إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الدكتور محمد الصغير النّوري الدستور لم يكن عنوان أزمة ومنذ 2015 لم نستعمل منه إلا 8%

 

  • أي حل لا يركز على دفع التنمية أوّلا هو حل زائف وهدر للوقت

  • مركزية السلطة خطر يعرقل التنمية ويدعم البيروقراطية والفساد

 

تونس-الصباح

يقدّم رئيس الجمهورية قيس سعيد نفسه في صورة المنقذ للبلاد ممّا يطلق عليها بالديمقراطية الفاسدة، وهو كثيراً ما يتحدث عن دستور الجمهورية كأهم سبب من أسباب فشل الديمقراطية وفسادها. 

والملفت أن معارضي الرئيس الذين يصفون استحواذه على السلطات الثلاث بـ"الانقلاب" لا يردّون على الرئيس وفقا لقراءة تعكس نجاعة دستور 2014 أو حتى تستعرض مضامينه، حيث أنّ موقفهم الرافض لتغيير الدستور أصبح أشبه بمن يدافع عن تميمة أو طلسم لا يكنه مضامينه وليس قادرا على تفسير إيجابياته للرأي العام الوطني.

فبين مسار الرئيس ومنحنيات معارضيه يعلو صوت التقاذف بالنعوت السلبية من فساد وانقلاب وديكتاتورية وديمقراطية تجويع وغيرها، فيما تحاول قلّة من الكفاءات العلمية التونسية تناول الأزمة بعقلانية وبمنهج علمي مغاير لصراخ الرئيس وجماعته وتظلّم الجماعات المعارضة له.

في هذا الإطار أجرت "الصباح" هذا الحوار مع الدكتور محمد الصغير النوري الذي يطرح قراءة مغايرة للسائد يرى فيها أنها "جديرة بالاهتمام" خصوصا وأن الرّجل مهندس في التقنيات الحديثة ودكتور في اقتصاد التنمية وخبير في التخطيط الاستراتيجي ومعالجة الأزمات.

وفيما يلي نص الحوار

 

  • عجزت تونس إلى الآن عن إيجاد حل للخروج من أزمة باتت تهدد مؤسسات الدولة بالانهيار والوحدة الوطنية والمجتمعية بالانفجار، لماذا؟

-باختصار نحن هنا، في هذه النقطة الخطيرة جداً لأننا منذ 12 سنة نقاطع المنهج العلمي ونروّج لمغالطات كبرى أغرقت البلاد في الشعوذة السياسوية والمتاهات، فكل طرف يدّعي حوزة سياسية مقدّسة وأن الحلّ بيديه أو داخل برنامجه الحزبي بينما الواقع يؤكد أن هذا الوضع الخطير مردّه جملة من المغالطات منها أنه غير صحيح أن أسباب الأزمة هي في الدستور، ولا هي في النظام السياسي، ولا في صلاحيات الرئيس، ولا في العلاقة بين المؤسسات الواردة في الدستور، ولا في البرلمان، ولا في الحكومة، ولا في القانون الانتخابي.

 

  • ولكن هذه التفاسير الوحيدة المتوفرة والمتداولة على الساحة الوطنية؟

-نعم هذا صحيح ولكن كلّ هذه تفاسير وهمية، فهذه العناصر مساهمتها في الأزمة ثانوية جدا. والتفسير الخاطئ يولّد حلولا خاطئة. السبب الحقيقي غير هذا كله.

فالدستور مثلا لم يهمل المسالة الاقتصادية، بل ورد فيه تصور ومنهج يمثّل أكبر ثورة في المنوال التنموي الاقتصادي منذ علّيسة ودستور قرطاج.

كما أنه غير صحيح انه لا احد يعرف الحل اذ ثمة خطة علمية مباشرة وفعّالة لأزمة تونس أودّ بكلّ لطف أن أطرحها في هذا المنبر الإعلامي المحترم.

 

  • ألا ترى أنّك بهذا الموقف تتخالف مع نوع من الاتفاق العام بأن الدستور هو عمق الأزمة! هل يعني هذا تنفيذا لمقولة خالف تُعرف؟

-هناك قول مأثور لغاندي يقول فيه إن إجماع الناس على خطئٍ لا يبدّله إلى حقيقة حيث قمنا بدراسة معمقة للدستور وفق القواعد العلمية الحديثة لصناعة الدساتير وقراءتها، أثبتت أن الدستور التونسي جعل من رئيس الجمهورية الحَكَم وقمة الهرم ووضع على ذمته 50 أداة دستورية لتأطير وتوجيه كل مؤسسات الدولة. ومنذ 2015 لم نستعمل منها إلا 4 أدوات أي 8%. فالمشكلة إذَا ليست في محتوى الدستور بل في قدرتنا على استعمال الأدوات المتوفرة فيه. وعليه فأسباب الأزمة ليست سياسية بل هي اقتصادية. والسبب الحقيقي هو تعطل التنمية منذ 12 سنة. وأي حل لا يركز على دفع التنمية أوّلا هو حل زائف وهدر للوقت ولطاقات البلاد.أما ما تسمعه من ضوضاء هنا وهناك فهو مجرد خصومات على السلطة وليس اختلافا حول مناهج الإصلاح.

 

  • وفقا لما قدمته من معطيات لماذا تعطلت التنمية في تونس رغم صرف أموال طائلة، و10 حكومات جرّبنا فيها كل التركيبات وأشكال الحكم وكل مواصفات رؤساء الحكومة؟

-تعطلت التنمية لأنه ثبت في العالم أن التنمية الشاملة مستحيلة في ظل نظام مركزي. ومن اجل ذلك وضعت كل الدول المتقدمة بما فيها الصين دساتيرا تفصل بين السياسة والاقتصاد وتحدث سلطة موزعة مختصة بالتنمية ودفع الإنتاج في كل الجهات. وهذا النظام اسمه اللامركزية. أؤكد في هذا السياق ان الحوار حول النظام المركزي واللّامركزي أهم بكثير من الجدال حو النظام البرلماني والرئاسي الذي سيطر على الفضاء العام وعلى البلاد وعطّل فرص التغيير الحقيقية رغم نجاح تونس في إنجاز ثورة شعبية تدعو للكرامة والحرّية منذ أكثر من عقد من الزمن.

فمركزية السلطة خطر يعرقل التنمية ويدعم البيروقراطية والفساد ويهدّد الديمقراطية، وهي احتكار سياسي اخطر من الاحتكار الاقتصادي الذي تمارسه اللوبيات وأصحاب المصالح الذين اختزل أغلبهم الاقتصاد في جانبه التجاري وفي امتيازات التراخيص والإعفاءات الضريبية.

لقد بذلت مجهودات كبيرة خلال ثلاث سنوات لصياغة الدستور التونسي الحالي الذي أحدث بلا شك اكبر ثورة قانونية في المنوال التنموي الاقتصادي التونسي على مر التاريخ. تتجلّى هذه القفزة التقدّمية أولا من خلال الفصل 14 الذي "يلزم الدّولة بدعم اللّامركزية واعتمادها بكامل التّراب الوطني...". ومن لم يكن متضلّعا في علوم الحوكمة الحديثة يمر على هذا الفصل مر الكرام ويقول إن الدستور أهمل الاقتصاد أمّا صاحب العلم يعرف أن اللّامركزية تعني فصل الاقتصاد عن السياسة وإحداث سلطة محلية موزعة مختصة في التنمية ودفع الإنتاج.

كما جاء الباب السابع في 12 فصل ليجسّد تركيبة السلطة المحلية وينظّم عملها وصلاحياتها وتمويلها.

 

  • هل يعني ذلك أن الحلّ في تركيز السلطة المحلية! فما هي إذا هذه السلطة المحلية؟

-السلطة المحلية تتمثل في اللّامركزية في تونس أي باختصار في إرساء مجالس بلدية مهمتها خدمات القرب والرقابة، ومجالس جهوية مهمتها التنمية والتشغيل وحماية البيئة، ومجلس أعلى للجماعات المحلية يضمن التوازن بين الجهات والتنسيق مع السلطة المركزية وتنظيم التعاون اللّامركزي مع الخارج لجلب الاستثمار والتمويل والتقنيات لكل الجهات.

 

  • ولكن هناك مجلة خاصة بالجماعات المحلية والتي يبدو أنها مهملة نوعا ما؟

-إن ما يجب أن يعرفه التونسيون أن هناك مجلة قانونية مصيرية بالنسبة للتنمية الشاملة والعادلة والمتكافئة وهي مجلة الجماعات المحلية التي تضمنت 400 فصل تنظّم عمل الجماعات المحلية وفق المبادئ الدستورية والقواعد العلمية. لذلك أنا على يقين أنّ الخطوة القادمة القادرة على توجيه البلاد نحو الاقتصاد والتنمية هي انتخاب المجالس الجهوية وتنصيب المجلس الأعلى للجماعات المحلية، وهذا يُدخل البلاد كلها في حركة تنموية تشمل كل الجهات وكل الفئات.

ما نفعله الآن هو مخالف للعلم الذي يقول أن لا تنمية إلا باللامركزية وبسلطة محلية، مخالف للدستور والقانون، وهو مخالف للأخلاق لأنه يحرم الشعب من التنمية والعيش الكريم.

 

  • ما هو تأثير هذه الخطة على الوضع في البلاد وهي في أزمة شديدة؟

-ببساطة لو نفعّل مؤسسات اللامركزية نخلق سلطة مختصة في الاقتصاد، وواقعا جديدا بعيدا عن الصراعات، يدفع التنمية ويسترجع ثقة العالم وثقة المانحين في الاقتصاد التونسي لان العالم يعرف أن اللامركزية تضمن التركيز على التنمية والتشغيل والشفافية والتشاركية، وهذا ما تضمّنته مجلة الجماعات المحلية.

هكذا ندفع التنمية والتشغيل ونقاوم التلوّث لأنها أولويات المجالس الجهوية، ونزرع ثقافة الحوار والتضامن.

على سبيل الذكر الفصل 354 من المجلة يلزم كل مجلس جهوي بإحداث "لجنة جهوية للحوار الاقتصادي والاجتماعي"، حدد تركيبتها وأهدافها وطريقة عملها، وهي تقوم بمهمة متابعة انجاز المشاريع في الجهة. ذلك أن توظيف الطاقات البشرية والإمكانيات في الجهات هو النواتات التي تمثل النسيج التنموي وهي العناصر التي تصنع الاستثمار والشغل والنمو والرفاه.

 

  • ما الذي يمنعنا من ذلك، أليست القوانين بما فيها الدستور الحالي؟

-لا دخل للدستور بل بالعكس إنما تعيقنا غياب الإرادة السياسية وربما باختصار شديد يفصلنا عن هذا الأفق المشرق أمر رئاسي يفعّل الفصل 101 من قانون الانتخابات، يدعو فيه الرئيس الناخبين لانتخابات المجالس الجهوية في اجل 3 أشهر. بذلك يتوقف الجدل العقيم وتهفت الصراعات وتكسر القيود وتنطلق الثورة الاقتصادية في تونس.

 

  • هل ترى في فريق "منتدى العلم والاقتصاد" الذي تشرف عليه أنت قدرة في إنجاح هذه الخطة ومساعدة تونس على الخروج من عمق الزجاجة؟

-بكل تواضع وبروح إيجابية لنا خطة للمساهمة الفعّالة في إنجاح هذا التغيير حالما يصدر الأمر الرئاسي، سنجنّد خبراء الوطن لصياغة خطة تنموية لكل جهة مع أبناء الجهة، وننطلق في تنظيم لقاء عالمي لدعم اللامركزية والتنمية الجهوية والانتقال البيئي في تونس نستدعي له 100 رئيس مجلس جهوي ومنظمة في العالم لحوار مع كل المجالس الجهوية التونسية والخروج بشراكات وتوأمات ومشاريع استثمار وتعاون وتمويل. ويكون هذا اللقاء اكبر حافز لإعادة الثقة وكسر الجليد مع كل المؤسسات المانحة لتونس.

هذه العناصر الثلاثة متكاملة وتمثل خطة الخلاص الوطني وهي مرتبطة بأمر رئاسي لدعوة الناخبين لانتخاب المجالس الجهوية، فخطة تنموية محكمة لكل جهة، ثم لقاء عالمي لدعم اللامركزية والتنمية التضامنية في تونس. وبها نطوي صفحة كابوس يدوم منذ 12 سنة، ونفتح مستقبلا جديدا لشعبنا.

 

  • خلاصة القول دكتور؟

-ركزنا على المسائل السياسية وهي تؤجّج الوضع، وأهملنا الاقتصاد وهو الوحيد الكفيل بالقضاء على الفقر والبطالة وغلاء المعيشة، فدمّرنا البلاد. حان الوقت للتجرّؤ على قطيعة على مستوى الممارسة والحل في تفعيل اللامركزية.

بأمر رئاسي في 5 اسطر يوجه البلاد نحو الاقتصاد والتنمية ويفتح باب الأمل وينهي معاناة الشعب في 3 أشهر. هذا سيؤدي إلى تحويل تونس من ارض الصراعات السياسية إلى ارض تنمية وبناء واسترجاع ثقة العالم وهذا علميا ممكن وسهل.

أشير في خاتمة هذا الحوار إلى أن التونسيين جديرون بواقع أفضل فلماذا نحرم شعبنا من هذا الخير الذي ضمنه له الدستور والقانون والعلم؟

وأرجو بالمناسبة أن يفتح الإعلام وصناع الرأي العام الأبواب للمنهج العلمي والتصدّر لنشر هذا الوعي بين المواطنين والمسؤولين لإنقاذ الوطن لأنني مقتنع دائما أنه إذا تعطّلت السلط الثلاث، تتدخل السلطة الرابعة.

خليل الحناشي

 الدكتور محمد الصغير النّوري الدستور لم يكن عنوان أزمة ومنذ 2015 لم نستعمل منه إلا 8%

 

  • أي حل لا يركز على دفع التنمية أوّلا هو حل زائف وهدر للوقت

  • مركزية السلطة خطر يعرقل التنمية ويدعم البيروقراطية والفساد

 

تونس-الصباح

يقدّم رئيس الجمهورية قيس سعيد نفسه في صورة المنقذ للبلاد ممّا يطلق عليها بالديمقراطية الفاسدة، وهو كثيراً ما يتحدث عن دستور الجمهورية كأهم سبب من أسباب فشل الديمقراطية وفسادها. 

والملفت أن معارضي الرئيس الذين يصفون استحواذه على السلطات الثلاث بـ"الانقلاب" لا يردّون على الرئيس وفقا لقراءة تعكس نجاعة دستور 2014 أو حتى تستعرض مضامينه، حيث أنّ موقفهم الرافض لتغيير الدستور أصبح أشبه بمن يدافع عن تميمة أو طلسم لا يكنه مضامينه وليس قادرا على تفسير إيجابياته للرأي العام الوطني.

فبين مسار الرئيس ومنحنيات معارضيه يعلو صوت التقاذف بالنعوت السلبية من فساد وانقلاب وديكتاتورية وديمقراطية تجويع وغيرها، فيما تحاول قلّة من الكفاءات العلمية التونسية تناول الأزمة بعقلانية وبمنهج علمي مغاير لصراخ الرئيس وجماعته وتظلّم الجماعات المعارضة له.

في هذا الإطار أجرت "الصباح" هذا الحوار مع الدكتور محمد الصغير النوري الذي يطرح قراءة مغايرة للسائد يرى فيها أنها "جديرة بالاهتمام" خصوصا وأن الرّجل مهندس في التقنيات الحديثة ودكتور في اقتصاد التنمية وخبير في التخطيط الاستراتيجي ومعالجة الأزمات.

وفيما يلي نص الحوار

 

  • عجزت تونس إلى الآن عن إيجاد حل للخروج من أزمة باتت تهدد مؤسسات الدولة بالانهيار والوحدة الوطنية والمجتمعية بالانفجار، لماذا؟

-باختصار نحن هنا، في هذه النقطة الخطيرة جداً لأننا منذ 12 سنة نقاطع المنهج العلمي ونروّج لمغالطات كبرى أغرقت البلاد في الشعوذة السياسوية والمتاهات، فكل طرف يدّعي حوزة سياسية مقدّسة وأن الحلّ بيديه أو داخل برنامجه الحزبي بينما الواقع يؤكد أن هذا الوضع الخطير مردّه جملة من المغالطات منها أنه غير صحيح أن أسباب الأزمة هي في الدستور، ولا هي في النظام السياسي، ولا في صلاحيات الرئيس، ولا في العلاقة بين المؤسسات الواردة في الدستور، ولا في البرلمان، ولا في الحكومة، ولا في القانون الانتخابي.

 

  • ولكن هذه التفاسير الوحيدة المتوفرة والمتداولة على الساحة الوطنية؟

-نعم هذا صحيح ولكن كلّ هذه تفاسير وهمية، فهذه العناصر مساهمتها في الأزمة ثانوية جدا. والتفسير الخاطئ يولّد حلولا خاطئة. السبب الحقيقي غير هذا كله.

فالدستور مثلا لم يهمل المسالة الاقتصادية، بل ورد فيه تصور ومنهج يمثّل أكبر ثورة في المنوال التنموي الاقتصادي منذ علّيسة ودستور قرطاج.

كما أنه غير صحيح انه لا احد يعرف الحل اذ ثمة خطة علمية مباشرة وفعّالة لأزمة تونس أودّ بكلّ لطف أن أطرحها في هذا المنبر الإعلامي المحترم.

 

  • ألا ترى أنّك بهذا الموقف تتخالف مع نوع من الاتفاق العام بأن الدستور هو عمق الأزمة! هل يعني هذا تنفيذا لمقولة خالف تُعرف؟

-هناك قول مأثور لغاندي يقول فيه إن إجماع الناس على خطئٍ لا يبدّله إلى حقيقة حيث قمنا بدراسة معمقة للدستور وفق القواعد العلمية الحديثة لصناعة الدساتير وقراءتها، أثبتت أن الدستور التونسي جعل من رئيس الجمهورية الحَكَم وقمة الهرم ووضع على ذمته 50 أداة دستورية لتأطير وتوجيه كل مؤسسات الدولة. ومنذ 2015 لم نستعمل منها إلا 4 أدوات أي 8%. فالمشكلة إذَا ليست في محتوى الدستور بل في قدرتنا على استعمال الأدوات المتوفرة فيه. وعليه فأسباب الأزمة ليست سياسية بل هي اقتصادية. والسبب الحقيقي هو تعطل التنمية منذ 12 سنة. وأي حل لا يركز على دفع التنمية أوّلا هو حل زائف وهدر للوقت ولطاقات البلاد.أما ما تسمعه من ضوضاء هنا وهناك فهو مجرد خصومات على السلطة وليس اختلافا حول مناهج الإصلاح.

 

  • وفقا لما قدمته من معطيات لماذا تعطلت التنمية في تونس رغم صرف أموال طائلة، و10 حكومات جرّبنا فيها كل التركيبات وأشكال الحكم وكل مواصفات رؤساء الحكومة؟

-تعطلت التنمية لأنه ثبت في العالم أن التنمية الشاملة مستحيلة في ظل نظام مركزي. ومن اجل ذلك وضعت كل الدول المتقدمة بما فيها الصين دساتيرا تفصل بين السياسة والاقتصاد وتحدث سلطة موزعة مختصة بالتنمية ودفع الإنتاج في كل الجهات. وهذا النظام اسمه اللامركزية. أؤكد في هذا السياق ان الحوار حول النظام المركزي واللّامركزي أهم بكثير من الجدال حو النظام البرلماني والرئاسي الذي سيطر على الفضاء العام وعلى البلاد وعطّل فرص التغيير الحقيقية رغم نجاح تونس في إنجاز ثورة شعبية تدعو للكرامة والحرّية منذ أكثر من عقد من الزمن.

فمركزية السلطة خطر يعرقل التنمية ويدعم البيروقراطية والفساد ويهدّد الديمقراطية، وهي احتكار سياسي اخطر من الاحتكار الاقتصادي الذي تمارسه اللوبيات وأصحاب المصالح الذين اختزل أغلبهم الاقتصاد في جانبه التجاري وفي امتيازات التراخيص والإعفاءات الضريبية.

لقد بذلت مجهودات كبيرة خلال ثلاث سنوات لصياغة الدستور التونسي الحالي الذي أحدث بلا شك اكبر ثورة قانونية في المنوال التنموي الاقتصادي التونسي على مر التاريخ. تتجلّى هذه القفزة التقدّمية أولا من خلال الفصل 14 الذي "يلزم الدّولة بدعم اللّامركزية واعتمادها بكامل التّراب الوطني...". ومن لم يكن متضلّعا في علوم الحوكمة الحديثة يمر على هذا الفصل مر الكرام ويقول إن الدستور أهمل الاقتصاد أمّا صاحب العلم يعرف أن اللّامركزية تعني فصل الاقتصاد عن السياسة وإحداث سلطة محلية موزعة مختصة في التنمية ودفع الإنتاج.

كما جاء الباب السابع في 12 فصل ليجسّد تركيبة السلطة المحلية وينظّم عملها وصلاحياتها وتمويلها.

 

  • هل يعني ذلك أن الحلّ في تركيز السلطة المحلية! فما هي إذا هذه السلطة المحلية؟

-السلطة المحلية تتمثل في اللّامركزية في تونس أي باختصار في إرساء مجالس بلدية مهمتها خدمات القرب والرقابة، ومجالس جهوية مهمتها التنمية والتشغيل وحماية البيئة، ومجلس أعلى للجماعات المحلية يضمن التوازن بين الجهات والتنسيق مع السلطة المركزية وتنظيم التعاون اللّامركزي مع الخارج لجلب الاستثمار والتمويل والتقنيات لكل الجهات.

 

  • ولكن هناك مجلة خاصة بالجماعات المحلية والتي يبدو أنها مهملة نوعا ما؟

-إن ما يجب أن يعرفه التونسيون أن هناك مجلة قانونية مصيرية بالنسبة للتنمية الشاملة والعادلة والمتكافئة وهي مجلة الجماعات المحلية التي تضمنت 400 فصل تنظّم عمل الجماعات المحلية وفق المبادئ الدستورية والقواعد العلمية. لذلك أنا على يقين أنّ الخطوة القادمة القادرة على توجيه البلاد نحو الاقتصاد والتنمية هي انتخاب المجالس الجهوية وتنصيب المجلس الأعلى للجماعات المحلية، وهذا يُدخل البلاد كلها في حركة تنموية تشمل كل الجهات وكل الفئات.

ما نفعله الآن هو مخالف للعلم الذي يقول أن لا تنمية إلا باللامركزية وبسلطة محلية، مخالف للدستور والقانون، وهو مخالف للأخلاق لأنه يحرم الشعب من التنمية والعيش الكريم.

 

  • ما هو تأثير هذه الخطة على الوضع في البلاد وهي في أزمة شديدة؟

-ببساطة لو نفعّل مؤسسات اللامركزية نخلق سلطة مختصة في الاقتصاد، وواقعا جديدا بعيدا عن الصراعات، يدفع التنمية ويسترجع ثقة العالم وثقة المانحين في الاقتصاد التونسي لان العالم يعرف أن اللامركزية تضمن التركيز على التنمية والتشغيل والشفافية والتشاركية، وهذا ما تضمّنته مجلة الجماعات المحلية.

هكذا ندفع التنمية والتشغيل ونقاوم التلوّث لأنها أولويات المجالس الجهوية، ونزرع ثقافة الحوار والتضامن.

على سبيل الذكر الفصل 354 من المجلة يلزم كل مجلس جهوي بإحداث "لجنة جهوية للحوار الاقتصادي والاجتماعي"، حدد تركيبتها وأهدافها وطريقة عملها، وهي تقوم بمهمة متابعة انجاز المشاريع في الجهة. ذلك أن توظيف الطاقات البشرية والإمكانيات في الجهات هو النواتات التي تمثل النسيج التنموي وهي العناصر التي تصنع الاستثمار والشغل والنمو والرفاه.

 

  • ما الذي يمنعنا من ذلك، أليست القوانين بما فيها الدستور الحالي؟

-لا دخل للدستور بل بالعكس إنما تعيقنا غياب الإرادة السياسية وربما باختصار شديد يفصلنا عن هذا الأفق المشرق أمر رئاسي يفعّل الفصل 101 من قانون الانتخابات، يدعو فيه الرئيس الناخبين لانتخابات المجالس الجهوية في اجل 3 أشهر. بذلك يتوقف الجدل العقيم وتهفت الصراعات وتكسر القيود وتنطلق الثورة الاقتصادية في تونس.

 

  • هل ترى في فريق "منتدى العلم والاقتصاد" الذي تشرف عليه أنت قدرة في إنجاح هذه الخطة ومساعدة تونس على الخروج من عمق الزجاجة؟

-بكل تواضع وبروح إيجابية لنا خطة للمساهمة الفعّالة في إنجاح هذا التغيير حالما يصدر الأمر الرئاسي، سنجنّد خبراء الوطن لصياغة خطة تنموية لكل جهة مع أبناء الجهة، وننطلق في تنظيم لقاء عالمي لدعم اللامركزية والتنمية الجهوية والانتقال البيئي في تونس نستدعي له 100 رئيس مجلس جهوي ومنظمة في العالم لحوار مع كل المجالس الجهوية التونسية والخروج بشراكات وتوأمات ومشاريع استثمار وتعاون وتمويل. ويكون هذا اللقاء اكبر حافز لإعادة الثقة وكسر الجليد مع كل المؤسسات المانحة لتونس.

هذه العناصر الثلاثة متكاملة وتمثل خطة الخلاص الوطني وهي مرتبطة بأمر رئاسي لدعوة الناخبين لانتخاب المجالس الجهوية، فخطة تنموية محكمة لكل جهة، ثم لقاء عالمي لدعم اللامركزية والتنمية التضامنية في تونس. وبها نطوي صفحة كابوس يدوم منذ 12 سنة، ونفتح مستقبلا جديدا لشعبنا.

 

  • خلاصة القول دكتور؟

-ركزنا على المسائل السياسية وهي تؤجّج الوضع، وأهملنا الاقتصاد وهو الوحيد الكفيل بالقضاء على الفقر والبطالة وغلاء المعيشة، فدمّرنا البلاد. حان الوقت للتجرّؤ على قطيعة على مستوى الممارسة والحل في تفعيل اللامركزية.

بأمر رئاسي في 5 اسطر يوجه البلاد نحو الاقتصاد والتنمية ويفتح باب الأمل وينهي معاناة الشعب في 3 أشهر. هذا سيؤدي إلى تحويل تونس من ارض الصراعات السياسية إلى ارض تنمية وبناء واسترجاع ثقة العالم وهذا علميا ممكن وسهل.

أشير في خاتمة هذا الحوار إلى أن التونسيين جديرون بواقع أفضل فلماذا نحرم شعبنا من هذا الخير الذي ضمنه له الدستور والقانون والعلم؟

وأرجو بالمناسبة أن يفتح الإعلام وصناع الرأي العام الأبواب للمنهج العلمي والتصدّر لنشر هذا الوعي بين المواطنين والمسؤولين لإنقاذ الوطن لأنني مقتنع دائما أنه إذا تعطّلت السلط الثلاث، تتدخل السلطة الرابعة.

خليل الحناشي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews