فاجعة تلو الأخرى تعيشها تونس، فلا يكاد يمر شهر دون أخبار مفزعة تتعلق خاصة بأخبار الهجرة غير النظامية آخرها جدت مساء يوم الثلاثاء 9 أوت الجاري إثر غرق مركب على مسافة حوالي 3 أميال من سواحل القراطن بقرقنة على متنه مجموعة من المجتازين في حدود 30 شخصا من بينهم عائلات ونساء وأطفال.
تم انقاذ حوالي 20 مجتازا ينحدرون من ولايات صفاقس وسيدي بوزيد والقصرين وسليانة وسوسة وانتشال حوالي 6 جثث لنساء وأطفال فيما لا تزال الوحدات البحرية لإقليم الوسط للحرس البحري تواصل البحث عن بقية المفقودين.
ومن بين الضحايا، عائلة بأكملها أصيلة منطقة منزل المهيري من ولاية القيروان، حيث توفي الزوج وزوجته وطفليه وأقربائهم.
ووفق ما أكده مصدر من الحرس البحري لوكالة تونس إفريقيا للأنباء تم نقل الجثث إلى قسم الأموات بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس للتشريح والوقوف على اسباب الوفاة فيما باشرت فرقة الإرشاد البحري بقرقنة الأبحاث والاستماع إلى الناجين والسعي إلى معرفة ما جرى وأسباب غرق المركب.
لا تُعد هذه الحادثة الأولى التي تهز الرأي العام التونسي، ففي سنة 2018 جدت حادثة أخرى مفزعة بقرقنة أسفرت عن وفاة 48 شخصا إثر غرقهم في حين تم إنقاذ 68 آخرين امتطوا مركبا لا يمكن أن تتجاوز حمولته 30 شخصا في حين فاق عدد المهاجرين غير النظاميين 180 شخصا.
ورغم ما يتم تداوله عن أخبار الموت والغرق في عمليات تهريب بشرية عبر البحر، فإن ذلك لم يثن التونسيين بمختلف شرائحهم العمرية من المغامرة، فأصبحت عمليات الهجرة غير النظامية تضم قصرا ونساء وعائلات بأكملها بحثا عن حياة أفضل.
في هذا السياق، أكد الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر في تصريح لـ "الصباح" أنّ "عائلة كاملة لقت حتفها في الحادثة الأخيرة، ولكنها لا تُعد الحادثة الأولى، فمشروع الهجرة أصبح مشروعا يقتسمه التونسيات والتونسيين بمختلف أصنافهم التعليمية والاقتصادية والمهنية".
وأضاف "صنفان من الناس لتحقيق هذا المشروع، ناس لهم فرصة للهجرة بطريقة نظامية تستجيب للشروط المشددة للحصول على تأشيرة السفر يعدون محظوظين وهم أقلية. وناس يمثلون الأغلبية الساحقة لا تستجيب ظروفهم لشروط التأشيرات يُضاف إليها الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في تونس فيضطرون إلى التوجه لشبكات تهريب المهاجرين".
وأوضح بن عمر أنّ "عدد الواصلين عن طريق البحر إلى السواحل الإيطالية إلى حدود شهر جويلية 2022 أكثر من 7500 مهاجرا غير نظامي وهو رقم كبير جدا، إلى جانب ذلك بلغ عدد الواصلين عن طريق صربيا 4281 تونسيا خلال الستة أشهر الأخيرة وهو أيضا رقم مفزع، وهذه الأرقام الظاهرة أما في الواقع فالأرقام أكثر بكثير".
وبيّن رمضان بن عمر أنّ "اللجوء إلى الهجرة غير النظامية عن طريق خط صربيا يعود إلى أن "الحرقة" عبر البحر أصبحت مخطرة فعدد الضحايا المفقودين بلغ السنة 490 ضحية، أما هذه السنة إلى حدود شهر جويلية بلغ عدد الضحايا 429 مفقودا على الشواطئ التونسية".
وقال بن عمر "يُضاف إلى خطر الموت خطر الترحيل في إطار تعاون الدولة التونسية، لذلك أصبح هناك توجه نحو خط صربيا رغم تكلفته المالية".
في ذات الاتجاه قال الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إنّ "ظاهرة هجرة القصر والعائلات بطريقة غير نظامية بدأت منذ ثلاث سنوات، فعائلات بأكملها خاصة بالجهات الداخلية تعمد إلى بيع كل ما تملك وما تبقى من أجل مغادرة جماعية وقطيعة نهائية مع تونس".
وأضاف "تلك العائلات التي تجرأت على مثل هذا القرار، بالرغم من تصويرها من الرأي العام على أنها مغامرة وحالمة بالثروة، فإنها تعتبر أن الخطر الذي ستعيشه في البحر أصبح ثانويا مقارنة بالخطر وعدم الارتياح الذي تعيش على وقعه في تونس، "فهي أموات أموات سواء في تونس أو في البحر"، وفق ما تفكر فيه، بالرغم من أن الواقع عكس ذلك وهي في نهاية الأمر ضحية المهربين".
فأكد بن عمر أنه "تم في العديد من المناسبات دعوة السلط التونسية إلى إيجاد حلول لهذه الظاهرة في ظل غياب الحلول الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، من هذه الحلول ضرورة إيجاد خطة إنقاذ بالبحر الغاية الأولى منها إنقاذ الأرواح ثم الحل الثاني هو التفاوض مع الدول الأوروبية، التي فرضت على تونس أن تلعب دور شرطي الحدود، بخصوص عقود العمل الموسمية".
فبيّن أن "العديد من الدول الأوروبية فتحت أبوابها للأعمال الموسمية ولكن تونس في المقابل لن تحرك ساكنا ولم تسع إلى افتكاك نصيبها من هذه العقود ولا حتى أخبرت التونسيين بهذه الفرص للتقليص من خطوط التدفقات بطريقة غير نظامية".
وللتذكير فإن السلطات التونسية تمكنت في شهر جويلية لهذه السنة من إحباط 226 عميلة اجتياز ومنع 3226 مجتازا أي بارتفاع ملحوظ مقارنة بـ 2900 مجتاز في نفس الفترة بسنة 2021 واغلبهم من جنسيات تونسية بنسبة 53.24% مقارنة بـ 46.76% من الجنسيات غير التونسية كما تم احباط اغلب العمليات بحرا بنسبة 91% مقارنة بـ 8.8% برا وفق ما جاء في التقرير الشهري للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وأصبحت الجنسية التونسية تحتل المرتبة الأولى في الواصلين الى إيطاليا بنسبة 18% بعد أن بقيت طيلة السداسي الأول في المرتبة الثالثة خلف الجنسيات المصرية والبنغالية. وبلغ عدد القصّر التونسيين الواصلين إلى إيطاليا 1242 قاصرا في حين قدّر عدد العائلات الواصلة منذ بداية السنة بـ 300 عائلة. ويحرص الناجحون في الوصول الى السواحل الأوروبية بحرا الى إيطاليا او برا عبر صربيا على تقاسم تجربتهم على الشبكات الاجتماعية بتوثيق الرحلة في مقاطع فيديو مرفوقة بما يعبر عن سعادتهم في الوصول والنجاح او فيديو لتقديم شهادات حول مسار مشروعهم الهجري.
وما تزال الطريق الهجرية عبر صربيا تستقطب العشرات من التونسيين/ات رغم كلفتها المادية الباهظة وبعد المسافة لكنها بالنسبة للعديد تعد اقل خطورة من طريق البحر الأبيض المتوسط الأوسط.
مع تواصل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تغرق فيها البلاد منذ سنوات واستقرار العوامل المناخية ستتواصل التدفقات نحو الضفة الشمالية للمتوسط رغم عسكرة السواحل برا وبحرا لكن هذه المقاربة لم تمنع التدفق ولم تخفّض الموت على السواحل التونسية.
إيمان عبد اللطيف
تونس – الصباح
فاجعة تلو الأخرى تعيشها تونس، فلا يكاد يمر شهر دون أخبار مفزعة تتعلق خاصة بأخبار الهجرة غير النظامية آخرها جدت مساء يوم الثلاثاء 9 أوت الجاري إثر غرق مركب على مسافة حوالي 3 أميال من سواحل القراطن بقرقنة على متنه مجموعة من المجتازين في حدود 30 شخصا من بينهم عائلات ونساء وأطفال.
تم انقاذ حوالي 20 مجتازا ينحدرون من ولايات صفاقس وسيدي بوزيد والقصرين وسليانة وسوسة وانتشال حوالي 6 جثث لنساء وأطفال فيما لا تزال الوحدات البحرية لإقليم الوسط للحرس البحري تواصل البحث عن بقية المفقودين.
ومن بين الضحايا، عائلة بأكملها أصيلة منطقة منزل المهيري من ولاية القيروان، حيث توفي الزوج وزوجته وطفليه وأقربائهم.
ووفق ما أكده مصدر من الحرس البحري لوكالة تونس إفريقيا للأنباء تم نقل الجثث إلى قسم الأموات بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس للتشريح والوقوف على اسباب الوفاة فيما باشرت فرقة الإرشاد البحري بقرقنة الأبحاث والاستماع إلى الناجين والسعي إلى معرفة ما جرى وأسباب غرق المركب.
لا تُعد هذه الحادثة الأولى التي تهز الرأي العام التونسي، ففي سنة 2018 جدت حادثة أخرى مفزعة بقرقنة أسفرت عن وفاة 48 شخصا إثر غرقهم في حين تم إنقاذ 68 آخرين امتطوا مركبا لا يمكن أن تتجاوز حمولته 30 شخصا في حين فاق عدد المهاجرين غير النظاميين 180 شخصا.
ورغم ما يتم تداوله عن أخبار الموت والغرق في عمليات تهريب بشرية عبر البحر، فإن ذلك لم يثن التونسيين بمختلف شرائحهم العمرية من المغامرة، فأصبحت عمليات الهجرة غير النظامية تضم قصرا ونساء وعائلات بأكملها بحثا عن حياة أفضل.
في هذا السياق، أكد الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر في تصريح لـ "الصباح" أنّ "عائلة كاملة لقت حتفها في الحادثة الأخيرة، ولكنها لا تُعد الحادثة الأولى، فمشروع الهجرة أصبح مشروعا يقتسمه التونسيات والتونسيين بمختلف أصنافهم التعليمية والاقتصادية والمهنية".
وأضاف "صنفان من الناس لتحقيق هذا المشروع، ناس لهم فرصة للهجرة بطريقة نظامية تستجيب للشروط المشددة للحصول على تأشيرة السفر يعدون محظوظين وهم أقلية. وناس يمثلون الأغلبية الساحقة لا تستجيب ظروفهم لشروط التأشيرات يُضاف إليها الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في تونس فيضطرون إلى التوجه لشبكات تهريب المهاجرين".
وأوضح بن عمر أنّ "عدد الواصلين عن طريق البحر إلى السواحل الإيطالية إلى حدود شهر جويلية 2022 أكثر من 7500 مهاجرا غير نظامي وهو رقم كبير جدا، إلى جانب ذلك بلغ عدد الواصلين عن طريق صربيا 4281 تونسيا خلال الستة أشهر الأخيرة وهو أيضا رقم مفزع، وهذه الأرقام الظاهرة أما في الواقع فالأرقام أكثر بكثير".
وبيّن رمضان بن عمر أنّ "اللجوء إلى الهجرة غير النظامية عن طريق خط صربيا يعود إلى أن "الحرقة" عبر البحر أصبحت مخطرة فعدد الضحايا المفقودين بلغ السنة 490 ضحية، أما هذه السنة إلى حدود شهر جويلية بلغ عدد الضحايا 429 مفقودا على الشواطئ التونسية".
وقال بن عمر "يُضاف إلى خطر الموت خطر الترحيل في إطار تعاون الدولة التونسية، لذلك أصبح هناك توجه نحو خط صربيا رغم تكلفته المالية".
في ذات الاتجاه قال الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إنّ "ظاهرة هجرة القصر والعائلات بطريقة غير نظامية بدأت منذ ثلاث سنوات، فعائلات بأكملها خاصة بالجهات الداخلية تعمد إلى بيع كل ما تملك وما تبقى من أجل مغادرة جماعية وقطيعة نهائية مع تونس".
وأضاف "تلك العائلات التي تجرأت على مثل هذا القرار، بالرغم من تصويرها من الرأي العام على أنها مغامرة وحالمة بالثروة، فإنها تعتبر أن الخطر الذي ستعيشه في البحر أصبح ثانويا مقارنة بالخطر وعدم الارتياح الذي تعيش على وقعه في تونس، "فهي أموات أموات سواء في تونس أو في البحر"، وفق ما تفكر فيه، بالرغم من أن الواقع عكس ذلك وهي في نهاية الأمر ضحية المهربين".
فأكد بن عمر أنه "تم في العديد من المناسبات دعوة السلط التونسية إلى إيجاد حلول لهذه الظاهرة في ظل غياب الحلول الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، من هذه الحلول ضرورة إيجاد خطة إنقاذ بالبحر الغاية الأولى منها إنقاذ الأرواح ثم الحل الثاني هو التفاوض مع الدول الأوروبية، التي فرضت على تونس أن تلعب دور شرطي الحدود، بخصوص عقود العمل الموسمية".
فبيّن أن "العديد من الدول الأوروبية فتحت أبوابها للأعمال الموسمية ولكن تونس في المقابل لن تحرك ساكنا ولم تسع إلى افتكاك نصيبها من هذه العقود ولا حتى أخبرت التونسيين بهذه الفرص للتقليص من خطوط التدفقات بطريقة غير نظامية".
وللتذكير فإن السلطات التونسية تمكنت في شهر جويلية لهذه السنة من إحباط 226 عميلة اجتياز ومنع 3226 مجتازا أي بارتفاع ملحوظ مقارنة بـ 2900 مجتاز في نفس الفترة بسنة 2021 واغلبهم من جنسيات تونسية بنسبة 53.24% مقارنة بـ 46.76% من الجنسيات غير التونسية كما تم احباط اغلب العمليات بحرا بنسبة 91% مقارنة بـ 8.8% برا وفق ما جاء في التقرير الشهري للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وأصبحت الجنسية التونسية تحتل المرتبة الأولى في الواصلين الى إيطاليا بنسبة 18% بعد أن بقيت طيلة السداسي الأول في المرتبة الثالثة خلف الجنسيات المصرية والبنغالية. وبلغ عدد القصّر التونسيين الواصلين إلى إيطاليا 1242 قاصرا في حين قدّر عدد العائلات الواصلة منذ بداية السنة بـ 300 عائلة. ويحرص الناجحون في الوصول الى السواحل الأوروبية بحرا الى إيطاليا او برا عبر صربيا على تقاسم تجربتهم على الشبكات الاجتماعية بتوثيق الرحلة في مقاطع فيديو مرفوقة بما يعبر عن سعادتهم في الوصول والنجاح او فيديو لتقديم شهادات حول مسار مشروعهم الهجري.
وما تزال الطريق الهجرية عبر صربيا تستقطب العشرات من التونسيين/ات رغم كلفتها المادية الباهظة وبعد المسافة لكنها بالنسبة للعديد تعد اقل خطورة من طريق البحر الأبيض المتوسط الأوسط.
مع تواصل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تغرق فيها البلاد منذ سنوات واستقرار العوامل المناخية ستتواصل التدفقات نحو الضفة الشمالية للمتوسط رغم عسكرة السواحل برا وبحرا لكن هذه المقاربة لم تمنع التدفق ولم تخفّض الموت على السواحل التونسية.