* المكلفة بتوثيق وضع العاملات الفلاحيات لـ"الصباح ": "وضعية العاملات الفلاحيات ليست من أولويات رئاسة الجمهورية "
تونس-الصباح
سنة مرت على زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيد بمناسبة الاحتفال بعيد المرأة، إلى منطقة حي هلال بتونس العاصمة أين زار مجموعة من النساء الحرفيات في مجال صناعة الطين زيارة أكد خلالها تحمل الأمانة والمسؤولية والوقوف إلى جانبهن والدفاع عن حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية وتحسين ظروف العمل، حيث قال بالحرف الواحد: '' 13 أوت هو أنتُنّ وأنا معكن.. ولن أتراجع عن حقوقكن والقادم أحسن" ..سنة لم يتغير فيها شيء لا من حيث التّشريعات ولا وضعية المرأة خاصة النساء الكادحات في القطاع الفلاحي.. سنة حصدت الكثير من أرواح النساء العاملات في القطاع الفلاحي اخرها لامرأة يوم امس في حادث شاحنة لنقل العاملات بسيدي بوزيد.. سنة ومعضلة نقل العاملات في القطاع الفلاحي مازالت جاثمة على الصدور.. وقبلها وخلال شهر جوان جدت حادثة أليمة بأرياف فرنانة من ولاية جندوبة حيث ابتعلت آلة حاصدة عاملة فلاحية بالكامل، وفق ما أكدته لـ"الصباح" حياة عطار المكلفة بتوثيق وضع العاملات الفلاحيات بالمنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والاجتماعية.
عطار أكدت أن وضع العاملات الفلاحيات ما فتئت تشهد تعقيدا أكثر حيث حصلت العديد من المآسي في ظل ما تعرفه العاملات من استغلال فاحش على مختلف الاصعدة مقابل اجر زهيد لا يتجاوز في غالب الاحيان حدود 18 دينارا، مع غياب التغطية الاجتماعية ، وأيضا عدم توفر نقل يحفظ كرامة العاملة لاسيما وأن القانون 51 المتعلق بالنقل الفلاحي صعب التطبيق، وفق تاكيدها.
وابرزت أن النساء الفلاحيات غير قادرات على الانخراط في منظومة الضمان الاجتماعي أو منظومة احميني لأهن غير قادرة على خلاص المعاليم في ظل ما يتقاضينه من اجر زهيد جدا.
وابرزت ان الدولة وهياكلها طبعت مع الوضع المزري للعاملات لا سيما نقلهن في شاحنات وتعرضهن لحوادث ينجر عنها في غالب الاحيان حالات وفاة.
واعتبرت عضوة المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والاجتماعية أن القطاع الفلاحي في حاجة لإصلاح جذري وهو ما سيساعد على تحسين وضعية النساء العاملات في القطاع الفلاحي.
وابرزت انه منذ 2015 تم تسجيل أكثر من 83 حادثا لشاحنات تقل عاملات فلاحيات أسفر عنها أكثر من 800 جريح وما يزيد من 55 وفاة.
وأكدت أن العمل متواصل على ملف نقل العاملات الفلاحيات ضمن مشروع "سالمة تعيش".
وشددت حياة عطار أن الوضع لم يتغير وأن المنتدى لم يجد اي طرف مقابل يتجاوز معه حول هذا الملف الحارق في ظل وجود فرد فقط يمكن الحديث معه ، معتبرة أن ملف العاملات الفلاحيات والكادحات ليست من أولويات رئاسة الجمهورية،" وهذا ليس من باب إلقاء التهم جزافا بل بعد المراسلة التي ارسلها المنتدى نهاية شهر جوان الماضي والتي لم تعرها رئاسة الجمهورية اي اهتمام " حسب قولها.
وأكدت محدثتنا أن المنتدى والمجتمع المدني لن يلقيا المنديل وسيواصلان الدفاع عن حقوق المرأة وخاصة العاملات الفلاحيات.
تضطلع المرأة الرّيفيّة النّاشطة في القطاع الفلاحي بدور مهمّ في الحلقة الاقتصاديّة والتّنمويّة بالبلاد إلّا أنّه ورُغم دورها الاقتصاديّ والاجتماعيّ المؤثّر ومساهمتها الوازنة في المساهمة في استقرار عائلتها وتوفير الأمن الغذائي لأسرتها وللمجتمع ككلّ فإنّ واقع الفلاّحات النّاشطات مازال إلى اليوم ورغم ترسانة التّشريعات وتوالي الحكومات لم يبرح مربّع التّهميش والجحود والتنكّر والمتاجرة والمخاتلة السياسيّة مع كلّ استحقاق انتخابي، وضع تكشفه بوضوح كثرة الإشكاليّات والملفّات الحارقة التي تكتوي بنارها وبتأخّر الحسم فيها أمّهات وشابّات غالبا ما تنتهي حياتهنّ تحت عجلات العربات ممّا يجعل واقع المرأة الفلّاحة ومستقبلها محفوفا بالكثير من الغموض في ظلّ عدم تفعيل عديد التّشريعات وغياب إرادة حقيقيّة لتحسين أوضاعها .
"الصّباح" جابت عددا من أرياف معتمديّات القلعة الكبرى وسيدي بوعليّ والقلعة الصّغرى وأكودة ورصدت فصول معاناة يوميّة وجملة من التّضحيّات التي تدفعها فلاحيات شابّات وأخريات متزوّجات من أجل توفير لقمة عيش بعيدا عن منطق الحسابات لبساطة العقليّات من ناحية ولهاجس توفير ما به يسدّ جانبا من النّفقات اليوميّة التي تزداد وطأة مع حلول عديد المناسبات الإنفاقيّة المنهكة لجيوب بالكاد خاوية .
ظروف نقل مهينة.. وحوادث خلّفت اليتم والحرمان
مع الفجر والفجر لا يشعر مع الفجر راقبتها تعبر إلى أين قبل انبلاج الصّباح إلى أين هذا السرى المبكر ؟هو ذات المشهد الذي يتكرّر في عدد من المحطّات المعروفة في صفوف العاملات الفلاّحات بمنطقة الفقاعيّة من معتمديّة أكودة ومنزل المحطّة من سيدي بوعليّ والنّقر من معتمديّة القلعة الصّغرى وغيرها من المحطّات التي تحتضن مع أولى خيوط الفجر تجمّع العاملات في القطاع الفلاحيّ بعد أن تكنّ قد أعددن فطور الصّباح ووجبة الغداء لبقيّة أفراد العائلة واقتطعن منها ما بالكاد يسدّ رمق الجوع ويهفت ثورة الأمعاء الخاوية الثائرة المحتجّة على مجموع تفاصيل يوم لن يختلف عن سابقيه بان من أوّله أنّه سيكون محفوفا بالمتاعب والمخاطر.
من بعيد تلمح العاملات شاحنة مكشوفة أقبلت على مهل تتهادى بين الّثنايا مخافة أن تفقد شيئا من هيكلها المهترئ لتسارع إليها الفلاّحات غير عابئات ولا مكترثات فالظّفر بمكان للوقوف فوق ظهرها هو مبلغ همّهنّ قبل أن يتدخّل صاحب الشاحنة متوعّدا بالطّرد وإنزال كلّ من تبدي سرّا أو جهرا امتعاضا أو استنكارا من ظروف النّقل التي يحرص فيها صاحب الشّاحنة على الزجّ بأكثر ما يمكن من العاملات وسط الصّندوق الخلفيّ للشّاحنة معتمدا في ذلك أسلوب الحيلة وفق إفادة بعض العاملات لا تخطر على بال إلاّ ابليس ومن خطى منهجه، فقد أكّدت إحدى الفلاّحات الشّابات على أنّ صاحبة الشاحنة وبغاية نقل أكبرعدد من العاملات في سفرة واحدة يقوم شتاءً بسكب الماء على سطح الصّندوق لإرغام الرّاكبات على الوقوف طوال السّفرة وتجبر بذلك العاملات على الوقوف على ساق واحدة طوال سفرة مجهولة المصير كما أفادت إحدى الشابات بمنزل المحطّة أنّ بعض أصحاب الشّاحنات المتطاولين لايتورّعون عن دفع الرّاكبات من مؤخّراتهنّ لتيسيرغلق باب صندوق شاحنة الموت ممّا يسبّب لهنّ في كثير من الحرج المشفوع بكثير من السّخط على فقرهنّ وأوضاعهنّ التي تتسبّب في المسّ من كرامتهنّ وتُخلّف للكثيرات منهنّ أمراض الرّوماتيزم وغيرها .
وعن المخاطر الكثيرة التي تحفّ بعمليّة نقل العاملات أوضحت إحدى العاملات أنّ سلامتها وسلامة رفيقاتها تكون على كفّ عفريت بمجرّد أن تطأ قدمها سطح الصّندوق ممّا يجعل من وقت مغادرتها المنزل كلّ صباح توقيتا تغلب عليه الشّجون والمشاعر الجيّاشة المطبوعة بالألم والرّهبة من تفاصيل يوم قد يحصل فيه المحظور الذي قد يضع حدّا لحياتها فتترك عيالا لاحول ولاقوّة لهم في مواجهة واقع مرير باعتبارها عائلهم الوحيد بعد وفاة زوجها لذلك انخرطت سهيلة في بكاء مرير حين استحضرت حرصها وقت المغادرة على تقبيل صغارها والتّشديد عليهم بالنّصيحة والحيطة مبرّرة موقفها بعديد الحوادث القاتلة والمؤلمة التي تشهدها طرقاتنا والتي يذهب ضحيّتها العديد من الشّابات والنّسوة على غرار ماجدّ منذ سنوات بمنطقة بوفيشة والفرادة من معتمديّة النّفيضة وغيرها والتي حصدت أرواحا كثيرة نتيجة تهوّر سائق الشّاحنة وإفراطه في السّرعة أو نتيجة للحالة السيّئة للعربة.
استغلال فاحش وسمسرة في عرق المنسيّات
أوضح حسّان اللّطيّف رئيس الإتّحاد الجهويّ للفلاحة والصّيد البحريّ أنّه ورغم عديد المراسلات على المستوى الجهويّ والوطني الذي ما انفكّ الإتّحاد وهياكله يوجّها إلى السّلط المعنيّة من أجل التدخّل العاجل والفوريّ لاتّخاذ اجراءات جريئة تدفع نحو توفير وسائل نقل تضمن أبسط مقوّمات الكرامة والسّلامة للعاملات في القطاع الفلاحي والذي يزداد عددهنّ من سنة إلى أخرى وفق الإحصائيات والمؤشّرات نتيجة لعزوف الشّباب الذكوري ومقاطعته للنّشاط الفلاحي الذي أصبح قائما بالأساس على العنصر النّسائي بنسبة تتجاوز80% بالولاية فإنّه وإلى حدّ اليوم لم يتُّخذ إجراء يخدم صالح الفلاّحات العاملات واللاّتي يُسهمن بقدر كبير في تأمين أمننا الغذائيّ فضلا عن المساهمة في الحدّ من الارتفاع الجنونيّ لأسعار المواد الغذائيّة الفلاحيّة بالضّغط على التّكلفة الجمليّة باعتبارالأجور الزّهيدة التي تتقاضاها الفلّاحات مقارنة بما يظفر به الذّكور.
من جهة أخرى استنكر حسّان اللطيّف رئيس الإتّحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بسوسة ما يأتيه بعض أصحاب شاحنات نقل الفلاحات من ممارسات لا إنسانية من خلال التّعاقد مباشرة مع أصحاب كبار الضّيعات على توفير يد عاملة نسائيّة وضمان عملية نقل الفلاحات ذهابا وإيّابا مقابل أجرة يومية تتراوح بين 15 و20 دينارا في حين يتمّ تمكين العاملة من أجرة يومية لا تتعدّى في أفضل الحالات 12 دينارا ليستقرّ باقي المبلغ في بطون المستكرشين من سماسرة العرق ومن تعب الفلاّحات المنسيّات المهمّشات اللاّتي يسقين كلّ منتوج فلاحيّ ومهما تفاوتت أهمّيته واختلف نوعه من عرقهنّ وبثمرة مجهوداتهنّ رغم غياب كلّ شكل من أشكال التّأمين أو التغطية الاجتماعيّة والصحيّة التي من شأنها أن تحفظ الحقوق من استغلال المشغّلين.
ماذا عن الفلاّحة صاحبة المشروع ؟
يبلغ عدد الفلاّحات صاحبات المشاريع الصّغرى بالولاية ما يناهز 400 فلاّحة غير أنّ وضع صاحبات المشاريع الصّغرى لا يختلف كثيرا عن واقع بقيّة النّاشطات في القطاع فعديد الوقائع المسجّلة خلال الزّيارات الميدانيّة توثّق حجم الابتزاز الذي تعيشه المرأة الفلاّحة وأشكال استغلال مجهودها نتيجة لكثرة العوائق والعراقيل التي تعترضها في عمليّة تسويق منتوجاتها فتكون ضحيّة جشع الوسطاء الذي يفرضون عليها قيودا وشروطا وضغوطا تجعلها في مناسبات كثيرة تبيع منتوجها غصبا مخافة تلفه في غياب حلول التّخزين وفي ظلّ ضعف أداء الجامعة الجهويّة الخاصّة بالمرأة الفلاّحة وقلّة المبادرات التي تعنى بمساعدة الحرفيّات وباعثات المشاريع الفلاحية الصّغرى على الحصول على قروض صغرى أو تسويق منتوجاتهن وضمان مشاركاتهن في المعارض رغم المبادرات القليلة جدا في إطار برنامج الاقتصاد التضامني والاجتماعي وتنظيم بعض الدورات التكوينية التي لا ينتفع منها إلاّ عدد ضئيل جدا لا يتعدّى العشرات أو محاولة الإتحاد الجهوي للفلاحة بالاتفاق مع مندوبية التنمية الفلاحية على تخصيص الفضاء المشرف على مقرّ المندوبية لتنظيم معارض تسمح بعرض المنتوجات وتيسير عملية تسويق المنتوجات لحماية الباعثين الشبان من الوقوع لقمة سائغة في أفواه الوسطاء والمستكرشين وتوفير فرص ترويج المنتوجات بأسعار تضمن هامشا معقولا من الرّبح.
عنف وضعف تمثيل ..رغم الوزرالثّقيل
تمثّل نسبة النّساء العاملات والنّاشطات في القطاع الفلاحي بالأوساط الرّيفيّة99% إذ تقضّي المرأة الرّيفيّة معظم وقتها بالحقول وتسهم مساهمة فعّالة في تنمية الموارد وتحقيق أمننا الغذائيّ إلى جانب تعهّدها بواجباتها المنزليّة والأسريّة إلاّ أنّه ورغم جليل تضحيّاتها فإنّها تتعرّض في أحيان كثيرة إلى ألوان من الاضطهاد والتّعنيف من قبل زوجها أو أحد أقاربها ويقع تغييبها في مواطن اتّخاذ القرار وتحديد المصير فهي من يتعب ويكافح والرّجل من يجني ثمرة مجهودها لاعتبارات عائليّة أو اجتماعيّة في علاقة بالعادات والتّقاليد إذ غالبا ما ينظر لها على أنّها آلة للإنتاج والإنجاب على المستوى العائليّ فيما يشكّل ملفّها ورقة رابحة في أيادي المترشّحين والمشرفين على الحملات الانتخابيّة فيقع توظيفه توظيفا سياسيّا ظرفيّا بمناسبة الحملة التي تسمع فيها كمّا هائلا من الوعود والأحلام التي سرعان ما تنهار وتصطدم بأرض الواقع ويتّضح زيفها مباشرة بعد بلوغ المقصود وما التّمثيل الضّعيف للمرأة الريفيّة في مواقع القرار إلاّ خير دليل على هشاشة وضعها وسهولة استغلالها وتوظيفها .
أنور قلاّلة
نساء جندوبة: من العنف والإهمال الى ما وراء القضبان
جندوبة-الصباح
رغم تعدد الأصوات المنادية بحرية المرأة وضمان جميع حقوقها مثل الرجل فان الواقع يؤكد عكس ذلك بولاية جندوبة ، ففي هذه الربوع تتجلى الكثير من الصور والحقائق التي تدمي القلوب،هنا تتجسد المعاناة والمأساة ليبقى صدى الحرية مطلب يكتنفه الغموض.
نورة امرأة من المنطقة الحدودية أرض الكاف توفيت بعد سقوط سور مواشيها عليها لتلقى حتفها على عين المكان، كان ذلك خلال شهر فيفري الماضي وهي تقوم بتفقد بقراتها في ظل غياب الرجل.
وفي منطقة أولاد خميسة انتقلت إلى جوار ربها الخالة الضاوية وهي في عقدها الرابع بعد أن كانت تصارع الصخور الرملية أملا في الحصول على حمولة جرار لتسد بها الأفواه الجائعة.
انات النساء في كل المجالات
وفي بقية المناطق الريفية تتلون المعاناة منذ فجر الاستقلال الى اليوم ، فكم من امرأة تم قتلها من قبل احد أفراد العائلة (الزوج،الأخ...) لأسباب تافهة في محيط رجالي لا مكان فيه لحرية التعبير إذ تتجسد فيه أبشع مظاهر العبودية، فهي تسجن ولا تغادر المنزل إلا بإذن زوجها ولا يتم نقلها إلى المستشفيات إلا وهي تحتضر .
ولم تقف المعاناة هنا داخل أسوار البيت والحياة الزوجية بل تجاوزت ذلك لتتحول إلى بضاعة ففي الشريط الحدودي تنتشر ظاهرة الانقطاع المدرسي بشكل كبير ويشجع الآباء البنات خاصة للعمل كمعينات بمنازل أثرياء المدن بدل الدراسة، وتواجه الفتاة مصيرا مظلما وواقعا أشبه بالكابوس حين تتعرض للاغتصاب وتحليق شعرها وإقصائها عن بقية أفراد العائلة التي تشتغل عندها حسب ما أكدته بعضهن.
وعلى مدار السنة تقوم بأشغال شاقة لا يتحمل جسدها المنهك القيام بذلك لولا"الخبزة المرة" أو حين يفرض الواقع اختيارا مرا، فهي حمالة الحطب حين تقوم باكرا وتتجه الى عمق الغابة فيجرج جسدها وتقطع المسافات الطويلة وعلى ظهرها حزمة من الحطب يتجاوز وزنها المائة كيلوغرام همها الوحيد أن لا يبقى أطفالها لموجة البرد وبلا أكل في ظل غلاء وسائل التدفئة وثمن قارورة الغاز الطبيعي.
أما في العمل الفلاحي فتتعرض أيضا إلى معاملات سيئة منذ طلوع الفجر حين تمتطي الصناديق الخلفية للشحنات وتمضي السويعات تحت نزول المطر وهبوب الرياح القوية ثم تنتشر في الحقول لأكثر من تسع ساعات مقابل ثمن لا يغني ولا يسمن من جوع وتنهال عليها كلمات الشتم وأبشع النعوت وهي مستسلمة لهذا القدر.
إلا أنها تتحول إلى"أميرة" أثناء فترات الانتخابات حين تنهال عليها المساعدات والعلو من شأنها لتردد على مسامعها معاني الكرامة والحرية المصطنعة.
امال علوي اوجع كل النساء
ومثل اعتقال أمال علوي رئيسة بلدية طبرقة وايداعها السجن المدني بالسرس القشة التي قسمت ظهر البعير خاصة وأن زوجها مهاجر وتركت خلفها أبناء في أشد الحاجة لحنانها وعطفها لاسيما وأن الدعوة المقدمة ضدها فيها الكثير من اللبس والغموض، وهو ما أوجع كل النساء في جندوبة وحتى خارجها ، كما حرك كل المنظمات والمجتمع المدني.
واقع المرأة بولاية جندوبة يستدعي من مختلف مكونات المجتمع المدني التدخل العاجل بربوع الأرياف وإحداث ثورة حقيقية يكون عنوانها الأبرز حقها في حياة كريمة مثل بقية خلق الله وحتى لا تكون رقما يحقق من خلاله البعض مآربهم الشخصية، فتعدد الانتهاكات يؤكد أنها مازالت مقيدة بالأغلال وتحتاج الى من يفك قيدها...رغم مساعي مكونات المجتمع المدني بجندوبة منذ سنوات محاربة ظاهرة العنف المسلط على النساء خاصة بالوسط الريفي وصلت أحيانا الى حد الموت والحاق الأضرار الجسدية .
عمار مويهبي
الناشط الحقوقي بالقيروان "رضوان الفطناسي" لـ"الصباح" وضعية العاملات الفلاحيات صعبة.. ولا بد من مراجعة وإصلاح المنظومة الاقتصادية والاجتماعية
القيروان-الصباح
تتعرض العديد من النساء العاملات في الوسط المهني إلى أشكال متنوعة من التمييز أو العنف أو الإقصاء في فضاء العمل ومن أجل إماطة اللثام عن هذا الموضوع المسكوت عنه وطرحه في المنابر العامة من أجل معالجته من جذوره وتشريك كل الأطراف المتداخلة القادرة على تحمل المسؤولية تجاه المرأة العاملة ضحية العنف بحكم جنسها وهشاشة مهنتها، التقت "الصباح" بالناشط الحقوقي رضوان الفطناسي الذي طرح عن عدة ملفات
وضعية العاملات الريفيات صعبة ومعقدة
حيث صرح الناشط الحقوقي بأن العاملات في القطاع الفلاحي يقدر عددهن بنصف مليون امرأة من مجمل مليون ومائتي الف ناشطة في الوسط الريفي في البلاد التونسية وتمثل هذه الفئة الاجتماعية والمهنية ركيزة اساسية في التنمية وتحريك العجلة الاقتصادية المحلية، لكن تتسم وضعيتهن الى حد الان بالتعقيد والتاخر مقارنة حتى بالقطاعات المهنية الاخرى خاصة وأن هنالك موانع عديدة تتصل بوضعية العاملات اولها وجودهن في منظومة الفلاحة العائلية، رغم الوعود الكثيرة من الحكومات المتعاقبة ومراكز القرار في السنوات الاخيرة تجاههن،لذلك من الاجدر مراجعة واصلاح منظومتهن الاقتصادية والاجتماعية
آليات المراجعة والإصلاح
أشار الناشط الحقوقي رضوان الفطناسي لـ"الصباح"بأن آليات المراجعة والإصلاح في وضعية العاملات الريفيات، ترتكز أساسا بتطبيق المساواة في الاجر بالقطاع الفلاحي وتأجير العاملات بمعايير قانونية شفافة تخضع للاجر الادنى الفلاحي واحتساب الساعات الاضافية مع تيسير وتعميم منظومة الضمان الاجتماعي لهن والتي تعتبر ضعيفة جدا في القطاع الفلاحي وأكد الفطناسي غلى ضرورة تطبيق القانون المتعلق بالنقل اللائق القانوني في القطاع الفلاحي ومراجعة نظام التامين في العربات الفلاحية بما يتلاءم مع الظروف الحالية الموجودة وحث الفطناسي على تكريس الوقاية الصحية والمهنية للعاملات الفلاحيات في الضيعات الفلاحيات وتشديد المراقبة عند استعمال المبيدات من طرف العاملات موصيا بالمساعدة على انفاذ القانون عدد58لسنة2017 المتعلق بالعنف ضد المرأة بالنسبة للعاملات الفلاحيات وما يتعرضن اليه من عنف انطلاقا من مغادرتهم لمقر السكنى الى غاية رجوعهن مع أهمية تطبيق منظومة حوادث الشغل في صورة تعرض العاملات لحوادث المرور والتصدي للسمسرة في النقل العشوائي للعاملات واختتم الفطناسي حديثه لـ"الصباح" بضرورة تمتيع المرأة العاملة في القطاع الفلاحي بصفة خاصة من طرف الدولة بالمساعدات الاجتماعية المتنوعة المتاحة اضافة الى تحسين الوضع المتردي في المرافق الاجتماعية اليومية للمرأة الريفية خاصة البعيدة عن التجمعات السكنية والمدن مشيرا إلى أهمية التمكين الاقتصادي الفعلي للمرأة العاملة في القطاع الفلاحي وتيسير قواعد الاستثمار وادماجها كمنتجة في الفلاحة سيما بالنسبة للمشاريع الصغرى التي لاتتجاوز 10 الاف دينار.
مروان الدعلول
* المكلفة بتوثيق وضع العاملات الفلاحيات لـ"الصباح ": "وضعية العاملات الفلاحيات ليست من أولويات رئاسة الجمهورية "
تونس-الصباح
سنة مرت على زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيد بمناسبة الاحتفال بعيد المرأة، إلى منطقة حي هلال بتونس العاصمة أين زار مجموعة من النساء الحرفيات في مجال صناعة الطين زيارة أكد خلالها تحمل الأمانة والمسؤولية والوقوف إلى جانبهن والدفاع عن حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية وتحسين ظروف العمل، حيث قال بالحرف الواحد: '' 13 أوت هو أنتُنّ وأنا معكن.. ولن أتراجع عن حقوقكن والقادم أحسن" ..سنة لم يتغير فيها شيء لا من حيث التّشريعات ولا وضعية المرأة خاصة النساء الكادحات في القطاع الفلاحي.. سنة حصدت الكثير من أرواح النساء العاملات في القطاع الفلاحي اخرها لامرأة يوم امس في حادث شاحنة لنقل العاملات بسيدي بوزيد.. سنة ومعضلة نقل العاملات في القطاع الفلاحي مازالت جاثمة على الصدور.. وقبلها وخلال شهر جوان جدت حادثة أليمة بأرياف فرنانة من ولاية جندوبة حيث ابتعلت آلة حاصدة عاملة فلاحية بالكامل، وفق ما أكدته لـ"الصباح" حياة عطار المكلفة بتوثيق وضع العاملات الفلاحيات بالمنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والاجتماعية.
عطار أكدت أن وضع العاملات الفلاحيات ما فتئت تشهد تعقيدا أكثر حيث حصلت العديد من المآسي في ظل ما تعرفه العاملات من استغلال فاحش على مختلف الاصعدة مقابل اجر زهيد لا يتجاوز في غالب الاحيان حدود 18 دينارا، مع غياب التغطية الاجتماعية ، وأيضا عدم توفر نقل يحفظ كرامة العاملة لاسيما وأن القانون 51 المتعلق بالنقل الفلاحي صعب التطبيق، وفق تاكيدها.
وابرزت أن النساء الفلاحيات غير قادرات على الانخراط في منظومة الضمان الاجتماعي أو منظومة احميني لأهن غير قادرة على خلاص المعاليم في ظل ما يتقاضينه من اجر زهيد جدا.
وابرزت ان الدولة وهياكلها طبعت مع الوضع المزري للعاملات لا سيما نقلهن في شاحنات وتعرضهن لحوادث ينجر عنها في غالب الاحيان حالات وفاة.
واعتبرت عضوة المنتدى التونسي للحقوق الإقتصادية والاجتماعية أن القطاع الفلاحي في حاجة لإصلاح جذري وهو ما سيساعد على تحسين وضعية النساء العاملات في القطاع الفلاحي.
وابرزت انه منذ 2015 تم تسجيل أكثر من 83 حادثا لشاحنات تقل عاملات فلاحيات أسفر عنها أكثر من 800 جريح وما يزيد من 55 وفاة.
وأكدت أن العمل متواصل على ملف نقل العاملات الفلاحيات ضمن مشروع "سالمة تعيش".
وشددت حياة عطار أن الوضع لم يتغير وأن المنتدى لم يجد اي طرف مقابل يتجاوز معه حول هذا الملف الحارق في ظل وجود فرد فقط يمكن الحديث معه ، معتبرة أن ملف العاملات الفلاحيات والكادحات ليست من أولويات رئاسة الجمهورية،" وهذا ليس من باب إلقاء التهم جزافا بل بعد المراسلة التي ارسلها المنتدى نهاية شهر جوان الماضي والتي لم تعرها رئاسة الجمهورية اي اهتمام " حسب قولها.
وأكدت محدثتنا أن المنتدى والمجتمع المدني لن يلقيا المنديل وسيواصلان الدفاع عن حقوق المرأة وخاصة العاملات الفلاحيات.
تضطلع المرأة الرّيفيّة النّاشطة في القطاع الفلاحي بدور مهمّ في الحلقة الاقتصاديّة والتّنمويّة بالبلاد إلّا أنّه ورُغم دورها الاقتصاديّ والاجتماعيّ المؤثّر ومساهمتها الوازنة في المساهمة في استقرار عائلتها وتوفير الأمن الغذائي لأسرتها وللمجتمع ككلّ فإنّ واقع الفلاّحات النّاشطات مازال إلى اليوم ورغم ترسانة التّشريعات وتوالي الحكومات لم يبرح مربّع التّهميش والجحود والتنكّر والمتاجرة والمخاتلة السياسيّة مع كلّ استحقاق انتخابي، وضع تكشفه بوضوح كثرة الإشكاليّات والملفّات الحارقة التي تكتوي بنارها وبتأخّر الحسم فيها أمّهات وشابّات غالبا ما تنتهي حياتهنّ تحت عجلات العربات ممّا يجعل واقع المرأة الفلّاحة ومستقبلها محفوفا بالكثير من الغموض في ظلّ عدم تفعيل عديد التّشريعات وغياب إرادة حقيقيّة لتحسين أوضاعها .
"الصّباح" جابت عددا من أرياف معتمديّات القلعة الكبرى وسيدي بوعليّ والقلعة الصّغرى وأكودة ورصدت فصول معاناة يوميّة وجملة من التّضحيّات التي تدفعها فلاحيات شابّات وأخريات متزوّجات من أجل توفير لقمة عيش بعيدا عن منطق الحسابات لبساطة العقليّات من ناحية ولهاجس توفير ما به يسدّ جانبا من النّفقات اليوميّة التي تزداد وطأة مع حلول عديد المناسبات الإنفاقيّة المنهكة لجيوب بالكاد خاوية .
ظروف نقل مهينة.. وحوادث خلّفت اليتم والحرمان
مع الفجر والفجر لا يشعر مع الفجر راقبتها تعبر إلى أين قبل انبلاج الصّباح إلى أين هذا السرى المبكر ؟هو ذات المشهد الذي يتكرّر في عدد من المحطّات المعروفة في صفوف العاملات الفلاّحات بمنطقة الفقاعيّة من معتمديّة أكودة ومنزل المحطّة من سيدي بوعليّ والنّقر من معتمديّة القلعة الصّغرى وغيرها من المحطّات التي تحتضن مع أولى خيوط الفجر تجمّع العاملات في القطاع الفلاحيّ بعد أن تكنّ قد أعددن فطور الصّباح ووجبة الغداء لبقيّة أفراد العائلة واقتطعن منها ما بالكاد يسدّ رمق الجوع ويهفت ثورة الأمعاء الخاوية الثائرة المحتجّة على مجموع تفاصيل يوم لن يختلف عن سابقيه بان من أوّله أنّه سيكون محفوفا بالمتاعب والمخاطر.
من بعيد تلمح العاملات شاحنة مكشوفة أقبلت على مهل تتهادى بين الّثنايا مخافة أن تفقد شيئا من هيكلها المهترئ لتسارع إليها الفلاّحات غير عابئات ولا مكترثات فالظّفر بمكان للوقوف فوق ظهرها هو مبلغ همّهنّ قبل أن يتدخّل صاحب الشاحنة متوعّدا بالطّرد وإنزال كلّ من تبدي سرّا أو جهرا امتعاضا أو استنكارا من ظروف النّقل التي يحرص فيها صاحب الشّاحنة على الزجّ بأكثر ما يمكن من العاملات وسط الصّندوق الخلفيّ للشّاحنة معتمدا في ذلك أسلوب الحيلة وفق إفادة بعض العاملات لا تخطر على بال إلاّ ابليس ومن خطى منهجه، فقد أكّدت إحدى الفلاّحات الشّابات على أنّ صاحبة الشاحنة وبغاية نقل أكبرعدد من العاملات في سفرة واحدة يقوم شتاءً بسكب الماء على سطح الصّندوق لإرغام الرّاكبات على الوقوف طوال السّفرة وتجبر بذلك العاملات على الوقوف على ساق واحدة طوال سفرة مجهولة المصير كما أفادت إحدى الشابات بمنزل المحطّة أنّ بعض أصحاب الشّاحنات المتطاولين لايتورّعون عن دفع الرّاكبات من مؤخّراتهنّ لتيسيرغلق باب صندوق شاحنة الموت ممّا يسبّب لهنّ في كثير من الحرج المشفوع بكثير من السّخط على فقرهنّ وأوضاعهنّ التي تتسبّب في المسّ من كرامتهنّ وتُخلّف للكثيرات منهنّ أمراض الرّوماتيزم وغيرها .
وعن المخاطر الكثيرة التي تحفّ بعمليّة نقل العاملات أوضحت إحدى العاملات أنّ سلامتها وسلامة رفيقاتها تكون على كفّ عفريت بمجرّد أن تطأ قدمها سطح الصّندوق ممّا يجعل من وقت مغادرتها المنزل كلّ صباح توقيتا تغلب عليه الشّجون والمشاعر الجيّاشة المطبوعة بالألم والرّهبة من تفاصيل يوم قد يحصل فيه المحظور الذي قد يضع حدّا لحياتها فتترك عيالا لاحول ولاقوّة لهم في مواجهة واقع مرير باعتبارها عائلهم الوحيد بعد وفاة زوجها لذلك انخرطت سهيلة في بكاء مرير حين استحضرت حرصها وقت المغادرة على تقبيل صغارها والتّشديد عليهم بالنّصيحة والحيطة مبرّرة موقفها بعديد الحوادث القاتلة والمؤلمة التي تشهدها طرقاتنا والتي يذهب ضحيّتها العديد من الشّابات والنّسوة على غرار ماجدّ منذ سنوات بمنطقة بوفيشة والفرادة من معتمديّة النّفيضة وغيرها والتي حصدت أرواحا كثيرة نتيجة تهوّر سائق الشّاحنة وإفراطه في السّرعة أو نتيجة للحالة السيّئة للعربة.
استغلال فاحش وسمسرة في عرق المنسيّات
أوضح حسّان اللّطيّف رئيس الإتّحاد الجهويّ للفلاحة والصّيد البحريّ أنّه ورغم عديد المراسلات على المستوى الجهويّ والوطني الذي ما انفكّ الإتّحاد وهياكله يوجّها إلى السّلط المعنيّة من أجل التدخّل العاجل والفوريّ لاتّخاذ اجراءات جريئة تدفع نحو توفير وسائل نقل تضمن أبسط مقوّمات الكرامة والسّلامة للعاملات في القطاع الفلاحي والذي يزداد عددهنّ من سنة إلى أخرى وفق الإحصائيات والمؤشّرات نتيجة لعزوف الشّباب الذكوري ومقاطعته للنّشاط الفلاحي الذي أصبح قائما بالأساس على العنصر النّسائي بنسبة تتجاوز80% بالولاية فإنّه وإلى حدّ اليوم لم يتُّخذ إجراء يخدم صالح الفلاّحات العاملات واللاّتي يُسهمن بقدر كبير في تأمين أمننا الغذائيّ فضلا عن المساهمة في الحدّ من الارتفاع الجنونيّ لأسعار المواد الغذائيّة الفلاحيّة بالضّغط على التّكلفة الجمليّة باعتبارالأجور الزّهيدة التي تتقاضاها الفلّاحات مقارنة بما يظفر به الذّكور.
من جهة أخرى استنكر حسّان اللطيّف رئيس الإتّحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بسوسة ما يأتيه بعض أصحاب شاحنات نقل الفلاحات من ممارسات لا إنسانية من خلال التّعاقد مباشرة مع أصحاب كبار الضّيعات على توفير يد عاملة نسائيّة وضمان عملية نقل الفلاحات ذهابا وإيّابا مقابل أجرة يومية تتراوح بين 15 و20 دينارا في حين يتمّ تمكين العاملة من أجرة يومية لا تتعدّى في أفضل الحالات 12 دينارا ليستقرّ باقي المبلغ في بطون المستكرشين من سماسرة العرق ومن تعب الفلاّحات المنسيّات المهمّشات اللاّتي يسقين كلّ منتوج فلاحيّ ومهما تفاوتت أهمّيته واختلف نوعه من عرقهنّ وبثمرة مجهوداتهنّ رغم غياب كلّ شكل من أشكال التّأمين أو التغطية الاجتماعيّة والصحيّة التي من شأنها أن تحفظ الحقوق من استغلال المشغّلين.
ماذا عن الفلاّحة صاحبة المشروع ؟
يبلغ عدد الفلاّحات صاحبات المشاريع الصّغرى بالولاية ما يناهز 400 فلاّحة غير أنّ وضع صاحبات المشاريع الصّغرى لا يختلف كثيرا عن واقع بقيّة النّاشطات في القطاع فعديد الوقائع المسجّلة خلال الزّيارات الميدانيّة توثّق حجم الابتزاز الذي تعيشه المرأة الفلاّحة وأشكال استغلال مجهودها نتيجة لكثرة العوائق والعراقيل التي تعترضها في عمليّة تسويق منتوجاتها فتكون ضحيّة جشع الوسطاء الذي يفرضون عليها قيودا وشروطا وضغوطا تجعلها في مناسبات كثيرة تبيع منتوجها غصبا مخافة تلفه في غياب حلول التّخزين وفي ظلّ ضعف أداء الجامعة الجهويّة الخاصّة بالمرأة الفلاّحة وقلّة المبادرات التي تعنى بمساعدة الحرفيّات وباعثات المشاريع الفلاحية الصّغرى على الحصول على قروض صغرى أو تسويق منتوجاتهن وضمان مشاركاتهن في المعارض رغم المبادرات القليلة جدا في إطار برنامج الاقتصاد التضامني والاجتماعي وتنظيم بعض الدورات التكوينية التي لا ينتفع منها إلاّ عدد ضئيل جدا لا يتعدّى العشرات أو محاولة الإتحاد الجهوي للفلاحة بالاتفاق مع مندوبية التنمية الفلاحية على تخصيص الفضاء المشرف على مقرّ المندوبية لتنظيم معارض تسمح بعرض المنتوجات وتيسير عملية تسويق المنتوجات لحماية الباعثين الشبان من الوقوع لقمة سائغة في أفواه الوسطاء والمستكرشين وتوفير فرص ترويج المنتوجات بأسعار تضمن هامشا معقولا من الرّبح.
عنف وضعف تمثيل ..رغم الوزرالثّقيل
تمثّل نسبة النّساء العاملات والنّاشطات في القطاع الفلاحي بالأوساط الرّيفيّة99% إذ تقضّي المرأة الرّيفيّة معظم وقتها بالحقول وتسهم مساهمة فعّالة في تنمية الموارد وتحقيق أمننا الغذائيّ إلى جانب تعهّدها بواجباتها المنزليّة والأسريّة إلاّ أنّه ورغم جليل تضحيّاتها فإنّها تتعرّض في أحيان كثيرة إلى ألوان من الاضطهاد والتّعنيف من قبل زوجها أو أحد أقاربها ويقع تغييبها في مواطن اتّخاذ القرار وتحديد المصير فهي من يتعب ويكافح والرّجل من يجني ثمرة مجهودها لاعتبارات عائليّة أو اجتماعيّة في علاقة بالعادات والتّقاليد إذ غالبا ما ينظر لها على أنّها آلة للإنتاج والإنجاب على المستوى العائليّ فيما يشكّل ملفّها ورقة رابحة في أيادي المترشّحين والمشرفين على الحملات الانتخابيّة فيقع توظيفه توظيفا سياسيّا ظرفيّا بمناسبة الحملة التي تسمع فيها كمّا هائلا من الوعود والأحلام التي سرعان ما تنهار وتصطدم بأرض الواقع ويتّضح زيفها مباشرة بعد بلوغ المقصود وما التّمثيل الضّعيف للمرأة الريفيّة في مواقع القرار إلاّ خير دليل على هشاشة وضعها وسهولة استغلالها وتوظيفها .
أنور قلاّلة
نساء جندوبة: من العنف والإهمال الى ما وراء القضبان
جندوبة-الصباح
رغم تعدد الأصوات المنادية بحرية المرأة وضمان جميع حقوقها مثل الرجل فان الواقع يؤكد عكس ذلك بولاية جندوبة ، ففي هذه الربوع تتجلى الكثير من الصور والحقائق التي تدمي القلوب،هنا تتجسد المعاناة والمأساة ليبقى صدى الحرية مطلب يكتنفه الغموض.
نورة امرأة من المنطقة الحدودية أرض الكاف توفيت بعد سقوط سور مواشيها عليها لتلقى حتفها على عين المكان، كان ذلك خلال شهر فيفري الماضي وهي تقوم بتفقد بقراتها في ظل غياب الرجل.
وفي منطقة أولاد خميسة انتقلت إلى جوار ربها الخالة الضاوية وهي في عقدها الرابع بعد أن كانت تصارع الصخور الرملية أملا في الحصول على حمولة جرار لتسد بها الأفواه الجائعة.
انات النساء في كل المجالات
وفي بقية المناطق الريفية تتلون المعاناة منذ فجر الاستقلال الى اليوم ، فكم من امرأة تم قتلها من قبل احد أفراد العائلة (الزوج،الأخ...) لأسباب تافهة في محيط رجالي لا مكان فيه لحرية التعبير إذ تتجسد فيه أبشع مظاهر العبودية، فهي تسجن ولا تغادر المنزل إلا بإذن زوجها ولا يتم نقلها إلى المستشفيات إلا وهي تحتضر .
ولم تقف المعاناة هنا داخل أسوار البيت والحياة الزوجية بل تجاوزت ذلك لتتحول إلى بضاعة ففي الشريط الحدودي تنتشر ظاهرة الانقطاع المدرسي بشكل كبير ويشجع الآباء البنات خاصة للعمل كمعينات بمنازل أثرياء المدن بدل الدراسة، وتواجه الفتاة مصيرا مظلما وواقعا أشبه بالكابوس حين تتعرض للاغتصاب وتحليق شعرها وإقصائها عن بقية أفراد العائلة التي تشتغل عندها حسب ما أكدته بعضهن.
وعلى مدار السنة تقوم بأشغال شاقة لا يتحمل جسدها المنهك القيام بذلك لولا"الخبزة المرة" أو حين يفرض الواقع اختيارا مرا، فهي حمالة الحطب حين تقوم باكرا وتتجه الى عمق الغابة فيجرج جسدها وتقطع المسافات الطويلة وعلى ظهرها حزمة من الحطب يتجاوز وزنها المائة كيلوغرام همها الوحيد أن لا يبقى أطفالها لموجة البرد وبلا أكل في ظل غلاء وسائل التدفئة وثمن قارورة الغاز الطبيعي.
أما في العمل الفلاحي فتتعرض أيضا إلى معاملات سيئة منذ طلوع الفجر حين تمتطي الصناديق الخلفية للشحنات وتمضي السويعات تحت نزول المطر وهبوب الرياح القوية ثم تنتشر في الحقول لأكثر من تسع ساعات مقابل ثمن لا يغني ولا يسمن من جوع وتنهال عليها كلمات الشتم وأبشع النعوت وهي مستسلمة لهذا القدر.
إلا أنها تتحول إلى"أميرة" أثناء فترات الانتخابات حين تنهال عليها المساعدات والعلو من شأنها لتردد على مسامعها معاني الكرامة والحرية المصطنعة.
امال علوي اوجع كل النساء
ومثل اعتقال أمال علوي رئيسة بلدية طبرقة وايداعها السجن المدني بالسرس القشة التي قسمت ظهر البعير خاصة وأن زوجها مهاجر وتركت خلفها أبناء في أشد الحاجة لحنانها وعطفها لاسيما وأن الدعوة المقدمة ضدها فيها الكثير من اللبس والغموض، وهو ما أوجع كل النساء في جندوبة وحتى خارجها ، كما حرك كل المنظمات والمجتمع المدني.
واقع المرأة بولاية جندوبة يستدعي من مختلف مكونات المجتمع المدني التدخل العاجل بربوع الأرياف وإحداث ثورة حقيقية يكون عنوانها الأبرز حقها في حياة كريمة مثل بقية خلق الله وحتى لا تكون رقما يحقق من خلاله البعض مآربهم الشخصية، فتعدد الانتهاكات يؤكد أنها مازالت مقيدة بالأغلال وتحتاج الى من يفك قيدها...رغم مساعي مكونات المجتمع المدني بجندوبة منذ سنوات محاربة ظاهرة العنف المسلط على النساء خاصة بالوسط الريفي وصلت أحيانا الى حد الموت والحاق الأضرار الجسدية .
عمار مويهبي
الناشط الحقوقي بالقيروان "رضوان الفطناسي" لـ"الصباح" وضعية العاملات الفلاحيات صعبة.. ولا بد من مراجعة وإصلاح المنظومة الاقتصادية والاجتماعية
القيروان-الصباح
تتعرض العديد من النساء العاملات في الوسط المهني إلى أشكال متنوعة من التمييز أو العنف أو الإقصاء في فضاء العمل ومن أجل إماطة اللثام عن هذا الموضوع المسكوت عنه وطرحه في المنابر العامة من أجل معالجته من جذوره وتشريك كل الأطراف المتداخلة القادرة على تحمل المسؤولية تجاه المرأة العاملة ضحية العنف بحكم جنسها وهشاشة مهنتها، التقت "الصباح" بالناشط الحقوقي رضوان الفطناسي الذي طرح عن عدة ملفات
وضعية العاملات الريفيات صعبة ومعقدة
حيث صرح الناشط الحقوقي بأن العاملات في القطاع الفلاحي يقدر عددهن بنصف مليون امرأة من مجمل مليون ومائتي الف ناشطة في الوسط الريفي في البلاد التونسية وتمثل هذه الفئة الاجتماعية والمهنية ركيزة اساسية في التنمية وتحريك العجلة الاقتصادية المحلية، لكن تتسم وضعيتهن الى حد الان بالتعقيد والتاخر مقارنة حتى بالقطاعات المهنية الاخرى خاصة وأن هنالك موانع عديدة تتصل بوضعية العاملات اولها وجودهن في منظومة الفلاحة العائلية، رغم الوعود الكثيرة من الحكومات المتعاقبة ومراكز القرار في السنوات الاخيرة تجاههن،لذلك من الاجدر مراجعة واصلاح منظومتهن الاقتصادية والاجتماعية
آليات المراجعة والإصلاح
أشار الناشط الحقوقي رضوان الفطناسي لـ"الصباح"بأن آليات المراجعة والإصلاح في وضعية العاملات الريفيات، ترتكز أساسا بتطبيق المساواة في الاجر بالقطاع الفلاحي وتأجير العاملات بمعايير قانونية شفافة تخضع للاجر الادنى الفلاحي واحتساب الساعات الاضافية مع تيسير وتعميم منظومة الضمان الاجتماعي لهن والتي تعتبر ضعيفة جدا في القطاع الفلاحي وأكد الفطناسي غلى ضرورة تطبيق القانون المتعلق بالنقل اللائق القانوني في القطاع الفلاحي ومراجعة نظام التامين في العربات الفلاحية بما يتلاءم مع الظروف الحالية الموجودة وحث الفطناسي على تكريس الوقاية الصحية والمهنية للعاملات الفلاحيات في الضيعات الفلاحيات وتشديد المراقبة عند استعمال المبيدات من طرف العاملات موصيا بالمساعدة على انفاذ القانون عدد58لسنة2017 المتعلق بالعنف ضد المرأة بالنسبة للعاملات الفلاحيات وما يتعرضن اليه من عنف انطلاقا من مغادرتهم لمقر السكنى الى غاية رجوعهن مع أهمية تطبيق منظومة حوادث الشغل في صورة تعرض العاملات لحوادث المرور والتصدي للسمسرة في النقل العشوائي للعاملات واختتم الفطناسي حديثه لـ"الصباح" بضرورة تمتيع المرأة العاملة في القطاع الفلاحي بصفة خاصة من طرف الدولة بالمساعدات الاجتماعية المتنوعة المتاحة اضافة الى تحسين الوضع المتردي في المرافق الاجتماعية اليومية للمرأة الريفية خاصة البعيدة عن التجمعات السكنية والمدن مشيرا إلى أهمية التمكين الاقتصادي الفعلي للمرأة العاملة في القطاع الفلاحي وتيسير قواعد الاستثمار وادماجها كمنتجة في الفلاحة سيما بالنسبة للمشاريع الصغرى التي لاتتجاوز 10 الاف دينار.