إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مطالبة بالتجديد والقطع مع "الزعامات والرموز".. رحيل الطبقة السياسية ..متى؟

تونس – الصباح

 تعددت الدعوات وأجمعت القراءات والآراء الصادرة عن سياسيين ومفكرين ومتابعين للشأن الوطني من تونس وخارجها، على ضرورة تجدد الطبقة السياسية والقطع مع المرحلة السياسية الحالية والمنظومات المكونة لها بشكل نهائي، على اعتبار أنه الحل الجذري للخروج من دوامة الأزمات التي تتخبط فيها تونس اليوم. مقابل المطالبة بضرورة "رحيل" الطبقة السياسية الحالية التي تتصدر المشهد وفسح المجال لتجارب جديدة قادرة على تقديم وابتكار رؤى وبرامج ومشاريع جديدة يمليها الواقع واستحقاقات العصر والمرحلة ومتطلباتها. يأتي ذلك بعد الإجماع على تحميل الطبقة السياسية وكل مكونات المشهد الحزبي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من ترد وأزمات وانسداد آفاق في جميع المجالات في تونس وبشكل غير مسبوق، خاصة في ظل توفر جملة من العوامل والأدلة التي استند عليها البعض في تفسير وتبرير هذه القراءة.

وما عزز قناعة المنتصرين لهذا الرأي هو الأداء "الضعيف" إن لم يكن عدميا وغير مجد للطبقة السياسية بمختلف أطيافها وتوجهاتها منذ القرارات المصيرية التي غيرت المنظومة ومجرى اللعبة السياسية في تونس منذ 25 جويلية 2021 إلى غاية هذه المرحلة. لتبقى نفس الطبقة سواء تعلق الأمر بالأحزاب والقوى والجبهات المعارضة أو غيرها من الداعمة للمسار أو "العائدة" من بعيد في محاولة للبحث عن تموقع جديد عبر الاصطفاف أو "الانتصاب" للحساب الخاص، تتخبط في نفس الدائرة دون القدرة على الخروج منها أو النجاح في تحقيق التغيير الذي تسعى إليه.

                  اعترافات وتأييد

ولئن أعرب راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة عن استعداده للتخلي عن رئاسة الحركة في حال "تقدم أي طرف بتسوية للمشكل التونسي"، فإن عددا آخر من السياسيين قرر وضع حد لنشاطه الحزبي أو الحركي لقناعته بأنه حان الوقت لمنح فرصة القيادة ليحل آخر فيما يكتفي هؤلاء بالمتابعة والتفكير والمشاركة في القراءات والنقاش والتوجيه. قرار الغنوشي هذا ليس المرة الأولى الذي يعلنه، ولكن سبق أن طرحت مسألة خروجه من رئاسة مجلس نواب الشعب المنحل بعد تفاقم الأزمات داخل قبة البرلمان وبين قصور الرئاسة الثلاثة وتحميله مسؤولية ذلك. وجاء قراره الأخير الذي أعلن عنه في أحد حواراته لوسائل إعلام أجنبية، بعد تعالي الدعوات والأصوات المطالبة برحيله بعد بقائه على رأس الحركة ما يقارب خمسة عقود، خاصة أن الأغلبية يحملونه مسؤولية فشل المنظومة التي حكمت تونس خلال العشرية الماضية، فضلا عن تحميله وحزبه الذي تزعم المشهد والمنظومة الحاكمة منذ 2011 إلى غاية سقوطها في الصائفة الماضية، مسؤولية مجانبة أهداف الثورة التي ظلت عالقة ولا يزال المواطنون ينظرون إليها باستشراف لا يخلو من حسرة وأعين حالمة.

وقد سبق أن أكد جنيدي عبد الجواد القيادي السابق في حزب "المسار" في حواره لـ"الصباح" أنه قرر الابتعاد عن القيادة الحزبية لقناعته أن مسألة المراجعات والتقييم ضرورية وهو العامل الذي دفعه لترك المجال لقيادات أخرى. وهو ما يعيبه بدوره على بعض السياسيين الكلاسيكيين أو التقليديين الذين واصلوا تمسكهم بالمراكز القيادية معتبرا أن ذلك من العوامل التي جعلت الفعل السياسي لا يتطور وانعكس سلبيا على الأداء والحضور والعلاقة بين السياسي والقواعد الشعبية والقوى الاجتماعية والمدنية. ودعا في نفس الإطار الشباب اليساري الذي يعتبره ضالا للطريق حاليا لعدة أسباب، إلى ضرورة الخروج من القوالب الإيديولوجية الجاهزة التي يتوارثها أسلافه وأغلب قياديي الأحزاب اليسارية لأنها في تقديره الحل الوحيد إعادة الاعتبار والتموقع الفاعل في المشهد السياسي لليسار في المستقبل.

في سياق متصل سبق أن فسر مصطفى بن أحمد القيادي السابق في "تحيا تونس" أنه وبعد قراره اعتزاله العمل الحزبي وقيامه بمراجعات وقراءة موضوعية للوضع تبين له أن الأحزاب الجديدة لا تختلف عن القديمة وأنها استتباعات لما حدث من قبل ويرى أنه سيكون لها نفس مصير السابقة طالما لم يكن لها مشروع هادف وإرادة وطنية للإصلاح والتطوير خاصة أن جميع القوى السياسية بما في ذلك الحداثيين وغيرهم اليوم في غيبوبة مقيتة. لأنه يعتبر المجال اليوم يجب أن يفتح للأجيال جديدة ربما تستيطع التقاط اللحظة وتحقق ما عجزت عنه الطبقة التلقيدية.

مطالبة البعض الطبقة السياسية الحالية بالرحيل لا يعكس موقفا من مكونات الساحة السياسة وإنما جاء نتيجة توفر عوامل ومعطيات موضوعية أو أخرى اجتماعية فكرية. فالأداء الذي قدمته الطبقة السياسية خلال العشرية الماضية كان من العوامل التي مهدت لحدوث قطيعة وهوة كبيرة من الطبقة السياسية والقواعد الشعبية خاصة بعد المصالحة التي تحققت بفضل ثورة 2011 بين المواطنين والساحة السياسية التي كان قبل ذلك يسيطر عليها الحزب الواحد. ثم أن نفس الطبقة السياسية لم تعترف بأخطائها ولم تعترف بدورها في تحمل مسؤولية الفشل وما آلت إليه الأوضاع من ترد وأزمات بل اختارت الهروب إلى الأمام. لتتواصل المقايضة الطبقية والسياسية. وسبق أن دعا عدد من قياديي حركة النهضة إلى ضرورة تغيير وتجديد الطبقة السياسية ليس داخل النهضة فحسب وإنما في المشهد السياسي بشكل عام من بينهم عبد الحميد الجلاصي وبعض القياديين الشبان الذي اختاروا مواصلة النشاط السياسي في حركات ومنتديات تفكير.

                   رسكلة مرفوضة

ولم يكن خافيا على المتابعين للشأن الوطني سقوط الطبقة السياسية في نفس الأخطاء التي كانت بدورها سببا في سقوط منظومة ما قبل 2011 في مرحلة أولى والمنظومة التي حكمت في العشرية التي تلتها في مرحلة ثانية، ونفسها شكلت سببا من أسباب فشل القوى المعارضة بجميع أشكالها في وضع حد للمسار الذي يقوده رئيس الجمهورية قيس سعيد طيلة أكثر من عام رغم محاولاتها المتكررة وخوضها مختلف أشكال التحركات داخليا وخارجيا. والأمر نفسه تقريبا بالنسبة للقوى الداعمة والمساندة للمسار ولكنها لم تستطع أن تفرض نسقها بدورها.

وعديدة هي القراءات التي تتقاطع عند حقيقة أن الطبقة السياسية القديمة هي عبارة عن "رسكلة" وإعادة إخراجها للطبقة السياسية في شكل جديد وبأدوات جديدة بما يمكن من إعادة "تدويرها" في العجلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية سواء منها القديمة التقليدية التي ميزت المشهد السياسي منذ طيلة العقود الخمس الماضية أو تلك التي ظهرت في "لبوس جديد" وذات منزع متنوع بين ما هو حقوقي وحرياتي وتقدمي ويساري وإيديولوجي. فالمتتبع للوضع في تونس يتبين أن اليسار لم يتخل عن طابعه الاستئصالي المقيت وعانى كثيرا من أزمة الزعامتية وعدم التجدد في الفكر والسياسية وكان ذلك من بين أسباب تشتيته وأصبح مهددا باندثاره أكثر من أي وقت مضى. فيما حافظت الأحزاب ذات التوجه الإسلامي على نزعتها الانتهازية المتوحشة، وظلت القوى التقدمية في شبه "غيبوبة" تتلاطمها تيارات دون قدرة على تحديد مسلكها ووضع المشروع المطلوب الكفيل بجعلها في مقدمة الركب لاسيما أن عديد القراءات تؤكد أن المستقبل سيكون للأحزاب والسياسيين التقدميين في ظل ما تبينه المعطيات والمؤشرات ليس في تونس فحسب وإنما في العالم أجمع باعتبار أن موجة التغيير هذه هي عالمية بالأساس.

وبينت كل المعطيات أن كل محاولة إعادة أنتاج نفس المشهد بنفس المكونات سيكون مآله الفشل خاصة أن الوضع في تونس لم يعد يحتمل مزيدا من التجريب والمجازفة بالعودة إلى منظومات سابقة عجزت عن تقديم البدائل التي تحقق لها وللمواطن والدولة الاستقرار والتطور والنماء. وهو ما يجعل "الدكاكين" السياسية الجديدة وكل المبادرات التي تحوم في نفس "الفلك" غير قادرة على الصمود وليست ذات جدوى. وذلك بعد أن أثبتت محاولات الطبقة السياسية بكل مكوناتها إعادة التموضع والتشكل والهيكلة في شكل جبهات وتيارات وقوى وتكتلات وحركات وكلنها لم تستطع قلب موازين القوى وساهمت في تعميق الهوة بين المواطن والطبقة السياسية بما رجح الكفة لمنافسها وخصمها في الصراع وهو سعيد. لأن تحركها كان محكوما بنزعة التموقع من جديد واختيار سياسة لي الذراع والدخول في مناكفات وصراع مع رئيس الجمهورية ولم يكن تحركها مبنيا على المصلحة الوطنية.

لكن بالعود إلى البحث في أسباب تردي الوضع في مستوى الطبقة السياسية خلال العشرية الماضية وأسباب عدم استقرار بعض الأحزاب والقوى السياسية وانقسامها وانهيارها السريع، نتبين من أبرزها هو مشكل "الزعامتية" سواء تعلق الأمر بحركة النهضة التي شهدت استقالات بالجملة قبل 25 جويلية وبعده واختيار بعض قياداتها تأسيس أحزاب أخرى ونداء تونس الذي تصدر المشهد السياسي ومقاعد البرلمان بعد انتخابات 2014 الرئاسية والتشريعية، والأمر نفسه تقريبا بالنسبة للجبهة الشعبية وبعض أحزاب اليسار وغيرها.

لذلك فإن البعض يراهن على القانون الانتخابي الجديد ليكون آلية تساهم في تنقية الطبقة السياسية بما يدفع السياسيين للقيام بمراجعات ضرورية وترك المجال لأسماء وتجارب جدية بعض فشل القديمة، إكراما لبعض الذوات واستشرافا لمستقبل وبديل سياسي أكثر فاعلية ونجاعة وبراغماتية.

نزيهة الغضباني

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  مطالبة بالتجديد والقطع مع "الزعامات والرموز"..   رحيل الطبقة السياسية ..متى؟

تونس – الصباح

 تعددت الدعوات وأجمعت القراءات والآراء الصادرة عن سياسيين ومفكرين ومتابعين للشأن الوطني من تونس وخارجها، على ضرورة تجدد الطبقة السياسية والقطع مع المرحلة السياسية الحالية والمنظومات المكونة لها بشكل نهائي، على اعتبار أنه الحل الجذري للخروج من دوامة الأزمات التي تتخبط فيها تونس اليوم. مقابل المطالبة بضرورة "رحيل" الطبقة السياسية الحالية التي تتصدر المشهد وفسح المجال لتجارب جديدة قادرة على تقديم وابتكار رؤى وبرامج ومشاريع جديدة يمليها الواقع واستحقاقات العصر والمرحلة ومتطلباتها. يأتي ذلك بعد الإجماع على تحميل الطبقة السياسية وكل مكونات المشهد الحزبي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من ترد وأزمات وانسداد آفاق في جميع المجالات في تونس وبشكل غير مسبوق، خاصة في ظل توفر جملة من العوامل والأدلة التي استند عليها البعض في تفسير وتبرير هذه القراءة.

وما عزز قناعة المنتصرين لهذا الرأي هو الأداء "الضعيف" إن لم يكن عدميا وغير مجد للطبقة السياسية بمختلف أطيافها وتوجهاتها منذ القرارات المصيرية التي غيرت المنظومة ومجرى اللعبة السياسية في تونس منذ 25 جويلية 2021 إلى غاية هذه المرحلة. لتبقى نفس الطبقة سواء تعلق الأمر بالأحزاب والقوى والجبهات المعارضة أو غيرها من الداعمة للمسار أو "العائدة" من بعيد في محاولة للبحث عن تموقع جديد عبر الاصطفاف أو "الانتصاب" للحساب الخاص، تتخبط في نفس الدائرة دون القدرة على الخروج منها أو النجاح في تحقيق التغيير الذي تسعى إليه.

                  اعترافات وتأييد

ولئن أعرب راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة عن استعداده للتخلي عن رئاسة الحركة في حال "تقدم أي طرف بتسوية للمشكل التونسي"، فإن عددا آخر من السياسيين قرر وضع حد لنشاطه الحزبي أو الحركي لقناعته بأنه حان الوقت لمنح فرصة القيادة ليحل آخر فيما يكتفي هؤلاء بالمتابعة والتفكير والمشاركة في القراءات والنقاش والتوجيه. قرار الغنوشي هذا ليس المرة الأولى الذي يعلنه، ولكن سبق أن طرحت مسألة خروجه من رئاسة مجلس نواب الشعب المنحل بعد تفاقم الأزمات داخل قبة البرلمان وبين قصور الرئاسة الثلاثة وتحميله مسؤولية ذلك. وجاء قراره الأخير الذي أعلن عنه في أحد حواراته لوسائل إعلام أجنبية، بعد تعالي الدعوات والأصوات المطالبة برحيله بعد بقائه على رأس الحركة ما يقارب خمسة عقود، خاصة أن الأغلبية يحملونه مسؤولية فشل المنظومة التي حكمت تونس خلال العشرية الماضية، فضلا عن تحميله وحزبه الذي تزعم المشهد والمنظومة الحاكمة منذ 2011 إلى غاية سقوطها في الصائفة الماضية، مسؤولية مجانبة أهداف الثورة التي ظلت عالقة ولا يزال المواطنون ينظرون إليها باستشراف لا يخلو من حسرة وأعين حالمة.

وقد سبق أن أكد جنيدي عبد الجواد القيادي السابق في حزب "المسار" في حواره لـ"الصباح" أنه قرر الابتعاد عن القيادة الحزبية لقناعته أن مسألة المراجعات والتقييم ضرورية وهو العامل الذي دفعه لترك المجال لقيادات أخرى. وهو ما يعيبه بدوره على بعض السياسيين الكلاسيكيين أو التقليديين الذين واصلوا تمسكهم بالمراكز القيادية معتبرا أن ذلك من العوامل التي جعلت الفعل السياسي لا يتطور وانعكس سلبيا على الأداء والحضور والعلاقة بين السياسي والقواعد الشعبية والقوى الاجتماعية والمدنية. ودعا في نفس الإطار الشباب اليساري الذي يعتبره ضالا للطريق حاليا لعدة أسباب، إلى ضرورة الخروج من القوالب الإيديولوجية الجاهزة التي يتوارثها أسلافه وأغلب قياديي الأحزاب اليسارية لأنها في تقديره الحل الوحيد إعادة الاعتبار والتموقع الفاعل في المشهد السياسي لليسار في المستقبل.

في سياق متصل سبق أن فسر مصطفى بن أحمد القيادي السابق في "تحيا تونس" أنه وبعد قراره اعتزاله العمل الحزبي وقيامه بمراجعات وقراءة موضوعية للوضع تبين له أن الأحزاب الجديدة لا تختلف عن القديمة وأنها استتباعات لما حدث من قبل ويرى أنه سيكون لها نفس مصير السابقة طالما لم يكن لها مشروع هادف وإرادة وطنية للإصلاح والتطوير خاصة أن جميع القوى السياسية بما في ذلك الحداثيين وغيرهم اليوم في غيبوبة مقيتة. لأنه يعتبر المجال اليوم يجب أن يفتح للأجيال جديدة ربما تستيطع التقاط اللحظة وتحقق ما عجزت عنه الطبقة التلقيدية.

مطالبة البعض الطبقة السياسية الحالية بالرحيل لا يعكس موقفا من مكونات الساحة السياسة وإنما جاء نتيجة توفر عوامل ومعطيات موضوعية أو أخرى اجتماعية فكرية. فالأداء الذي قدمته الطبقة السياسية خلال العشرية الماضية كان من العوامل التي مهدت لحدوث قطيعة وهوة كبيرة من الطبقة السياسية والقواعد الشعبية خاصة بعد المصالحة التي تحققت بفضل ثورة 2011 بين المواطنين والساحة السياسية التي كان قبل ذلك يسيطر عليها الحزب الواحد. ثم أن نفس الطبقة السياسية لم تعترف بأخطائها ولم تعترف بدورها في تحمل مسؤولية الفشل وما آلت إليه الأوضاع من ترد وأزمات بل اختارت الهروب إلى الأمام. لتتواصل المقايضة الطبقية والسياسية. وسبق أن دعا عدد من قياديي حركة النهضة إلى ضرورة تغيير وتجديد الطبقة السياسية ليس داخل النهضة فحسب وإنما في المشهد السياسي بشكل عام من بينهم عبد الحميد الجلاصي وبعض القياديين الشبان الذي اختاروا مواصلة النشاط السياسي في حركات ومنتديات تفكير.

                   رسكلة مرفوضة

ولم يكن خافيا على المتابعين للشأن الوطني سقوط الطبقة السياسية في نفس الأخطاء التي كانت بدورها سببا في سقوط منظومة ما قبل 2011 في مرحلة أولى والمنظومة التي حكمت في العشرية التي تلتها في مرحلة ثانية، ونفسها شكلت سببا من أسباب فشل القوى المعارضة بجميع أشكالها في وضع حد للمسار الذي يقوده رئيس الجمهورية قيس سعيد طيلة أكثر من عام رغم محاولاتها المتكررة وخوضها مختلف أشكال التحركات داخليا وخارجيا. والأمر نفسه تقريبا بالنسبة للقوى الداعمة والمساندة للمسار ولكنها لم تستطع أن تفرض نسقها بدورها.

وعديدة هي القراءات التي تتقاطع عند حقيقة أن الطبقة السياسية القديمة هي عبارة عن "رسكلة" وإعادة إخراجها للطبقة السياسية في شكل جديد وبأدوات جديدة بما يمكن من إعادة "تدويرها" في العجلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية سواء منها القديمة التقليدية التي ميزت المشهد السياسي منذ طيلة العقود الخمس الماضية أو تلك التي ظهرت في "لبوس جديد" وذات منزع متنوع بين ما هو حقوقي وحرياتي وتقدمي ويساري وإيديولوجي. فالمتتبع للوضع في تونس يتبين أن اليسار لم يتخل عن طابعه الاستئصالي المقيت وعانى كثيرا من أزمة الزعامتية وعدم التجدد في الفكر والسياسية وكان ذلك من بين أسباب تشتيته وأصبح مهددا باندثاره أكثر من أي وقت مضى. فيما حافظت الأحزاب ذات التوجه الإسلامي على نزعتها الانتهازية المتوحشة، وظلت القوى التقدمية في شبه "غيبوبة" تتلاطمها تيارات دون قدرة على تحديد مسلكها ووضع المشروع المطلوب الكفيل بجعلها في مقدمة الركب لاسيما أن عديد القراءات تؤكد أن المستقبل سيكون للأحزاب والسياسيين التقدميين في ظل ما تبينه المعطيات والمؤشرات ليس في تونس فحسب وإنما في العالم أجمع باعتبار أن موجة التغيير هذه هي عالمية بالأساس.

وبينت كل المعطيات أن كل محاولة إعادة أنتاج نفس المشهد بنفس المكونات سيكون مآله الفشل خاصة أن الوضع في تونس لم يعد يحتمل مزيدا من التجريب والمجازفة بالعودة إلى منظومات سابقة عجزت عن تقديم البدائل التي تحقق لها وللمواطن والدولة الاستقرار والتطور والنماء. وهو ما يجعل "الدكاكين" السياسية الجديدة وكل المبادرات التي تحوم في نفس "الفلك" غير قادرة على الصمود وليست ذات جدوى. وذلك بعد أن أثبتت محاولات الطبقة السياسية بكل مكوناتها إعادة التموضع والتشكل والهيكلة في شكل جبهات وتيارات وقوى وتكتلات وحركات وكلنها لم تستطع قلب موازين القوى وساهمت في تعميق الهوة بين المواطن والطبقة السياسية بما رجح الكفة لمنافسها وخصمها في الصراع وهو سعيد. لأن تحركها كان محكوما بنزعة التموقع من جديد واختيار سياسة لي الذراع والدخول في مناكفات وصراع مع رئيس الجمهورية ولم يكن تحركها مبنيا على المصلحة الوطنية.

لكن بالعود إلى البحث في أسباب تردي الوضع في مستوى الطبقة السياسية خلال العشرية الماضية وأسباب عدم استقرار بعض الأحزاب والقوى السياسية وانقسامها وانهيارها السريع، نتبين من أبرزها هو مشكل "الزعامتية" سواء تعلق الأمر بحركة النهضة التي شهدت استقالات بالجملة قبل 25 جويلية وبعده واختيار بعض قياداتها تأسيس أحزاب أخرى ونداء تونس الذي تصدر المشهد السياسي ومقاعد البرلمان بعد انتخابات 2014 الرئاسية والتشريعية، والأمر نفسه تقريبا بالنسبة للجبهة الشعبية وبعض أحزاب اليسار وغيرها.

لذلك فإن البعض يراهن على القانون الانتخابي الجديد ليكون آلية تساهم في تنقية الطبقة السياسية بما يدفع السياسيين للقيام بمراجعات ضرورية وترك المجال لأسماء وتجارب جدية بعض فشل القديمة، إكراما لبعض الذوات واستشرافا لمستقبل وبديل سياسي أكثر فاعلية ونجاعة وبراغماتية.

نزيهة الغضباني

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews