إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رأي: مجتمعنا يئنّ تحت وطأة الانعطاف القسري

بقلم: فوزي النوري

أوّل سؤال تبادر إلى ذهني منذ فترة طويلة هوّ: كيف أنتج هذا الفرد الذي نراه والذي لا نرى ملامح شخصيّة مجتمعيّة يرتدّ إليها ولا علامة تدلّ على ميله ومزاجه..

في اعتقادي يجب أن نكون حذرين في الصمود أمام إغراءات الإجابات الاختزالية والتي تحيل تفسير هذا المنتج البشري للعوامل التاريخية والعناصر الموضوعيّة الماديّة بل يجب الإفلات من سطوتها دون تحييدها.

التونسي كائن فريد متفرّد لا ملامح له لم يتعرّف بعد على ذاته إلا من خلال وعاء غريب عنه سواء كان هذا الوعاء شرقيّا أو غربيّا.

هذا الكائن ينتصر للتقاليد وللمعتقد وللنزعة التحرّريّة ولقيم العولمة في مستواها السّطحي.. ليكون النسيج الاجتماعي مجموعات مختلفة وأحيانا صراعيّة تلتقي كلّها في التسطيح في فضاءات مبتذلة من التفاهة واللاّمعنى وتحوّلت هذه البنى الذهنيّة السطحيّة إلى معاقل تتحصّن داخلها هذه المجموعات المتناثرة التي تشكّل نسيجا مجتمعيّا هشّا.

عندما نتأمّل الخطاب الذي يفرزه هذا النسيج المجتمعي نلاحظ حضورا مكثّفا للمعتقد حتّى في أشكال الخطاب الأكثر تحرّرا (الفنّ) (السياسة) كما نلاحظ عنفا استقرّ لدينا وأصبح علامة دالّة عن مدى ارتباطنا وتجذّرنا ومطابقتنا للمواصفات التونسيّة.

في اعتقادي وتحت وطأة التحوّلات العميقة في مفهوم "الكائن المعولم" والتصدّعات التي أنتجتها المعلوماتيّة والمساحات الافتراضيّة وما أنتجته من إمكانات التفاعل الحرّ بشكل يتجاوز الحدود الجغرافيّة والذّهنيّة عمّقت التمزّق داخل النسيج المجتمعي بين الرّغبة في كسر الحواجز الدينيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة وبين حتميّة التحصّن بالمعتقد وكلّ أنماط الدّوائر المغلقة كالمعتقد وما ارتبط به وما شابهه من حصون التسليم واليقين في تاريخ مشبوه ومزوّر.

إنّها أزمة حضارة برمّتها قامت على الانغلاق والعنصريّة والتكلّس تعرّت في عاصفة من التحوّلات الكبرى في كلّ المستويات والبنى وفتحت أبوابها عنوة للوافد المعرفي والسياسي فأنتجت هذا الفرد المنفصم واللاّسوي والعنيف والمتطرّف والتّائه الضعيف ليواجه بهذا الإرث الثقيل وباللاّعقل ما عجزت عن استيعابه تربة العقلانيّة ومهدها والحضارة التي بنتها.

في اعتقادي فإنّنا جميعا تائهون فيما يحصل فينا وحولنا وحتّى ما اصطلح عليه بالنّخبة فلم نسمع لها صوتا ولا صدى وهي لا زالت تتلكّأ في لعب دور لم تتعوّد عليه ولم تتحرّر إلى اليوم للدرجة التي تسمح لها بالتأثير أو التأطير أو الإسناد أو حتّى تفسير ما يحصل من اليومي والمباشر.

الظواهر السياسيّة كان بإمكانها أن تلعب دورا في تأطير الظواهر الاجتماعيّة وحتّى في استفزاز بنية الوعي وحثّها على التحرّر من السائد المعرفي والقيمي ولكنّها هيّ الأخرى اختارت الطريق الأسهل للوصول إلى السّلطة من خلال المحافظة على الأوضاع بما يستميل تلك البنى الهشّة والمتدنّية فكانت تتأرجح بين الشعبويّة والديماغوجيا وتجارة المقدّس.

المحاولة الوحيدة لزعزعة كلّ هذه الوثوقيّات من خلال تصوّر فكري ومنظومة قيم مترابطة قام بها اليسار في تجاربه المتعدّدة ولكنّ الستالينيّة التنظيميّة أجهضت تحوّله إلى تنظيمات واسعة لكنّه كان الأكثر جرأة في التعاطي مع قضايا المعتقد والمرأة وتحرير الطبقة العاملة رغم عجزه التواصلي وأخطائه السياسيّة التي ذكرتها في مقالات سابقة.

التحوّلات التي نعيشها اليوم تقودنا في انعطاف قسري سينسف هذه البنى وسيقتلع مذاهب وتصوّرات من جذورها وسيحملنا نحو كائن معولم بهويّة أخرى لا أثر فيه للمحدّدات التقليديّة لسلوكنا الفردي بما يطيل حالة الضياع التي نعيش ويزيد التصدّع تصدّعا والبؤس بؤسا.

 

 

  رأي: مجتمعنا يئنّ تحت وطأة الانعطاف القسري

بقلم: فوزي النوري

أوّل سؤال تبادر إلى ذهني منذ فترة طويلة هوّ: كيف أنتج هذا الفرد الذي نراه والذي لا نرى ملامح شخصيّة مجتمعيّة يرتدّ إليها ولا علامة تدلّ على ميله ومزاجه..

في اعتقادي يجب أن نكون حذرين في الصمود أمام إغراءات الإجابات الاختزالية والتي تحيل تفسير هذا المنتج البشري للعوامل التاريخية والعناصر الموضوعيّة الماديّة بل يجب الإفلات من سطوتها دون تحييدها.

التونسي كائن فريد متفرّد لا ملامح له لم يتعرّف بعد على ذاته إلا من خلال وعاء غريب عنه سواء كان هذا الوعاء شرقيّا أو غربيّا.

هذا الكائن ينتصر للتقاليد وللمعتقد وللنزعة التحرّريّة ولقيم العولمة في مستواها السّطحي.. ليكون النسيج الاجتماعي مجموعات مختلفة وأحيانا صراعيّة تلتقي كلّها في التسطيح في فضاءات مبتذلة من التفاهة واللاّمعنى وتحوّلت هذه البنى الذهنيّة السطحيّة إلى معاقل تتحصّن داخلها هذه المجموعات المتناثرة التي تشكّل نسيجا مجتمعيّا هشّا.

عندما نتأمّل الخطاب الذي يفرزه هذا النسيج المجتمعي نلاحظ حضورا مكثّفا للمعتقد حتّى في أشكال الخطاب الأكثر تحرّرا (الفنّ) (السياسة) كما نلاحظ عنفا استقرّ لدينا وأصبح علامة دالّة عن مدى ارتباطنا وتجذّرنا ومطابقتنا للمواصفات التونسيّة.

في اعتقادي وتحت وطأة التحوّلات العميقة في مفهوم "الكائن المعولم" والتصدّعات التي أنتجتها المعلوماتيّة والمساحات الافتراضيّة وما أنتجته من إمكانات التفاعل الحرّ بشكل يتجاوز الحدود الجغرافيّة والذّهنيّة عمّقت التمزّق داخل النسيج المجتمعي بين الرّغبة في كسر الحواجز الدينيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة وبين حتميّة التحصّن بالمعتقد وكلّ أنماط الدّوائر المغلقة كالمعتقد وما ارتبط به وما شابهه من حصون التسليم واليقين في تاريخ مشبوه ومزوّر.

إنّها أزمة حضارة برمّتها قامت على الانغلاق والعنصريّة والتكلّس تعرّت في عاصفة من التحوّلات الكبرى في كلّ المستويات والبنى وفتحت أبوابها عنوة للوافد المعرفي والسياسي فأنتجت هذا الفرد المنفصم واللاّسوي والعنيف والمتطرّف والتّائه الضعيف ليواجه بهذا الإرث الثقيل وباللاّعقل ما عجزت عن استيعابه تربة العقلانيّة ومهدها والحضارة التي بنتها.

في اعتقادي فإنّنا جميعا تائهون فيما يحصل فينا وحولنا وحتّى ما اصطلح عليه بالنّخبة فلم نسمع لها صوتا ولا صدى وهي لا زالت تتلكّأ في لعب دور لم تتعوّد عليه ولم تتحرّر إلى اليوم للدرجة التي تسمح لها بالتأثير أو التأطير أو الإسناد أو حتّى تفسير ما يحصل من اليومي والمباشر.

الظواهر السياسيّة كان بإمكانها أن تلعب دورا في تأطير الظواهر الاجتماعيّة وحتّى في استفزاز بنية الوعي وحثّها على التحرّر من السائد المعرفي والقيمي ولكنّها هيّ الأخرى اختارت الطريق الأسهل للوصول إلى السّلطة من خلال المحافظة على الأوضاع بما يستميل تلك البنى الهشّة والمتدنّية فكانت تتأرجح بين الشعبويّة والديماغوجيا وتجارة المقدّس.

المحاولة الوحيدة لزعزعة كلّ هذه الوثوقيّات من خلال تصوّر فكري ومنظومة قيم مترابطة قام بها اليسار في تجاربه المتعدّدة ولكنّ الستالينيّة التنظيميّة أجهضت تحوّله إلى تنظيمات واسعة لكنّه كان الأكثر جرأة في التعاطي مع قضايا المعتقد والمرأة وتحرير الطبقة العاملة رغم عجزه التواصلي وأخطائه السياسيّة التي ذكرتها في مقالات سابقة.

التحوّلات التي نعيشها اليوم تقودنا في انعطاف قسري سينسف هذه البنى وسيقتلع مذاهب وتصوّرات من جذورها وسيحملنا نحو كائن معولم بهويّة أخرى لا أثر فيه للمحدّدات التقليديّة لسلوكنا الفردي بما يطيل حالة الضياع التي نعيش ويزيد التصدّع تصدّعا والبؤس بؤسا.

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews