أمين مال نقابة أصحاب الصيدليات الخاصة لـ"الصباح": 500 ألف تونسي يتوجهون يوميا للصيدليات
- وحدات الحرس الديواني قامت خلال 2021 بحجز 794279 قطعة دواء
تونس-الصباح
ككل مرة أصبحت أزمة نقص الأدوية في المستشفيات التونسية تتكرر، حيث يلجأ التونسيون في معظم الأحيان إلى اقتناء الأدوية من الصيدليات الخاصة بعد إبلاغهم بعدم توفرها في المستشفيات عقب قيامهم إما بعملية أو زيارة للطبيب كما هو الحال في العديد من المستشفيات الجامعية الكبرى والمستشفيات الجهوية أو حتى المستشفيات المحلية ومراكز رعاية الصحية الأساسية، وقد أصبح الحصول على نوع واحد من الدواء المكتوب من قبل الطبيب في وصفة الدواء بمثابة الحلم للمرضى، قبل أن يتوجه إلى الصيدليات الخاصة مجبرا لا مخيرا ليتفاجأ بأن نفس الأزمة ألا وهي نقص الأدوية امتدت لتصل إلى الصيدليات الخاصة.
حيث أصبح التونسيون يعيشون صعوبات جمة للحصول على عدة أنواع من الأدوية خاصة منها الأدوية المرتبطة بالأمراض المزمنة، وذلك نتيجة فقدانها في المستشفيات العمومية والمصحات الخاصة وكذلك الصيدليات وصيدليات الصندوق الوطني للتأمين على المرض وصيدليات الضمان الاجتماعي..، كما تعمقت وتتالت هذه الأزمات أكثر منذ بداية جائحة كورونا ودخول فصل الصيف الذي تكثر فيه أيضا بعض الأمراض نتيجة حرارة الطقس.
فقدان الأدوية في تونس
وأفاد أمين المال للنقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة، زياد كراي، في تصريح لـ"الصباح"، بأن نحو 500 ألف تونسي يتوجهون يوميا للصيدليات، ليتفاجأوا بأن هناك ما يزيد عن 200 نوع من الأدوية باتت مفقودة في الصيدليات التونسية، بالرغم من وجود بعض الأدوية التي لها أدوية جنيسة تعوض الدواء الأصلي.
وشدد محدثنا، على أن أزمة نقص الأدوية تعود بالأساس إلى تراكم ديون الصيدلية المركزية لدى المزودين مما أدى إلى عدم توفيرهم للكميات المطلوبة من الأدوية، لافتا إلى أن ذلك حال دون قدرتها على توريد هذه الأدوية رغم الحاجة الملحة إليها، خاصة منها أدوية الأمراض المزمنة وأمراض الأعصاب وضغط الدم وعدة أنواع أخرى من الأدوية، وأشار في نفس السياق إلى تفاقم الأزمة في الفترة الأخيرة والتي تتواصل منذ فترة بسبب تقلص احتياطي الأدوية إلى اقل من 3 أشهر، بالإضافة إلى فقدان عدة أنواع من الأدوية محلية الصنع وهو أمر غير معتاد.
وأقترح أمين المال النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة، زياد كراي، أن عملية التشخيص للازمة تتطلب العمل على رقمنة القطاع لمعرفة الأدوية التي تشهد أزمة نقص من السوق التونسية وحتى العالمية، بالإضافة إلى العمل على تسديد ديون الصيدلية المركزية..
أسباب تراكم الديون
وكان تقرير صدر مؤخرا عن وزارة المالية حول المنشآت العمومية المرفق لقانون المالية أكد أن عدة مؤسسات ومنشآت عمومية تمثل مخاطر عالية وفق معايير حجم الدعم الموجه وحجم القروض المسندة من قبل الدولة أو الممنوحة بالضمان ومتخلدات القروض المسندة من قبل الدولة. وتعتبر الصيدلية المركزية من هذه المؤسسات ذات المخاطر العالية بسبب تراكم ديونها لدى المستشفيات العمومية والصناديق الاجتماعية وبلغـت النتيجـة الصافيـة للصيدليـة المركزيـة التونسـية بحسب ذات التقرير خـلال سـنة 2019 مـا قيمتـه 11,9م.د مقابل 234,6-م.د خلال سنة 2018 مسجلة بذلك ارتفاعا بقيمة 246,5 م.د وبنسبة 105%، ويعود ذلك خاصة إلى انخفاض الأعباء المالية الصافية بقيمة 291,6 وبنسبة 137,7% ناتجا عن تراجع خسائر الصرف بقيمة 117,3م.د.
وخلال سـنة 2020، بلغـت النتيجـة الصافيـة 11,8-م.د مسـجلة بذلـك انخفاضـا بقيمـة 23,7 م.د وبنسـبة 199,2% ويعـود ذلـك خاصـة إلـى ارتفـاع الأعباء المالية الصافيـة بقيمـة 166,6م.د وبنسـبة208,5 بالمائة وتقـدر مسـتحقات الصيدليـة المركزيـة للبـلاد التونسـية بـ542,9 م د (بعنـوان سـنة 2020) وهـي مسـتحقاتها لـدى الهيـاكل الاستشفائية العمومية(هي صنف من المؤسسات تتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية عن الدولة) ويعود عدم إيفاؤها بديونها تجاه الصيدلية المركزية للصعوبات التي تشهدها في استخلاص مستحقاتها لدى الصندوق الوطني للتامين على المرض.
ووضعت الدولة في موازنتها لسنة 2022 وفي نصّ الفصل62 إجراءات جديدة لمساندة الصيدلية المركزية التونسية، من خلال التخفيض إلى 0% نسبة المعاليم الديوانية المستوجبة على الأدوية التي لها مثيل مصنوع محليا الموردة من قبل الصيدلية المركزية التونسية والمدرجة بالعددين 30.03 و30.04 من تعريفة المعاليم الديوانية وذلك إلى غاية 31 ديسمبر 2023. ويوُقف العمل بالأداء على القيمة المضافة المستوجب على الأدوية التي لها مثيل مصنوع محلياّ الموردة من قبل الصيدلية المركزية التونسية والمدرجة بالعددين 30.03 و30.04 من تعريفة المعاليم الديوانية وذلك إلى غاية 31 ديسمبر 2023.
كما تعفى الصيدلية المركزية التونسية من الأداءات والمعاليم المستوجبة والخطايا المتعلقة بها بعنوان وارداتها من منتجات الحماية الفردية المنجزة خلال سنة 2020 والتي انتفعت في شأنها بنظام المستودع الخاص للحساب الشخصي طبقا لأحكام الفصل 181 من مجلةّ الديوانة.
عجز الصناديق الاجتماعية
وكشف وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، في تصريح لموقع “الشعب نيوز" و"لجريدة الشعب"، قبل فترة عن حجم عجز الصناديق الاجتماعية الثلاثة. وأكدّ الوزير أنّه لم يتم من قبل انتهاج أيّة سياسة إصلاحية بخصوص الصناديق الاجتماعية، معتبرا أنّ أكبر دليل على ذلك هو بلوغ عجز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة 2022، 1.440 مليار دينار، كما بلغ عجز صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية إلى حدود السنة الحالية أيضا 472 مليون دينار، أمّا صندوق التأمين على المرض فحقق ربحا بـ 875 مليون دينار، ولكنه ربح على الورق فقط، وبالتالي وجب اتخاذ قرارات إصلاحية لإيقاف هذا النزيف، حسب تعبيره.
ومن المنتظر حسب إفادة الوزير أن تقع إعادة النظر في منظومة الضمان الاجتماعي ككل لما تحتويه من خلل كبير عمّق أزمة وعجز الصناديق، متوقعا أن تتم تغطية هذا العجز في غضون سنتين، وسيتم بعدها إيقاف الاقتطاع بنسبة 1% نهائيا.
جملة من العوائق
بدوره أمين مال الغرفة الوطنية لتصنيع الأدوية، سليم بوزغندة، أكد أن تونس تسعى إلى الترفيع في نسبة التصدير على مستوى قطاع الأدوية وذلك بالتعاون مع المصنعين في القطاع الخاص، بهدف حضور المنتوجات التونسية في الأسواق العالمية، وفق قوله.
وأفاد سليم بوزغندة، في تصريح لـ"اكسبراس اف ام"، بوجود مصنعي أدوية تونسيين بكل من الجزائر والسنغال والكوت ديفوار والكاميرون، ما يؤكد أن قطاع الأدوية في تونس معترف به على النطاق الإفريقي والعالمي. في المقابل أكد بوزغندة وجود جملة من العوائق لم تتمكن الغرفة من تخطيها على غرار غياب وكالة أدوية تونسية وعدم توفر الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، إلى جانب دخول عدة دول في منافسة مع تونس حول هذا المجال مثل المغرب والجزائر ورواندا والزيمبابوي والمغرب، لامتلاكهم ممثلين سياسيين في القارة الإفريقية. وبين أن كل هذه العوامل أدت إلى فشل تونس في المنافسة على استضافة مقر الوكالة الإفريقية للأدوية.
في ذات السياق كشف ضيف البرنامج أن المصانع المحلية العمومية تغطي حوالي 54% من استهلاك الأدوية في تونس التي تمثل بدورها 77% من التصنيع المحلي، ما يعادل 8 علب من مجموع 10 علب أدوية تباع في تونس، مصنوعة على المستوى المحلي، أما بالنسبة للقطاع الخاص فإنه يغطي تقريبا 80% من استهلاك الأدوية.
في سياق متصل أوضح أمين مال الغرفة الوطنية لتصنيع الأدوية أن من أسباب نقص الأدوية في تونس في السنوات الأخيرة، نقص في المواد الأولية لتصنيع الأدوية التي يتم استيرادها من ”الصين والهند”، ما دفع تونس إلى بذل الجهود للتقليص في هذا النقص، إلى جانب ارتفاع الأسعار على المستوى العالمي في ظل تدهور الدينار التونسي والحرب الروسية الأوكرانية.
وأشار إلى أن قيمة الدعم في قطاع الأدوية من قبل الصيدلية المركزية بلغت سنة 2021، حوالي 200 مليون دينار من ضمنها 30 مليون دينار من قيمة أدوية مصنعة محليا.
ودعا سليم بوزغندة إلى ضرورة تحيين القوانين القديمة المتعلقة بالأدوية والعمل على تحقيق الاستقرار السياسي في تونس إلى جانب التقليص في فترة الحصول على تراخيص من قبل وزارة الصحة والنظر في سياسة تسعير الأدوية، بهدف النهوض بهذا القطاع، وفق تقديره.
تهريب الأدوية
من جانبها الديوانة التونسية أعلنت في بلاغ لها أكثر من مرة عن إيقاف عمليات تهريب للأدوية إما إلى لبيا أو كذلك نحو الجزائر، وكانت قبل شهر قد أعلنت الديوانة التونسية "أنه في إطار مكافحة تهريب المواد المخدرة على كامل التراب الوطني، تمكنت فرقة الحرس الديواني بسبيطلة من ولاية القصرين اثر عمل استعلامي مفاده اعتزام أحد الأشخاص تهريب كمية هامة من الأدوية المخدرة عبر الحدود التونسية الجزائرية، تمّ تركيز دوريات للحرس الديواني على مستوى الطرقات والمسالك مرجع نظر ولاية القصرين ممّا مكّن 2022 من رصد شاحنة خفيفة متطابقة مع المعلومة لا تحمل لوحات منجمية على مستوى منطقة “خنقة الجازية” وبالإشارة لها بالوقوف لم يمتثل سائقها وتجاوز الدورية بسرعة مفرطة في اتجاه منطقة “حسي الفريد” ورغم استعمال الحاجز المسماري إلا أن الشاحنة واصلت السير بالاستعانة بشاحنة أخرى تكشف وتؤمن لها الطريق فتمّ مطاردتهما وطلب الإسناد من وحدات الحرس الوطني للمساعدة على إيقاف الشاحنتين. وبوجود قوة مشتركة متمركزة على مستوى مدخل منطقة حاسي الفريد تمّ إيقاف شاحنة التهريب التي كانت محمّلة بعدد 30 طردا تحتوي على 225 ألف حبة دواء مخدر نوع “pregabalin 300mg” وتمّ رفعها وتأمينها لدى فرقة الحرس الوطني بالجهة.
كما تمكنت مكنت مصالح الديوانة بالمعبر الحدودي برأس جدير منذ شهر جانفي 2022 من إحباط عديد محاولات تهريب الأدوية إلى خارج البلاد التونسية داخل مخابئ مهيأة على متن وسائل نقل. وقد تم خلال شهر جانفي لوحده رفع ثلاثة محاضر لحجز 4139 علبة دواء، وخلال شهر فيفري المنقضي أيضا رفعت ثلاثة محاضر تعلقت بحجز 6339 علبة دواء، فيما تم أيضا خلال نفس الفترة من إحباط محاولة تهريب 853 علبة دواء مخفية بالصندوق الخلفي لسيارة تحمل ترقيما تونسيا يقودها مواطن تونسي تم ضبطه من قبل أعوان الديوانة أثناء قيامه بإجراءات مغادرة التراب الوطني.
وكانت وزارة الداخلية، قد أعلنت قبل فترة عن كشف شبكة تنشط في مجال تهريب الأدوية في بن قردان (مدنين)، تضم 6 أشخاص من بينهم 4 صيادلة. وأفادت الوزارة في بلاغ لها، بأن الفرقة المركزيّة لمكافحة المخدّرات للحرس الوطني تمكنت أمس من إلقاء القبض على عناصر هذه الشبكة، بعد مباشرتها الأبحاث في موضوع تهريب أدوية إلى خارج حدود الوطن على إثر حجز كميات هامّة على متن شاحنة تهريب بمنطقة التوي بن قردان وفرار سائقها، وحجزت الفرقة حواسيب تابعة للصيادلة تتضمّن تطبيقات التصرّف في الأدوية. وبمراجعة النيابة العموميّة، أذنت بالاحتفاظ بهم جميعا لإحالتهم على أنظار النيابة العموميّة بالمحكمة الابتدائية بمدنين، وفق نص البلاغ.
وفي تصريح سابق لـ"الصباح» أفاد العميد هيثم الزناد الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للديوانة التونسية، أنّ أغلب عمليات التهريب تتم عبر معبر رأس جدير في اتجاه ليبيا، مُشيرا إلى أنّه يوجد صنفين من عمليات التهريب الأولى تكون عبر مُسافرين يُصرّحون بأنّ لديهم كميات من الأدوية ومنصوص عليها في وصفات طبية ولا يتعمدون الإخفاء غير أنه يتمّ العثور بحوزتهم على كميات أدوية أكثر من المسموح بها، أما الصنف الثاني فيشمل أشخاصا يتعمدون إخفاء الأدوية ولا يُصرّحون بذلك إذ يتم تحرير محاضر حجز في الغرض من أجل جنحة التهريب مع إحالة الملفات إلى المصالح الأمنية المختصة لمواصلة التحريات.
تواطؤ داخلي
وفي سياق متصل، أشار العميد هيثم الزناد إلى أنّ فرق الحرس الديواني بمعية الجيش والحرس الوطنيين المتمركزين بالشريط الصحراوي ذهيبة - رأس جدير تمكنوا بصفة دورية من ضبط وسائل نقل مُعدة للتهريب تضبط في الاتجاهين (ليبيا/تونس- تونس/ليبيا)، قائلا إنّ الأدوية التي تدخل من ليبيا في اتجاه تونس أو الجزائر عبر الشريط الحدودي بتطاوين هي تلك المخدرة أمّا الأدوية التي تُهرّب إلى ليبيا هي أدوية الأمراض المُزمنة وأخرى وذلك لوجود نقص في الأدوية بليبيا. واعتبر مُحدّثنا أنّ "تهريب الأدوية من تونس في اتجاه ليبيا يؤكد وجود تواطؤ داخلي في شبكة التوزيع والتزود بالدواء"، حسب قوله.
ونفى الناطق باسم الديوانة وجود عمليات تهريب أدوية بصفة متواترة في اتجاه الجزائر أو عبر المطارات، مُؤكدا أنها عمليات التهريب في هذه النقاط بأعداد قليلة جدا.
كما لم يفوّت زناد الفرصة للتأكيد على الدور الذي تقوم به مصالح الديوانة من أجل إحباط محاولات تهريب الأدوية إذ تتمكن بصفة دورية من حجز كميات هامة.
وبالنسبة لإحصائيات تهريب الأدوية بين تونس وليبيا في الاتجاهين، والتي تحصلت عليها "الصباح"، فقد قامت وحدات الحرس الديواني خلال سنة 2021 بحجز 794279 قطعة دواء أغلبها بمناطق بالجنوب التونسي بجهة الحدود الشرقية (الصمار، الذهيبة..) وتشمل بدرجة أولى أدوية "الأعصاب" والأمراض المُزمنة وغيرها.
ولتوضيح أسباب أزمة نقص الأدوية في تونس وعمل الأطراف المعنية على حل هذه الأزمة تواصلت لـ" الصباح" الأسبوع الماضي مع مصالح وزارة الصحة المعنية بالإعلام والاتصال بالهاتف وكذلك عن طريق البريد الالكتروني من أجل الحصول على تصريح إعلامي لفائدة جريدة "الصباح"، حول موضوع "نقص الأدوية في المستشفيات التونسية" وعمل الوزارة على الحد من هذا النقص في هذه المرحلة والمرحلة القادمة، إلا انه لغاية يوم أمس لم يكن هناك أي تفاعل حول الموضوع، علما وأن حقهم في التوضيح واطلاعنا على الأسباب مازال متاحا لهم وسيتم نشر ذلك في مقالات لاحقة إذا تم التفاعل طبعا.
رئيس نقابة الشركات العالمية للأدوية في تونس لـ"الصباح": تراكم الديون بدأ سنة 2016 من خلال التأخير في سداد ديون المزودين الأجانب
من جهته رئيس نقابة الشركات العالمية للأدوية في تونس، أمين الزغدودي، قال في تصريح لـ"الصباح"، أن المستحقات المالية للشركات العالمية للأدوية لدى الصيدلية المركزية، تجاوزت 700 مليون دينار (700 مليار من المليمات)، حيث أن تراكم هذه الديون كان بداية من سنة 2016 من خلال التأخير في سداد ديون المزودين الأجانب، إذ كان من المقرر تسديد الديون في حدود 6 أشهر إلا أنه في الوقت الحالي يتم تسديد مبلغ أي اقتناء الأدوية من قبل الصيدلية المركزية يتجاوز الـ 14 شهرا، ليتحول هذا التأخير سنة بعد سنة خاصة وأن خلاص الأدوية يكون بالعملة الصعبة لأن شركات الأدوية التي تزود الصيدلية جلها أجنبية، وهو ما أدى إلى نقص الأدوية بصفة كبيرة في الصيدليات والمستشفيات، خاصة وأن نسبة 40% من الأدوية الموجودة في السوق التونسية يتم توريدها من بينها أدوية الأمراض المزمنة والأمراض السرطانية وغيرها من الأدوية المهمة والحساسة، أما نسبة 60% فهي صناعات محلية.
وأضاف الزغدودي، أن الأسباب متعددة لتراكم هذه الديون، خاصة في ظل تراكم الديون المتخلدة للصيدلية المركزية لدى المستشفيات والصندوق الوطني للتأمين على المرض، والتي تجاوزت (الديون) حدود 1.1 مليار دينار وهو ما ساهم في تعميق الأزمة المالية للصيدلية المركزية، وانتقد محدثنا في ذات الصدد غياب رؤية واضحة لتسديد هذه الديون والحد من العجز المالي للصيدلية المركزية بالرغم من إمكانية إحداث إستراتيجية مالية للتخفيف من هذه الديون قبل أن تتفاقم الأزمة أكثر وتفقد هذه الشركات ثقتها في تونس وهو ما حدث فعلا ما أدى إلى تخوف شركات الأدوية الأجنبية من تخلف تونس عن سداد ديونها والذي تعزز بمختلف التقارير المالية الدولية على تونس وهو ما أدى إلى مغادرة 5 شركات أدوية عالمية تونس بسبب عدم سداد الديون وكذلك تفاقم البيروقراطية عند تسجيل نوع جديد من الأدوية وغياب أي حماية قانونية من بيع أدوية جنيسة ومشابهة في السوق، وكذلك غياب رؤية إصلاحية وتطمينات من الدولة التونسية مما أدى إلى بيع كميات صغيرة للصيدلية المركزية والذي انعكس سلبا عن توفر الأدوية بالصيدليات.
امتيازات تفاضلية
واعتبر محدثنا في ذات الصدد أن الحل ليس فقط في سداد الديون بل البحث عن حل جذري يقوم على الحد من تفاقم ديون الصيدلية المركزية لدى الصناديق الاجتماعية والمستشفيات، إضافة إلى اتخاذ قرارات تتعلق بطريقة تزويد المستشفيات وتمويلها والصناديق الاجتماعية، من خلال تضافر مجهودات وزارة الصحة، ووزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة المالية، ووزارة التجارة، ووزارة الصناعة، خاصة في ظل تداخل مختلف هذه الوزارات في عملية صنع وتمويل وصناعة الأدوية وتوريدها.
وأكد رئيس نقابة الشركات العالمية للأدوية في تونس، أمين الزغدودي، أن توزيع الأدوية في تونس يقع بطريقة محكمة خاصة في ظل تفرد الصيدلية المركزية بهذه العملية وهو أمر جيد، كما أن التوريد للأدوية خدمة خاصة فقط بالصيدلية المركزية لتقوم بتجميع الأدوية في مخازنها وبيعها للمزودين ثم بيعها للصيدليات، وهو من شأنه أن يساهم في تنظيم القطاع، وبالرغم من مختلف الصعوبات التي تم ذكرها إلى أن تونس تتمتع بامتيازات تفاضلية عالميا في ثمن الأدوية وهو ما جعل الأدوية في البلاد الأرخص بالمنطقة.
وطالب محدثنا الهياكل المعنية بضرورة تفعيل مختلف محاضر الجلسات والحلول التشاركية التي تم اقتراحها، والبحث عن حلول عاجلة لتسديد ديون الصيدلية المركزية وتسديد ديون الشركات العالمية للأدوية، وكذلك الحد من البيروقراطية الإدارية وتقليص مدة تسجيل الأدوية الجديدة مما من شأنه أن يساهم في تعزيز الاستثمارات في القطاع وعودة الثقة في السوق والدولة التونسية.
صلاح الدين كريمي
أمين مال نقابة أصحاب الصيدليات الخاصة لـ"الصباح": 500 ألف تونسي يتوجهون يوميا للصيدليات
- وحدات الحرس الديواني قامت خلال 2021 بحجز 794279 قطعة دواء
تونس-الصباح
ككل مرة أصبحت أزمة نقص الأدوية في المستشفيات التونسية تتكرر، حيث يلجأ التونسيون في معظم الأحيان إلى اقتناء الأدوية من الصيدليات الخاصة بعد إبلاغهم بعدم توفرها في المستشفيات عقب قيامهم إما بعملية أو زيارة للطبيب كما هو الحال في العديد من المستشفيات الجامعية الكبرى والمستشفيات الجهوية أو حتى المستشفيات المحلية ومراكز رعاية الصحية الأساسية، وقد أصبح الحصول على نوع واحد من الدواء المكتوب من قبل الطبيب في وصفة الدواء بمثابة الحلم للمرضى، قبل أن يتوجه إلى الصيدليات الخاصة مجبرا لا مخيرا ليتفاجأ بأن نفس الأزمة ألا وهي نقص الأدوية امتدت لتصل إلى الصيدليات الخاصة.
حيث أصبح التونسيون يعيشون صعوبات جمة للحصول على عدة أنواع من الأدوية خاصة منها الأدوية المرتبطة بالأمراض المزمنة، وذلك نتيجة فقدانها في المستشفيات العمومية والمصحات الخاصة وكذلك الصيدليات وصيدليات الصندوق الوطني للتأمين على المرض وصيدليات الضمان الاجتماعي..، كما تعمقت وتتالت هذه الأزمات أكثر منذ بداية جائحة كورونا ودخول فصل الصيف الذي تكثر فيه أيضا بعض الأمراض نتيجة حرارة الطقس.
فقدان الأدوية في تونس
وأفاد أمين المال للنقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة، زياد كراي، في تصريح لـ"الصباح"، بأن نحو 500 ألف تونسي يتوجهون يوميا للصيدليات، ليتفاجأوا بأن هناك ما يزيد عن 200 نوع من الأدوية باتت مفقودة في الصيدليات التونسية، بالرغم من وجود بعض الأدوية التي لها أدوية جنيسة تعوض الدواء الأصلي.
وشدد محدثنا، على أن أزمة نقص الأدوية تعود بالأساس إلى تراكم ديون الصيدلية المركزية لدى المزودين مما أدى إلى عدم توفيرهم للكميات المطلوبة من الأدوية، لافتا إلى أن ذلك حال دون قدرتها على توريد هذه الأدوية رغم الحاجة الملحة إليها، خاصة منها أدوية الأمراض المزمنة وأمراض الأعصاب وضغط الدم وعدة أنواع أخرى من الأدوية، وأشار في نفس السياق إلى تفاقم الأزمة في الفترة الأخيرة والتي تتواصل منذ فترة بسبب تقلص احتياطي الأدوية إلى اقل من 3 أشهر، بالإضافة إلى فقدان عدة أنواع من الأدوية محلية الصنع وهو أمر غير معتاد.
وأقترح أمين المال النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة، زياد كراي، أن عملية التشخيص للازمة تتطلب العمل على رقمنة القطاع لمعرفة الأدوية التي تشهد أزمة نقص من السوق التونسية وحتى العالمية، بالإضافة إلى العمل على تسديد ديون الصيدلية المركزية..
أسباب تراكم الديون
وكان تقرير صدر مؤخرا عن وزارة المالية حول المنشآت العمومية المرفق لقانون المالية أكد أن عدة مؤسسات ومنشآت عمومية تمثل مخاطر عالية وفق معايير حجم الدعم الموجه وحجم القروض المسندة من قبل الدولة أو الممنوحة بالضمان ومتخلدات القروض المسندة من قبل الدولة. وتعتبر الصيدلية المركزية من هذه المؤسسات ذات المخاطر العالية بسبب تراكم ديونها لدى المستشفيات العمومية والصناديق الاجتماعية وبلغـت النتيجـة الصافيـة للصيدليـة المركزيـة التونسـية بحسب ذات التقرير خـلال سـنة 2019 مـا قيمتـه 11,9م.د مقابل 234,6-م.د خلال سنة 2018 مسجلة بذلك ارتفاعا بقيمة 246,5 م.د وبنسبة 105%، ويعود ذلك خاصة إلى انخفاض الأعباء المالية الصافية بقيمة 291,6 وبنسبة 137,7% ناتجا عن تراجع خسائر الصرف بقيمة 117,3م.د.
وخلال سـنة 2020، بلغـت النتيجـة الصافيـة 11,8-م.د مسـجلة بذلـك انخفاضـا بقيمـة 23,7 م.د وبنسـبة 199,2% ويعـود ذلـك خاصـة إلـى ارتفـاع الأعباء المالية الصافيـة بقيمـة 166,6م.د وبنسـبة208,5 بالمائة وتقـدر مسـتحقات الصيدليـة المركزيـة للبـلاد التونسـية بـ542,9 م د (بعنـوان سـنة 2020) وهـي مسـتحقاتها لـدى الهيـاكل الاستشفائية العمومية(هي صنف من المؤسسات تتمتع بالاستقلالية المالية والإدارية عن الدولة) ويعود عدم إيفاؤها بديونها تجاه الصيدلية المركزية للصعوبات التي تشهدها في استخلاص مستحقاتها لدى الصندوق الوطني للتامين على المرض.
ووضعت الدولة في موازنتها لسنة 2022 وفي نصّ الفصل62 إجراءات جديدة لمساندة الصيدلية المركزية التونسية، من خلال التخفيض إلى 0% نسبة المعاليم الديوانية المستوجبة على الأدوية التي لها مثيل مصنوع محليا الموردة من قبل الصيدلية المركزية التونسية والمدرجة بالعددين 30.03 و30.04 من تعريفة المعاليم الديوانية وذلك إلى غاية 31 ديسمبر 2023. ويوُقف العمل بالأداء على القيمة المضافة المستوجب على الأدوية التي لها مثيل مصنوع محلياّ الموردة من قبل الصيدلية المركزية التونسية والمدرجة بالعددين 30.03 و30.04 من تعريفة المعاليم الديوانية وذلك إلى غاية 31 ديسمبر 2023.
كما تعفى الصيدلية المركزية التونسية من الأداءات والمعاليم المستوجبة والخطايا المتعلقة بها بعنوان وارداتها من منتجات الحماية الفردية المنجزة خلال سنة 2020 والتي انتفعت في شأنها بنظام المستودع الخاص للحساب الشخصي طبقا لأحكام الفصل 181 من مجلةّ الديوانة.
عجز الصناديق الاجتماعية
وكشف وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، في تصريح لموقع “الشعب نيوز" و"لجريدة الشعب"، قبل فترة عن حجم عجز الصناديق الاجتماعية الثلاثة. وأكدّ الوزير أنّه لم يتم من قبل انتهاج أيّة سياسة إصلاحية بخصوص الصناديق الاجتماعية، معتبرا أنّ أكبر دليل على ذلك هو بلوغ عجز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي سنة 2022، 1.440 مليار دينار، كما بلغ عجز صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية إلى حدود السنة الحالية أيضا 472 مليون دينار، أمّا صندوق التأمين على المرض فحقق ربحا بـ 875 مليون دينار، ولكنه ربح على الورق فقط، وبالتالي وجب اتخاذ قرارات إصلاحية لإيقاف هذا النزيف، حسب تعبيره.
ومن المنتظر حسب إفادة الوزير أن تقع إعادة النظر في منظومة الضمان الاجتماعي ككل لما تحتويه من خلل كبير عمّق أزمة وعجز الصناديق، متوقعا أن تتم تغطية هذا العجز في غضون سنتين، وسيتم بعدها إيقاف الاقتطاع بنسبة 1% نهائيا.
جملة من العوائق
بدوره أمين مال الغرفة الوطنية لتصنيع الأدوية، سليم بوزغندة، أكد أن تونس تسعى إلى الترفيع في نسبة التصدير على مستوى قطاع الأدوية وذلك بالتعاون مع المصنعين في القطاع الخاص، بهدف حضور المنتوجات التونسية في الأسواق العالمية، وفق قوله.
وأفاد سليم بوزغندة، في تصريح لـ"اكسبراس اف ام"، بوجود مصنعي أدوية تونسيين بكل من الجزائر والسنغال والكوت ديفوار والكاميرون، ما يؤكد أن قطاع الأدوية في تونس معترف به على النطاق الإفريقي والعالمي. في المقابل أكد بوزغندة وجود جملة من العوائق لم تتمكن الغرفة من تخطيها على غرار غياب وكالة أدوية تونسية وعدم توفر الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، إلى جانب دخول عدة دول في منافسة مع تونس حول هذا المجال مثل المغرب والجزائر ورواندا والزيمبابوي والمغرب، لامتلاكهم ممثلين سياسيين في القارة الإفريقية. وبين أن كل هذه العوامل أدت إلى فشل تونس في المنافسة على استضافة مقر الوكالة الإفريقية للأدوية.
في ذات السياق كشف ضيف البرنامج أن المصانع المحلية العمومية تغطي حوالي 54% من استهلاك الأدوية في تونس التي تمثل بدورها 77% من التصنيع المحلي، ما يعادل 8 علب من مجموع 10 علب أدوية تباع في تونس، مصنوعة على المستوى المحلي، أما بالنسبة للقطاع الخاص فإنه يغطي تقريبا 80% من استهلاك الأدوية.
في سياق متصل أوضح أمين مال الغرفة الوطنية لتصنيع الأدوية أن من أسباب نقص الأدوية في تونس في السنوات الأخيرة، نقص في المواد الأولية لتصنيع الأدوية التي يتم استيرادها من ”الصين والهند”، ما دفع تونس إلى بذل الجهود للتقليص في هذا النقص، إلى جانب ارتفاع الأسعار على المستوى العالمي في ظل تدهور الدينار التونسي والحرب الروسية الأوكرانية.
وأشار إلى أن قيمة الدعم في قطاع الأدوية من قبل الصيدلية المركزية بلغت سنة 2021، حوالي 200 مليون دينار من ضمنها 30 مليون دينار من قيمة أدوية مصنعة محليا.
ودعا سليم بوزغندة إلى ضرورة تحيين القوانين القديمة المتعلقة بالأدوية والعمل على تحقيق الاستقرار السياسي في تونس إلى جانب التقليص في فترة الحصول على تراخيص من قبل وزارة الصحة والنظر في سياسة تسعير الأدوية، بهدف النهوض بهذا القطاع، وفق تقديره.
تهريب الأدوية
من جانبها الديوانة التونسية أعلنت في بلاغ لها أكثر من مرة عن إيقاف عمليات تهريب للأدوية إما إلى لبيا أو كذلك نحو الجزائر، وكانت قبل شهر قد أعلنت الديوانة التونسية "أنه في إطار مكافحة تهريب المواد المخدرة على كامل التراب الوطني، تمكنت فرقة الحرس الديواني بسبيطلة من ولاية القصرين اثر عمل استعلامي مفاده اعتزام أحد الأشخاص تهريب كمية هامة من الأدوية المخدرة عبر الحدود التونسية الجزائرية، تمّ تركيز دوريات للحرس الديواني على مستوى الطرقات والمسالك مرجع نظر ولاية القصرين ممّا مكّن 2022 من رصد شاحنة خفيفة متطابقة مع المعلومة لا تحمل لوحات منجمية على مستوى منطقة “خنقة الجازية” وبالإشارة لها بالوقوف لم يمتثل سائقها وتجاوز الدورية بسرعة مفرطة في اتجاه منطقة “حسي الفريد” ورغم استعمال الحاجز المسماري إلا أن الشاحنة واصلت السير بالاستعانة بشاحنة أخرى تكشف وتؤمن لها الطريق فتمّ مطاردتهما وطلب الإسناد من وحدات الحرس الوطني للمساعدة على إيقاف الشاحنتين. وبوجود قوة مشتركة متمركزة على مستوى مدخل منطقة حاسي الفريد تمّ إيقاف شاحنة التهريب التي كانت محمّلة بعدد 30 طردا تحتوي على 225 ألف حبة دواء مخدر نوع “pregabalin 300mg” وتمّ رفعها وتأمينها لدى فرقة الحرس الوطني بالجهة.
كما تمكنت مكنت مصالح الديوانة بالمعبر الحدودي برأس جدير منذ شهر جانفي 2022 من إحباط عديد محاولات تهريب الأدوية إلى خارج البلاد التونسية داخل مخابئ مهيأة على متن وسائل نقل. وقد تم خلال شهر جانفي لوحده رفع ثلاثة محاضر لحجز 4139 علبة دواء، وخلال شهر فيفري المنقضي أيضا رفعت ثلاثة محاضر تعلقت بحجز 6339 علبة دواء، فيما تم أيضا خلال نفس الفترة من إحباط محاولة تهريب 853 علبة دواء مخفية بالصندوق الخلفي لسيارة تحمل ترقيما تونسيا يقودها مواطن تونسي تم ضبطه من قبل أعوان الديوانة أثناء قيامه بإجراءات مغادرة التراب الوطني.
وكانت وزارة الداخلية، قد أعلنت قبل فترة عن كشف شبكة تنشط في مجال تهريب الأدوية في بن قردان (مدنين)، تضم 6 أشخاص من بينهم 4 صيادلة. وأفادت الوزارة في بلاغ لها، بأن الفرقة المركزيّة لمكافحة المخدّرات للحرس الوطني تمكنت أمس من إلقاء القبض على عناصر هذه الشبكة، بعد مباشرتها الأبحاث في موضوع تهريب أدوية إلى خارج حدود الوطن على إثر حجز كميات هامّة على متن شاحنة تهريب بمنطقة التوي بن قردان وفرار سائقها، وحجزت الفرقة حواسيب تابعة للصيادلة تتضمّن تطبيقات التصرّف في الأدوية. وبمراجعة النيابة العموميّة، أذنت بالاحتفاظ بهم جميعا لإحالتهم على أنظار النيابة العموميّة بالمحكمة الابتدائية بمدنين، وفق نص البلاغ.
وفي تصريح سابق لـ"الصباح» أفاد العميد هيثم الزناد الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للديوانة التونسية، أنّ أغلب عمليات التهريب تتم عبر معبر رأس جدير في اتجاه ليبيا، مُشيرا إلى أنّه يوجد صنفين من عمليات التهريب الأولى تكون عبر مُسافرين يُصرّحون بأنّ لديهم كميات من الأدوية ومنصوص عليها في وصفات طبية ولا يتعمدون الإخفاء غير أنه يتمّ العثور بحوزتهم على كميات أدوية أكثر من المسموح بها، أما الصنف الثاني فيشمل أشخاصا يتعمدون إخفاء الأدوية ولا يُصرّحون بذلك إذ يتم تحرير محاضر حجز في الغرض من أجل جنحة التهريب مع إحالة الملفات إلى المصالح الأمنية المختصة لمواصلة التحريات.
تواطؤ داخلي
وفي سياق متصل، أشار العميد هيثم الزناد إلى أنّ فرق الحرس الديواني بمعية الجيش والحرس الوطنيين المتمركزين بالشريط الصحراوي ذهيبة - رأس جدير تمكنوا بصفة دورية من ضبط وسائل نقل مُعدة للتهريب تضبط في الاتجاهين (ليبيا/تونس- تونس/ليبيا)، قائلا إنّ الأدوية التي تدخل من ليبيا في اتجاه تونس أو الجزائر عبر الشريط الحدودي بتطاوين هي تلك المخدرة أمّا الأدوية التي تُهرّب إلى ليبيا هي أدوية الأمراض المُزمنة وأخرى وذلك لوجود نقص في الأدوية بليبيا. واعتبر مُحدّثنا أنّ "تهريب الأدوية من تونس في اتجاه ليبيا يؤكد وجود تواطؤ داخلي في شبكة التوزيع والتزود بالدواء"، حسب قوله.
ونفى الناطق باسم الديوانة وجود عمليات تهريب أدوية بصفة متواترة في اتجاه الجزائر أو عبر المطارات، مُؤكدا أنها عمليات التهريب في هذه النقاط بأعداد قليلة جدا.
كما لم يفوّت زناد الفرصة للتأكيد على الدور الذي تقوم به مصالح الديوانة من أجل إحباط محاولات تهريب الأدوية إذ تتمكن بصفة دورية من حجز كميات هامة.
وبالنسبة لإحصائيات تهريب الأدوية بين تونس وليبيا في الاتجاهين، والتي تحصلت عليها "الصباح"، فقد قامت وحدات الحرس الديواني خلال سنة 2021 بحجز 794279 قطعة دواء أغلبها بمناطق بالجنوب التونسي بجهة الحدود الشرقية (الصمار، الذهيبة..) وتشمل بدرجة أولى أدوية "الأعصاب" والأمراض المُزمنة وغيرها.
ولتوضيح أسباب أزمة نقص الأدوية في تونس وعمل الأطراف المعنية على حل هذه الأزمة تواصلت لـ" الصباح" الأسبوع الماضي مع مصالح وزارة الصحة المعنية بالإعلام والاتصال بالهاتف وكذلك عن طريق البريد الالكتروني من أجل الحصول على تصريح إعلامي لفائدة جريدة "الصباح"، حول موضوع "نقص الأدوية في المستشفيات التونسية" وعمل الوزارة على الحد من هذا النقص في هذه المرحلة والمرحلة القادمة، إلا انه لغاية يوم أمس لم يكن هناك أي تفاعل حول الموضوع، علما وأن حقهم في التوضيح واطلاعنا على الأسباب مازال متاحا لهم وسيتم نشر ذلك في مقالات لاحقة إذا تم التفاعل طبعا.
رئيس نقابة الشركات العالمية للأدوية في تونس لـ"الصباح": تراكم الديون بدأ سنة 2016 من خلال التأخير في سداد ديون المزودين الأجانب
من جهته رئيس نقابة الشركات العالمية للأدوية في تونس، أمين الزغدودي، قال في تصريح لـ"الصباح"، أن المستحقات المالية للشركات العالمية للأدوية لدى الصيدلية المركزية، تجاوزت 700 مليون دينار (700 مليار من المليمات)، حيث أن تراكم هذه الديون كان بداية من سنة 2016 من خلال التأخير في سداد ديون المزودين الأجانب، إذ كان من المقرر تسديد الديون في حدود 6 أشهر إلا أنه في الوقت الحالي يتم تسديد مبلغ أي اقتناء الأدوية من قبل الصيدلية المركزية يتجاوز الـ 14 شهرا، ليتحول هذا التأخير سنة بعد سنة خاصة وأن خلاص الأدوية يكون بالعملة الصعبة لأن شركات الأدوية التي تزود الصيدلية جلها أجنبية، وهو ما أدى إلى نقص الأدوية بصفة كبيرة في الصيدليات والمستشفيات، خاصة وأن نسبة 40% من الأدوية الموجودة في السوق التونسية يتم توريدها من بينها أدوية الأمراض المزمنة والأمراض السرطانية وغيرها من الأدوية المهمة والحساسة، أما نسبة 60% فهي صناعات محلية.
وأضاف الزغدودي، أن الأسباب متعددة لتراكم هذه الديون، خاصة في ظل تراكم الديون المتخلدة للصيدلية المركزية لدى المستشفيات والصندوق الوطني للتأمين على المرض، والتي تجاوزت (الديون) حدود 1.1 مليار دينار وهو ما ساهم في تعميق الأزمة المالية للصيدلية المركزية، وانتقد محدثنا في ذات الصدد غياب رؤية واضحة لتسديد هذه الديون والحد من العجز المالي للصيدلية المركزية بالرغم من إمكانية إحداث إستراتيجية مالية للتخفيف من هذه الديون قبل أن تتفاقم الأزمة أكثر وتفقد هذه الشركات ثقتها في تونس وهو ما حدث فعلا ما أدى إلى تخوف شركات الأدوية الأجنبية من تخلف تونس عن سداد ديونها والذي تعزز بمختلف التقارير المالية الدولية على تونس وهو ما أدى إلى مغادرة 5 شركات أدوية عالمية تونس بسبب عدم سداد الديون وكذلك تفاقم البيروقراطية عند تسجيل نوع جديد من الأدوية وغياب أي حماية قانونية من بيع أدوية جنيسة ومشابهة في السوق، وكذلك غياب رؤية إصلاحية وتطمينات من الدولة التونسية مما أدى إلى بيع كميات صغيرة للصيدلية المركزية والذي انعكس سلبا عن توفر الأدوية بالصيدليات.
امتيازات تفاضلية
واعتبر محدثنا في ذات الصدد أن الحل ليس فقط في سداد الديون بل البحث عن حل جذري يقوم على الحد من تفاقم ديون الصيدلية المركزية لدى الصناديق الاجتماعية والمستشفيات، إضافة إلى اتخاذ قرارات تتعلق بطريقة تزويد المستشفيات وتمويلها والصناديق الاجتماعية، من خلال تضافر مجهودات وزارة الصحة، ووزارة الشؤون الاجتماعية، ووزارة المالية، ووزارة التجارة، ووزارة الصناعة، خاصة في ظل تداخل مختلف هذه الوزارات في عملية صنع وتمويل وصناعة الأدوية وتوريدها.
وأكد رئيس نقابة الشركات العالمية للأدوية في تونس، أمين الزغدودي، أن توزيع الأدوية في تونس يقع بطريقة محكمة خاصة في ظل تفرد الصيدلية المركزية بهذه العملية وهو أمر جيد، كما أن التوريد للأدوية خدمة خاصة فقط بالصيدلية المركزية لتقوم بتجميع الأدوية في مخازنها وبيعها للمزودين ثم بيعها للصيدليات، وهو من شأنه أن يساهم في تنظيم القطاع، وبالرغم من مختلف الصعوبات التي تم ذكرها إلى أن تونس تتمتع بامتيازات تفاضلية عالميا في ثمن الأدوية وهو ما جعل الأدوية في البلاد الأرخص بالمنطقة.
وطالب محدثنا الهياكل المعنية بضرورة تفعيل مختلف محاضر الجلسات والحلول التشاركية التي تم اقتراحها، والبحث عن حلول عاجلة لتسديد ديون الصيدلية المركزية وتسديد ديون الشركات العالمية للأدوية، وكذلك الحد من البيروقراطية الإدارية وتقليص مدة تسجيل الأدوية الجديدة مما من شأنه أن يساهم في تعزيز الاستثمارات في القطاع وعودة الثقة في السوق والدولة التونسية.