في خضم مسارها الانتقالي نحو الديمقراطية، لم تكرس الحكومات المتعاقبة في تونس ثقافة الاستقالة في حال ارتكب المسؤول تجاوزات أو أخطاء أو أضر بالمصلحة العامة، بل يجد المسؤولون وحتى المنتخبون مبررات عدة لأخطائهم، أو يتخذون الاعتذار درعا ضد الانتقادات، وهم يعرفون جيدا أن لا معنى للاعتذار دون استقالة، ومرات عدة يغرقنا المسؤولون بتبريراتهم أو يفتحون تحقيقا لا نعلم بعده إن كان حوسب الفاعل أم يلتحق الملف بسابقيه في الأدراج المغلقة.
تعلن رئاسة الجمهورية بعد أن تحدث نائب عن الأمر أنها تلقت 1000 جرعة من الإمارات من تلقيح ضد كورونا وأرسلت الجرعات إلى مصالح الطب العسكري وتفتح رئاسة الحكومة تحقيقا. يمكن لنا أن ننام على خطة وطنية واضحة للتلقيح، تم اختيار الفئات التي تنتفع بها بدقة وطبقا لضوابط علمية، ثم نستيقظ على "التلقيح خلسة"، عندما يتلقى وزراء ومسؤولون في الحكومة اللقاح دون أن يعلم بالأمر أحد، ثم تبدو كل الظروف مواتية للنائب عن حركة النهضة أروى بن عباس وهي أيضا عضو في اللجنة الخاصة لشؤون المرأة والأسرة والطفولة والشباب والمسنين (وفئة المسنين هي أحوج فئة للتلقيح) لتتلقى التلقيح، وتقول في تدوينة "سُمح لي مثل غيري من المواطنين ممن توجهوا الى المركز يومها بتناول الجرعة الأولى مع تسجيل اسمي بكل شفافية في الدفاتر الرسمية للمركز." وهو خطأ ناتج عن سوء تقدير كما تقول وتعتذر عنه. نقطة وانتهى الموضوع! تدوينة النائب لن تنفع صاحبها في بلدان أخرى.
وإن كانت تونس ليست وحدها من شهدت تجاوزات أو محسوبية أو عدم احترام خطة التلقيح الموضوعة وأولوياتها، فإنها تبدو من الدول القليلة جدا التي لم تؤد فيها فضائح التلقيح إلى الاستقالة. دعونا نلقي نظرة على بعض فضائح التلقيح الأخرى حيث استقال وزراء وجنرالات ومسؤولون لأنهم رأوا للحظة أنهم أحق من غيرهم في حماية أنفسهم من عدوى كوفيد-19.
استقالات بالجملة في أمريكا اللاتينية
تبدو الاستقالات بالجملة في عدد من دول أمريكا اللاتينية، في البيرو أصبحت المسألة تعرف تحت مسمى "التلقيح غايت" حيث هزت الحكومة اتهامات ضد حوالي 500 مسؤول حكومي من بينهم الرئيس السابق مارتن فيزكارا ووزراء بتهمة التطعيم قبل دورهم في فيفري الماضي. واستقالت وزيرة الخارجية إليزابيث أستيت وأيضا وزيرة الصحة بيلار مازيتي وسط ضجة بشأن تلقيح المسؤولين الحكوميين سرا ضد فيروس كورونا وقد دفع ذلك أيضا مسؤولين حكوميين آخرين للاستقالة، بعدما كشفت صحيفة أن الرئيس السابق مارتن فيزكارا تلقى جرعة من اللقاح في أكتوبر الماضي.
في الأرجنتين استقال وزير الصحة جينيس غونزاليس غارسى أيضا بعد أن تبين أن أصدقاءه تمكنوا من تخطي خطة التطعيم ضد فيروس كوفيد-19. وقد اندلعت الفضيحة بعد أن أعلن الصحفي هوراسيوفيربتسكي (71 عاما) عبر الإذاعة أنه بفضل صداقته الطويلة مع الوزير، تمكن من تلقيح في مكتبه قبل عامة السكان. وقد ذكرت وسائل إعلام محلية أن أشخاصا آخرين مقربين من الحكومة تم تطعيمهم أيضا في وزارة الصحة.
في مارس الماضي، استقال وزير الصحة في الإكوادور بعد 19 يوما فقط من بدء عمله، بعد انطلاق التحقيق في فضيحة بشأن تلقي أفراد يتمتعون بصلات جيدة لقاحات ضد فيروس كورونا. وظهرت تقارير في الإكوادور تفيد بأن السياسيين والأكاديميين والصحفيين وغيرهم ممن لهم علاقات وصلات جيدة قد تم تطعيمهم عندما كان من المفترض تخصيص لقاحات ضد كوفيد-19 للعاملين في مجال الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية والمقيمين في دور رعاية المسنين.
مستقيلون في كندا وإسبانيا
الأمر لا يختلف كثيرا خارج أمريكيا اللاتينية، فمن تورط في فضائح التلاقيح يستقيل هذا مؤكد، فقد استقال جنرال إسباني بعد مزاعم بأنه تلقى لقاحا ضد كوورنا، قبل المجموعات ذات الأولوية، وهو واحد من عدد من المسؤولين الحكوميين الذين أثاروا غضبا عاما بسبب تقارير عن تجاوزهم طابور التطعيم. ولكن حتى وإن كان المسؤول ممن استغل إمكانيته ليوفر لنفسه التطعيم خارج البلاد يستقيل أيضا. فقد استقال الرئيس التنفيذي للصندوق الذي يدير استثمارات خطة المعاشات التقاعدية الكندية بعد أن تم الكشف عن سفره إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث تم تطعيمه ضد كوفيد-19.
لن يتوقف البشر عن مخالفة القانون، أو التورط في تجاوزات على حساب الفئات الأضعف خاصة إذا كانوا من أولئك الذين يمتلكون النفوذ والسلطة والمال، ولكن بمجرد أن يُكشف الأمر لا حل أمامهم سوى الرحيل ليصبحوا وجها لوجه مع التحقيقات ومسار العدالة. في بعض البلدان يستقيل المسؤول بسبب كأس عصير وفي بعض البلدان الأخرى يتحصل على لقاح على حساب المواطنين ولا يكتب أكثر من بيان اعتذار.
أروى الكعلي
في خضم مسارها الانتقالي نحو الديمقراطية، لم تكرس الحكومات المتعاقبة في تونس ثقافة الاستقالة في حال ارتكب المسؤول تجاوزات أو أخطاء أو أضر بالمصلحة العامة، بل يجد المسؤولون وحتى المنتخبون مبررات عدة لأخطائهم، أو يتخذون الاعتذار درعا ضد الانتقادات، وهم يعرفون جيدا أن لا معنى للاعتذار دون استقالة، ومرات عدة يغرقنا المسؤولون بتبريراتهم أو يفتحون تحقيقا لا نعلم بعده إن كان حوسب الفاعل أم يلتحق الملف بسابقيه في الأدراج المغلقة.
تعلن رئاسة الجمهورية بعد أن تحدث نائب عن الأمر أنها تلقت 1000 جرعة من الإمارات من تلقيح ضد كورونا وأرسلت الجرعات إلى مصالح الطب العسكري وتفتح رئاسة الحكومة تحقيقا. يمكن لنا أن ننام على خطة وطنية واضحة للتلقيح، تم اختيار الفئات التي تنتفع بها بدقة وطبقا لضوابط علمية، ثم نستيقظ على "التلقيح خلسة"، عندما يتلقى وزراء ومسؤولون في الحكومة اللقاح دون أن يعلم بالأمر أحد، ثم تبدو كل الظروف مواتية للنائب عن حركة النهضة أروى بن عباس وهي أيضا عضو في اللجنة الخاصة لشؤون المرأة والأسرة والطفولة والشباب والمسنين (وفئة المسنين هي أحوج فئة للتلقيح) لتتلقى التلقيح، وتقول في تدوينة "سُمح لي مثل غيري من المواطنين ممن توجهوا الى المركز يومها بتناول الجرعة الأولى مع تسجيل اسمي بكل شفافية في الدفاتر الرسمية للمركز." وهو خطأ ناتج عن سوء تقدير كما تقول وتعتذر عنه. نقطة وانتهى الموضوع! تدوينة النائب لن تنفع صاحبها في بلدان أخرى.
وإن كانت تونس ليست وحدها من شهدت تجاوزات أو محسوبية أو عدم احترام خطة التلقيح الموضوعة وأولوياتها، فإنها تبدو من الدول القليلة جدا التي لم تؤد فيها فضائح التلقيح إلى الاستقالة. دعونا نلقي نظرة على بعض فضائح التلقيح الأخرى حيث استقال وزراء وجنرالات ومسؤولون لأنهم رأوا للحظة أنهم أحق من غيرهم في حماية أنفسهم من عدوى كوفيد-19.
استقالات بالجملة في أمريكا اللاتينية
تبدو الاستقالات بالجملة في عدد من دول أمريكا اللاتينية، في البيرو أصبحت المسألة تعرف تحت مسمى "التلقيح غايت" حيث هزت الحكومة اتهامات ضد حوالي 500 مسؤول حكومي من بينهم الرئيس السابق مارتن فيزكارا ووزراء بتهمة التطعيم قبل دورهم في فيفري الماضي. واستقالت وزيرة الخارجية إليزابيث أستيت وأيضا وزيرة الصحة بيلار مازيتي وسط ضجة بشأن تلقيح المسؤولين الحكوميين سرا ضد فيروس كورونا وقد دفع ذلك أيضا مسؤولين حكوميين آخرين للاستقالة، بعدما كشفت صحيفة أن الرئيس السابق مارتن فيزكارا تلقى جرعة من اللقاح في أكتوبر الماضي.
في الأرجنتين استقال وزير الصحة جينيس غونزاليس غارسى أيضا بعد أن تبين أن أصدقاءه تمكنوا من تخطي خطة التطعيم ضد فيروس كوفيد-19. وقد اندلعت الفضيحة بعد أن أعلن الصحفي هوراسيوفيربتسكي (71 عاما) عبر الإذاعة أنه بفضل صداقته الطويلة مع الوزير، تمكن من تلقيح في مكتبه قبل عامة السكان. وقد ذكرت وسائل إعلام محلية أن أشخاصا آخرين مقربين من الحكومة تم تطعيمهم أيضا في وزارة الصحة.
في مارس الماضي، استقال وزير الصحة في الإكوادور بعد 19 يوما فقط من بدء عمله، بعد انطلاق التحقيق في فضيحة بشأن تلقي أفراد يتمتعون بصلات جيدة لقاحات ضد فيروس كورونا. وظهرت تقارير في الإكوادور تفيد بأن السياسيين والأكاديميين والصحفيين وغيرهم ممن لهم علاقات وصلات جيدة قد تم تطعيمهم عندما كان من المفترض تخصيص لقاحات ضد كوفيد-19 للعاملين في مجال الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية والمقيمين في دور رعاية المسنين.
مستقيلون في كندا وإسبانيا
الأمر لا يختلف كثيرا خارج أمريكيا اللاتينية، فمن تورط في فضائح التلاقيح يستقيل هذا مؤكد، فقد استقال جنرال إسباني بعد مزاعم بأنه تلقى لقاحا ضد كوورنا، قبل المجموعات ذات الأولوية، وهو واحد من عدد من المسؤولين الحكوميين الذين أثاروا غضبا عاما بسبب تقارير عن تجاوزهم طابور التطعيم. ولكن حتى وإن كان المسؤول ممن استغل إمكانيته ليوفر لنفسه التطعيم خارج البلاد يستقيل أيضا. فقد استقال الرئيس التنفيذي للصندوق الذي يدير استثمارات خطة المعاشات التقاعدية الكندية بعد أن تم الكشف عن سفره إلى الإمارات العربية المتحدة، حيث تم تطعيمه ضد كوفيد-19.
لن يتوقف البشر عن مخالفة القانون، أو التورط في تجاوزات على حساب الفئات الأضعف خاصة إذا كانوا من أولئك الذين يمتلكون النفوذ والسلطة والمال، ولكن بمجرد أن يُكشف الأمر لا حل أمامهم سوى الرحيل ليصبحوا وجها لوجه مع التحقيقات ومسار العدالة. في بعض البلدان يستقيل المسؤول بسبب كأس عصير وفي بعض البلدان الأخرى يتحصل على لقاح على حساب المواطنين ولا يكتب أكثر من بيان اعتذار.