إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح": ما تمر به تونس أزمة معايير تؤشر لسيناريوهات خطيرة

 

 

- ضرب الرموز والتمرد على القوانين والثوابت تمهيد لمأسسة جديدة

-المنظمة الشغيلة ومنظمة الأعراف هما القادران على تحقيق التوازن والمعادلة المطلوبة

تونس – الصباح

تعددت القراءات والتفاسير من وجهات نظر مختصين في علم الاجتماع والنفس لما تعيشه تونس في هذه المرحلة تحديدا من ظواهر وسلوكيات غير مسبوقة تباينت حولها المواقف والقراءات وأثارت جدلا واسع في مختلف الأوساط، وقد لعبت شبكات التواصل الاجتماعي دورها الكبير في تغذيتها لتبرز على سطح الأحداث والاهتمامات خاصة أن وسائل الإعلام قد انخرطت بدورها في التعاطي مع مستجدات هذه "اللعبة".

وقد فسر مراد مهني، أستاذ علم اجتماع بالجامعة التونسية وباحث في المجال، الوضع في حديثه لـ"الصباح"، بقوله:"صحيح أن القراءات متعددة لما تعرفه بلادنا في هذه المرحلة غير المسبوقة، ولكن توصيفها الأساسي يدفعني للإقرار بأنها أزمة معايير كبرى تشمل ما هو سياسي في النقد والجدل القائم بخصوص الاختيارات الراهنة على غرار الاستفتاء والدستور الجديد، وفي ظل الصراع القائم في المشهد السياسي وضرب رموز الدولة ومؤسساتها وأزمة معايير اقتصادية وطرح مسألة ديمومة الدولة ومقدراتها في علاقة بصندوق النقد الدولي والقروض إضافة إلى ما هو مطروح من إصلاحات واختيارات جديدة في مجال التربية والتعليم وما هو ثقافي وفكري واجتماعي في تونس اليوم".

وذهب المختص في علم الاجتماع في تحليله للوضع الراهن في تونس إلى أن بلادنا تعيش في محيط إقليمي ودولي متأزم بما يعرفه من حروب وتوترات كانت لها تداعيات كبيرة بشكل مباشر وغير مباشر على الوضع العام في الدولة وانعكاس على المواطن التونسي بما في ذلك الشريحة التي لا تعي حقيقة هذه الحروب والصراعات ذكر من أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية والأزمة بين الجزائر والمغرب والصراع الليبي -الليبي والحرب على غزة وغيرها. ونزّل محدثنا ردود الأفعال الصادرة عن التونسيين في علاقة بمستجدات الأحداث والأخبار والتي تتسم بالعنف بأنها شكل انعكاسا لأزمة فقدان المعايير التي جعلت الجميع يدخل في دوامة. ووضع ردود الأفعال التي خلقت دوامة غير مسبوقة في تونس اليوم فيما وصفه بـ"تعبيرة من تعبيرات هذه الأزمة".

 مأسسة جديدة

كما نزّل مراد مهني تفشي ظاهرة القفز على الثوابت الحضارية والثقافية والتمرد على القوانين والقيم وضرب رموز الدولة من سياسيين قدامى وجدد على غرار ما حدث للراحل بورقيبة وغيره من رموز الثقافة والفكر والعلم في تونس بشكل متواتر والسخرية منها وترذيلها وتحويلها إلى مادة للضحك والتهكم والتندر، في سياق مرحلة جديدة تحكمها رغبة كبيرة في مأسسة جديدة والقطع ما كل ما له علاقة بالقديمة على مستويات مختلفة. وتنبني هذه المأسسة والتوجه، وفق تقديره على خلق ثوابت ومقومات تعايش جديدة بما تشمله من علماء ورموز ثقافية وفنية جديدة وفق مقاييس جديدة أيضا، معتبرا أن ما عاشته تونس في السنوات الماضية كان بمثابة تمهيد لهذه المرحلة والوضعية.

في جانب آخر نبه محدثنا إلى خطورة تداعيات الظواهر المنتشرة في هذه المرحلة وعدم الاستهانة بها. وقال في نفس الإطار: "كل الأدلة والمعطيات تبين أن هذا الوضع وما يعيشه المجتمع اليوم من عنف بجميع أشكاله واستفحال أزمة الثقة إضافة إلى ما يعرف بالأزمات "الأخلاقية" التي تضرب ثوابت المجتمع التونسي لتضاف للأزمات الاقتصادية والسياسية والفكرية كلها عوامل ومعطيات تؤشر لسيناريوهات خطيرة".

ويذكر أن قراءات أخرى ذهبت في تفسيرها لتداعيات ما يعيشه المجتمع التونسي اليوم من تفكك وأزمة ثقة وتواصل بدأت في المجتمع السياسي وامتدت إلى مختلف الشرائح الاجتماعية تنبئ بحدوث انفجار في المجتمع التونسي لاسيما في ظل تفشي الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وغياب الحلول الناجعة والجذرية من قبل سلطة الإشراف مقابل مراهنة بعض الجهات السياسية في صراعاتها على الشارع من خلال الزج بالمواطن في حرب الصراع على التموقع والتمركز أو توجه جهات أخرى إلى تغذية حالة الاحتقان التي يمر بها الشارع اليوم.

فيما ذهب مراد مهني في حديثه عن هذا الجانب من الأزمة بقوله: "عادة ما ينبني كل تأسيس جديد على برنامج وأهداف محددة وثمار يمكن قطفها ولكن الوضع اليوم يختلف في ظل الضبابية التي تحكم المرحلة واكتفاء كل جهة سياسية بالشعارات فقط في ظل غياب أي برنامج أو مشروع واضح، وهذا يعزز الشعور بالخوف من المستقبل القريب ويجعله مسألة مشروعة".

 مرحلة عبور

وبين مهني أن الحالة في هذه المرحلة على غاية من الصعوبة الأمر الذي يجعل مسألة التكهن بمجرياتها ومآلاتها مسألة غير ممكنة وصعبة، نظرا لأن الأزمة متعددة الأقطاب. وأضاف قائلا: "في الحقيقة بلادنا تمر بمرحلة سياسية مبهمة ولكنها غير مسبوقة وهي أشبه بمغامرة عقبت أزمة شاملة وذلك في ظل غياب إجماع مؤسساتي على التعاطي معها". لذلك يرى أن كل المؤشرات الموضوعية تنذر بحدوث أزمة واضحة. وذهب في قراءته للمسألة إلى تنزيلها في سياق مرحلة العبور من مرحلة الفوضى والغموض والضبابية إلى مرحلة أخرى أكثر استقرارا.

لكنه يرى أن الأزمة ستتواصل على المدى القصير في ظل توفر جملة من العوامل والأرضية المغذية لها والتي مهدت لها الطريق مثلما ذكر سابقا.

 المعادلة المطلوبة

وفي تطرقه للحلول أو ما هو مطلوب للخروج من هذه الوضعية المتأزمة بأقل الأضرار وتطويقها قبل استفحالها، أفاد أستاذ علم الاجتماع والباحث بالجامعة التونسية أن القوى الاجتماعية البنيوية وحدها من يمكنها أن تلعب دورا رياديا في تحقيق المعادلة المطلوبة لتحقيق الاستقرار، وفسر ذلك بقوله: "في الحقيقة وبعد تراجع دور المجتمع المدني وتأثير اصطفافه السياسي وعدة عوامل أخرى على دوره في هذه المرحلة فإن القوى والمنظمات الاجتماعية الكبرى هي وحدها القادرة على المساهمة في تحقيق المعادلة المطلوبة خاصة منها الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للتجارة والصناعة والصناعات التقليدية أي المنظمة الشغيلة ومنظمة الأعراف لتقوم بدورها في تحقيق التوازن في ظل عدم فعالية الأحزاب والقوى السياسية".

نزيهة الغضباني

 

 

 

 

 

مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح":  ما تمر به تونس أزمة معايير تؤشر لسيناريوهات خطيرة

 

 

- ضرب الرموز والتمرد على القوانين والثوابت تمهيد لمأسسة جديدة

-المنظمة الشغيلة ومنظمة الأعراف هما القادران على تحقيق التوازن والمعادلة المطلوبة

تونس – الصباح

تعددت القراءات والتفاسير من وجهات نظر مختصين في علم الاجتماع والنفس لما تعيشه تونس في هذه المرحلة تحديدا من ظواهر وسلوكيات غير مسبوقة تباينت حولها المواقف والقراءات وأثارت جدلا واسع في مختلف الأوساط، وقد لعبت شبكات التواصل الاجتماعي دورها الكبير في تغذيتها لتبرز على سطح الأحداث والاهتمامات خاصة أن وسائل الإعلام قد انخرطت بدورها في التعاطي مع مستجدات هذه "اللعبة".

وقد فسر مراد مهني، أستاذ علم اجتماع بالجامعة التونسية وباحث في المجال، الوضع في حديثه لـ"الصباح"، بقوله:"صحيح أن القراءات متعددة لما تعرفه بلادنا في هذه المرحلة غير المسبوقة، ولكن توصيفها الأساسي يدفعني للإقرار بأنها أزمة معايير كبرى تشمل ما هو سياسي في النقد والجدل القائم بخصوص الاختيارات الراهنة على غرار الاستفتاء والدستور الجديد، وفي ظل الصراع القائم في المشهد السياسي وضرب رموز الدولة ومؤسساتها وأزمة معايير اقتصادية وطرح مسألة ديمومة الدولة ومقدراتها في علاقة بصندوق النقد الدولي والقروض إضافة إلى ما هو مطروح من إصلاحات واختيارات جديدة في مجال التربية والتعليم وما هو ثقافي وفكري واجتماعي في تونس اليوم".

وذهب المختص في علم الاجتماع في تحليله للوضع الراهن في تونس إلى أن بلادنا تعيش في محيط إقليمي ودولي متأزم بما يعرفه من حروب وتوترات كانت لها تداعيات كبيرة بشكل مباشر وغير مباشر على الوضع العام في الدولة وانعكاس على المواطن التونسي بما في ذلك الشريحة التي لا تعي حقيقة هذه الحروب والصراعات ذكر من أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية والأزمة بين الجزائر والمغرب والصراع الليبي -الليبي والحرب على غزة وغيرها. ونزّل محدثنا ردود الأفعال الصادرة عن التونسيين في علاقة بمستجدات الأحداث والأخبار والتي تتسم بالعنف بأنها شكل انعكاسا لأزمة فقدان المعايير التي جعلت الجميع يدخل في دوامة. ووضع ردود الأفعال التي خلقت دوامة غير مسبوقة في تونس اليوم فيما وصفه بـ"تعبيرة من تعبيرات هذه الأزمة".

 مأسسة جديدة

كما نزّل مراد مهني تفشي ظاهرة القفز على الثوابت الحضارية والثقافية والتمرد على القوانين والقيم وضرب رموز الدولة من سياسيين قدامى وجدد على غرار ما حدث للراحل بورقيبة وغيره من رموز الثقافة والفكر والعلم في تونس بشكل متواتر والسخرية منها وترذيلها وتحويلها إلى مادة للضحك والتهكم والتندر، في سياق مرحلة جديدة تحكمها رغبة كبيرة في مأسسة جديدة والقطع ما كل ما له علاقة بالقديمة على مستويات مختلفة. وتنبني هذه المأسسة والتوجه، وفق تقديره على خلق ثوابت ومقومات تعايش جديدة بما تشمله من علماء ورموز ثقافية وفنية جديدة وفق مقاييس جديدة أيضا، معتبرا أن ما عاشته تونس في السنوات الماضية كان بمثابة تمهيد لهذه المرحلة والوضعية.

في جانب آخر نبه محدثنا إلى خطورة تداعيات الظواهر المنتشرة في هذه المرحلة وعدم الاستهانة بها. وقال في نفس الإطار: "كل الأدلة والمعطيات تبين أن هذا الوضع وما يعيشه المجتمع اليوم من عنف بجميع أشكاله واستفحال أزمة الثقة إضافة إلى ما يعرف بالأزمات "الأخلاقية" التي تضرب ثوابت المجتمع التونسي لتضاف للأزمات الاقتصادية والسياسية والفكرية كلها عوامل ومعطيات تؤشر لسيناريوهات خطيرة".

ويذكر أن قراءات أخرى ذهبت في تفسيرها لتداعيات ما يعيشه المجتمع التونسي اليوم من تفكك وأزمة ثقة وتواصل بدأت في المجتمع السياسي وامتدت إلى مختلف الشرائح الاجتماعية تنبئ بحدوث انفجار في المجتمع التونسي لاسيما في ظل تفشي الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وغياب الحلول الناجعة والجذرية من قبل سلطة الإشراف مقابل مراهنة بعض الجهات السياسية في صراعاتها على الشارع من خلال الزج بالمواطن في حرب الصراع على التموقع والتمركز أو توجه جهات أخرى إلى تغذية حالة الاحتقان التي يمر بها الشارع اليوم.

فيما ذهب مراد مهني في حديثه عن هذا الجانب من الأزمة بقوله: "عادة ما ينبني كل تأسيس جديد على برنامج وأهداف محددة وثمار يمكن قطفها ولكن الوضع اليوم يختلف في ظل الضبابية التي تحكم المرحلة واكتفاء كل جهة سياسية بالشعارات فقط في ظل غياب أي برنامج أو مشروع واضح، وهذا يعزز الشعور بالخوف من المستقبل القريب ويجعله مسألة مشروعة".

 مرحلة عبور

وبين مهني أن الحالة في هذه المرحلة على غاية من الصعوبة الأمر الذي يجعل مسألة التكهن بمجرياتها ومآلاتها مسألة غير ممكنة وصعبة، نظرا لأن الأزمة متعددة الأقطاب. وأضاف قائلا: "في الحقيقة بلادنا تمر بمرحلة سياسية مبهمة ولكنها غير مسبوقة وهي أشبه بمغامرة عقبت أزمة شاملة وذلك في ظل غياب إجماع مؤسساتي على التعاطي معها". لذلك يرى أن كل المؤشرات الموضوعية تنذر بحدوث أزمة واضحة. وذهب في قراءته للمسألة إلى تنزيلها في سياق مرحلة العبور من مرحلة الفوضى والغموض والضبابية إلى مرحلة أخرى أكثر استقرارا.

لكنه يرى أن الأزمة ستتواصل على المدى القصير في ظل توفر جملة من العوامل والأرضية المغذية لها والتي مهدت لها الطريق مثلما ذكر سابقا.

 المعادلة المطلوبة

وفي تطرقه للحلول أو ما هو مطلوب للخروج من هذه الوضعية المتأزمة بأقل الأضرار وتطويقها قبل استفحالها، أفاد أستاذ علم الاجتماع والباحث بالجامعة التونسية أن القوى الاجتماعية البنيوية وحدها من يمكنها أن تلعب دورا رياديا في تحقيق المعادلة المطلوبة لتحقيق الاستقرار، وفسر ذلك بقوله: "في الحقيقة وبعد تراجع دور المجتمع المدني وتأثير اصطفافه السياسي وعدة عوامل أخرى على دوره في هذه المرحلة فإن القوى والمنظمات الاجتماعية الكبرى هي وحدها القادرة على المساهمة في تحقيق المعادلة المطلوبة خاصة منها الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للتجارة والصناعة والصناعات التقليدية أي المنظمة الشغيلة ومنظمة الأعراف لتقوم بدورها في تحقيق التوازن في ظل عدم فعالية الأحزاب والقوى السياسية".

نزيهة الغضباني

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews