إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بيع الرضع..التسول ومهن هامشية: ايقافات..وأولياء مورطون مع شبكات الاتجار بأبنائهم

 - عقوبات صارمة لشبكات الاتجار بالبشر ولكن الإفلات من العقاب دعم الظاهرة

تونس - الصباح

تعد جرائم الاتجار بالبشر من أكثر الجرائم مرارة على المستوى الإنساني فكيف لام ان تفرط في فلذة كبدها حال ولادته بعد أن تحملت تعب أشهر قبل الوضع وكيف يدفع اب باطفاله القصر إلى التسول او بيع الورد او غيره في ظروف لا انسانية بل إن الأمر تطور لتصبح هناك شبكات مختصة في مجال الاتجار بالبشر فرغم صرامة العقوبات القانونية المسلطة على مرتكبي هذه الجرائم الا أنها أصبحت ظاهرة منتشرة في مجتمعنا فما هي الأسباب التي دفعت لارتكاب مثل هذه النوعية من الجرائم وما هي الحلول الكفيلة بالحد منها.

فقد أعلنت مؤخرا رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص روضة العبيدي في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء أن عدد ضحايا الاتجار بالبشر في تونس بلغ سنة 2021 نحو 1100 ضحية موزعة إلى 50 بالمائة تونسيين و50 بالمائة أجانب.

وأشارت إلى أن نصف حالات الاتجار بالبشر خلال سنة 2021 تهم تونسيين وتتمثل أساسا في استغلال الأطفال وبيع الرضع وأغلبهم من الفتيات والنساء.

واضافت بالقول في نفس التصريح "إن نصف الضحايا هم من الأجانب بتونس وهم من 19 جنسية (افريقية وعربية) وأغلبهم من النساء"، لافتة إلى أن الاتجار بالبشر وخاصة الأجانب يكون سببه الهجرة غير النظامية وظروف الإقامة غير القانونية لعدد من الأجانب، وأشارت إلى أن مؤشرات سنة 2020 كانت كارثية بخصوص الاتجار بالأطفال التي تزايدت بـ6، 180 بالمائة مقارنة بسنة 2019، وشهدت بيع الرضع الذي ارتفع بـ 5، 22 بالمائة مقارنة بنفس الفترة وتميزت بانخراط الاطفال ضمن شبكات الاتجار بالأشخاص فيما عرفت احصائيات 2021 تقلصا كبيرا في الاستغلال الجنسي للأطفال.

وبلغ عدد ضحايا الاتجار بالبشر في تونس سنة 2020 الذي سجلته الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص بالاستناد إلى بيانات وزارة الداخلية ومندوبية حماية الطفولة والمنظمات ذات الصلة، 907 حالات أكثر من نصفها من الأطفال ما يقارب 52 في المائة من إجمالي ضحايا الاتجار بالبشر هم من الأطفال إذ بلغ عددهم 452 طفلا.

وشهد الاستغلال الجنسي للأطفال ارتفاعا سنة 2020 بنسبة 32 في المائة مقارنة بسنة 2019، وكشف التقرير أن عدد ضحايا الاستغلال الجنسي من الأطفال تضاعف قرابة ثلاث مرات حيث مر من 103 حالات في 2019 إلى 289 حالة في 2020.

تصد للظاهرة

وفي ذات السياق تتواصل المجهودات الأمنية في التصدي لظاهرة الاتجار بالبشر حيث تم خلال نهاية الأسبوع الفارط الاحتفاظ بثلاثة أولياء بتهمة الاتجار بأبنائهم الأطفال بعد أن أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بأريانة بالاحتفاظ بثلاثة أولياء اطفال نسب اليهم الاتجار بأبنائهم واستغلالهم في تعاطي المهن الهامشية.

حيث نظمت الادارة الفرعية للوقاية الاجتماعية بجهاز الشرطة العدلية بالقرجاني خلال الليلة الفاصلة بين السبت والأحد 31 جويلية الفارط حملة للتصدي للمظاهر المخلة بالأمن العام ومكافحة مظاهر الاتجار بالأطفال واستغلالهم في التسول والمهن الهامشية وذلك بأحياء المنازه والنصر، حيث اسفرت الحملة عن ضبط ثلاثة أطفال أحدهم يبلغ من العمر خمسة أعوام فقط وأكبرهم عمره 11 عاما بصدد بيع الزهور و"المشموم" بين المقاهي حيث تبين أن آباءهم هم الذين يستغلونهم في بيع الورود بين المقاهي ليتم ضبط الآباء الثلاثة وحجز مبالغ مالية متفاوتة بحوزة الأطفال الثلاثة.

وباستشارة النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بأريانة أذنت بالاحتفاظ بالآباء الثلاثة من أجل الاتجار بالأطفال واستغلالهم في تعاطي المهن الهامشية.

وفي ذات السياق تم خلال شهر ماي الفارط إيقاف ثلاثة نسوة بتهمة الاتجار بالبشر ففي إطار متابعة فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بسوسة البحث في قضية موضوعها "الاتجار بالبشر" اثر تعمّد فتاة التفريط في مولودتها بالبيع (انجبتها على خلاف الصّيغ القانونيّة)، تمكنت الفرقة المذكُورة من إلقاء القبض على ثلاثة نسوة تبين تورطهن في القضية.

عقوبات صارمة

وقد نص المشرع التونسي على عقوبات صارمة ضد مرتكبي جريمة الاتجار بالبشر من خلال القانون أساسي عدد 61 لسنة 2016 مؤرخ في 3 أوت 2016 يتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته ويهدف هذا القانون إلى منع كل أشكال الاستغلال التي يمكن أن يتعرض لها الأشخاص وخاصة النساء والأطفال ومكافحتها بالوقاية من الاتجار بهم وزجر مرتكبيه وحماية ضحاياه ومساعدتهم.

كما يهدف إلى دعم التنسيق الوطني والتعاون الدولي في مجال مكافحة الاتجار بالأشخاص في إطار الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية وقد جاء في الفصل الثامن من الباب الثاني من هذا القانون بأنه يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار كل من يرتكب إحدى جرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بالعدد 1 من الفصل 2 من هذا القانون.

وجاء بالفصل التاسع انه " يعاقب بنصف العقوبات المقررة لجرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون أو للجرائم المرتبطة بها كل من يحرض علنا بأي وسيلة كانت على ارتكابها وإذا كان العقاب المستوجب هو الإعدام أو السجن بقية العمر يعوض ذلك العقاب بالسجن مدة عشرين عاما.

كما جاء بالفصل العاشر من هذا القانون بأنه " يعاقب بالسجن مدة سبعة أعوام وبخطية قدرها أربعون ألف دينار كل من انخرط أو شارك بأي عنوان كان، داخل تراب الجمهورية أو خارجه، في جماعة إجرامية منظمة أو وفاق يهدف إلى إعداد أو تحضير أو ارتكاب إحدى جرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون وتكون مدة العقوبة خمسة عشر عاما وخطية قدرها مائة ألف دينار لمكوني ومديري الجماعات أو الوفاقات المذكورة".

اما الفصل 11 فقد نص على أنه" يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار كل من يتعمد إعداد محل لاجتماع أعضاء جماعة إجرامية منظمة أو وفاق أو أشخاص لهم علاقة بجرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها به

بهذا القانون أو إيواؤهم أو إخفاؤهم أو ضمان فرارهم أو عدم التوصل للكشف عنهم أو عدم عقابهم أو على الاستفادة بمحصول أفعالهم،وتوفير بأي وسيلة كانت أموالا أو أسلحة أو موادا أو معدات أو وسائل نقل أو تجهيزات أو مؤونة أو خدمات لفائدة جماعة إجرامية منظمة أو وفاق أو لفائدة أشخاص لهم علاقة بجرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون.

اوإرشاد أو تدبير أو تسهيل أو مساعدة أو التوسط أو التنظيم بأي وسيلة كانت ولو دون مقابل دخول شخص إلى التراب التونسي أو مغادرته بصفة قانونية أو خلسة سواء تم ذلك برا أو بحرا أو جوا من نقاط العبور أو غيرها بهدف ارتكاب إحدى جرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون أو كان ذلك الشخص ضحية لها،او وضع كفاءات أو خبرات على ذمة جماعة إجرامية منظمة أو وفاق أو أشخاص لهم علاقة بجرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون،بالإضافة إلى إفشاء أو توفير أو نشر معلومات مباشرة أو بواسطة لفائدة جماعة إجرامية منظمة أو وفاق أو لفائدة أشخاص لهم علاقة بجرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون بقصد المساعدة على ارتكابها، أو التستر عليها أو الاستفادة منها أو عدم عقاب مرتكبيها،

وصنع أو افتعال وثائق هوية أو سفر أو إقامة أو غير ذلك من الرخص أو الشهادات المذكورة بالفصول 193 إلى 199 من المجلة الجزائية لفائدة جماعة إجرامية منظمة أو وفاق أو لفائدة أشخاص لهم علاقة بجرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون.

ونص الفصل 12 من القانون على أنه " يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها عشرة آلاف دينار كل من يتعمد استعمال شبكات الاتصال والمعلومات لارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها بهذا القانون وذلك بقطع النظر عن العقوبات المقررة لتلك الجرائم.

اما الفصل 13 فجاء به انه" يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها عشرة آلاف دينار كل من يخفي أو يحجز أو يتلف وثيقة سفر أو هوية أو إقامة دون إذن قانوني قصد ارتكاب إحدى جرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون أو تسهيل ارتكابها.

ونص الفصل 14 على انه" يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها خمسة آلاف دينار كل من يمتنع عمدا عن إشعار السلط ذات النظر فورا بما بلغ إلى علمه من معلومات أو إرشادات وبما أمكن له الاطلاع عليه من أفعال حول ارتكاب إحدى جرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون".

ويعتبر مرتكبا لجريمة عدم الإشعار كل من كان خاضعا للسر المهني وتخلف عن القيام بواجب الإشعار المنصوص عليه بالفقرة المتقدمة إذا كانت الضحية طفلا أو شخصا عديم الأهلية أو من ذوي الإعاقة الذهنية أو امتنع عمدا عن الإشعار بما بلغ إلى علمه من معلومات أو إرشادات وبما أمكن له الاطلاع عليه من أفعال حول إمكانية ارتكاب إحدى جرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون.

 

مختص في علم الاجتماع لـ" الصباح": التحولات الكمية والكيفية للجرائم ساهمت في تفشي الظاهرة والحل في مقاربة متكاملة

وحول أسباب ارتكاب جرائم الاتجار بالبشر والحلول الكفيلة بالحد من هذه الظاهرة ذكر ممدوح عز الدين الاخصائي في علم الاجتماع لـ"الصباح" بأنه على الرغم من مضي 176 عاما على إلغاء الرق في تونس، فإن ظاهرة الاتجار بالبشر لا زالت سائدة متخذة أشكالا وأساليب مختلفة ،ابرزها الاستغلال الجنسي ومحاولات بيع الأعضاء وبيع الرضع واستغلال الأطفال في التسول وفي العمل القسري وألأعمال المنزلية.

وأضاف بأن السؤال الملح الذي يتكرر ويبدو ملحا كلما يتم التطرق لهذه الجريمة في تونس هو كالتالي:لماذا على الرغم من تجذر مكافحة الاتجار بالأشخاص في القانون التونسي منذ القدم وتسليط عقوبات ردعية على المجرمين وإفراد هذه الظاهرة بهيئة تكافحها، فإن هذه المجهودات لم تقلص من هذه الجريمة ولم تحد منها ؟.

وهذا السؤال يحيلنا الى أسئلة أخرى من قبيل:لماذا لا تنعكس القوانين التي تناهض الاتجار بالبشر في الواقع خاصة على النساء والأطفال الذين يعيشون في أوضاع هشة والأجانب حيث أن نصف ضحايا الاتجار بالبشر أجانب من 19 جنسية أفريقية وعربية وأغلبهم من النساء يقيمون في تونس بصورة غير نظامية وظروف إقامة غير قانونية؟

فهل عجزت الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص والجمعيات ذات الصلة في الحد من هذه الجريمة ؟ ولماذا ؟

وكيف نفسر ارتفاع نسبة انخراط النساء في هذه الجريمة من 2٫5 في المائة سنة 2019 الى 49 في المائة سنة 2020 في حين أنهن من أكثر ضحاياها ؟، و كيف نفسر انخراط أطفال قصر ونساءً في شبكات دعارة أو أباءً يبيعون أبناءهم الرضع أو يجبرون أبناءهم وبناتهم على العمل في ظروف غير قانونية وغير إنسانية ؟.

ظاهرة عالمية

 وأكد عز الدين إن تصاعد وتيرة جرائم الاتجار بالبشر ظاهرة عالمية إذا يبلغ عدد ضحاياه اليوم نحو 20 مليون ضحية عالميا ،كما أن القيمة الربحية لهذه الجريمة تقدر بأكثر من 30 مليار دولار سنويا، وتونس ليست في المراتب الأولى في ترتيب الدول العربية على مستوى نوعية هذه الجريمة حيث بلغت سنة 2021 نحو 1100 ضحية، كما انه بات من الممكن تعرية هذا النوع من الجرائم حاليا ،إذ ثمة تحرر في تناوله عبر البحث والدراسة ولم يعد من المواضيع المسكوت عنها ، فلطالما كان الاتجار بالبشر موجودا ،لكن لم يكن الحديث عنه مسموحا وقد ساهمت دمقرطة الاعلام والاستعمال الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي في كشفه وتعريته.

وأضاف بأنه لا بد من التأكيد على أن تونس تمر بظرف استثنائي والمجتمعات التي تمر بأوضاع شبيهة يتفاقم فيها هذا النوع من الجرائم لعجز الدولة عن الحد منه وانتشار ثقافة الإفلات من العقاب كما ان نسبة هامة من النساء والأطفال والأولياء خاصة في الوسط الريفي لا يواجهون هذا الوضع بسبب عدم معرفتهم بالأدوات أو الموارد القانونية التي من شأنها أن تحميهم ،إضافة للفقر والبطالة وانتشار ثقافة مجتمعية تعتبر عمل الفتيات القاصرات مقبولا وليس مرفوضا بشكل كبير وبعض النساء تعتقدن أن العنف المسلط عليهن طبيعي ولا يعرفن أن القانون يجرم ذلك حتى أنهن في بعض الأحيان يحملن أنفسهن المسؤولية ويعتبرن أنهن أخطأن.

وأكد عز الدين بإن القول بأن هذه الجريمة في تصاعد يتطلب وجود معطيات إحصائية موثوقة إذ أشار رئيس الجمعية التونسية لحقوق الطفل "لزهر الجويلي" إلى غياب الإحصائيات والدراسات الرسمية حول جريمة بيع الرضع مؤكدا أن الإشعارات التي تتعلق بهذه الجريمة والتي ترد الى السلطات الرسمية (أمن، مندوبيات حماية الطفولة) بعضها جدي وبعضها غير جدي

التحولات الكمية والكيفية

كما يشير تنامي هذا النوع من الجرائم الى التحولات الكمية والكيفية التي شهدتها الجرائم في تونس خاصة في العشرية الأخيرة فمن الناحية الكمية نلاحظ التأنيث المتنامي للجريمة في تونس حيث أزدادت نسبة النساء المقترفات لجرائم متعلقة بالجنس والقتل وبيع الرضع بعد أن كن من أهم ضحايا الإجرام في المجتمع، إضافة لدخول مشهد الجريمة عالم العائلة في حين كانت الروابط العائلية والقرابة الى وقت قريب إحدى كوابح الجريمة ويبدو أنها تحطمت.

متغير ٱخر مهم لا بد من الإشارة إليه وهو العدد الكبير من الضحايا الأجانب والسؤال الذي يجب طرحه هنا:

لماذا نلوم دول الضفة الشمالية في تعاملها اللاإنساني مع مهاجرينا غير النظاميين ونحن نتعامل مع الأفارقة غير النظاميين في بلادنا بنفس طريقة التعامل القاسية ؟

ولاحظ محدثنا من الناحية الكيفية أن من أهم سمات التحول النوعي المرتبط بهذه الجريمة النزوع الى مسرحة الجريمة وإخراجها في قالب قابل للفرجة والعرض على الجمهور، نلحظ ذلك بوضوح في واقعة عرض رجل طفلته للبيع في المهدية بشكل مسرحي، أو إقدام عائلة على

الاعتصام بأطفالها من أجل مطالب اجتماعية دون مراعاة كرامة الطفل.

الخلل الهيكلي والوظيفي

وأضاف أن من أهم الأسباب التي أدت الى تنامي جريمة الاتجار بالبشر في تونس اولا الخلل الهيكلي والوظيفي في العديد من مؤسسات المجتمع والدولة حيث أصبحت الروابط الأسرية هشة وارتفع منسوب العنف داخلها ، إضافة إلى غلاء المعيشة وارتفاع نسب الفقر والبطالة لدى أفرادها مع ضعف واضح في الرقابة الأسرية والتسرب والفشل المدرسي واختلالات المنظومة التربوية، اضافة لما سبق يسود إحساس عام بضعف الدولة ووهن وهشاشة مؤسساتها مما أدى إلى تفكك النسيج المجتمعي وتبخيس قيمة الحياة وإفقادها معناها.

كما ساهم عجز السلطة على إنفاذ القانون في تفاقم الجريمة وانتشار ثقافة الإفلات من العقاب، ورغم الترسانة القانونية التي تحمي الأطفال والنساء في تونس فإن الوضع العام الذي يتسم بالتراخي وضعف ٱداء المؤسسات المختصة وغياب سياسات واضحة لحماية هاتين الشريحتين الهشتين جعلهما الأكثر عرضة للعنف والجريمة.

اما ثانيا فهناك ازمة حادة في المرجعية القيمية إذ عندما يعجز الفرد عن تقييم سلوكه لغياب المرجعية القيمية ما يسمى في علم الاجتماع بـ"الأنوميا" واللامعيارية يصبح عنيفا مع نفسه ومع الآخرين ويستسهل الانحراف ودخول عالم الجريمة وعندما يسلعن الإنسان وتسلعن القيم وتفقد القواعد الأخلاقية والقانونية علويتها ويتم تتفيه الحياة وإفقادها معناها الأصيل تتنامى الظاهرة الإجرامية ، فحين تصبح الحياة بلا قيمة يغدو إزهاق روح بشرية أمرا عاديا كما يصبح الاتجار بالبشر رضعا وأطفالا ونساءً أمرا عاديا.

الحلول

وأكد عز الدين ان من الحلول التي يمكن اقتراحها لمكافحة هذه الجريمة هو عدم الاكتفاء بالمقاربات القانونية فقط لأنها تستوجب إمكانيات مادية كثيرة الشيء الذي لا يتوفر لدى هيئة مكافحة الاتجار بالأشخاص إذا لا بد من اعتماد مقاربة موازية تستهدف تدريب العاملين بالخطوط الامامية الذين يكتشفون هذه الجرائم ويتعاملون مع الضحايا لتكون لديهم القدرة على التعامل مع هذه الانتهاكات، بالإضافة إلى مقاربة متكاملة تدمج البعد الثقافي والتربوي والاقتصادي والاجتماعي وهذه المقاربات غائبة لأن عقلية الزجر هي فقط المتوفرة اليوم.

كما لا بد من عودة هيبة الدولة واضطلاع العائلة والمدرسة والاعلام بادوارهم كمؤسسات للتنشئة الاجتماعية وكابحة لكل أشكال الجريمة والتعدي على القانون وحقوق المواطنين وكرامتهم.

فاطمة الجلاصي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بيع الرضع..التسول ومهن هامشية: ايقافات..وأولياء مورطون مع شبكات الاتجار بأبنائهم

 - عقوبات صارمة لشبكات الاتجار بالبشر ولكن الإفلات من العقاب دعم الظاهرة

تونس - الصباح

تعد جرائم الاتجار بالبشر من أكثر الجرائم مرارة على المستوى الإنساني فكيف لام ان تفرط في فلذة كبدها حال ولادته بعد أن تحملت تعب أشهر قبل الوضع وكيف يدفع اب باطفاله القصر إلى التسول او بيع الورد او غيره في ظروف لا انسانية بل إن الأمر تطور لتصبح هناك شبكات مختصة في مجال الاتجار بالبشر فرغم صرامة العقوبات القانونية المسلطة على مرتكبي هذه الجرائم الا أنها أصبحت ظاهرة منتشرة في مجتمعنا فما هي الأسباب التي دفعت لارتكاب مثل هذه النوعية من الجرائم وما هي الحلول الكفيلة بالحد منها.

فقد أعلنت مؤخرا رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص روضة العبيدي في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء أن عدد ضحايا الاتجار بالبشر في تونس بلغ سنة 2021 نحو 1100 ضحية موزعة إلى 50 بالمائة تونسيين و50 بالمائة أجانب.

وأشارت إلى أن نصف حالات الاتجار بالبشر خلال سنة 2021 تهم تونسيين وتتمثل أساسا في استغلال الأطفال وبيع الرضع وأغلبهم من الفتيات والنساء.

واضافت بالقول في نفس التصريح "إن نصف الضحايا هم من الأجانب بتونس وهم من 19 جنسية (افريقية وعربية) وأغلبهم من النساء"، لافتة إلى أن الاتجار بالبشر وخاصة الأجانب يكون سببه الهجرة غير النظامية وظروف الإقامة غير القانونية لعدد من الأجانب، وأشارت إلى أن مؤشرات سنة 2020 كانت كارثية بخصوص الاتجار بالأطفال التي تزايدت بـ6، 180 بالمائة مقارنة بسنة 2019، وشهدت بيع الرضع الذي ارتفع بـ 5، 22 بالمائة مقارنة بنفس الفترة وتميزت بانخراط الاطفال ضمن شبكات الاتجار بالأشخاص فيما عرفت احصائيات 2021 تقلصا كبيرا في الاستغلال الجنسي للأطفال.

وبلغ عدد ضحايا الاتجار بالبشر في تونس سنة 2020 الذي سجلته الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص بالاستناد إلى بيانات وزارة الداخلية ومندوبية حماية الطفولة والمنظمات ذات الصلة، 907 حالات أكثر من نصفها من الأطفال ما يقارب 52 في المائة من إجمالي ضحايا الاتجار بالبشر هم من الأطفال إذ بلغ عددهم 452 طفلا.

وشهد الاستغلال الجنسي للأطفال ارتفاعا سنة 2020 بنسبة 32 في المائة مقارنة بسنة 2019، وكشف التقرير أن عدد ضحايا الاستغلال الجنسي من الأطفال تضاعف قرابة ثلاث مرات حيث مر من 103 حالات في 2019 إلى 289 حالة في 2020.

تصد للظاهرة

وفي ذات السياق تتواصل المجهودات الأمنية في التصدي لظاهرة الاتجار بالبشر حيث تم خلال نهاية الأسبوع الفارط الاحتفاظ بثلاثة أولياء بتهمة الاتجار بأبنائهم الأطفال بعد أن أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بأريانة بالاحتفاظ بثلاثة أولياء اطفال نسب اليهم الاتجار بأبنائهم واستغلالهم في تعاطي المهن الهامشية.

حيث نظمت الادارة الفرعية للوقاية الاجتماعية بجهاز الشرطة العدلية بالقرجاني خلال الليلة الفاصلة بين السبت والأحد 31 جويلية الفارط حملة للتصدي للمظاهر المخلة بالأمن العام ومكافحة مظاهر الاتجار بالأطفال واستغلالهم في التسول والمهن الهامشية وذلك بأحياء المنازه والنصر، حيث اسفرت الحملة عن ضبط ثلاثة أطفال أحدهم يبلغ من العمر خمسة أعوام فقط وأكبرهم عمره 11 عاما بصدد بيع الزهور و"المشموم" بين المقاهي حيث تبين أن آباءهم هم الذين يستغلونهم في بيع الورود بين المقاهي ليتم ضبط الآباء الثلاثة وحجز مبالغ مالية متفاوتة بحوزة الأطفال الثلاثة.

وباستشارة النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بأريانة أذنت بالاحتفاظ بالآباء الثلاثة من أجل الاتجار بالأطفال واستغلالهم في تعاطي المهن الهامشية.

وفي ذات السياق تم خلال شهر ماي الفارط إيقاف ثلاثة نسوة بتهمة الاتجار بالبشر ففي إطار متابعة فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بسوسة البحث في قضية موضوعها "الاتجار بالبشر" اثر تعمّد فتاة التفريط في مولودتها بالبيع (انجبتها على خلاف الصّيغ القانونيّة)، تمكنت الفرقة المذكُورة من إلقاء القبض على ثلاثة نسوة تبين تورطهن في القضية.

عقوبات صارمة

وقد نص المشرع التونسي على عقوبات صارمة ضد مرتكبي جريمة الاتجار بالبشر من خلال القانون أساسي عدد 61 لسنة 2016 مؤرخ في 3 أوت 2016 يتعلق بمنع الاتجار بالأشخاص ومكافحته ويهدف هذا القانون إلى منع كل أشكال الاستغلال التي يمكن أن يتعرض لها الأشخاص وخاصة النساء والأطفال ومكافحتها بالوقاية من الاتجار بهم وزجر مرتكبيه وحماية ضحاياه ومساعدتهم.

كما يهدف إلى دعم التنسيق الوطني والتعاون الدولي في مجال مكافحة الاتجار بالأشخاص في إطار الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية وقد جاء في الفصل الثامن من الباب الثاني من هذا القانون بأنه يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار كل من يرتكب إحدى جرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بالعدد 1 من الفصل 2 من هذا القانون.

وجاء بالفصل التاسع انه " يعاقب بنصف العقوبات المقررة لجرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون أو للجرائم المرتبطة بها كل من يحرض علنا بأي وسيلة كانت على ارتكابها وإذا كان العقاب المستوجب هو الإعدام أو السجن بقية العمر يعوض ذلك العقاب بالسجن مدة عشرين عاما.

كما جاء بالفصل العاشر من هذا القانون بأنه " يعاقب بالسجن مدة سبعة أعوام وبخطية قدرها أربعون ألف دينار كل من انخرط أو شارك بأي عنوان كان، داخل تراب الجمهورية أو خارجه، في جماعة إجرامية منظمة أو وفاق يهدف إلى إعداد أو تحضير أو ارتكاب إحدى جرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون وتكون مدة العقوبة خمسة عشر عاما وخطية قدرها مائة ألف دينار لمكوني ومديري الجماعات أو الوفاقات المذكورة".

اما الفصل 11 فقد نص على أنه" يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية قدرها خمسون ألف دينار كل من يتعمد إعداد محل لاجتماع أعضاء جماعة إجرامية منظمة أو وفاق أو أشخاص لهم علاقة بجرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها به

بهذا القانون أو إيواؤهم أو إخفاؤهم أو ضمان فرارهم أو عدم التوصل للكشف عنهم أو عدم عقابهم أو على الاستفادة بمحصول أفعالهم،وتوفير بأي وسيلة كانت أموالا أو أسلحة أو موادا أو معدات أو وسائل نقل أو تجهيزات أو مؤونة أو خدمات لفائدة جماعة إجرامية منظمة أو وفاق أو لفائدة أشخاص لهم علاقة بجرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون.

اوإرشاد أو تدبير أو تسهيل أو مساعدة أو التوسط أو التنظيم بأي وسيلة كانت ولو دون مقابل دخول شخص إلى التراب التونسي أو مغادرته بصفة قانونية أو خلسة سواء تم ذلك برا أو بحرا أو جوا من نقاط العبور أو غيرها بهدف ارتكاب إحدى جرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون أو كان ذلك الشخص ضحية لها،او وضع كفاءات أو خبرات على ذمة جماعة إجرامية منظمة أو وفاق أو أشخاص لهم علاقة بجرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون،بالإضافة إلى إفشاء أو توفير أو نشر معلومات مباشرة أو بواسطة لفائدة جماعة إجرامية منظمة أو وفاق أو لفائدة أشخاص لهم علاقة بجرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون بقصد المساعدة على ارتكابها، أو التستر عليها أو الاستفادة منها أو عدم عقاب مرتكبيها،

وصنع أو افتعال وثائق هوية أو سفر أو إقامة أو غير ذلك من الرخص أو الشهادات المذكورة بالفصول 193 إلى 199 من المجلة الجزائية لفائدة جماعة إجرامية منظمة أو وفاق أو لفائدة أشخاص لهم علاقة بجرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون.

ونص الفصل 12 من القانون على أنه " يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها عشرة آلاف دينار كل من يتعمد استعمال شبكات الاتصال والمعلومات لارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها بهذا القانون وذلك بقطع النظر عن العقوبات المقررة لتلك الجرائم.

اما الفصل 13 فجاء به انه" يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها عشرة آلاف دينار كل من يخفي أو يحجز أو يتلف وثيقة سفر أو هوية أو إقامة دون إذن قانوني قصد ارتكاب إحدى جرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون أو تسهيل ارتكابها.

ونص الفصل 14 على انه" يعاقب بالسجن مدة عام وبخطية قدرها خمسة آلاف دينار كل من يمتنع عمدا عن إشعار السلط ذات النظر فورا بما بلغ إلى علمه من معلومات أو إرشادات وبما أمكن له الاطلاع عليه من أفعال حول ارتكاب إحدى جرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون".

ويعتبر مرتكبا لجريمة عدم الإشعار كل من كان خاضعا للسر المهني وتخلف عن القيام بواجب الإشعار المنصوص عليه بالفقرة المتقدمة إذا كانت الضحية طفلا أو شخصا عديم الأهلية أو من ذوي الإعاقة الذهنية أو امتنع عمدا عن الإشعار بما بلغ إلى علمه من معلومات أو إرشادات وبما أمكن له الاطلاع عليه من أفعال حول إمكانية ارتكاب إحدى جرائم الاتجار بالأشخاص المنصوص عليها بهذا القانون.

 

مختص في علم الاجتماع لـ" الصباح": التحولات الكمية والكيفية للجرائم ساهمت في تفشي الظاهرة والحل في مقاربة متكاملة

وحول أسباب ارتكاب جرائم الاتجار بالبشر والحلول الكفيلة بالحد من هذه الظاهرة ذكر ممدوح عز الدين الاخصائي في علم الاجتماع لـ"الصباح" بأنه على الرغم من مضي 176 عاما على إلغاء الرق في تونس، فإن ظاهرة الاتجار بالبشر لا زالت سائدة متخذة أشكالا وأساليب مختلفة ،ابرزها الاستغلال الجنسي ومحاولات بيع الأعضاء وبيع الرضع واستغلال الأطفال في التسول وفي العمل القسري وألأعمال المنزلية.

وأضاف بأن السؤال الملح الذي يتكرر ويبدو ملحا كلما يتم التطرق لهذه الجريمة في تونس هو كالتالي:لماذا على الرغم من تجذر مكافحة الاتجار بالأشخاص في القانون التونسي منذ القدم وتسليط عقوبات ردعية على المجرمين وإفراد هذه الظاهرة بهيئة تكافحها، فإن هذه المجهودات لم تقلص من هذه الجريمة ولم تحد منها ؟.

وهذا السؤال يحيلنا الى أسئلة أخرى من قبيل:لماذا لا تنعكس القوانين التي تناهض الاتجار بالبشر في الواقع خاصة على النساء والأطفال الذين يعيشون في أوضاع هشة والأجانب حيث أن نصف ضحايا الاتجار بالبشر أجانب من 19 جنسية أفريقية وعربية وأغلبهم من النساء يقيمون في تونس بصورة غير نظامية وظروف إقامة غير قانونية؟

فهل عجزت الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص والجمعيات ذات الصلة في الحد من هذه الجريمة ؟ ولماذا ؟

وكيف نفسر ارتفاع نسبة انخراط النساء في هذه الجريمة من 2٫5 في المائة سنة 2019 الى 49 في المائة سنة 2020 في حين أنهن من أكثر ضحاياها ؟، و كيف نفسر انخراط أطفال قصر ونساءً في شبكات دعارة أو أباءً يبيعون أبناءهم الرضع أو يجبرون أبناءهم وبناتهم على العمل في ظروف غير قانونية وغير إنسانية ؟.

ظاهرة عالمية

 وأكد عز الدين إن تصاعد وتيرة جرائم الاتجار بالبشر ظاهرة عالمية إذا يبلغ عدد ضحاياه اليوم نحو 20 مليون ضحية عالميا ،كما أن القيمة الربحية لهذه الجريمة تقدر بأكثر من 30 مليار دولار سنويا، وتونس ليست في المراتب الأولى في ترتيب الدول العربية على مستوى نوعية هذه الجريمة حيث بلغت سنة 2021 نحو 1100 ضحية، كما انه بات من الممكن تعرية هذا النوع من الجرائم حاليا ،إذ ثمة تحرر في تناوله عبر البحث والدراسة ولم يعد من المواضيع المسكوت عنها ، فلطالما كان الاتجار بالبشر موجودا ،لكن لم يكن الحديث عنه مسموحا وقد ساهمت دمقرطة الاعلام والاستعمال الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي في كشفه وتعريته.

وأضاف بأنه لا بد من التأكيد على أن تونس تمر بظرف استثنائي والمجتمعات التي تمر بأوضاع شبيهة يتفاقم فيها هذا النوع من الجرائم لعجز الدولة عن الحد منه وانتشار ثقافة الإفلات من العقاب كما ان نسبة هامة من النساء والأطفال والأولياء خاصة في الوسط الريفي لا يواجهون هذا الوضع بسبب عدم معرفتهم بالأدوات أو الموارد القانونية التي من شأنها أن تحميهم ،إضافة للفقر والبطالة وانتشار ثقافة مجتمعية تعتبر عمل الفتيات القاصرات مقبولا وليس مرفوضا بشكل كبير وبعض النساء تعتقدن أن العنف المسلط عليهن طبيعي ولا يعرفن أن القانون يجرم ذلك حتى أنهن في بعض الأحيان يحملن أنفسهن المسؤولية ويعتبرن أنهن أخطأن.

وأكد عز الدين بإن القول بأن هذه الجريمة في تصاعد يتطلب وجود معطيات إحصائية موثوقة إذ أشار رئيس الجمعية التونسية لحقوق الطفل "لزهر الجويلي" إلى غياب الإحصائيات والدراسات الرسمية حول جريمة بيع الرضع مؤكدا أن الإشعارات التي تتعلق بهذه الجريمة والتي ترد الى السلطات الرسمية (أمن، مندوبيات حماية الطفولة) بعضها جدي وبعضها غير جدي

التحولات الكمية والكيفية

كما يشير تنامي هذا النوع من الجرائم الى التحولات الكمية والكيفية التي شهدتها الجرائم في تونس خاصة في العشرية الأخيرة فمن الناحية الكمية نلاحظ التأنيث المتنامي للجريمة في تونس حيث أزدادت نسبة النساء المقترفات لجرائم متعلقة بالجنس والقتل وبيع الرضع بعد أن كن من أهم ضحايا الإجرام في المجتمع، إضافة لدخول مشهد الجريمة عالم العائلة في حين كانت الروابط العائلية والقرابة الى وقت قريب إحدى كوابح الجريمة ويبدو أنها تحطمت.

متغير ٱخر مهم لا بد من الإشارة إليه وهو العدد الكبير من الضحايا الأجانب والسؤال الذي يجب طرحه هنا:

لماذا نلوم دول الضفة الشمالية في تعاملها اللاإنساني مع مهاجرينا غير النظاميين ونحن نتعامل مع الأفارقة غير النظاميين في بلادنا بنفس طريقة التعامل القاسية ؟

ولاحظ محدثنا من الناحية الكيفية أن من أهم سمات التحول النوعي المرتبط بهذه الجريمة النزوع الى مسرحة الجريمة وإخراجها في قالب قابل للفرجة والعرض على الجمهور، نلحظ ذلك بوضوح في واقعة عرض رجل طفلته للبيع في المهدية بشكل مسرحي، أو إقدام عائلة على

الاعتصام بأطفالها من أجل مطالب اجتماعية دون مراعاة كرامة الطفل.

الخلل الهيكلي والوظيفي

وأضاف أن من أهم الأسباب التي أدت الى تنامي جريمة الاتجار بالبشر في تونس اولا الخلل الهيكلي والوظيفي في العديد من مؤسسات المجتمع والدولة حيث أصبحت الروابط الأسرية هشة وارتفع منسوب العنف داخلها ، إضافة إلى غلاء المعيشة وارتفاع نسب الفقر والبطالة لدى أفرادها مع ضعف واضح في الرقابة الأسرية والتسرب والفشل المدرسي واختلالات المنظومة التربوية، اضافة لما سبق يسود إحساس عام بضعف الدولة ووهن وهشاشة مؤسساتها مما أدى إلى تفكك النسيج المجتمعي وتبخيس قيمة الحياة وإفقادها معناها.

كما ساهم عجز السلطة على إنفاذ القانون في تفاقم الجريمة وانتشار ثقافة الإفلات من العقاب، ورغم الترسانة القانونية التي تحمي الأطفال والنساء في تونس فإن الوضع العام الذي يتسم بالتراخي وضعف ٱداء المؤسسات المختصة وغياب سياسات واضحة لحماية هاتين الشريحتين الهشتين جعلهما الأكثر عرضة للعنف والجريمة.

اما ثانيا فهناك ازمة حادة في المرجعية القيمية إذ عندما يعجز الفرد عن تقييم سلوكه لغياب المرجعية القيمية ما يسمى في علم الاجتماع بـ"الأنوميا" واللامعيارية يصبح عنيفا مع نفسه ومع الآخرين ويستسهل الانحراف ودخول عالم الجريمة وعندما يسلعن الإنسان وتسلعن القيم وتفقد القواعد الأخلاقية والقانونية علويتها ويتم تتفيه الحياة وإفقادها معناها الأصيل تتنامى الظاهرة الإجرامية ، فحين تصبح الحياة بلا قيمة يغدو إزهاق روح بشرية أمرا عاديا كما يصبح الاتجار بالبشر رضعا وأطفالا ونساءً أمرا عاديا.

الحلول

وأكد عز الدين ان من الحلول التي يمكن اقتراحها لمكافحة هذه الجريمة هو عدم الاكتفاء بالمقاربات القانونية فقط لأنها تستوجب إمكانيات مادية كثيرة الشيء الذي لا يتوفر لدى هيئة مكافحة الاتجار بالأشخاص إذا لا بد من اعتماد مقاربة موازية تستهدف تدريب العاملين بالخطوط الامامية الذين يكتشفون هذه الجرائم ويتعاملون مع الضحايا لتكون لديهم القدرة على التعامل مع هذه الانتهاكات، بالإضافة إلى مقاربة متكاملة تدمج البعد الثقافي والتربوي والاقتصادي والاجتماعي وهذه المقاربات غائبة لأن عقلية الزجر هي فقط المتوفرة اليوم.

كما لا بد من عودة هيبة الدولة واضطلاع العائلة والمدرسة والاعلام بادوارهم كمؤسسات للتنشئة الاجتماعية وكابحة لكل أشكال الجريمة والتعدي على القانون وحقوق المواطنين وكرامتهم.

فاطمة الجلاصي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews