة يضيف إلى التاريخ الفني مدرسة تعتمد على صفات لها قيمة في استمرار التراث الفني بعيدة عن التجميد في الآن ذاته مما يعطيها التطوير الحيّ المستمرّ. يقول أبو حيّان التوحيدي في كتابه الإمتاع. والمؤانسة: «فأما ابن العميد فإني سمعت ابن الجمل يقول: سمعت ابن اب يقول: أول من أفسٍ الكلام أبو الفضل. لأنه تخيل مذهب الجاحظ وظن أنه إن تبعه لحقه؛ وإن تلاه أدركه؛ فوقع بعيدا من الجاحظ. قريبا من نفسه. ألا يعلم أبو الفضل أن مذهب الجاحظ مديِّر بأشياء لا تلتقي عند كل إنسان ولا تجتمع في صدر كل أحد: بالطبع والمنشاً والعلم والأصول والعادة والعمر والفراغ والعشق والمنافسة والبلوغ؛ وهذه مفاتيح قل ما يملكها واحد وسواها مغالق قل ما ينفك منها واحد» (1).

(1) أبو حيّان التوحيدي. الإمتاع والمؤانسة. صمّحه وضبطه وشرح غريبه أحمد أمين وأحمد الزّين»

منشورات المكتبة العصريّة. ببروت. صيداء 1953, الجزء الأوّل». ص.66.

(*) أستاذ متقاعد

منتدى الصباح: مذهب الفنّان مدبَّر بأشياء لا تلتقي عند كلّ إنسان ولا تجتمع في صدر كلّ أحد

بقلم مصدق الشريف 

تحول المشهد العام ببلادنا إلى فوضى عارمة باسم حرية التعبير والرّأي... وإنه لمن المؤسف أنَّ الكثير من وسائل الإعلام لعبت دورا كبيرا في هذا التهريج والخبط العشوائيّ. وقد تداولت وسائل الإعلام وبعض الصّفحات بمواقع التواصل الاجتماعي رفض أعوان الأمن مواصلة تأمين عرض مسرحيّ بمهرجان صفاقس الدّولي يوم 07 أوت 2022 من تقديم الفنان لطفي العبدلي. ويأتي ذلك على إثر قيام المسرحي المذكور بحركة لا أخلاقيّة تجاه أعوان الأمن خلال العرض ممّا تسبّب في حالة تشنج في صفوف بعض الأمنيّين المكلّفين بتأمين مختلف فعاليات مهرجان صفاقس الدولي.

وتحليلا لهذه الواقعة. اتصلنا بالأستاذ ابراهيم بن صالح "المتفقد العام للتربية " والحاصل على وسام الاستحقاق التربويّ. وصاحب الأعمال المتصلة باللّغة والأدب الميسّر والبيداغوجيا والثقافة السياسيّة. وهو النّاشط في المجتمع المدني بصفته عضو الهيأة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعضوا باتحاد الكتاب التونسيّين. ويرى الأستاذ إبراهيم بن صالح أنّ مسؤولية فسادٍ العرض المسرحيّ تتحمّلها ثلاثة أطراف. الطرف المسؤول الأول هو رئيس المهرجان الذي كان عليه أن يصَلع على هذا العمل مسبقا لكي يرى مدى صلاحيّتها ومدى مقبوليته لدى الجمهور المتنوع. ولا شك في أن للسيد مدير المهرجان من يستشيره في الأمر ويعرض العمل على التقييم أهو صالح أم لا. الطرف الثاني: هو صاحب العمل الفنّي نفسه. كان عليه أن ينظر إلى السياق الثقافي وحاجة عامة الشعب للارتقاء بذائقته وثقافته. فإذا الفنان مدعو إلى بناء خطاب مسرحيّ يخضع لضوابط فنية يرسمها بنفسه وتراعي ثقافة الناس.

أما الطرف الثالث فهو الأمن الذي سمح لنفسه بأن يفرض وصاية على الجمهور وعلى الفنان وهذا ليس من حقه. وإنَّ تقييم العمل الفني يعود إلى أهل الفن الرابع من جهة وإلى الجمهور الذي يحضر مثل هذا النشاط. إذا تحمل كل طرف مسؤوليته في مثل هذه الوقائع والصدمات تصبح غير ذات موضوع لأن مثل هذه الأحداث الصدامية تحولت بالعمل الفنى من مقصده النبيل إلى مهاترات شخصية.

ومن جانب آخر صرّح لنا الفنّان التشكيلي محمد بن الهادي الشريف صاحب المعارض الفردية والجماعية المشعّة في دور الشباب والثقافة في مختلف المدن التونسية وخارج أرض الوطن بما يلي: «إنّ ما سمعناه في شريط الفيديو المتداول على صفحات التواصل الاجتماعي الذي يوثق جزءا من عرض المسرحي لطفي العبدلي يجعلنا نقول دون تردّد إن الرجل بعيد كلّ البعد عن الفنّ وأصوله وما يحمله في طيَّاته من قيم سامية وسمؤ بالذوق الجماعي لاسيما لشبابنا. لقد توقفنا عند صور لم تخل من الهرج. ترك العبدلي روح الأصالة والتجديد جانبا وانبرى في التّزول إلى مستوى هابط وسوقيٌّ. نعم لحرية التعبير والرأي ونستميت من أجل الدفاع عنهما ولكن بضوابط تحمي مكانة الفن الرَّابع ورسالته».

وفي اعتقادنا أنّ الفنان عليه أن يعمّق مضمون ما يقدّمه إلى جمهوره حتي يوصله إليه عن طريق أدائه المتميّز. وبذلك يستطيع أن يكون صاحب رسالة نبيلة يضيف إلى التاريخ الفني مدرسة تعتمد على صفات لها قيمة في استمرار التراث الفني بعيدة عن التجميد في الآن ذاته مما يعطيها التطوير الحيّ المستمرّ. يقول أبو حيّان التوحيدي في كتابه الإمتاع. والمؤانسة: «فأما ابن العميد فإني سمعت ابن الجمل يقول: سمعت ابن اب يقول: أول من أفسٍ الكلام أبو الفضل. لأنه تخيل مذهب الجاحظ وظن أنه إن تبعه لحقه؛ وإن تلاه أدركه؛ فوقع بعيدا من الجاحظ. قريبا من نفسه. ألا يعلم أبو الفضل أن مذهب الجاحظ مديِّر بأشياء لا تلتقي عند كل إنسان ولا تجتمع في صدر كل أحد: بالطبع والمنشاً والعلم والأصول والعادة والعمر والفراغ والعشق والمنافسة والبلوغ؛ وهذه مفاتيح قل ما يملكها واحد وسواها مغالق قل ما ينفك منها واحد» (1).

(1) أبو حيّان التوحيدي. الإمتاع والمؤانسة. صمّحه وضبطه وشرح غريبه أحمد أمين وأحمد الزّين»

منشورات المكتبة العصريّة. ببروت. صيداء 1953, الجزء الأوّل». ص.66.

(*) أستاذ متقاعد

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews