ـ الخلافات داخل مجلس الهيئة.. والهيئات الفرعية غير المكتملة.. وعدم تطبيق القانون على المخالفين لقواعد الحملة.. وإشكاليات تسجيل الناخبين مثيرة للقلق
تونس: الصباح
لم يعد يفصلنا عن موعد الاستفتاء حول مشروع الدستور سوى 12 يوما، استفتاء ستشرف على تنظيمه وإدارته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي أكد رئيسها فاروق بوعسكر في أكثر من مناسبة جاهزيتها التامة للقيام بهذه المهمة، لكن في المقابل تحدثت رجاء الجبري رئيسة شبكة "مراقبون" عن محدودية هذه الجاهزية، وعبرت عن خشيتها من عدم قدرة الهيئة على تخطي العراقيل الكثيرة الماثلة أمامها قبل يوم 25 جويلية، وأشارت في تصريح لـ "الصباح" حول تقييم منظمتها لمدى جاهزية الهيئة لتنظيم الاستفتاء، إلى أن شبكة مراقبون كانت قد نبهت منذ صدور المرسوم عدد 22 المؤرّخ في 21 أفريل 2022 المتعلق بتنقيح أحكام القانون الأساسي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات الذي تم بمقتضاه تغيير تركيبة الهيئة وطريقة اختيار أعضائها ورئيسها، إلى ما سيترتّب عن ذلك المرسوم من مساس باستقلالية الهيئة ومصداقية المسار الانتخابي برمّته وقبول نتائج الاستحقاقات الانتخابية القادمة، حيث ذكرت "مراقبون" في بيانها آنذاك أن تغيير تركيبة الإدارة الانتخابية قبل تسعين يوما فقط من 25 جويلية يطرح العديد من المخاوف على مستوى استعدادات الهيئة وقدرتها على تنظيم هذا الاستفتاء، لأن المسار ليس سهلا بل فيه جملة من الإشكاليات والعراقيل سواء تعلق الأمر بالجوانب اللوجستية أو القانونية أو البشرية..
وفسرت الجبري أنه لا يكفي أن يصرح رئيس الهيئة أن الهيئة قامت بالمطلوب وأنها جاهزة تماما لتنظيم الاستفتاء لكي نقول إن الهيئة جاهزة فعلا، لأن هناك شروطا لا بد من توفرها عند الحديث عن الجاهزية، من قبيل تركيز الهيئات الفرعية، فهل أن هذه الهيئات مكتملة أم منقوصة التركيبة؟ وذكرت أن مجلس الهيئة كان يعلم أنه سيواجه صعوبات كبيرة في تركيز الهيئات الفرعية بالنظر إلى أن هذه التركيبة تقوم بالأساس على القضاة، وبالنظر إلى أن الدعوة التي وجهتها الهياكل القضائية منذ مطلع جوان للقضاة لعدم الترشح لعضوية الهيئات الفرعية للانتخابات، ولكن عوضا عن التسريع في إيجاد الحل الذي يكفل تركيز هيئات فرعية مكتملة التركيبة وتكوين أعضائها قبل انطلاق الحملة الانتخابية ظل مجلس الهيئة يترقب معتقدا أن المسار ينحصر في الجانب الإجرائي والحال أن هناك مناخا سياسيا كاملا تتحرك فيه الهيئة ويقتضي منها بالضرورة حسن التعاطي معه.
وبينت رئيسة شبكة "مراقبون" أن تركيبة الهيئات الفرعية تدعو للتساؤل هل أن الهيئات التي لا يوجد فيها قضاة شرعية أم غير شرعية؟ وليس هذا فقط، بل يجب التساؤل أيضا هل يصح وجود هيئات فرعية غير مكتملة التركيبة؟
ويشار في هذا السياق إلى أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نشرت أمس على موقعها الرسمي قرارها عدد 19 لسنة 2022المؤرخ في 11 جويلية 2022 المتعلق بإحداث هيئات فرعية للانتخابات بالداخل والخارج بمناسبة تنظيم الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2022 وبضبط تركيبتها. وبالاطلاع على فحوى هذا القرار تبين أن هناك هيئات غير مكتملة التركيبة وهي الهيئة الفرعية ببن عروس والهيئة الفرعية بباجة والهيئة الفرعية بصفاقس 1 والهيئة الفرعية بصفاقس 2 والهيئة الفرعية بتطاوين، والهيئة الفرعية بدائرة ألمانيا والهيئة الفرعية بدائرة إيطاليا والهيئة الفرعية بدائرة فرنسا 2.
مهام ثقيلة
إضافة إلى تشديدها على أهمية أن تكون الهيئات الفرعية للانتخابات مكتملة التركيبة وذلك نظرا للدور المنوط بعهدتها، ذكرت رجاء الجبري أنه كان من المفروض تعيين أعضاء هذه الهيئات منذ مدة طويلة وإخضاعهم لدورات تكوينية وتأطيرهم ومدهم بجميع المعطيات. وبينت أن مهام الهيئات الفرعية ثقيلة، فهذه الهيئات هي عبارة عن مجلس مصغر للهيئة المركزية، فهي على سبيل الذكر لا الحصر تتولى متابعة مدى احترام مبادئ الحملة الانتخابية وقواعدها وإجراءاتها والإشراف على الزيارات الميدانية لمراقبة تمويل الحملة وعلى إعداد التقارير الدورية لمراقبة الحملة، والتأشير على قائمة التظاهرات والأنشطة والملتقيات المنجزة، والتأشير على القائمة التأليفية للمداخيل والمصاريف الانتخابية، وتقديم تقرير تأليفي حول نتائج مراقبة الحملة الانتخابية وأهم المخالفات والخروقات التي تم رصدها، وليس هذا فقط بل تقوم الهيئات الفرعية بالبت في انتداب أعوان مراكز ومكاتب الاقتراع، وبهذه الكيفية فهي عندما يكون فيها عضوان فقط كما هو الحال اليوم في عدد من الهيئات الفرعية فكيف ستستطيع الحسم في النقاط الخلافية لأن آلية التصويت في هذه الوضعية غير ممكنة.
وأشارت الجبري إلى التجاذبات الموجودة صلب مجلس الهيئة وبينت أن الشغور الموجود في هذا المجلس الحاصل بعد استقالة أحد أعضائها من القضاة لا يطرح مشكلا لأن النصاب متوفر لكن الإشكالات الحقيقية هي تلك التي يمكن ملاحظتها عند قراءة تدوينات عضو مجلس الهيئة سامي بن سلامة على صفحته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تدوينات تدعو للتساؤل هل هناك ديمقراطية داخل الهيئة، وهل تم توجيه طلب لإعفاء بن سلامة وهل طلب رئيس الهيئة عند اللقاء الذي جمعه أول أمس برئيس الجمهورية إعفاء بن سلامة وماذا جاء في الرسالة التي وجهها بن سلامة بصفة رسمية لمجلس الهيئة وما هي مؤاخذاته على الهيئة، وذكرت أن الإجابة عن هذه الأسئلة مهم لكي تقول الهيئة إنها تتعامل بشفافية، وأشارت محدثتنا إلى أن مجلس الهيئة كان يبث اجتماعاته بصفة مباشرة وقد أمكن للمتابعين فهم طبيعة الخلاف بين سامي بن سلامة وبين رئيس الهيئة، فرئيس الهيئة يقول إنه بمقتضى المرسوم عدد 22 سالف الذكر هو الذي يشرف على الإدارة التنفيذية، ولكن بن سلامة يحتج على الإدارة التنفيذية لأنها ترفض مده بالمعطيات والبيانات التي يطلبها منها، ولأنه لا يقبل أن يدعى لاجتماعات مجلس الهيئة للتداول في مسائل لم يستعد لها بصفة مسبقة ولم يطلع على كل البيانات والمستندات التي تجعله يصوت عن دراية واقتناع.
ويشار في نفس السياق إلى أن عضو مجلس الهيئة سامي بن سلامة نشر ظهر أمس على صفحته الرسمية تدوينة أشار فيها إلى أنه قرأ قرار طلب إعفائه في محضر جلسة مجلس الهيئة المنعقد أول أمس 11 جويلية، وقال إنه توصل بلائحة اتهامات تضمنت 55 تهمة موجهة إليه ولم يكتف بن سلامة بذلك بل قام بنشر بعض ما جاء في وثيقة عنوانها "تقرير في الأخطاء الجسيمة المرتكبة من قبل عضو مجلس الهيئة سامي بن سلامة والمتمثلة في خرق واجب التحفظ والحياد وكتمان السر المهني وواجب احترام الهيئة وأعضاء مجلسها والسلط الرسمية للدولة"، وذكر أنه تمت مطالبته بالإجابة عن تلك التهم في غضون 24 ساعة.
التخلي عن الشفافية
أشارت رجاء الجبري إلى أن شبكة "مراقبون" استبشرت خيرا في البداية بقرار مجلس الهيئة في أول اجتماع عقده بعد تنصيبه والقاضي ببث جلساته بصفة مباشرة وبنشر محاضر جلساتها ومداولتها لكن للأسف "عادت حليمة إلى عادتها القديمة"، وفق تعبيرها، إذ تم إيقاف البث المباشر وبالتالي تم المساس بحق المواطن في النفاذ إلى المعلومة، وحتى الندوات الصحفية فإن الهيئة نظمت ندوة يتيمة لم يحضرها المجتمع المدني واقتصر الحضور على الصحفيين، وليس هذا فقط، إذ لا يوجد مكلف بالعلاقة مع المجتمع المدني ولا يوجد ناطق رسمي باسم مجلس الهيئة، والحال أنه كان من المفروض أن يتولى رئيس الهيئة تعيين ناطق رسمي من بين أعضاء مجلس الهيئة وهو ما نص عليه المرسوم عدد 22 المتعلق بتنقيح أحكام القانون الأساسي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات ولكن رئيس الهيئة لم يطبق المرسوم.
وخلصت رجاء الجبري إلى أن شبكة "مراقبون" لها مؤاخذات على الهيئة لعدم تقيدها بموجبات الشفافية وخاصة لعدم تطبيقها القانون على المخالفين لقواعد الحملة، وعبرت عن استغرابها من البلاغ الصادر عن الهيئة أول أمس إثر اللقاء الذي جمع رئيس الهيئة برئيس الجمهورية، وفسرت أن الهيئة أشارت في هذا البلاغ إلى أنها تذكر الجميع بمقتضيات الفصل 61 من القانون الانتخابي الذي يحجّر استعمال علم الجمهورية التونسية أو شعارها في المعلقات الانتخابية والمتعلقة بالاستفتاء وأن كل مخالفة لهذا التحجير تعرّض مرتكبها إلى خطايا مالية وأنها تذكّر بمناسبة حملة الاستفتاء بواجب حياد الإدارة وعدم استعمال الأعوان العموميين ووسائل السلطة العمومية ومواردها في حملة الاستفتاء على مشروع الدستور وأن كل مخالفة لهذا التحجير تعرض مرتكبها إلى خطايا مالية، فدور الهيئة على حد قول الجبري ليس أن تذكر بل عليها تطبيق القانون على المخالفين حتى وإن اقتضى الأمر الاستعانة بالقوة العامة، لأن جميع هياكل الدولة ملزمة بمساعدة الهيئة على أداء مهامها. وأشارت إلى أن المعلقات التي تم تركيزها في مخالفة لقواعد الحملة ظلت موجودة طيلة عشرة أيام والهيئة لم تحرك ساكنا وربما كانت الوضعية ستتواصل إلى يوم 25 جويلية لولا إثارة المسألة في شبكات التواصل الاجتماعي. وذكرت أن الهيئة قالت إن لديها مراقبين محلفين للحملة لكن المجتمع المدني لم يلحظهم على الميدان ولم يطلع على تقاريرهم وهو لا يعرف هل تم تكوينهم بالكيفية المطلوبة لكي يؤمنوا رقابة فعلية على الحملة. وبينت أنه تم التأخير كثيرا في انتداب المراقبين وهذا سيكون بالضرورة على حساب شفافية الحملة وجدواها وعلى حساب المشاركين في حملة الاستفتاء.
وفي علاقة بالمشاركين في الحملة، بينت الجبري أن الهيئة فتحت المجال أمام هؤلاء لتغيير مواقفهم من مشروع الدستور، وهي آجال قصيرة جدا ولم تتجاوز اليومين، وكان من المفروض عليها أن تعلن عن حملة جديدة وأن تنطلق من النقطة الصفر لأنه بإمكان أي مشارك أن يغير الموقف من مشروع الدستور بصفة جذرية تبعا للتعديلات التي أدخلها رئيس الجمهورية ليلة العيد على مشروع الدستور، فالهيئة حسب قولها تتلاعب بالآجال والإجراءات وهي ليست مسائل شكلية كما يعتقد البعض بل هي مسائل جوهرية لأن الجوانب الإجرائية في المسار الانتخابي مهمة جدا ولا بد من احترامها حماية لحقوق الأطراف المشاركة في هذا المسار.
وانتهت رئيسة شبكة مراقبون إلى أن جاهزية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لتنظيم استفتاء ضعيفة جدا بالنظر إلى تقدم المسار وقصر المدة المتبقية وهو ما يدعو إلى التساؤل كيف ستجاري الهيئة يوم الاستفتاء الذي يقوم على لوجستيك كبير ويتطلب تنسيقا تاما، وذكرت أنهم في شبكة مراقبون يتابعون عمل الهيئة لحظة بلحظة وأنهم لاحظوا أن كل محطة فيها نقاط ضعف فالأمر لا يقتصر إذن على ضعف مراقبة الحملة، ففي مرحلة التسجيل تم تغيير مراكز تسجيل أشخاص دون علمهم وتم تسجيل فئة الشباب في مراكز اقتراع بعيدة جدا عن مقرات سكناهم ولم يقع نشر أي معلومة عن عملية التدقيق في السجل الانتخابي التي قيل إنه سيقوم بها فريق عمل يتكون من ممثلين عن محكمة المحاسبات وهيئة حماية المعطيات الشخصية ووزارة الداخلية، فالسجل القديم باعتراف عضو مجلس الهيئة نوفل فريخة المهندس المختص في مجال المنظومات والسلامة المعلوماتية مليء بالأخطاء. وذكرت رجاء الجبري أنه في ظل هذه المحاذير فإنه لديهم في شبكة "مراقبون" مخاوف من أن تتم إضافة أسماء إلى قائمات الناخبين بالقلم أو إلحاق قائمات إضافية يوم الاقتراع، وذكرت أن هذا السيناريو مرفوض رفضا قاطعا وأنه ما على الهيئة سوى تحمل مسؤولياتها كاملة لأنه عند نشر قائمات الناخبين بصفة نهائية لا تجوز إضافة أسماء لهذه القائمات.
سعيدة بوهلال
ـ الخلافات داخل مجلس الهيئة.. والهيئات الفرعية غير المكتملة.. وعدم تطبيق القانون على المخالفين لقواعد الحملة.. وإشكاليات تسجيل الناخبين مثيرة للقلق
تونس: الصباح
لم يعد يفصلنا عن موعد الاستفتاء حول مشروع الدستور سوى 12 يوما، استفتاء ستشرف على تنظيمه وإدارته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي أكد رئيسها فاروق بوعسكر في أكثر من مناسبة جاهزيتها التامة للقيام بهذه المهمة، لكن في المقابل تحدثت رجاء الجبري رئيسة شبكة "مراقبون" عن محدودية هذه الجاهزية، وعبرت عن خشيتها من عدم قدرة الهيئة على تخطي العراقيل الكثيرة الماثلة أمامها قبل يوم 25 جويلية، وأشارت في تصريح لـ "الصباح" حول تقييم منظمتها لمدى جاهزية الهيئة لتنظيم الاستفتاء، إلى أن شبكة مراقبون كانت قد نبهت منذ صدور المرسوم عدد 22 المؤرّخ في 21 أفريل 2022 المتعلق بتنقيح أحكام القانون الأساسي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات الذي تم بمقتضاه تغيير تركيبة الهيئة وطريقة اختيار أعضائها ورئيسها، إلى ما سيترتّب عن ذلك المرسوم من مساس باستقلالية الهيئة ومصداقية المسار الانتخابي برمّته وقبول نتائج الاستحقاقات الانتخابية القادمة، حيث ذكرت "مراقبون" في بيانها آنذاك أن تغيير تركيبة الإدارة الانتخابية قبل تسعين يوما فقط من 25 جويلية يطرح العديد من المخاوف على مستوى استعدادات الهيئة وقدرتها على تنظيم هذا الاستفتاء، لأن المسار ليس سهلا بل فيه جملة من الإشكاليات والعراقيل سواء تعلق الأمر بالجوانب اللوجستية أو القانونية أو البشرية..
وفسرت الجبري أنه لا يكفي أن يصرح رئيس الهيئة أن الهيئة قامت بالمطلوب وأنها جاهزة تماما لتنظيم الاستفتاء لكي نقول إن الهيئة جاهزة فعلا، لأن هناك شروطا لا بد من توفرها عند الحديث عن الجاهزية، من قبيل تركيز الهيئات الفرعية، فهل أن هذه الهيئات مكتملة أم منقوصة التركيبة؟ وذكرت أن مجلس الهيئة كان يعلم أنه سيواجه صعوبات كبيرة في تركيز الهيئات الفرعية بالنظر إلى أن هذه التركيبة تقوم بالأساس على القضاة، وبالنظر إلى أن الدعوة التي وجهتها الهياكل القضائية منذ مطلع جوان للقضاة لعدم الترشح لعضوية الهيئات الفرعية للانتخابات، ولكن عوضا عن التسريع في إيجاد الحل الذي يكفل تركيز هيئات فرعية مكتملة التركيبة وتكوين أعضائها قبل انطلاق الحملة الانتخابية ظل مجلس الهيئة يترقب معتقدا أن المسار ينحصر في الجانب الإجرائي والحال أن هناك مناخا سياسيا كاملا تتحرك فيه الهيئة ويقتضي منها بالضرورة حسن التعاطي معه.
وبينت رئيسة شبكة "مراقبون" أن تركيبة الهيئات الفرعية تدعو للتساؤل هل أن الهيئات التي لا يوجد فيها قضاة شرعية أم غير شرعية؟ وليس هذا فقط، بل يجب التساؤل أيضا هل يصح وجود هيئات فرعية غير مكتملة التركيبة؟
ويشار في هذا السياق إلى أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نشرت أمس على موقعها الرسمي قرارها عدد 19 لسنة 2022المؤرخ في 11 جويلية 2022 المتعلق بإحداث هيئات فرعية للانتخابات بالداخل والخارج بمناسبة تنظيم الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2022 وبضبط تركيبتها. وبالاطلاع على فحوى هذا القرار تبين أن هناك هيئات غير مكتملة التركيبة وهي الهيئة الفرعية ببن عروس والهيئة الفرعية بباجة والهيئة الفرعية بصفاقس 1 والهيئة الفرعية بصفاقس 2 والهيئة الفرعية بتطاوين، والهيئة الفرعية بدائرة ألمانيا والهيئة الفرعية بدائرة إيطاليا والهيئة الفرعية بدائرة فرنسا 2.
مهام ثقيلة
إضافة إلى تشديدها على أهمية أن تكون الهيئات الفرعية للانتخابات مكتملة التركيبة وذلك نظرا للدور المنوط بعهدتها، ذكرت رجاء الجبري أنه كان من المفروض تعيين أعضاء هذه الهيئات منذ مدة طويلة وإخضاعهم لدورات تكوينية وتأطيرهم ومدهم بجميع المعطيات. وبينت أن مهام الهيئات الفرعية ثقيلة، فهذه الهيئات هي عبارة عن مجلس مصغر للهيئة المركزية، فهي على سبيل الذكر لا الحصر تتولى متابعة مدى احترام مبادئ الحملة الانتخابية وقواعدها وإجراءاتها والإشراف على الزيارات الميدانية لمراقبة تمويل الحملة وعلى إعداد التقارير الدورية لمراقبة الحملة، والتأشير على قائمة التظاهرات والأنشطة والملتقيات المنجزة، والتأشير على القائمة التأليفية للمداخيل والمصاريف الانتخابية، وتقديم تقرير تأليفي حول نتائج مراقبة الحملة الانتخابية وأهم المخالفات والخروقات التي تم رصدها، وليس هذا فقط بل تقوم الهيئات الفرعية بالبت في انتداب أعوان مراكز ومكاتب الاقتراع، وبهذه الكيفية فهي عندما يكون فيها عضوان فقط كما هو الحال اليوم في عدد من الهيئات الفرعية فكيف ستستطيع الحسم في النقاط الخلافية لأن آلية التصويت في هذه الوضعية غير ممكنة.
وأشارت الجبري إلى التجاذبات الموجودة صلب مجلس الهيئة وبينت أن الشغور الموجود في هذا المجلس الحاصل بعد استقالة أحد أعضائها من القضاة لا يطرح مشكلا لأن النصاب متوفر لكن الإشكالات الحقيقية هي تلك التي يمكن ملاحظتها عند قراءة تدوينات عضو مجلس الهيئة سامي بن سلامة على صفحته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تدوينات تدعو للتساؤل هل هناك ديمقراطية داخل الهيئة، وهل تم توجيه طلب لإعفاء بن سلامة وهل طلب رئيس الهيئة عند اللقاء الذي جمعه أول أمس برئيس الجمهورية إعفاء بن سلامة وماذا جاء في الرسالة التي وجهها بن سلامة بصفة رسمية لمجلس الهيئة وما هي مؤاخذاته على الهيئة، وذكرت أن الإجابة عن هذه الأسئلة مهم لكي تقول الهيئة إنها تتعامل بشفافية، وأشارت محدثتنا إلى أن مجلس الهيئة كان يبث اجتماعاته بصفة مباشرة وقد أمكن للمتابعين فهم طبيعة الخلاف بين سامي بن سلامة وبين رئيس الهيئة، فرئيس الهيئة يقول إنه بمقتضى المرسوم عدد 22 سالف الذكر هو الذي يشرف على الإدارة التنفيذية، ولكن بن سلامة يحتج على الإدارة التنفيذية لأنها ترفض مده بالمعطيات والبيانات التي يطلبها منها، ولأنه لا يقبل أن يدعى لاجتماعات مجلس الهيئة للتداول في مسائل لم يستعد لها بصفة مسبقة ولم يطلع على كل البيانات والمستندات التي تجعله يصوت عن دراية واقتناع.
ويشار في نفس السياق إلى أن عضو مجلس الهيئة سامي بن سلامة نشر ظهر أمس على صفحته الرسمية تدوينة أشار فيها إلى أنه قرأ قرار طلب إعفائه في محضر جلسة مجلس الهيئة المنعقد أول أمس 11 جويلية، وقال إنه توصل بلائحة اتهامات تضمنت 55 تهمة موجهة إليه ولم يكتف بن سلامة بذلك بل قام بنشر بعض ما جاء في وثيقة عنوانها "تقرير في الأخطاء الجسيمة المرتكبة من قبل عضو مجلس الهيئة سامي بن سلامة والمتمثلة في خرق واجب التحفظ والحياد وكتمان السر المهني وواجب احترام الهيئة وأعضاء مجلسها والسلط الرسمية للدولة"، وذكر أنه تمت مطالبته بالإجابة عن تلك التهم في غضون 24 ساعة.
التخلي عن الشفافية
أشارت رجاء الجبري إلى أن شبكة "مراقبون" استبشرت خيرا في البداية بقرار مجلس الهيئة في أول اجتماع عقده بعد تنصيبه والقاضي ببث جلساته بصفة مباشرة وبنشر محاضر جلساتها ومداولتها لكن للأسف "عادت حليمة إلى عادتها القديمة"، وفق تعبيرها، إذ تم إيقاف البث المباشر وبالتالي تم المساس بحق المواطن في النفاذ إلى المعلومة، وحتى الندوات الصحفية فإن الهيئة نظمت ندوة يتيمة لم يحضرها المجتمع المدني واقتصر الحضور على الصحفيين، وليس هذا فقط، إذ لا يوجد مكلف بالعلاقة مع المجتمع المدني ولا يوجد ناطق رسمي باسم مجلس الهيئة، والحال أنه كان من المفروض أن يتولى رئيس الهيئة تعيين ناطق رسمي من بين أعضاء مجلس الهيئة وهو ما نص عليه المرسوم عدد 22 المتعلق بتنقيح أحكام القانون الأساسي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات ولكن رئيس الهيئة لم يطبق المرسوم.
وخلصت رجاء الجبري إلى أن شبكة "مراقبون" لها مؤاخذات على الهيئة لعدم تقيدها بموجبات الشفافية وخاصة لعدم تطبيقها القانون على المخالفين لقواعد الحملة، وعبرت عن استغرابها من البلاغ الصادر عن الهيئة أول أمس إثر اللقاء الذي جمع رئيس الهيئة برئيس الجمهورية، وفسرت أن الهيئة أشارت في هذا البلاغ إلى أنها تذكر الجميع بمقتضيات الفصل 61 من القانون الانتخابي الذي يحجّر استعمال علم الجمهورية التونسية أو شعارها في المعلقات الانتخابية والمتعلقة بالاستفتاء وأن كل مخالفة لهذا التحجير تعرّض مرتكبها إلى خطايا مالية وأنها تذكّر بمناسبة حملة الاستفتاء بواجب حياد الإدارة وعدم استعمال الأعوان العموميين ووسائل السلطة العمومية ومواردها في حملة الاستفتاء على مشروع الدستور وأن كل مخالفة لهذا التحجير تعرض مرتكبها إلى خطايا مالية، فدور الهيئة على حد قول الجبري ليس أن تذكر بل عليها تطبيق القانون على المخالفين حتى وإن اقتضى الأمر الاستعانة بالقوة العامة، لأن جميع هياكل الدولة ملزمة بمساعدة الهيئة على أداء مهامها. وأشارت إلى أن المعلقات التي تم تركيزها في مخالفة لقواعد الحملة ظلت موجودة طيلة عشرة أيام والهيئة لم تحرك ساكنا وربما كانت الوضعية ستتواصل إلى يوم 25 جويلية لولا إثارة المسألة في شبكات التواصل الاجتماعي. وذكرت أن الهيئة قالت إن لديها مراقبين محلفين للحملة لكن المجتمع المدني لم يلحظهم على الميدان ولم يطلع على تقاريرهم وهو لا يعرف هل تم تكوينهم بالكيفية المطلوبة لكي يؤمنوا رقابة فعلية على الحملة. وبينت أنه تم التأخير كثيرا في انتداب المراقبين وهذا سيكون بالضرورة على حساب شفافية الحملة وجدواها وعلى حساب المشاركين في حملة الاستفتاء.
وفي علاقة بالمشاركين في الحملة، بينت الجبري أن الهيئة فتحت المجال أمام هؤلاء لتغيير مواقفهم من مشروع الدستور، وهي آجال قصيرة جدا ولم تتجاوز اليومين، وكان من المفروض عليها أن تعلن عن حملة جديدة وأن تنطلق من النقطة الصفر لأنه بإمكان أي مشارك أن يغير الموقف من مشروع الدستور بصفة جذرية تبعا للتعديلات التي أدخلها رئيس الجمهورية ليلة العيد على مشروع الدستور، فالهيئة حسب قولها تتلاعب بالآجال والإجراءات وهي ليست مسائل شكلية كما يعتقد البعض بل هي مسائل جوهرية لأن الجوانب الإجرائية في المسار الانتخابي مهمة جدا ولا بد من احترامها حماية لحقوق الأطراف المشاركة في هذا المسار.
وانتهت رئيسة شبكة مراقبون إلى أن جاهزية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لتنظيم استفتاء ضعيفة جدا بالنظر إلى تقدم المسار وقصر المدة المتبقية وهو ما يدعو إلى التساؤل كيف ستجاري الهيئة يوم الاستفتاء الذي يقوم على لوجستيك كبير ويتطلب تنسيقا تاما، وذكرت أنهم في شبكة مراقبون يتابعون عمل الهيئة لحظة بلحظة وأنهم لاحظوا أن كل محطة فيها نقاط ضعف فالأمر لا يقتصر إذن على ضعف مراقبة الحملة، ففي مرحلة التسجيل تم تغيير مراكز تسجيل أشخاص دون علمهم وتم تسجيل فئة الشباب في مراكز اقتراع بعيدة جدا عن مقرات سكناهم ولم يقع نشر أي معلومة عن عملية التدقيق في السجل الانتخابي التي قيل إنه سيقوم بها فريق عمل يتكون من ممثلين عن محكمة المحاسبات وهيئة حماية المعطيات الشخصية ووزارة الداخلية، فالسجل القديم باعتراف عضو مجلس الهيئة نوفل فريخة المهندس المختص في مجال المنظومات والسلامة المعلوماتية مليء بالأخطاء. وذكرت رجاء الجبري أنه في ظل هذه المحاذير فإنه لديهم في شبكة "مراقبون" مخاوف من أن تتم إضافة أسماء إلى قائمات الناخبين بالقلم أو إلحاق قائمات إضافية يوم الاقتراع، وذكرت أن هذا السيناريو مرفوض رفضا قاطعا وأنه ما على الهيئة سوى تحمل مسؤولياتها كاملة لأنه عند نشر قائمات الناخبين بصفة نهائية لا تجوز إضافة أسماء لهذه القائمات.