تنبئ بانفجار اجتماعي.. «عدوى» الإضرابات تشل القطاعات الحيوية
مقالات الصباح
تعيش بلادنا في هذه المرحلة على وقع موجة جديدة من الإضرابات والتحركات القطاعية والجهوية ترافقها حالة احتقان واسعة في صفوف قطاعات حساسة ومفصلية وعلى غاية من الأهمية والأولوية في الخدمات والاقتصاد شملت قطاعات الصحة والمالية والنقل والفلاحة والاتصالات والخدمات والصناعة والهندسة والتعليم وغيرها من المجالات الأخرى. وهي تحركات نقابية تكشف عن استنكار وتنديد واسع بهشاشة وصعوبة الأوضاع الاجتماعية والمهنية المتردية التي أصبح عليها أبناء جل القطاعات الحيوية والوظيفة العمومية والعملة في ظل تواصل سياسة المماطلة والتسويف والهروب إلى الأمام في تعاطي سلطة الإشراف مع الاستحقاقات المطلبية القطاعية بمختلف سياقاتها.
ويذكر أن نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل كان أعلن أثناء الاحتفال بعيد الشغل يوم غرة ماي الجاري أن الاتحاد سيدخل في تفاوض مع سلطة الإشراف حول الزيادة السنوية في القطاعين العام والخاص خلال الفترة القادمة. وهذا من شأنه أن يكشف عن فصل آخر في ساسة العجز والوهن لحكومة مشيشي التي تفتقد لإستراتيجية واضحة في إرساء الإصلاحات المطلوبة والمنتظرة.
ولعل ما يحرك التحرك الراهن المتمثل في دخول الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة للصحة العمومية في إضراب منذ بداية الأسبوع الجاري يكشف حجم سياسة الوهن والعجز لسلطة الإشراف بعد فشل المفاوضات معها والتي انطلقت منذ أكثر من سنتين تقريبا دون التوصل إلى حل لأسباب اعتبارية أو مهنية الأمر الذي دفع جنود الصف الأول في مجابهة الفيروس الوبائي يعلنون انتفاضتهم في زمن أوج وذروة الأزمة الصحية وفتك الجائحة بما يقارب 11 ألف تونسي بمن فيهم إطارات طبية وشبه طبية وأعوان القطاع.
وكانت سياسة المماطلة واللامبالاة التي تنتهجها سلطة الإشراف تجاه مطلبية هذا القطاع، هي نفسها التي كانت سببا في دخول المهندسين في إضراب عام مفتوح تواصل على امتداد أسابيع رغم ما خلفه من تعطيل لعمل ونشاط هياكل ومنشآت ومؤسسات ذات صلة بمهام هذا القطاع. ورغم التوصل إلى اتفاق بين رئاسة الحكومة وعمادة المهندسين في بحر الأسبوع الماضي تم بموجه إنهاء الإضراب والعودة لاستئناف العمل إلا أن العمادة تؤكد في بيان لها أن الإضراب المفتوح لا زال قائما إلى حين إيفاء مصالح رئاسة الحكومة بتعهداتها المتمثلة في إرسال جميع المراسلات لكافة المؤسسات والمنشاَت العمومية المعنية بدون استثناء وتنزيل سحب المنحة الخصوصية على جميع مهندسي المؤسسات والمنشاَت العمومية دون استثناء.
بدوره ساهم إضراب الوكالة الفنية للنقل البري الذي انطلق منذ مدة في شل حركة قطاعات ومجالات حيوية عديدة نظرا لأهمية هذا الهيكل والدور الذي يضطلع به خاصة أن الإضراب تسبب في تعطل مراكز الفحص الفني واستخراج بطاقات التسجيل للسيارات وتوقف امتحانات رخص السياقة. وأكدت الجامعة العامة للنقل بالاتحاد العام التونسي للشغل إمكانية العودة إلى التحرك خلال الأيام القادمة إذا لم يتم الاستجابة لمطالب الأعوان خاصة أن العودة لاستئناف العمل منذ يوم أمس كان وسط أجواء من التوتر والتأزم بسبب مماطلة سلطة الإشراف لمطالبهم.
بالموازاة مع ذلك يتواصل إضراب القباضات المالية ومكاتب الآداءات بكامل جهات الجمهورية الذي انطلق منذ 29 من أفريلالمنقضي ودون سابق إعلام إلى غاية 5 ماي الجاري وذلك بعد فشل جلسة التفاوض المنتظمة بين الجامعة العامة للتخطيط والمالية مع وزير المالية يوم 28 من الشهر المنقضي حول منحة المراقبة والاستخلاص. إذ من شان هذا الإضراب أن يعطل مسار عمل عديد الهياكل ويتسبب في إلحاق خسائر قدرها مختصون في المجال بما قيمته أكثر من 100 مليار في اليوم الواحد.
صعوبات بالجملة
تتزامن هذه الإضرابات والتحركات مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها بلادنا بشكل غير مسبوق في هذه المرحلة، باعتبار أن جل المطالب تعد مشروعة نظرا لنكوث سلطة الإشراف بالاتفاقيات المبرمة مع الهياكل النقابية والقطاعية في السنوات الأخيرة. لتلتحق قطاعات أخرى بموجة هذه الإضرابات والتحركات على غرار ما سجل منذ أيام بالمؤسسات الاتصالية «أوريدو» واتصالات تونس أو ما هو مرتقب خلال هذا الشهر بالاتحاد البنكي للصناعة والتجارة وبلديات ولايات بنعروس ومنوبة وبنزرت إضافة إلى الإضراب الجهوي العام بولاية صفاقس المقرر تنظيمه يوم 20 من الشهر الجاري، باعتباره قد يكون فاتحة لإضرابات جهوية شاملة أخرى في مرحلة قريبة لاحقة، نظرا لحالة الاحتقان والغضب والتوتر الواسعة في الأوساط الاجتماعية في كامل جهات الجمهورية نتيجة استفحال أزمة الثقة تجاه الحكومة والطبقة السياسية بشكل خاص. لتضاف جملة هذه التحركات والإضرابات إلى ما تمر به عديد المؤسسات العمومية الكبرى بصعوبات مالية وإعلان القائمين عليها والمختصين أنها تمر وبضعية مالي وإدارية صعبة وأنها مهددة بالإفلاس أكثر من أي وقت مضى.
وذلك في ظل الصعوبات والعجز الذي أصبحت عليه شرائح واسعة من المجتمع في مجابهة متطلبات العيش وعدم القدرة على توفير ضروريات العيش الكريم مقابل استفحال الفساد والبطالة والاحتكار والمضاربة وغلاء الأسعار والتلاعب بها والفوضى العارمة في كل المجالات في ظل غياب شبه تام للدولة في القيام بدورها الرقابي والتنظيمي والردعي بالضرب على أيدي بارونات الفساد والموزعين والمتلاعبين بأسعار الخضر والغلال وغيرها من المواد الاستهلاكية التي يحتاجها المواطن في قوته اليومي.
في المقابل تواصل الطبقة السياسية لامبالاتها بخطورة الوضع وتنطعها من مسؤولياتها الأساسية، كسلطة تنفيذية بالنسبة لرئاستي الجمهورية الحكومة أو تشريعية بالنسبة لمجلس نواب الشعب، بالمراهنة والانكباب على وضع استراتيجيات ومخططات إصلاحية عاجلة استشرافية كفيلة بإخراج البلاد من الأزمات الخطيرة التي تتخبط فيها اقتصاديا واجتماعيا، لتتواصل المناكفات والصراعات على الصلاحيات والسلطة والمحاصصات التي أصبحت تشكل تهديدا خطيرا لتفكك أجهزة الدولة وإحداث انقسام وتصادم بين التونسيين.
لذلك فإن الموجة الجديدة من الإضرابات والتحركات القطاعية والجهوية سوف لن تكون تداعياتها ومجرياتها ومستجداتها ونتائجها مثل سابقاتها نظرا للهشاشة والتوتر والغضب والفوضى التي تخيم على الوضع الاجتماعي إضافة إلى الاحتقان الواسع في المستوى القطاعي وهي عوامل كفيلة بحدوث انفجار اجتماعي على نطاق واسع.
◗ نزيهة الغضباني
تعيش بلادنا في هذه المرحلة على وقع موجة جديدة من الإضرابات والتحركات القطاعية والجهوية ترافقها حالة احتقان واسعة في صفوف قطاعات حساسة ومفصلية وعلى غاية من الأهمية والأولوية في الخدمات والاقتصاد شملت قطاعات الصحة والمالية والنقل والفلاحة والاتصالات والخدمات والصناعة والهندسة والتعليم وغيرها من المجالات الأخرى. وهي تحركات نقابية تكشف عن استنكار وتنديد واسع بهشاشة وصعوبة الأوضاع الاجتماعية والمهنية المتردية التي أصبح عليها أبناء جل القطاعات الحيوية والوظيفة العمومية والعملة في ظل تواصل سياسة المماطلة والتسويف والهروب إلى الأمام في تعاطي سلطة الإشراف مع الاستحقاقات المطلبية القطاعية بمختلف سياقاتها.
ويذكر أن نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل كان أعلن أثناء الاحتفال بعيد الشغل يوم غرة ماي الجاري أن الاتحاد سيدخل في تفاوض مع سلطة الإشراف حول الزيادة السنوية في القطاعين العام والخاص خلال الفترة القادمة. وهذا من شأنه أن يكشف عن فصل آخر في ساسة العجز والوهن لحكومة مشيشي التي تفتقد لإستراتيجية واضحة في إرساء الإصلاحات المطلوبة والمنتظرة.
ولعل ما يحرك التحرك الراهن المتمثل في دخول الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة للصحة العمومية في إضراب منذ بداية الأسبوع الجاري يكشف حجم سياسة الوهن والعجز لسلطة الإشراف بعد فشل المفاوضات معها والتي انطلقت منذ أكثر من سنتين تقريبا دون التوصل إلى حل لأسباب اعتبارية أو مهنية الأمر الذي دفع جنود الصف الأول في مجابهة الفيروس الوبائي يعلنون انتفاضتهم في زمن أوج وذروة الأزمة الصحية وفتك الجائحة بما يقارب 11 ألف تونسي بمن فيهم إطارات طبية وشبه طبية وأعوان القطاع.
وكانت سياسة المماطلة واللامبالاة التي تنتهجها سلطة الإشراف تجاه مطلبية هذا القطاع، هي نفسها التي كانت سببا في دخول المهندسين في إضراب عام مفتوح تواصل على امتداد أسابيع رغم ما خلفه من تعطيل لعمل ونشاط هياكل ومنشآت ومؤسسات ذات صلة بمهام هذا القطاع. ورغم التوصل إلى اتفاق بين رئاسة الحكومة وعمادة المهندسين في بحر الأسبوع الماضي تم بموجه إنهاء الإضراب والعودة لاستئناف العمل إلا أن العمادة تؤكد في بيان لها أن الإضراب المفتوح لا زال قائما إلى حين إيفاء مصالح رئاسة الحكومة بتعهداتها المتمثلة في إرسال جميع المراسلات لكافة المؤسسات والمنشاَت العمومية المعنية بدون استثناء وتنزيل سحب المنحة الخصوصية على جميع مهندسي المؤسسات والمنشاَت العمومية دون استثناء.
بدوره ساهم إضراب الوكالة الفنية للنقل البري الذي انطلق منذ مدة في شل حركة قطاعات ومجالات حيوية عديدة نظرا لأهمية هذا الهيكل والدور الذي يضطلع به خاصة أن الإضراب تسبب في تعطل مراكز الفحص الفني واستخراج بطاقات التسجيل للسيارات وتوقف امتحانات رخص السياقة. وأكدت الجامعة العامة للنقل بالاتحاد العام التونسي للشغل إمكانية العودة إلى التحرك خلال الأيام القادمة إذا لم يتم الاستجابة لمطالب الأعوان خاصة أن العودة لاستئناف العمل منذ يوم أمس كان وسط أجواء من التوتر والتأزم بسبب مماطلة سلطة الإشراف لمطالبهم.
بالموازاة مع ذلك يتواصل إضراب القباضات المالية ومكاتب الآداءات بكامل جهات الجمهورية الذي انطلق منذ 29 من أفريلالمنقضي ودون سابق إعلام إلى غاية 5 ماي الجاري وذلك بعد فشل جلسة التفاوض المنتظمة بين الجامعة العامة للتخطيط والمالية مع وزير المالية يوم 28 من الشهر المنقضي حول منحة المراقبة والاستخلاص. إذ من شان هذا الإضراب أن يعطل مسار عمل عديد الهياكل ويتسبب في إلحاق خسائر قدرها مختصون في المجال بما قيمته أكثر من 100 مليار في اليوم الواحد.
صعوبات بالجملة
تتزامن هذه الإضرابات والتحركات مع تفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها بلادنا بشكل غير مسبوق في هذه المرحلة، باعتبار أن جل المطالب تعد مشروعة نظرا لنكوث سلطة الإشراف بالاتفاقيات المبرمة مع الهياكل النقابية والقطاعية في السنوات الأخيرة. لتلتحق قطاعات أخرى بموجة هذه الإضرابات والتحركات على غرار ما سجل منذ أيام بالمؤسسات الاتصالية «أوريدو» واتصالات تونس أو ما هو مرتقب خلال هذا الشهر بالاتحاد البنكي للصناعة والتجارة وبلديات ولايات بنعروس ومنوبة وبنزرت إضافة إلى الإضراب الجهوي العام بولاية صفاقس المقرر تنظيمه يوم 20 من الشهر الجاري، باعتباره قد يكون فاتحة لإضرابات جهوية شاملة أخرى في مرحلة قريبة لاحقة، نظرا لحالة الاحتقان والغضب والتوتر الواسعة في الأوساط الاجتماعية في كامل جهات الجمهورية نتيجة استفحال أزمة الثقة تجاه الحكومة والطبقة السياسية بشكل خاص. لتضاف جملة هذه التحركات والإضرابات إلى ما تمر به عديد المؤسسات العمومية الكبرى بصعوبات مالية وإعلان القائمين عليها والمختصين أنها تمر وبضعية مالي وإدارية صعبة وأنها مهددة بالإفلاس أكثر من أي وقت مضى.
وذلك في ظل الصعوبات والعجز الذي أصبحت عليه شرائح واسعة من المجتمع في مجابهة متطلبات العيش وعدم القدرة على توفير ضروريات العيش الكريم مقابل استفحال الفساد والبطالة والاحتكار والمضاربة وغلاء الأسعار والتلاعب بها والفوضى العارمة في كل المجالات في ظل غياب شبه تام للدولة في القيام بدورها الرقابي والتنظيمي والردعي بالضرب على أيدي بارونات الفساد والموزعين والمتلاعبين بأسعار الخضر والغلال وغيرها من المواد الاستهلاكية التي يحتاجها المواطن في قوته اليومي.
في المقابل تواصل الطبقة السياسية لامبالاتها بخطورة الوضع وتنطعها من مسؤولياتها الأساسية، كسلطة تنفيذية بالنسبة لرئاستي الجمهورية الحكومة أو تشريعية بالنسبة لمجلس نواب الشعب، بالمراهنة والانكباب على وضع استراتيجيات ومخططات إصلاحية عاجلة استشرافية كفيلة بإخراج البلاد من الأزمات الخطيرة التي تتخبط فيها اقتصاديا واجتماعيا، لتتواصل المناكفات والصراعات على الصلاحيات والسلطة والمحاصصات التي أصبحت تشكل تهديدا خطيرا لتفكك أجهزة الدولة وإحداث انقسام وتصادم بين التونسيين.
لذلك فإن الموجة الجديدة من الإضرابات والتحركات القطاعية والجهوية سوف لن تكون تداعياتها ومجرياتها ومستجداتها ونتائجها مثل سابقاتها نظرا للهشاشة والتوتر والغضب والفوضى التي تخيم على الوضع الاجتماعي إضافة إلى الاحتقان الواسع في المستوى القطاعي وهي عوامل كفيلة بحدوث انفجار اجتماعي على نطاق واسع.
◗ نزيهة الغضباني