إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

همزة وصل: تونس ورهانات الهجرة المتجددة

احتفل الشعب التونسي منذ أيام، كسائر الشعوب الإسلامية، بهجرة الرسول - ص- من مكة إلى المدينة. وهذا الاحتفال يمثل مناسبة للوقوف، مرة أخرى، على أهمية الهجرة ودورها في تشكّل المجتمعات الإنسانية وخاصة في ما توفّره من إمكانيات لتجاوز الصعاب وفتح أفق جديدة. ولا شك أن الهجرة قد لازمت الإنسان منذ قرون ولكنها تحولت منذ ظهور المجتمع الصناعي إلى "ظاهرة" تطورت حتى أصبحت أحد العوامل المؤثرة في سياسات الدول التي تستقبل المهاجرين وتلك التي "تصدّرهم". وإذا كانت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية قد فتحت أبواب أوروبا، التي أنهكتها الحرب ودخلت مرحلة إعادة الإعمار، على مصراعيها أمام أعداد متزايدة من المهاجرين فإن السياق الحالي يشير إلى أن المرحلة القادمة ستشهد تواصل الطلب على المهاجرين في أوروبا بالدرجة الأولى وأمريكا الشمالية ودول الخليج العربي بدرجة أقل. لن يكون الطلب على اليد العاملة غير المختصة بل سيكون هناك تركيز كبير على الكفاءات .

يكفي أن نعلم مثلا أن ألمانيا لوحدها تستعد لاستيعاب خمسة ملايين إطار في أربع سنوات لندرك أهمية رهان الاستعداد لهذه المرحلة ورسم ما يناسبها من سياسات. يحتاج الأمر إلى مقاربة تتجاوز النظر للمهاجرين بوصفهم مصدرا من مصادر توفير العملة الصعبة أو الاكتفاء بتنظيم العملية بواسطة الوكالة التونسية للتعاون الفني خاصة وان عمليات "الاستقطاب" أصبحت تتم بطرق موازية وفي الجامعات ومؤسسات التعليم العالي وتستغل في ذلك انتشار بطالة أصحاب الشهادات والشعور بانسداد الأفق. وهذا يعني أن الدولة مدعوة لتأطير العملية مع الدول الأوروبية لأن "قرصنة الكفاءات" تؤدي إلى خسارة كبيرة للمجموعة الوطنية لما يستوجبه تكوين الأطباء والمهندسين والإطار شبه الطبي والأساتذة من مبالغ طائلة ومدعوة أيضا للتفكير في آليات تواصل ومدّ جسور مع مهاجرين لهم سمات خاصة .ونفس الكلام ينطبق على الذين هاجروا بطرق غير نظامية واستقروا في أوروبا. هؤلاء أيضا يحتاجون إلى آليات تأطير جديدة. وهنا يبدو أن ديوان التونسيين بالخارج يجد نفسه في مفترق طرق لأنه مدعو الى أن يجدّد طرق عمله حتى لا يكون عبئا على المهاجرين وعلى المالية العمومية.

هناك مسألة أخرى ترتبط بتحولات الهجرة وتتمثل في تحوّل تونس، في السنوات الأخيرة، إلى دولة قبول للمهاجرين. يبدو الأمر غير غريب عن تونس التي استوعبت في السابق "مهاجرين" من ليبيا والجزائر وبدرجة أقل من المغرب. ومن حيث المبدأ لا شيء يدعو، أو يبرّر، إلى وضع سياسات حمائية ومتشدّدة. ولكن في المقابل من الضروري التنبيه إلى أن الاستخفاف ببعض الظواهر السلبية التي ترافق هجرة الأفارقة إلى تونس قد يكون مدعاة لبروز ظواهر تهدد الاستقرار والأمن. ممارسة أغلب هؤلاء للمهن الهامشية وما يعانيه جزء منهم من بطالة إلى جانب اختيار أغلبهم العيش في "أطر مغلقة" تمثل كلها عوامل مساعدة على بروز سلوكيات منحرفة وهو ما أخذ يبرز خاصة في الأشهر الأخيرة.

هشام الحاجي

 

 همزة وصل: تونس ورهانات الهجرة المتجددة

احتفل الشعب التونسي منذ أيام، كسائر الشعوب الإسلامية، بهجرة الرسول - ص- من مكة إلى المدينة. وهذا الاحتفال يمثل مناسبة للوقوف، مرة أخرى، على أهمية الهجرة ودورها في تشكّل المجتمعات الإنسانية وخاصة في ما توفّره من إمكانيات لتجاوز الصعاب وفتح أفق جديدة. ولا شك أن الهجرة قد لازمت الإنسان منذ قرون ولكنها تحولت منذ ظهور المجتمع الصناعي إلى "ظاهرة" تطورت حتى أصبحت أحد العوامل المؤثرة في سياسات الدول التي تستقبل المهاجرين وتلك التي "تصدّرهم". وإذا كانت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية قد فتحت أبواب أوروبا، التي أنهكتها الحرب ودخلت مرحلة إعادة الإعمار، على مصراعيها أمام أعداد متزايدة من المهاجرين فإن السياق الحالي يشير إلى أن المرحلة القادمة ستشهد تواصل الطلب على المهاجرين في أوروبا بالدرجة الأولى وأمريكا الشمالية ودول الخليج العربي بدرجة أقل. لن يكون الطلب على اليد العاملة غير المختصة بل سيكون هناك تركيز كبير على الكفاءات .

يكفي أن نعلم مثلا أن ألمانيا لوحدها تستعد لاستيعاب خمسة ملايين إطار في أربع سنوات لندرك أهمية رهان الاستعداد لهذه المرحلة ورسم ما يناسبها من سياسات. يحتاج الأمر إلى مقاربة تتجاوز النظر للمهاجرين بوصفهم مصدرا من مصادر توفير العملة الصعبة أو الاكتفاء بتنظيم العملية بواسطة الوكالة التونسية للتعاون الفني خاصة وان عمليات "الاستقطاب" أصبحت تتم بطرق موازية وفي الجامعات ومؤسسات التعليم العالي وتستغل في ذلك انتشار بطالة أصحاب الشهادات والشعور بانسداد الأفق. وهذا يعني أن الدولة مدعوة لتأطير العملية مع الدول الأوروبية لأن "قرصنة الكفاءات" تؤدي إلى خسارة كبيرة للمجموعة الوطنية لما يستوجبه تكوين الأطباء والمهندسين والإطار شبه الطبي والأساتذة من مبالغ طائلة ومدعوة أيضا للتفكير في آليات تواصل ومدّ جسور مع مهاجرين لهم سمات خاصة .ونفس الكلام ينطبق على الذين هاجروا بطرق غير نظامية واستقروا في أوروبا. هؤلاء أيضا يحتاجون إلى آليات تأطير جديدة. وهنا يبدو أن ديوان التونسيين بالخارج يجد نفسه في مفترق طرق لأنه مدعو الى أن يجدّد طرق عمله حتى لا يكون عبئا على المهاجرين وعلى المالية العمومية.

هناك مسألة أخرى ترتبط بتحولات الهجرة وتتمثل في تحوّل تونس، في السنوات الأخيرة، إلى دولة قبول للمهاجرين. يبدو الأمر غير غريب عن تونس التي استوعبت في السابق "مهاجرين" من ليبيا والجزائر وبدرجة أقل من المغرب. ومن حيث المبدأ لا شيء يدعو، أو يبرّر، إلى وضع سياسات حمائية ومتشدّدة. ولكن في المقابل من الضروري التنبيه إلى أن الاستخفاف ببعض الظواهر السلبية التي ترافق هجرة الأفارقة إلى تونس قد يكون مدعاة لبروز ظواهر تهدد الاستقرار والأمن. ممارسة أغلب هؤلاء للمهن الهامشية وما يعانيه جزء منهم من بطالة إلى جانب اختيار أغلبهم العيش في "أطر مغلقة" تمثل كلها عوامل مساعدة على بروز سلوكيات منحرفة وهو ما أخذ يبرز خاصة في الأشهر الأخيرة.

هشام الحاجي

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews