إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في غياب الفرضية القانونية والموقف السياسي المسبق الاستفتاء بـ"لا".. احتمال يتجاهله سعيد ويعززه واقع الأزمة !

تونس – الصباح

عكس الاستحقاقات الانتخابية السابقة والتي لم يكن أحد يملك اليقين بشأن نتائجها التي لم تخل من المفاجآت منذ انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، فإن استحقاق الاستفتاء المزمع في 25 جويلية الذي اقترحه رئيس الجمهورية قيس سعيد وسيعرض من خلاله على الشعب الدستور الجديد الذي عيّن لجنة لإعداده وصياغته.. بدا بالنسبة للبعض وكأن نتيجته محسومة مسبقا وأن الشعب لن يرفض مشروع الدستور مهما كان، لاعتبارات عدة ..

حيث ينقسم الذين يتبنون هذا الموقف الى نوعين، فمنهم المؤيد بشكل مطلق لخيارات وتوجهات رئيس الجمهورية ومازال مقتنعا أن الشعب لن يخذل قيس سعيد وأنه بانتخابه رئيسا للجمهورية منحه تفويضا مطلقا للحديث باسمه واختيار ما يناسب هذا الشعب.. ومنهم من يضع الأمر في إطار عقلاني، ليؤكد أن الاستفتاء وإذا كان من حيث الشكل سيكون على مشروع الدستور الجديد إلا أنه من حيث المضمون سيكون استفتاء على شخص رئيس الجمهورية في حدّ ذاته ومناسبة انتخابية لتجديد الثقة فيه وفي توجهاته، وان الحملة الانتخابية التي ستسبق يوم الاستفتاء لن تركز كثيرا على تفاصيل ومضامين الدستور بل على شخص رئيس الجمهورية ومعاركه المزعومة مع المنظومة القديمة، خاصة وان هناك اليوم في المشهد السياسي والوطني شبه إجماع على عدم عودة منظومة ما قبل 25 جويلية .

ثقة في القبول ومفاجأة الرفض غير مستبعدة !

وإذا كان مرسوم دعوة الناخبين الأخير قد نص على أن الاستفتاء يكون بـ"لا" أو بـ"نعم" على مشروع الدستور الجديد، إلا انه وفي التأويل السياسي لهذا المرسوم تتعامل السلطة التي يقودها قيس سعيد وفق فرضية واحدة وهو أن الاستفتاء المرتقب سيكون بـ"نعم" وبالموافقة على الدستور الجديد.. ولا أحد من المتبنين لتوجهات رئيس الجمهورية ولا قيس سعيد ذاته، تحدث عما يمكن أن يحصل لو حُسم الاستفتاء بـرفض مشروع الدستور.. فهل ستتم العودة لدستور 2014 أم سيتم تعديل الدستور الجديد وطرحه لاستفتاء جديد.. وخاصة كيف سيكون الوضع السياسي والأخلاقي لقيس سعيد إذا فشل في تمرير دستوره الجديد بشكل ديمقراطي وسقط هذا الدستور بإرادة شعبية حرة ونزيهة عبرت عن رفضها له !

الحقيقة أن لا احد يملك إجابة قاطعة بخصوص هذا الأمر، سواء من المؤيدين أو الرافضين لتوجهات الرئيس ولمسار 25 جويلية، فليس هناك اليوم فرضية قانونية قائمة أو موقف سياسي واضح وكل الأمر متروك لقرار قيس سعيد وقتها.. ولكن كل ذلك لا ينفي أن هناك سيناريوهات محتملة، طرحها عدد من السياسيين ومن أساتذة القانون الدستوري، بعضهم كان من المؤيدين المتحمسين لمسار 25 جويلية !

أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، تحدث في اليومين الأخيرين وفي تصريحات إعلامية مختلفة عن فرضية رفض الناخبين لمشروع الدستور الجديد في استفتاء 25 جويلية وقال حرفيا "سيخلق فوضى مؤسساتية ويفرض العودة الى دستور 2014 "  لكن دون أن ينسى الإشارة الى أن هذا القرار سيعود الى رئيس الجمهورية في النهاية .

الفراغ أو العودة إلى دستور 2014

إلا أنه وفي الحقيقة مسألة العودة لدستور 2014 لن تكون وقتها خيارا، بل اضطرار لأنه لا يمكن بحال ترك البلاد في حالة فراغ دستوري وتشريعي، ولكن وقتها ستكون المسألة أكثر تعقيدا وتأزما، حيث أن الأمر الرئاسي عدد 117 المثير للجدل، قد أفرغ دستور 2014 من أهم مضامينه وعلق العمل ببابي السلطة التشريعية والتنفيذية ووسّع صلاحيات رئيس الجمهورية بشكل كبير.. هذا الأمر الرئاسي، الذي اعترف أمين محفوظ أنه وبمعية الصادق بلعيد ومحمد صالح بن عيسى بأنهم هم من قاموا بصياغته وان الإضافات التي قام بها رئيس الجمهورية لا تمثل إلا 20 بالمائة من الأمر برمته، سيتحوّل الى عقبة موضوعية خطيرة في طريق العودة الى دستور 2014 في صورة فشل الاستفتاء..

حيث ستطرح أزمة شرعيات عميقة منها شرعية حكومة نجلاء بودن التي تستمدها مباشرة من أمر 117، بالإضافة الى أن التغييرات العميقة التي حدثت في المشهد السياسي ومنها حلّ البرلمان بعد تجميده لفترة وحل المجلس الأعلى للقضاء وتغيير تركيبته وكذلك قانونه الأساسي، بالإضافة الى حل هيئة الانتخابات وتغيير تركيبتها، كلها تغييرات استمدت شرعيتها التشريعية من هذا الأمر الذي كان سلطويا بامتياز ولا يمكن لأساتذة القانون الدستور الذين قاموا بصياغته التنكر لمآلاته وتبعاته. فرغم تأكيد أمين محفوظ أن مساندته لمسار 25 جويلية هي مساندة نقدية، وأن هذه المساندة لم تمنعه من إبداء ملاحظاته بخصوص بعض الأخطاء التي تم ارتكابها منذ إعلان هذا المسار في صيف العام الماضي، إلا أن ذلك لا يعفيه من مسؤولية هندسة جزء هام من مسار 25 جويلية .

وإذا كان احتمال انتهاء الاستفتاء بالرفض غير مطروح بالنسبة لرئيس الجمهورية ولا يبدو أن يتوقعه أساسا، إلا أن توسع دائرة الرفض السياسي لهذا الاستفتاءات ودعوة بعض القوى السياسية الوازنة شعبيا كحزب الدستوري الحر الى تحركات كبرى في الشارع تكون مناهضة للاستفتاء وللدستور الجديد.. بالإضافة الى رفض الاتحاد العام التونسي للشغل وهو أكبر قوة عمالية واجتماعية في البلاد، المشاركة في الحوار بالصيغة التي طرحها سعيد، يمكن أن يعمّق الأزمة السياسية ويعزّز إمكانية التصويت بـ"لا" على الدستور الجديد وبالتالي نسف جوهر مسار 25 جويلية .

منية العرفاوي

في غياب الفرضية القانونية والموقف السياسي المسبق  الاستفتاء بـ"لا".. احتمال يتجاهله سعيد ويعززه واقع الأزمة !

تونس – الصباح

عكس الاستحقاقات الانتخابية السابقة والتي لم يكن أحد يملك اليقين بشأن نتائجها التي لم تخل من المفاجآت منذ انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، فإن استحقاق الاستفتاء المزمع في 25 جويلية الذي اقترحه رئيس الجمهورية قيس سعيد وسيعرض من خلاله على الشعب الدستور الجديد الذي عيّن لجنة لإعداده وصياغته.. بدا بالنسبة للبعض وكأن نتيجته محسومة مسبقا وأن الشعب لن يرفض مشروع الدستور مهما كان، لاعتبارات عدة ..

حيث ينقسم الذين يتبنون هذا الموقف الى نوعين، فمنهم المؤيد بشكل مطلق لخيارات وتوجهات رئيس الجمهورية ومازال مقتنعا أن الشعب لن يخذل قيس سعيد وأنه بانتخابه رئيسا للجمهورية منحه تفويضا مطلقا للحديث باسمه واختيار ما يناسب هذا الشعب.. ومنهم من يضع الأمر في إطار عقلاني، ليؤكد أن الاستفتاء وإذا كان من حيث الشكل سيكون على مشروع الدستور الجديد إلا أنه من حيث المضمون سيكون استفتاء على شخص رئيس الجمهورية في حدّ ذاته ومناسبة انتخابية لتجديد الثقة فيه وفي توجهاته، وان الحملة الانتخابية التي ستسبق يوم الاستفتاء لن تركز كثيرا على تفاصيل ومضامين الدستور بل على شخص رئيس الجمهورية ومعاركه المزعومة مع المنظومة القديمة، خاصة وان هناك اليوم في المشهد السياسي والوطني شبه إجماع على عدم عودة منظومة ما قبل 25 جويلية .

ثقة في القبول ومفاجأة الرفض غير مستبعدة !

وإذا كان مرسوم دعوة الناخبين الأخير قد نص على أن الاستفتاء يكون بـ"لا" أو بـ"نعم" على مشروع الدستور الجديد، إلا انه وفي التأويل السياسي لهذا المرسوم تتعامل السلطة التي يقودها قيس سعيد وفق فرضية واحدة وهو أن الاستفتاء المرتقب سيكون بـ"نعم" وبالموافقة على الدستور الجديد.. ولا أحد من المتبنين لتوجهات رئيس الجمهورية ولا قيس سعيد ذاته، تحدث عما يمكن أن يحصل لو حُسم الاستفتاء بـرفض مشروع الدستور.. فهل ستتم العودة لدستور 2014 أم سيتم تعديل الدستور الجديد وطرحه لاستفتاء جديد.. وخاصة كيف سيكون الوضع السياسي والأخلاقي لقيس سعيد إذا فشل في تمرير دستوره الجديد بشكل ديمقراطي وسقط هذا الدستور بإرادة شعبية حرة ونزيهة عبرت عن رفضها له !

الحقيقة أن لا احد يملك إجابة قاطعة بخصوص هذا الأمر، سواء من المؤيدين أو الرافضين لتوجهات الرئيس ولمسار 25 جويلية، فليس هناك اليوم فرضية قانونية قائمة أو موقف سياسي واضح وكل الأمر متروك لقرار قيس سعيد وقتها.. ولكن كل ذلك لا ينفي أن هناك سيناريوهات محتملة، طرحها عدد من السياسيين ومن أساتذة القانون الدستوري، بعضهم كان من المؤيدين المتحمسين لمسار 25 جويلية !

أستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ، تحدث في اليومين الأخيرين وفي تصريحات إعلامية مختلفة عن فرضية رفض الناخبين لمشروع الدستور الجديد في استفتاء 25 جويلية وقال حرفيا "سيخلق فوضى مؤسساتية ويفرض العودة الى دستور 2014 "  لكن دون أن ينسى الإشارة الى أن هذا القرار سيعود الى رئيس الجمهورية في النهاية .

الفراغ أو العودة إلى دستور 2014

إلا أنه وفي الحقيقة مسألة العودة لدستور 2014 لن تكون وقتها خيارا، بل اضطرار لأنه لا يمكن بحال ترك البلاد في حالة فراغ دستوري وتشريعي، ولكن وقتها ستكون المسألة أكثر تعقيدا وتأزما، حيث أن الأمر الرئاسي عدد 117 المثير للجدل، قد أفرغ دستور 2014 من أهم مضامينه وعلق العمل ببابي السلطة التشريعية والتنفيذية ووسّع صلاحيات رئيس الجمهورية بشكل كبير.. هذا الأمر الرئاسي، الذي اعترف أمين محفوظ أنه وبمعية الصادق بلعيد ومحمد صالح بن عيسى بأنهم هم من قاموا بصياغته وان الإضافات التي قام بها رئيس الجمهورية لا تمثل إلا 20 بالمائة من الأمر برمته، سيتحوّل الى عقبة موضوعية خطيرة في طريق العودة الى دستور 2014 في صورة فشل الاستفتاء..

حيث ستطرح أزمة شرعيات عميقة منها شرعية حكومة نجلاء بودن التي تستمدها مباشرة من أمر 117، بالإضافة الى أن التغييرات العميقة التي حدثت في المشهد السياسي ومنها حلّ البرلمان بعد تجميده لفترة وحل المجلس الأعلى للقضاء وتغيير تركيبته وكذلك قانونه الأساسي، بالإضافة الى حل هيئة الانتخابات وتغيير تركيبتها، كلها تغييرات استمدت شرعيتها التشريعية من هذا الأمر الذي كان سلطويا بامتياز ولا يمكن لأساتذة القانون الدستور الذين قاموا بصياغته التنكر لمآلاته وتبعاته. فرغم تأكيد أمين محفوظ أن مساندته لمسار 25 جويلية هي مساندة نقدية، وأن هذه المساندة لم تمنعه من إبداء ملاحظاته بخصوص بعض الأخطاء التي تم ارتكابها منذ إعلان هذا المسار في صيف العام الماضي، إلا أن ذلك لا يعفيه من مسؤولية هندسة جزء هام من مسار 25 جويلية .

وإذا كان احتمال انتهاء الاستفتاء بالرفض غير مطروح بالنسبة لرئيس الجمهورية ولا يبدو أن يتوقعه أساسا، إلا أن توسع دائرة الرفض السياسي لهذا الاستفتاءات ودعوة بعض القوى السياسية الوازنة شعبيا كحزب الدستوري الحر الى تحركات كبرى في الشارع تكون مناهضة للاستفتاء وللدستور الجديد.. بالإضافة الى رفض الاتحاد العام التونسي للشغل وهو أكبر قوة عمالية واجتماعية في البلاد، المشاركة في الحوار بالصيغة التي طرحها سعيد، يمكن أن يعمّق الأزمة السياسية ويعزّز إمكانية التصويت بـ"لا" على الدستور الجديد وبالتالي نسف جوهر مسار 25 جويلية .

منية العرفاوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews