إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

منتدى الصباح: الميراث ومقاصد الإسلام

 

 

بقلم منير الشرفي

كثيرا ما يُردّد الرجال في المجتمعات المسلمة الذكورية الآية القرآنية التي تقول "الرجال قوّامون على النساء". هؤلاء يُذكّرونني بالذين لا يُقيمون الصلاة مُعلّلين ذلك بالآية "ويْلٌ للمصلّين" أو الآية "لا تقربوا الصلاة". ولئن كان تاركو الصلاة يذكرونٍ الآيتين الأخيرتين على سبيل الهزل دون ذكر بقية الآيتين «ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون» و"لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى". فإن السهو عن بقية الآية الأولى «الرجال قوّامون على النساء بما أنفقوا» هو من باب التناسي المقصود.ذلك أن من يُُسِمَوْن ب"الشيوخ" أو ب"الفقهاء". والذين قدّموا منذ قرون عديدة اجتهادات سطحية ومحدودة و احيانا غريبة ولا تستجيب لأيّ منطق.وأسّسوا لما يُسمّونه بالشريعة أو مقاصد الإسلام، قاموا بذلك العمل من منطلق ذكوري بحت يخدم الرجال أكثر مما يخدم الدين. فالاجتهادات التي تحسب على مقاصد الإسلام تختلف من شخص لآخر حدّ التناقض التام أحيانا. فاجتهادات ابن رشد تقف على 180 درجة من اجتهادات ابن تيميّة على سبيل المثال. فترى الأول يقرأ القرآن بعين ذكية وإيجابية ومستقبلية إلى أن تمّ التنكيل به من قبل محدودي التفكير.وتجد الثاني يقرأه بعقلية رجعية سلفية ذكورية جامدة. فالفريق الذي «اجتهد» دون أي اجتهاد. فقد اجتهد في سيبيل التحنط برفض كل تقدّم، لا للدين فحسب وإنما للمسلمين عموما داعيا إيَاهم بعدم التفكير وبزجٌ العقل في عطلة أبدية كلما تعلق الأمر بأي موضوع ديني. فتراهم يدعون مثلا إلى قطع يد السارق مُعللين رأيهم بأن التخلي عن هذه العقوبة الجبسدية جعلت السرقة مازالت مُتداولة في المجتمعات وأنه لابد من العودة إلى هذه الممارسة. هؤلاء لم يتفطّنوا إلى أن في عهد فجر الإسلام لم تكن هناك سجون لمعاقبة السارقين. وبالتالي فأنه منذ أن أصبحت هناك سجون في كافة بلدان العالم انتفى سبب قطع يد السارق. كما أنهم يتناسون بأن قطع يد السارق في فجر الإسلام لم ينتج عنه الكف عن السرقة. المثال الثاني هو التشبث برؤية الهلال للتأكد من دخول الأشهر القمرية. عملا بالاية القرآنية «ومن شهد منكم الشهر فليصمه». هذا التشبث هو تعنت  أبله. إذ أن أصحابه لا يعترفون بتطوّر العلوم ويتناسون أنه في فجر الإسلام لم تكن هناك آلات التليسكوب ولا علماء فلكيّون يُتقنون بكامل الدقة حساب اللحظة التي يتم فيها الاقتران الذي يُؤذن بميلاد الشهر القمري الجديد.

كما أنه في فجر الإسلام لم تكن هناك إدارات ومواعيد عمل وامتحانا للتلاميذ وعلاقات دولية تُحتم ضبط مواعيد دقيقة يتم تحديدها قبل أشهر من تاريخها. أن انتظار رؤية الهلال تبعثر مخططات العمل وتدخل الشكوك والفوضى في التعامل بين الناس وبين المؤسسات. لكن كل ذلك يُصبح غير ذي أهميّة لديهم طالما أن القرآن تحدّث عن مشاهدة الهلال.

وهل يعلم المُتشْبّثون بالنص الحرفي للقرآن أن عليهم أن يملكوا عبيدا؟ فالقرآن ينصًٌ على أن بعض الآثام يغفرها الله. هؤلاء ايغفر الله لهم هذه ‎‏الآثام طالما أنهم لا يملكون عبيدا حتى يتمكّنوا من تحريرهم. فهل نتبع المتزمّقتين ونقوم بمراجعة كل النظريات والمبادئ الكونية لحقوق الإنسان. فنستعبد البشر حتى تصبح لنا إمكانية تحريرهم عند قيامنا بهذه الآثام؟

تلك هي بعض الأمثلة التي تفيد بأن التزمّت والتشبّث بالحرف القرآني يجعل الناس ينفرون من الدين الإسلامي. والحال أن الإسلام ليس حروفا بقدر ما هو معان وعبر يجب استيعابها وفهمها وتفسيرها حسب الظروف الزمانية والمكانية.

نعود إلى آية «الرجال قوّامون على النساء بما أنفقوا». أليست الحكمة في أن نفهم هذه الآية على أن الرجال قوّامون على النساء في عهد وفي مكان كانت المرأة فيهما لا تعمل ولا تتلقى مقابلا ماليًّا عن عملها؟

نحن نعيش عهدا تعمل فيه المرأة تماما كالرجل وفي مواقع متقدمة عن الرجال أحيانا. كما أن عديد النساء تتقاضين مرتبات أرفع من مرتبات أزواجهن وآبائهن وأبنائهن. فهل أن مثل هذه الوضعيات تسمح لنا بالتشبث بمبداً «الرجال قوّامون على النساء» حتى وإنَ كانت النساء هن اللاتي يُنفقن عليهم؟

إن المطلوب اليوم ليس مخالقة الآية القرآنية. بل بالعكس. المطلوب هو فهم معانيها ومقاصدها حسب الظروف التي نزلت فيها. والمطلوب هو تحيينها بحسب الظروف الجديدة.

وما التوصية بمنح الذكر مثل حظ الأنثيين لمن يسعى إلى قراءة القرآن بالاجتهاد الإيجابي المطلوب.ولمن يُريد خدمة الإسلام لا خدمة نفسه أو خدمة الرجال عموما إلا توصية ظرفية تأخذ في الاعتبار طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين الرجل والمراة قبل اربعة عشر قرنا، علما أن المرأة أصبحت ترث نصف أخيها بفضل هذه الآية، بعد أن كانت لا ترث من أبويها  شيئا.

وهنا تستوقفنا النظرية التي دافع عنها عديد المفكرين.أذكر منهم بالخصوص المرحوم محمد الطالبي والتي تعتمد على مبداً السهم الذي يجب اتباع اتجاهه ترسم المستقبل. وفي القرآن أسهم عديدة إذا رفضنا اتباع اتجاهها نكون قد تركنا مقاصد الإسلام وخالفناه.

فإذا اتبعنا اتجاه السهم الذي أتت به هذه الآية لفهمنا أن المرأة التي لم تكن ترث شيئا وأصبحت ترث نصف أخيها في فجر الإسلام، حان الوقت لأن ترث مثل أخيها في عصرنا هذاء حتى نكون في صلب مقاصد الإسلام.

 

(*) رئيس المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة

منتدى الصباح: الميراث ومقاصد الإسلام

 

 

بقلم منير الشرفي

كثيرا ما يُردّد الرجال في المجتمعات المسلمة الذكورية الآية القرآنية التي تقول "الرجال قوّامون على النساء". هؤلاء يُذكّرونني بالذين لا يُقيمون الصلاة مُعلّلين ذلك بالآية "ويْلٌ للمصلّين" أو الآية "لا تقربوا الصلاة". ولئن كان تاركو الصلاة يذكرونٍ الآيتين الأخيرتين على سبيل الهزل دون ذكر بقية الآيتين «ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون» و"لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى". فإن السهو عن بقية الآية الأولى «الرجال قوّامون على النساء بما أنفقوا» هو من باب التناسي المقصود.ذلك أن من يُُسِمَوْن ب"الشيوخ" أو ب"الفقهاء". والذين قدّموا منذ قرون عديدة اجتهادات سطحية ومحدودة و احيانا غريبة ولا تستجيب لأيّ منطق.وأسّسوا لما يُسمّونه بالشريعة أو مقاصد الإسلام، قاموا بذلك العمل من منطلق ذكوري بحت يخدم الرجال أكثر مما يخدم الدين. فالاجتهادات التي تحسب على مقاصد الإسلام تختلف من شخص لآخر حدّ التناقض التام أحيانا. فاجتهادات ابن رشد تقف على 180 درجة من اجتهادات ابن تيميّة على سبيل المثال. فترى الأول يقرأ القرآن بعين ذكية وإيجابية ومستقبلية إلى أن تمّ التنكيل به من قبل محدودي التفكير.وتجد الثاني يقرأه بعقلية رجعية سلفية ذكورية جامدة. فالفريق الذي «اجتهد» دون أي اجتهاد. فقد اجتهد في سيبيل التحنط برفض كل تقدّم، لا للدين فحسب وإنما للمسلمين عموما داعيا إيَاهم بعدم التفكير وبزجٌ العقل في عطلة أبدية كلما تعلق الأمر بأي موضوع ديني. فتراهم يدعون مثلا إلى قطع يد السارق مُعللين رأيهم بأن التخلي عن هذه العقوبة الجبسدية جعلت السرقة مازالت مُتداولة في المجتمعات وأنه لابد من العودة إلى هذه الممارسة. هؤلاء لم يتفطّنوا إلى أن في عهد فجر الإسلام لم تكن هناك سجون لمعاقبة السارقين. وبالتالي فأنه منذ أن أصبحت هناك سجون في كافة بلدان العالم انتفى سبب قطع يد السارق. كما أنهم يتناسون بأن قطع يد السارق في فجر الإسلام لم ينتج عنه الكف عن السرقة. المثال الثاني هو التشبث برؤية الهلال للتأكد من دخول الأشهر القمرية. عملا بالاية القرآنية «ومن شهد منكم الشهر فليصمه». هذا التشبث هو تعنت  أبله. إذ أن أصحابه لا يعترفون بتطوّر العلوم ويتناسون أنه في فجر الإسلام لم تكن هناك آلات التليسكوب ولا علماء فلكيّون يُتقنون بكامل الدقة حساب اللحظة التي يتم فيها الاقتران الذي يُؤذن بميلاد الشهر القمري الجديد.

كما أنه في فجر الإسلام لم تكن هناك إدارات ومواعيد عمل وامتحانا للتلاميذ وعلاقات دولية تُحتم ضبط مواعيد دقيقة يتم تحديدها قبل أشهر من تاريخها. أن انتظار رؤية الهلال تبعثر مخططات العمل وتدخل الشكوك والفوضى في التعامل بين الناس وبين المؤسسات. لكن كل ذلك يُصبح غير ذي أهميّة لديهم طالما أن القرآن تحدّث عن مشاهدة الهلال.

وهل يعلم المُتشْبّثون بالنص الحرفي للقرآن أن عليهم أن يملكوا عبيدا؟ فالقرآن ينصًٌ على أن بعض الآثام يغفرها الله. هؤلاء ايغفر الله لهم هذه ‎‏الآثام طالما أنهم لا يملكون عبيدا حتى يتمكّنوا من تحريرهم. فهل نتبع المتزمّقتين ونقوم بمراجعة كل النظريات والمبادئ الكونية لحقوق الإنسان. فنستعبد البشر حتى تصبح لنا إمكانية تحريرهم عند قيامنا بهذه الآثام؟

تلك هي بعض الأمثلة التي تفيد بأن التزمّت والتشبّث بالحرف القرآني يجعل الناس ينفرون من الدين الإسلامي. والحال أن الإسلام ليس حروفا بقدر ما هو معان وعبر يجب استيعابها وفهمها وتفسيرها حسب الظروف الزمانية والمكانية.

نعود إلى آية «الرجال قوّامون على النساء بما أنفقوا». أليست الحكمة في أن نفهم هذه الآية على أن الرجال قوّامون على النساء في عهد وفي مكان كانت المرأة فيهما لا تعمل ولا تتلقى مقابلا ماليًّا عن عملها؟

نحن نعيش عهدا تعمل فيه المرأة تماما كالرجل وفي مواقع متقدمة عن الرجال أحيانا. كما أن عديد النساء تتقاضين مرتبات أرفع من مرتبات أزواجهن وآبائهن وأبنائهن. فهل أن مثل هذه الوضعيات تسمح لنا بالتشبث بمبداً «الرجال قوّامون على النساء» حتى وإنَ كانت النساء هن اللاتي يُنفقن عليهم؟

إن المطلوب اليوم ليس مخالقة الآية القرآنية. بل بالعكس. المطلوب هو فهم معانيها ومقاصدها حسب الظروف التي نزلت فيها. والمطلوب هو تحيينها بحسب الظروف الجديدة.

وما التوصية بمنح الذكر مثل حظ الأنثيين لمن يسعى إلى قراءة القرآن بالاجتهاد الإيجابي المطلوب.ولمن يُريد خدمة الإسلام لا خدمة نفسه أو خدمة الرجال عموما إلا توصية ظرفية تأخذ في الاعتبار طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين الرجل والمراة قبل اربعة عشر قرنا، علما أن المرأة أصبحت ترث نصف أخيها بفضل هذه الآية، بعد أن كانت لا ترث من أبويها  شيئا.

وهنا تستوقفنا النظرية التي دافع عنها عديد المفكرين.أذكر منهم بالخصوص المرحوم محمد الطالبي والتي تعتمد على مبداً السهم الذي يجب اتباع اتجاهه ترسم المستقبل. وفي القرآن أسهم عديدة إذا رفضنا اتباع اتجاهها نكون قد تركنا مقاصد الإسلام وخالفناه.

فإذا اتبعنا اتجاه السهم الذي أتت به هذه الآية لفهمنا أن المرأة التي لم تكن ترث شيئا وأصبحت ترث نصف أخيها في فجر الإسلام، حان الوقت لأن ترث مثل أخيها في عصرنا هذاء حتى نكون في صلب مقاصد الإسلام.

 

(*) رئيس المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews