إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الحكومة تتجاهل «الخطوط الحمراء» وتُجازف اجتماعيا!

تسعى‭ ‬حكومة‭ ‬هشام‭ ‬مشيشي‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬برنامج‭ ‬قرض‭ ‬بحوالي‭ ‬4‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬مقابل‭ ‬تعهد‭ ‬بإجراء‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الإصلاحات،‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬انهيار‭ ‬مالي‭ ‬واقتصادي‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬مستبعدا،‭ ‬ومع‭ ‬تقلص‭ ‬هامش‭ ‬التحرك‭ ‬وتأمين‭ ‬هذه‭ ‬المبالغ‭ ‬الضخمة‭ ‬لميزانية‭ ‬عاجزة‭ ‬ومختلة،‭ ‬وجدت‭ ‬حكومة‭ ‬مشيشي‭ ‬نفسها‭ ‬أمام‭ ‬ذات‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الموجعة‭ ‬التي‭ ‬يحاول‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬فرضها‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬وحاولت‭ ‬أغلب‭ ‬الحكومات‭ ‬السابقة‭ ‬التهرب‭ ‬والتنصل‭ ‬منها‭ ‬وعدم‭ ‬مواجهتها،‭ ‬ولكن‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬بما‭ ‬هي‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬هشاشة‭ ‬سياسة‭ ‬في‭ ‬سياقات‭ ‬أزمة‭ ‬سياسية‭ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬دواليب‭ ‬الدولة،‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬خيارات‭ ‬كبيرة‭ ‬إلا‭ ‬خيار‭ ‬الانصياع‭ ‬لاملاءات‭ ‬الجهات‭ ‬المانحة،‭ ‬والمجازفة‭ ‬اجتماعيا‭ ‬بانتفاضة‭ ‬شعبية‭ ‬متوقعة‭ ‬على‭ ‬خلفيات‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬تعتزم‭ ‬حكومة‭ ‬مشيشي‭ ‬اتخاذها‭.‬

اختارت‭ ‬رئاسة‭ ‬الحكومة،‭ ‬تسريب‭ ‬تلك‮ ‬‭ ‬‮«‬الإصلاحات‮»‬‭ ‬التي‭ ‬ستلتزم‭ ‬بتنفيذها‭ ‬مقابل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬قرض،‭ ‬إلى‭ ‬وكالة‭ ‬أخبار‭ ‬أجنبية‭ ‬هي‭ ‬وكالة‭ ‬رويترز،‭ ‬بعد‭ ‬ضغط‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬أطراف‭ ‬ومطالبة‭ ‬بكشف‭ ‬برنامج‭ ‬الإصلاح‭ ‬الحكومي‭ ‬والتي‭ ‬تنوي‭ ‬تونس‭ ‬تقديمه‭ ‬لصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬مقابل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬القرض،‭ ‬وحيث‭ ‬قالت‭ ‬الوكالة‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬وثيقة‭ ‬حكومية‭ ‬أظهرت‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬تريد‭ ‬خفض‭ ‬كتلة‭ ‬الأجور‭ ‬إلى‭ ‬15‭% ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬في‭ ‬2022‭ ‬مقابل‭ ‬17‭.‬4‭% ‬في‭ ‬2020‭ ‬وأن‭ ‬الحكومة‭ ‬ستضع‭ ‬برنامجا‭ ‬للتشجيع‭ ‬على‭ ‬المغادرة‭ ‬الطوعية‭ ‬للموظفين‭ ‬مقابل‭ ‬حصولهم‭ ‬على‭ ‬25‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬الراتب‭ ‬أو‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬نصف‭ ‬الراتب‭ ‬مقابل‭ ‬أيام‭ ‬عمل‭ ‬أقل،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬ترى‭ ‬انه‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬إعادة‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬المكافآت‭ ‬بالتشاور‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬العام‭ ‬التونسي‭ ‬للشغل‭ ‬ووضع‭ ‬قاعدة‭ ‬لضبط‭ ‬الرواتب‭ ‬والمكافآت‭ ‬بما‭ ‬يأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬النمو‭ ‬والإنتاجية‭ ‬وتطور‭ ‬التضخم‭.. ‬كما‭ ‬أكدت‭ ‬وكالة‭ ‬رويترز‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬تريدها‭ ‬الحكومة‭ ‬دون‭ ‬كلفة‭ ‬اجتماعية‭.‬

فخفض‭ ‬كتلة‭ ‬الأجور‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬15‭ ‬بالمائة‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬سنة‭ ‬وحيدة‭ ‬يعني‭ ‬نظريا‭ ‬إما‭ ‬تحقيق‭ ‬قفزة‭ ‬مهولة‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬النمو‭ ‬أو‭ ‬تسريح‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬الأعوان،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬النقطة‭ ‬الأولى‭ ‬مستحيلة‭ ‬فان‭ ‬الحل‭ ‬الأقرب‭ ‬والأسهل‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تملك‭ ‬غيره‭ ‬ومسألة‭ ‬أن‭ ‬تمضي‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الموجعة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لذلك‭ ‬كلفة‭ ‬اجتماعية‭ ‬يبدو‭ ‬صعبا‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬اجتماعي‭ ‬يسوده‭ ‬التوتر‭ ‬والاحتقان‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسب‭ ‬الفقر‭ ‬والبطالة‭ ‬وتدهور‭ ‬المقدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬أمام‭ ‬غلاء‭ ‬مشط‭ ‬للأسعار‭..‬

وكان‭ ‬رئيس‭ ‬مهمة‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬تونس،‭ ‬والذي‭ ‬يضغط‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬حتى‭ ‬تمضي‭ ‬في‭ ‬إجراءات‭ ‬حاسمة،‮»‬كريس‭ ‬غيراغيت‮»‬‭ ‬قد‭ ‬صرّح‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬السلطات‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬في‭ ‬توضيح‭ ‬مدى‭ ‬خطورة‭ ‬الوضع،‭ ‬وهشاشته‭ ‬للشعب‭ ‬وأنه‭ ‬يجب‭ ‬تشريك‮ «‬أصحاب‭ ‬المصلحة‮»‬‭ ‬في‭ ‬النقاشات‭ ‬والقرارات‭ ‬وأنه‭ ‬كلما‭ ‬استغرقت‭ ‬الحكومة‭ ‬وقتا‭ ‬أطول‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‮ ‬‭ ‬‮«‬توافق‭ ‬اجتماعي‮» ‬‭ ‬أصبح‭ ‬الوضع‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة‭ ‬وتعقيدا‭.. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬رفض‭ ‬الاتحاد‭ ‬العام‭ ‬التونسي‭ ‬للشغل‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬البعثة‭ ‬التونسية‭ ‬للتفاوض‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬كما‭ ‬يرفض‭ ‬وبشكل‭ ‬معلن‭ ‬المساس‭ ‬بالأجور‭ ‬أو‭ ‬تعليق‭ ‬المفاوضات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للزيادة‭ ‬في‭ ‬الأجور‭..‬في‭ ‬مشهد‭ ‬يبدو‭ ‬متناقضا‭ ‬تماما‭ ‬مع‭ ‬رغبات‭ ‬الحكومة‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬تقليص‭ ‬هذه‭ ‬الأجور‭ ‬تحت‭ ‬يافطة‭ ‬التسريح‭ ‬الطوعي،‭ ‬علما‭ ‬وان‭ ‬التسريح‭ ‬الطوعي‭ ‬آلية‭ ‬أثبتت‭ ‬فشلها‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬أكبر‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬الوطنية‭ ‬وهي‭ ‬الخطوط‭ ‬التونسية‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬النقابات‭ ‬العمالية‭ ‬والاتحاد‭ ‬كان‭ ‬موافقا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التسريح‭. ‬

صندوق‭ ‬النقد‭ ‬وكتلة‭ ‬الأجور‭.. ‬

في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬كان‭ ‬التقليص‭ ‬في‭ ‬كتلة‭ ‬الأجور،‭ ‬هو‭ ‬المطلب‭ ‬المتكرر‭ ‬والمتجدد‭ ‬لصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الحكومات‭ ‬المتعاقبة‭ ‬وفي‭ ‬أواخر‭ ‬فيفري‭ ‬الماضي‭ ‬جدد‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬دعوته‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬تخفيض‭ ‬كتلة‭ ‬الأجور‭.. ‬وقد‭ ‬تفاعل‭ ‬وزير‭ ‬المالية‭ ‬علي‭ ‬الكعلي‭ ‬بعدها‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬بقوله‭ ‬أنه‭ ‬أمام‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الحالي،‭ ‬ستعمل‭ ‬الوزارة‭ ‬على‭ ‬تقليص‭ ‬كتلة‭ ‬الأجور،‭ ‬وأن‭ ‬ذلك‭ ‬يقتضي‭ ‬إما‭ ‬تقليص‭ ‬مصاريف‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬الترفيع‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬النمو،‭ ‬واليوم‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬اختارت‭ ‬التقليص‭ ‬في‭ ‬النفقات‭ ‬العمومية‭ ‬وهو‭ ‬الحل‭ ‬الأسهل‭ ‬عوض‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬آليات‭ ‬جدية‭ ‬لتحقيق‭ ‬النمو‭.‬

وتشير‭ ‬بعض‭ ‬الدراسات‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭  ‬منذ‭ ‬الثورة‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم،‭ ‬تطورت‭ ‬كتلة‭ ‬الأجور‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬50‭% ‬في‭ ‬حين‭ ‬ما‭ ‬يطالب‭ ‬به‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬من‭ ‬إصلاحات‭ ‬هو‭ ‬العودة‭ ‬بكتلة‭ ‬الأجور‭ ‬إلى‭ ‬نسبة‭ ‬12‭.‬4‭% ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬الداخلي‭ ‬الخام،‭ ‬وهذه‭ ‬النسبة‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬تحقيقها‭ ‬اليوم‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬بالصندوق‭ ‬إلى‭ ‬التفاوض‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬أعلى‭ ‬وهو‭ ‬15‭ ‬بالمائة‭. ‬وكانت‭ ‬دراسة‭ ‬أعدتها‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للمصالح‭ ‬الإدارية‭ ‬والوظيفة‭ ‬العمومية‭ ‬برئاسة‭ ‬الحكومة،‭ ‬منذ‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬قد‭ ‬كشفت‭  ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬الوظيفة‭ ‬العمومية‭ ‬تطوّر‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال‭ ‬وإلى‭ ‬حدود‭ ‬سنة‭ ‬2017‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬586146‭ ‬عونا‭ ‬أي‭ ‬بما‭ ‬يساوي‭ ‬16‭ ‬مرة‭ ‬ليبلغ‭ ‬حاليا‭ ‬690091‭ ‬مباشر‭ ‬موزعين‭ ‬بين‭: ‬348166‭ ‬موظفا‭ ‬مدنيا،‭ ‬106223‭ ‬عاملا،‭ ‬235702‭ ‬حاملا‭ ‬للسلاح‭ ‬وأصنافا‭ ‬أخرى‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬حكومة‭ ‬الشاهد‭ ‬اتخذت‭ ‬منذ‭ ‬2016‭ ‬قرارا‭ ‬بتجميد‭ ‬الانتدابات‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬استجابة‭ ‬أولى‭ ‬لاملاءات‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬إلا‭ ‬انه‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬فان‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬لم‭ ‬يقلص‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬الكتلة‭ ‬ولم‭ ‬يحقق‭ ‬نتائج‭ ‬تذكر‭ ‬أو‭ ‬يعتد‭ ‬بها‭ .‬

خطوط‭ ‬حمراء‭..‬

يصر‭ ‬الاتحاد‭ ‬على‭ ‬الانطلاق‭ ‬في‭ ‬المفاوضات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬حول‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬الأجور،‭ ‬ويعتبر‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬مساس‭ ‬بهذه‭ ‬الأجور‭ ‬أو‭ ‬بمواقع‭ ‬العمل‭ ‬هو‭ ‬خط‭ ‬أحمر‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬الاقتراب‭ ‬منه‭ ‬فان‭ ‬كلفته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ستكون‭ ‬باهظة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬ترى‭ ‬مصادر‭ ‬نقابية‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬لا‭ ‬يرفض‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الكبرى‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬وإستراتيجية‭ ‬ومخطط‭ ‬متوسط‭ ‬وطويل‭ ‬أمد،‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬التضحيات‭ ‬التي‭ ‬ستقدمها‭ ‬الطبقة‭ ‬الشغيلة‭.. ‬ويرى‭ ‬الاتحاد‭ ‬أن‭ ‬إنقاذ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الفئات‭ ‬الضعيفة‭ ‬والطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬لن‭ ‬يتم‭ ‬تقبله‭ ‬اجتماعيا‭ ‬وقد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انتفاضات‭ ‬اجتماعية‭ ‬خطيرة،‭ ‬خاصة‭ ‬وان‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي،‭ ‬تاريخيا،‭ ‬عاش‭ ‬مراحل‭ ‬مشابهة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬السبعينات‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1986‭ ‬مع‭ ‬برنامج‭ ‬الإصلاح‭ ‬الهيكلي‭ ‬الذي‭ ‬فرضه‭ ‬وقتها‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بتأهيل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬التسعينات،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬كانت‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬والضعيفة‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬يدفع‭ ‬الثمن‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬اتساع‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬نسب‭ ‬ثراء‭ ‬فاحش‭ ‬وفقر‭ ‬مدقع‭..‬

ويرى‭ ‬الاتحاد‭ ‬اليوم‭ ‬بوضوح‭ ‬انه‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬لم‭ ‬توضع‭ ‬كل‭ ‬المشاكل‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬ويكون‭ ‬الحل‭ ‬جماعيا‭ ‬دون‭ ‬امتياز‭ ‬لأي‭ ‬فئة‭ ‬على‭ ‬فئة‭ ‬أخرى‭ ‬وتدارس‭ ‬كل‭ ‬الأوضاع‭ ‬ومصارحة‭ ‬الشعب‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬فان‭ ‬أي‭ ‬برنامج‭ ‬أحادي‭ ‬من‭ ‬الحكومي،‭ ‬يعمق‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المتردية‭ ‬بطبعها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬كلفة‭ ‬باهظة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الاستقرار‭ ‬والسلم‭ ‬الاجتماعية‭.‬

◗‭ ‬منية‭ ‬العرفاوي‭ ‬

الحكومة تتجاهل «الخطوط الحمراء» وتُجازف اجتماعيا!

تسعى‭ ‬حكومة‭ ‬هشام‭ ‬مشيشي‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬برنامج‭ ‬قرض‭ ‬بحوالي‭ ‬4‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬مقابل‭ ‬تعهد‭ ‬بإجراء‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الإصلاحات،‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬انهيار‭ ‬مالي‭ ‬واقتصادي‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬مستبعدا،‭ ‬ومع‭ ‬تقلص‭ ‬هامش‭ ‬التحرك‭ ‬وتأمين‭ ‬هذه‭ ‬المبالغ‭ ‬الضخمة‭ ‬لميزانية‭ ‬عاجزة‭ ‬ومختلة،‭ ‬وجدت‭ ‬حكومة‭ ‬مشيشي‭ ‬نفسها‭ ‬أمام‭ ‬ذات‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الموجعة‭ ‬التي‭ ‬يحاول‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬فرضها‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬وحاولت‭ ‬أغلب‭ ‬الحكومات‭ ‬السابقة‭ ‬التهرب‭ ‬والتنصل‭ ‬منها‭ ‬وعدم‭ ‬مواجهتها،‭ ‬ولكن‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬بما‭ ‬هي‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬هشاشة‭ ‬سياسة‭ ‬في‭ ‬سياقات‭ ‬أزمة‭ ‬سياسية‭ ‬أثرت‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬دواليب‭ ‬الدولة،‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬خيارات‭ ‬كبيرة‭ ‬إلا‭ ‬خيار‭ ‬الانصياع‭ ‬لاملاءات‭ ‬الجهات‭ ‬المانحة،‭ ‬والمجازفة‭ ‬اجتماعيا‭ ‬بانتفاضة‭ ‬شعبية‭ ‬متوقعة‭ ‬على‭ ‬خلفيات‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬تعتزم‭ ‬حكومة‭ ‬مشيشي‭ ‬اتخاذها‭.‬

اختارت‭ ‬رئاسة‭ ‬الحكومة،‭ ‬تسريب‭ ‬تلك‮ ‬‭ ‬‮«‬الإصلاحات‮»‬‭ ‬التي‭ ‬ستلتزم‭ ‬بتنفيذها‭ ‬مقابل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬قرض،‭ ‬إلى‭ ‬وكالة‭ ‬أخبار‭ ‬أجنبية‭ ‬هي‭ ‬وكالة‭ ‬رويترز،‭ ‬بعد‭ ‬ضغط‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬أطراف‭ ‬ومطالبة‭ ‬بكشف‭ ‬برنامج‭ ‬الإصلاح‭ ‬الحكومي‭ ‬والتي‭ ‬تنوي‭ ‬تونس‭ ‬تقديمه‭ ‬لصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬مقابل‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬القرض،‭ ‬وحيث‭ ‬قالت‭ ‬الوكالة‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬وثيقة‭ ‬حكومية‭ ‬أظهرت‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬تريد‭ ‬خفض‭ ‬كتلة‭ ‬الأجور‭ ‬إلى‭ ‬15‭% ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬في‭ ‬2022‭ ‬مقابل‭ ‬17‭.‬4‭% ‬في‭ ‬2020‭ ‬وأن‭ ‬الحكومة‭ ‬ستضع‭ ‬برنامجا‭ ‬للتشجيع‭ ‬على‭ ‬المغادرة‭ ‬الطوعية‭ ‬للموظفين‭ ‬مقابل‭ ‬حصولهم‭ ‬على‭ ‬25‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬الراتب‭ ‬أو‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬نصف‭ ‬الراتب‭ ‬مقابل‭ ‬أيام‭ ‬عمل‭ ‬أقل،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬ترى‭ ‬انه‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬إعادة‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬المكافآت‭ ‬بالتشاور‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬العام‭ ‬التونسي‭ ‬للشغل‭ ‬ووضع‭ ‬قاعدة‭ ‬لضبط‭ ‬الرواتب‭ ‬والمكافآت‭ ‬بما‭ ‬يأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬النمو‭ ‬والإنتاجية‭ ‬وتطور‭ ‬التضخم‭.. ‬كما‭ ‬أكدت‭ ‬وكالة‭ ‬رويترز‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬تريدها‭ ‬الحكومة‭ ‬دون‭ ‬كلفة‭ ‬اجتماعية‭.‬

فخفض‭ ‬كتلة‭ ‬الأجور‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬15‭ ‬بالمائة‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬سنة‭ ‬وحيدة‭ ‬يعني‭ ‬نظريا‭ ‬إما‭ ‬تحقيق‭ ‬قفزة‭ ‬مهولة‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬النمو‭ ‬أو‭ ‬تسريح‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬الأعوان،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬النقطة‭ ‬الأولى‭ ‬مستحيلة‭ ‬فان‭ ‬الحل‭ ‬الأقرب‭ ‬والأسهل‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬الثاني‭ ‬الذي‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تملك‭ ‬غيره‭ ‬ومسألة‭ ‬أن‭ ‬تمضي‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الموجعة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لذلك‭ ‬كلفة‭ ‬اجتماعية‭ ‬يبدو‭ ‬صعبا‭ ‬في‭ ‬ظرف‭ ‬اجتماعي‭ ‬يسوده‭ ‬التوتر‭ ‬والاحتقان‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسب‭ ‬الفقر‭ ‬والبطالة‭ ‬وتدهور‭ ‬المقدرة‭ ‬الشرائية‭ ‬أمام‭ ‬غلاء‭ ‬مشط‭ ‬للأسعار‭..‬

وكان‭ ‬رئيس‭ ‬مهمة‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬تونس،‭ ‬والذي‭ ‬يضغط‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬حتى‭ ‬تمضي‭ ‬في‭ ‬إجراءات‭ ‬حاسمة،‮»‬كريس‭ ‬غيراغيت‮»‬‭ ‬قد‭ ‬صرّح‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬السلطات‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬في‭ ‬توضيح‭ ‬مدى‭ ‬خطورة‭ ‬الوضع،‭ ‬وهشاشته‭ ‬للشعب‭ ‬وأنه‭ ‬يجب‭ ‬تشريك‮ «‬أصحاب‭ ‬المصلحة‮»‬‭ ‬في‭ ‬النقاشات‭ ‬والقرارات‭ ‬وأنه‭ ‬كلما‭ ‬استغرقت‭ ‬الحكومة‭ ‬وقتا‭ ‬أطول‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‮ ‬‭ ‬‮«‬توافق‭ ‬اجتماعي‮» ‬‭ ‬أصبح‭ ‬الوضع‭ ‬أكثر‭ ‬صعوبة‭ ‬وتعقيدا‭.. ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬رفض‭ ‬الاتحاد‭ ‬العام‭ ‬التونسي‭ ‬للشغل‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬البعثة‭ ‬التونسية‭ ‬للتفاوض‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬كما‭ ‬يرفض‭ ‬وبشكل‭ ‬معلن‭ ‬المساس‭ ‬بالأجور‭ ‬أو‭ ‬تعليق‭ ‬المفاوضات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬للزيادة‭ ‬في‭ ‬الأجور‭..‬في‭ ‬مشهد‭ ‬يبدو‭ ‬متناقضا‭ ‬تماما‭ ‬مع‭ ‬رغبات‭ ‬الحكومة‭ ‬التي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬تقليص‭ ‬هذه‭ ‬الأجور‭ ‬تحت‭ ‬يافطة‭ ‬التسريح‭ ‬الطوعي،‭ ‬علما‭ ‬وان‭ ‬التسريح‭ ‬الطوعي‭ ‬آلية‭ ‬أثبتت‭ ‬فشلها‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬أكبر‭ ‬المؤسسات‭ ‬العمومية‭ ‬الوطنية‭ ‬وهي‭ ‬الخطوط‭ ‬التونسية‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬النقابات‭ ‬العمالية‭ ‬والاتحاد‭ ‬كان‭ ‬موافقا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التسريح‭. ‬

صندوق‭ ‬النقد‭ ‬وكتلة‭ ‬الأجور‭.. ‬

في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬كان‭ ‬التقليص‭ ‬في‭ ‬كتلة‭ ‬الأجور،‭ ‬هو‭ ‬المطلب‭ ‬المتكرر‭ ‬والمتجدد‭ ‬لصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الحكومات‭ ‬المتعاقبة‭ ‬وفي‭ ‬أواخر‭ ‬فيفري‭ ‬الماضي‭ ‬جدد‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬دعوته‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬تخفيض‭ ‬كتلة‭ ‬الأجور‭.. ‬وقد‭ ‬تفاعل‭ ‬وزير‭ ‬المالية‭ ‬علي‭ ‬الكعلي‭ ‬بعدها‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬بقوله‭ ‬أنه‭ ‬أمام‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الحالي،‭ ‬ستعمل‭ ‬الوزارة‭ ‬على‭ ‬تقليص‭ ‬كتلة‭ ‬الأجور،‭ ‬وأن‭ ‬ذلك‭ ‬يقتضي‭ ‬إما‭ ‬تقليص‭ ‬مصاريف‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬الترفيع‭ ‬في‭ ‬نسبة‭ ‬النمو،‭ ‬واليوم‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬اختارت‭ ‬التقليص‭ ‬في‭ ‬النفقات‭ ‬العمومية‭ ‬وهو‭ ‬الحل‭ ‬الأسهل‭ ‬عوض‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬آليات‭ ‬جدية‭ ‬لتحقيق‭ ‬النمو‭.‬

وتشير‭ ‬بعض‭ ‬الدراسات‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭  ‬منذ‭ ‬الثورة‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم،‭ ‬تطورت‭ ‬كتلة‭ ‬الأجور‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬50‭% ‬في‭ ‬حين‭ ‬ما‭ ‬يطالب‭ ‬به‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬من‭ ‬إصلاحات‭ ‬هو‭ ‬العودة‭ ‬بكتلة‭ ‬الأجور‭ ‬إلى‭ ‬نسبة‭ ‬12‭.‬4‭% ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬الداخلي‭ ‬الخام،‭ ‬وهذه‭ ‬النسبة‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬تحقيقها‭ ‬اليوم‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬بالصندوق‭ ‬إلى‭ ‬التفاوض‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬أعلى‭ ‬وهو‭ ‬15‭ ‬بالمائة‭. ‬وكانت‭ ‬دراسة‭ ‬أعدتها‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للمصالح‭ ‬الإدارية‭ ‬والوظيفة‭ ‬العمومية‭ ‬برئاسة‭ ‬الحكومة،‭ ‬منذ‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬قد‭ ‬كشفت‭  ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬الوظيفة‭ ‬العمومية‭ ‬تطوّر‭ ‬منذ‭ ‬الاستقلال‭ ‬وإلى‭ ‬حدود‭ ‬سنة‭ ‬2017‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬586146‭ ‬عونا‭ ‬أي‭ ‬بما‭ ‬يساوي‭ ‬16‭ ‬مرة‭ ‬ليبلغ‭ ‬حاليا‭ ‬690091‭ ‬مباشر‭ ‬موزعين‭ ‬بين‭: ‬348166‭ ‬موظفا‭ ‬مدنيا،‭ ‬106223‭ ‬عاملا،‭ ‬235702‭ ‬حاملا‭ ‬للسلاح‭ ‬وأصنافا‭ ‬أخرى‭. ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬حكومة‭ ‬الشاهد‭ ‬اتخذت‭ ‬منذ‭ ‬2016‭ ‬قرارا‭ ‬بتجميد‭ ‬الانتدابات‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬استجابة‭ ‬أولى‭ ‬لاملاءات‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬إلا‭ ‬انه‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬فان‭ ‬هذا‭ ‬الإجراء‭ ‬لم‭ ‬يقلص‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬الكتلة‭ ‬ولم‭ ‬يحقق‭ ‬نتائج‭ ‬تذكر‭ ‬أو‭ ‬يعتد‭ ‬بها‭ .‬

خطوط‭ ‬حمراء‭..‬

يصر‭ ‬الاتحاد‭ ‬على‭ ‬الانطلاق‭ ‬في‭ ‬المفاوضات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬حول‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬الأجور،‭ ‬ويعتبر‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬مساس‭ ‬بهذه‭ ‬الأجور‭ ‬أو‭ ‬بمواقع‭ ‬العمل‭ ‬هو‭ ‬خط‭ ‬أحمر‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬الاقتراب‭ ‬منه‭ ‬فان‭ ‬كلفته‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ستكون‭ ‬باهظة،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬ترى‭ ‬مصادر‭ ‬نقابية‭ ‬أن‭ ‬الاتحاد‭ ‬لا‭ ‬يرفض‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الكبرى‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬وإستراتيجية‭ ‬ومخطط‭ ‬متوسط‭ ‬وطويل‭ ‬أمد،‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬التضحيات‭ ‬التي‭ ‬ستقدمها‭ ‬الطبقة‭ ‬الشغيلة‭.. ‬ويرى‭ ‬الاتحاد‭ ‬أن‭ ‬إنقاذ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الفئات‭ ‬الضعيفة‭ ‬والطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬لن‭ ‬يتم‭ ‬تقبله‭ ‬اجتماعيا‭ ‬وقد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انتفاضات‭ ‬اجتماعية‭ ‬خطيرة،‭ ‬خاصة‭ ‬وان‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي،‭ ‬تاريخيا،‭ ‬عاش‭ ‬مراحل‭ ‬مشابهة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬السبعينات‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1986‭ ‬مع‭ ‬برنامج‭ ‬الإصلاح‭ ‬الهيكلي‭ ‬الذي‭ ‬فرضه‭ ‬وقتها‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بتأهيل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬التسعينات،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬كانت‭ ‬الطبقة‭ ‬الوسطى‭ ‬والضعيفة‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬يدفع‭ ‬الثمن‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬اتساع‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬نسب‭ ‬ثراء‭ ‬فاحش‭ ‬وفقر‭ ‬مدقع‭..‬

ويرى‭ ‬الاتحاد‭ ‬اليوم‭ ‬بوضوح‭ ‬انه‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬لم‭ ‬توضع‭ ‬كل‭ ‬المشاكل‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬ويكون‭ ‬الحل‭ ‬جماعيا‭ ‬دون‭ ‬امتياز‭ ‬لأي‭ ‬فئة‭ ‬على‭ ‬فئة‭ ‬أخرى‭ ‬وتدارس‭ ‬كل‭ ‬الأوضاع‭ ‬ومصارحة‭ ‬الشعب‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬فان‭ ‬أي‭ ‬برنامج‭ ‬أحادي‭ ‬من‭ ‬الحكومي،‭ ‬يعمق‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المتردية‭ ‬بطبعها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬له‭ ‬كلفة‭ ‬باهظة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الاستقرار‭ ‬والسلم‭ ‬الاجتماعية‭.‬

◗‭ ‬منية‭ ‬العرفاوي‭ ‬

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews