إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

المتغيرات الإقليمية السريعة فرضت تحركه: الغنوشي في قطر ..زيارة «شخصية» بأبعاد سياسية..

 

أدّى رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي زيارة غير معلنة إلى دولة قطر، هذه الزيارة التي استغرقت 48 ساعة، وصفها مستشاره السياسي رياض الشعيبي بأنها لقضاء شؤون شخصية واجتماعية، ورغم نفي الشعيبي ضمنيا أن تكون لهذه الزيارة صبغة سياسية أو رسمية، إلا أن توقيت الزيارة في سياقات ومتغيرات إقليمية عميقة وأزمة داخلية، يطرح الكثير من النقاط الاستفهام التي لا يمكن تجاهلها كما يطرح قراءات منطقية لهذه الزيارة التي لم يتم الإعلان عنها بشكل رسمي ولم تتحدث عنها قيادات الحركة وحرص الجميع على التكتم بشأنها، فيما تم التسويق لها من خلال صفحات قريبة من الحركة بأن الهدف منها هو البحث عن تمويلات للاقتصاد المنهار خاصة بعد فشل الوفد الحكومي بقيادة وزير المالية في وقت سابق في الحصول على قروض جديدة من قطر أو جدولة الديون السابقة..

ولكن هذه الحجج والأسباب المتداولة لهذه الزيارة تبدو واهية وغير منطقية رغم أن قطر تعد أول مستثمر عربي بتونس وتمثل استثماراتها نسبة 43 بالمائة من مجموع الاستثمارات الخارجية بالبلاد، الا أنه كان يفترض لو كانت هذه الزيارة ذات طابع اقتصادي فانه لا شيء يمنع من أن تكون زيارة رسمية معلنة، تأتي في سياق إضفاء نجاعة على ما يسمى بالديبلوماسية البرلمانية التي طالما دافع عنها راشد الغنوشي ولكن بعد الانتقادات التي وُجهت له واتهامه بأنه يهدف إلى منازعة رئيس الجمهورية في صلاحياته الديبلوماسية ودوره كقائد للسياسية الخارجية التونسية، حاول راشد الغنوشي أن يقلص بصفته كرئيس برلمان من حضوره الدولي.. حيث تأتي هذه الزيارة الى قطر بعد حوالي سنة من زيارته الأخيرة الى تركيا في جانفي 2020..

ولم يعد خافيا على كل متابع للشؤون الدولية والإقليمية أن هذه الزيارة الى القطر التي تعتبر الحليف الإقليمي الأقوى والاهم لحركة النهضة وكل حركات الإسلام السياسي في المنطقة، تأتي في سياق متغيرات إقليمية كبرى تشهدها منطقة الخليج العربي وكل العالم العربي، وأن مرحلة جديدة توشك أن تبدأ في علاقة بهذه العلاقات الإقليمية بعد سنوات من الجفاء والفتور ولعبة المعسكرات والمحاور العربية والتي كانت قطر إلى جانب تركيا وإيران احد قطبيها مقابل المعكسر السعودي- الإماراتي – المصري.

واقع جديد..

اليوم بعد تجاوز مرحلة التوتر وبداية التفاهم على قواعد جديدة للعلاقات الثنائية خاصة بين قطر وتركيا والحلف السعودي، الإماراتي، المصري، فان الجميع يجمع أن هذه الزيارة »الشخصية والاجتماعية «  التي نزع عنها صفته الرسمية في الدولة كرئيس برلمان واكتفى بأن يذهب بصفته كرئيس لحركة النهضة، هدفها هو فهم هذه المتغيرات عن قرب وموقع حركة النهضة في هذه الخارطة الإقليمية الجديدة، خاصة بعد التسوية في ليبيا والتقارب التركي – السعودي والمؤشرات عن تحسن محتمل بل متوقع في العلاقات الثنائية بين تركيا ومصر والتي ما زالت النهضة تجد حرجا أخلاقيا وسياسيا في القبول بالتغيير الحاصل بعد إبعاد الإخوان عن السلطة، حيث أن النهضة في بيانها الأخير بمناسبة حادثة القطار التي أودت بحياة العشرات توجهت بعزائها إلى الشعب المصري دون ذكر السلطة الحاكمة، وهو ما رآه فيه كثيرون موقفا ما زال معاديا لنظام السيسي حتى بعد سنوات.

وبالإضافة إلى كل الرهانات الإقليمية التي تسابق حركة النهضة الوقت لكي تثبت نفسها في المشهد الجديد، فان الصراع والأزمة الداخلية بين الغنوشي ورئيس الجمهورية قيس سعيد، له انعكاساته وحضوره في هذه الزيارة، فقيس سعيد الذي رفض منذ البداية  الانحياز الى هذا المعسكر او ذاك بل ونجح في أن تكون له علاقات متوزانة مع كلتا المعسكرين بعد زيارة الى قطر وزيارته الأخيرة الى مصر، تحدث البعض عن وساطة قام بها بين مصر وقطر لإنهاء الفتور بين بلدين يقفان على طرفي نقيض واتهامات متبادلة منذ سنوات . 

فهم المتغيرات الإقليمية 

تحتاج حركة النهضة أن تفهم هذه المتغيرات الإقليمية العميقة خاصة وانها في السنوات الماضية لم تخف اصطفافها إلى الجانب التركي – القطري، وانتقادها للسياسيات الإماراتية والمصرية والسعودية في المنطقة أو حتى في بعض المسائل الداخلية، وباعتبار موقعها اليوم في السلطة والحكم فان احتفاظها بمواقفها القديمة قد يضر بسياسة تونس الخارجية، كما يمكن أن يضر بها كحزب خاصة وانه لم يعد خافيا أن خصومها المباشرين يجدون حظوة وتقديرا لدى هذه القوى الإقليمية التي تعسكرت حركة النهضة ضدها ولكن اليوم مع تقارب كل هذه القوى فان راشد الغنوشي، مطالب بالضرورة أن يجد لنفسه موقعا في هذه المعادلة الجديدة لاعتبارات عديدة ..

ولعل الزيارة المعلنة لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إلى الرياض بعد أيام وذلك بعد المكالمة الهاتفية التي جمعت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، والتي قيل أن الرجلين بحثا سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وقد علق مسؤول تركي رفيع في تصريح لـ »لرويترز «  بقوله أنه  "بهذه الزيارة من الممكن فتح فصل جديد معا" مضيفا أن المحادثات ستتركز على التجارة والعلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية مثل الصراع في ليبيا حيث نشرت تركيا قواتها.

وأمام هذا التوتر اللافت في العلاقات الإقليمية والثنائية، يجد راشد الغنوشي نفسه في وضعية من يجب عليه مراجعة قائمة الأصدقاء والحلفاء والأعداء وفق شروط المتغيرات الجديدة، حتى تحافظ النهضة على الدور الذي تريده وتسعى إليها منذ الثورة إلى اليوم، وهي أن لا تكون على هامش الأحداث بل في قلبها.

منية العرفاوي

المتغيرات الإقليمية السريعة فرضت تحركه: الغنوشي في قطر ..زيارة «شخصية» بأبعاد سياسية..

 

أدّى رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي زيارة غير معلنة إلى دولة قطر، هذه الزيارة التي استغرقت 48 ساعة، وصفها مستشاره السياسي رياض الشعيبي بأنها لقضاء شؤون شخصية واجتماعية، ورغم نفي الشعيبي ضمنيا أن تكون لهذه الزيارة صبغة سياسية أو رسمية، إلا أن توقيت الزيارة في سياقات ومتغيرات إقليمية عميقة وأزمة داخلية، يطرح الكثير من النقاط الاستفهام التي لا يمكن تجاهلها كما يطرح قراءات منطقية لهذه الزيارة التي لم يتم الإعلان عنها بشكل رسمي ولم تتحدث عنها قيادات الحركة وحرص الجميع على التكتم بشأنها، فيما تم التسويق لها من خلال صفحات قريبة من الحركة بأن الهدف منها هو البحث عن تمويلات للاقتصاد المنهار خاصة بعد فشل الوفد الحكومي بقيادة وزير المالية في وقت سابق في الحصول على قروض جديدة من قطر أو جدولة الديون السابقة..

ولكن هذه الحجج والأسباب المتداولة لهذه الزيارة تبدو واهية وغير منطقية رغم أن قطر تعد أول مستثمر عربي بتونس وتمثل استثماراتها نسبة 43 بالمائة من مجموع الاستثمارات الخارجية بالبلاد، الا أنه كان يفترض لو كانت هذه الزيارة ذات طابع اقتصادي فانه لا شيء يمنع من أن تكون زيارة رسمية معلنة، تأتي في سياق إضفاء نجاعة على ما يسمى بالديبلوماسية البرلمانية التي طالما دافع عنها راشد الغنوشي ولكن بعد الانتقادات التي وُجهت له واتهامه بأنه يهدف إلى منازعة رئيس الجمهورية في صلاحياته الديبلوماسية ودوره كقائد للسياسية الخارجية التونسية، حاول راشد الغنوشي أن يقلص بصفته كرئيس برلمان من حضوره الدولي.. حيث تأتي هذه الزيارة الى قطر بعد حوالي سنة من زيارته الأخيرة الى تركيا في جانفي 2020..

ولم يعد خافيا على كل متابع للشؤون الدولية والإقليمية أن هذه الزيارة الى القطر التي تعتبر الحليف الإقليمي الأقوى والاهم لحركة النهضة وكل حركات الإسلام السياسي في المنطقة، تأتي في سياق متغيرات إقليمية كبرى تشهدها منطقة الخليج العربي وكل العالم العربي، وأن مرحلة جديدة توشك أن تبدأ في علاقة بهذه العلاقات الإقليمية بعد سنوات من الجفاء والفتور ولعبة المعسكرات والمحاور العربية والتي كانت قطر إلى جانب تركيا وإيران احد قطبيها مقابل المعكسر السعودي- الإماراتي – المصري.

واقع جديد..

اليوم بعد تجاوز مرحلة التوتر وبداية التفاهم على قواعد جديدة للعلاقات الثنائية خاصة بين قطر وتركيا والحلف السعودي، الإماراتي، المصري، فان الجميع يجمع أن هذه الزيارة »الشخصية والاجتماعية «  التي نزع عنها صفته الرسمية في الدولة كرئيس برلمان واكتفى بأن يذهب بصفته كرئيس لحركة النهضة، هدفها هو فهم هذه المتغيرات عن قرب وموقع حركة النهضة في هذه الخارطة الإقليمية الجديدة، خاصة بعد التسوية في ليبيا والتقارب التركي – السعودي والمؤشرات عن تحسن محتمل بل متوقع في العلاقات الثنائية بين تركيا ومصر والتي ما زالت النهضة تجد حرجا أخلاقيا وسياسيا في القبول بالتغيير الحاصل بعد إبعاد الإخوان عن السلطة، حيث أن النهضة في بيانها الأخير بمناسبة حادثة القطار التي أودت بحياة العشرات توجهت بعزائها إلى الشعب المصري دون ذكر السلطة الحاكمة، وهو ما رآه فيه كثيرون موقفا ما زال معاديا لنظام السيسي حتى بعد سنوات.

وبالإضافة إلى كل الرهانات الإقليمية التي تسابق حركة النهضة الوقت لكي تثبت نفسها في المشهد الجديد، فان الصراع والأزمة الداخلية بين الغنوشي ورئيس الجمهورية قيس سعيد، له انعكاساته وحضوره في هذه الزيارة، فقيس سعيد الذي رفض منذ البداية  الانحياز الى هذا المعسكر او ذاك بل ونجح في أن تكون له علاقات متوزانة مع كلتا المعسكرين بعد زيارة الى قطر وزيارته الأخيرة الى مصر، تحدث البعض عن وساطة قام بها بين مصر وقطر لإنهاء الفتور بين بلدين يقفان على طرفي نقيض واتهامات متبادلة منذ سنوات . 

فهم المتغيرات الإقليمية 

تحتاج حركة النهضة أن تفهم هذه المتغيرات الإقليمية العميقة خاصة وانها في السنوات الماضية لم تخف اصطفافها إلى الجانب التركي – القطري، وانتقادها للسياسيات الإماراتية والمصرية والسعودية في المنطقة أو حتى في بعض المسائل الداخلية، وباعتبار موقعها اليوم في السلطة والحكم فان احتفاظها بمواقفها القديمة قد يضر بسياسة تونس الخارجية، كما يمكن أن يضر بها كحزب خاصة وانه لم يعد خافيا أن خصومها المباشرين يجدون حظوة وتقديرا لدى هذه القوى الإقليمية التي تعسكرت حركة النهضة ضدها ولكن اليوم مع تقارب كل هذه القوى فان راشد الغنوشي، مطالب بالضرورة أن يجد لنفسه موقعا في هذه المعادلة الجديدة لاعتبارات عديدة ..

ولعل الزيارة المعلنة لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إلى الرياض بعد أيام وذلك بعد المكالمة الهاتفية التي جمعت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، والتي قيل أن الرجلين بحثا سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وقد علق مسؤول تركي رفيع في تصريح لـ »لرويترز «  بقوله أنه  "بهذه الزيارة من الممكن فتح فصل جديد معا" مضيفا أن المحادثات ستتركز على التجارة والعلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية مثل الصراع في ليبيا حيث نشرت تركيا قواتها.

وأمام هذا التوتر اللافت في العلاقات الإقليمية والثنائية، يجد راشد الغنوشي نفسه في وضعية من يجب عليه مراجعة قائمة الأصدقاء والحلفاء والأعداء وفق شروط المتغيرات الجديدة، حتى تحافظ النهضة على الدور الذي تريده وتسعى إليها منذ الثورة إلى اليوم، وهي أن لا تكون على هامش الأحداث بل في قلبها.

منية العرفاوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews