إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الحبيب خضر لـ"الصباح": الهيئة الاستشارية من أجل الجمهورية الجديدة ستولد ميتة

ـ في غياب التنصيص على النصاب الأدنى لاجتماعات الهيئة يمكن للعميدين الصادق بلعيد وإبراهيم بودربالة كتابة مشروع الدستور بمفردهما

ـ لقد تم الخروج عن الشرعية منذ 25 جويلية وليس بعد هذا التاريخ

ـ دستور 2014 ليس دستور الحبيب خضر أو مصطفى بن جعفر وإنما هو دستور الشعب التونسي

ـ من يقول إن الدستور فيه ثغرات عليه أن يقدم لي أدلة

ـ القصور ليس في الدستور وإنما في القانون الانتخابي

تونس-الصباح

قال الحبيب خضر المقرر العام لدستور 2014 إن المرسوم عدد 30 لسنة 2022 المؤرخ في 19 ماي 2022 المتعلق بإحداث الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة فيه الكثير من الفوضى وعدم التناسق والارتجال هذا من حيث الشكل أما في حيث الأصل فإن مضامينه تشي بأن الهيئة المذكورة ستولد ميتة.

وأضاف خضر في تصريح لـ "الصباح" أنه مبدئيا وإذا تم التسليم بصحة قرار حل مجلس نواب الشعب، فإن الفصل المنطبق في تلك الصورة هو الفصل 70 من الدستور الذي يوجب أن يكون اتخاذ المراسيم في تلك الحالة باتفاق مع رئيس الحكومة، ولكن بالرجوع إلى نص المرسوم عدد 30 وتحديدا إلى الجزء الخاص بالإطلاعات، يلاحظ غياب أي إشارة إلى اتفاق مع رئيسة الحكومة، كما أنه من المفارقات الغريبة وغير المستساغة ولكنها تكاثرت في المدة الأخيرة القول في المرسوم عبارة بعد الإطلاع على الدستور والحال أن كل مقتضيات المرسوم هي تعد صريح على النص الدستوري. وأشار خضر إلى أنه على مستوى الإطلاعات فإن ما ورد في المرسوم من إشارة إلى إطلاع على الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22سبتمبر 2021 المتعلق بتدابير استثنائية وخاصة على الفصل 22، غير سليم.

ويذكر في هذا الصدد أن الفصل 22 من الأمر عدد 117 نص على أن "يتولى رئيس الجمهورية إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي ويجب أن تهدف مشاريع هذه التعديلات إلى التأسيس لنظام ديمقراطي حقيقي يكون فيه الشعب بالفعل هو صاحب السيادة ومصدر السلطات ويمارسها بواسطة نواب منتخبين أو عبر الاستفتاء ويقوم على أساس الفصل بين السلط والتوازن الفعلي بينها ويكرس دولة القانون ويضمن الحقوق والحريات العامة والفردية وتحقيق أهداف ثورة 17 ديسمبر 2010 في الشغل والحرية والكرامة الوطنية، ويعرضها رئيس الجمهورية على الاستفتاء للمصادقة عليها"..

وتعقيبا على استفسار حول الأثر القانوني للفرق الذي يمكن للقارئ ملاحظته بسهولة عند المقارنة بين ما جاء في الفصل 22 من الأمر عدد 117 سالف الذكر وبين ما جاء في المرسوم عدد 33 فالمرسوم أضاف "العرائض الشعبية"  كشكل من الأشكال التي تجعل الشعب صاحب السيادة ومصدر السلطات، أضافها، إلى النواب المنتخبين أو الاستفتاء، أجاب الحبيب خضر أنه من حيث الشكل لا معنى للإطلاع على الأمر عدد 117 الذي تمت الإشارة إليه في المرسوم عدد 33 لأنه لا سلطة للأمر على المرسوم فالمرسوم في هرم النصوص القانونية يكون أعلى من الأمر لأن المرسوم يصنف ضمن مرتبة النصوص التشريعية وإن كان لا يصدر عن السلطة التشريعية لكن الأمر يصنف ضمن مرتبة النصوص الترتيبية وبالتالي هو أدنى درجة، فمنذ 25 جويلية هناك على حد وصفه فوضى النصوص.

وردا على سؤال آخر حول رأيه في الهيئة الاستشارية التي جاء بها المرسوم وتركيبتها ومهامهما مخرجاتها، لاحظ المقرر العام للدستور أنه من حيث الشكل تمت تسمية الهيئة بـ "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة" والغاية من هذه التسمية هي تثبيت الصبغة الاستشارية لهذه الهيئة حتى لا يتوهم من يشارك فيها أن له سلطة تقريرية، كما أن هناك تأكيد على فكرة جمهورية جديدة كطرح، وهو وفاء للطرح الذي استمر الرئيس في الحديث عنه منذ مدة طويلة.

وذكر خضر أن المرسوم عدد 30 لا يوحي بأننا إزاء هيئة وطنية وإنما هي هيئة مضيقة قطاعية، فهي تتركب أولا من لجنة استشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية ويرأسها عميد المحامين وفيها ممثلين تقترحهم منظمات وطنية بحساب ممثل وحيد عن كل واحدة، وهذه المنظمات هي الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري والاتحاد الوطني للمرأة التونسية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وثانيا من لجنة استشارية قانونية تتكون من عمداء كليات الحقوق والعلوم القانونية والسياسية أما اللجنة الثالثة وهي لجنة الحوار الوطني فهي في تتكون من أعضاء اللجنتين الاستشاريتين الأولى والثانية وبالتالي فإن الهيئة ليست وطنية بل هي عبارة عن لجنة قطاعية فيها عدد قليل جدا من الأعضاء، فالمرسوم تحدث عن عمداء كليات الحقوق والعلوم القانونية والسياسية لكن هناك مؤسسات جامعية مثل مدرسة العلوم القانونية بقابس لا يترأسها عميد بل مدير، وذكر خضر أنه من الغريب أيضا أن يتضمن المرسوم خطأ في تسمية اتحاد الفلاحين إذ تحدث عن ممثل عن "الاتحاد العام التونسي للفلاحة والصيد البحري" عوضا عن الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري.

شهر واحد لا يكفي

وأضاف الحبيب خضر أنه فضلا عن الملاحظات الشكلية فمن حيث الأصل، وبصرف النظر عما ذكر صلب المرسوم عدد 30 فإنه من الواضح أن ضوابط  الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة  هي نتائج الاستشارة الالكترونية لأن ما ذكر من ضوابط  في الأمر عدد 117 وخاصة الفصل 22 منه من المفروض أن نجدها في النصوص الأخرى لكن رئيس الجمهورية تجاوز تلك الضوابط وربما هو ذكرها في المرسوم عدد 117 من باب رفع اللائمة فقط لأن تلك الضوابط لم يقع الالتزام بها في ما صدر من نصوص وفي ما حصل من ممارسات في علاقة بالحقوق والحريات الأمر الذي يقيم الدليل على أن الضابط الوحيد لعمل الهيئة المرتقبة هو حصيلة الاستشارة الالكترونية وهي بالنظر إلى تمثيليتها حصيلة لا يمكن الاطمئنان لها في إعداد نص مركزي للدولة التونسية وهو الدستور.

وبين المقرر العام للدستور أنه فرضا لو أن الهيئة ستتشكل، وهو أمر مستبعد فإنها دعيت إلى القيام بمهامها في غضون شهر واحد وهذا الوقت الوجيز جدا المتاح لها غير كاف حتى وإن كان النص الذي ستشتغل عليه جاهزا، فالشهر المنصوص عليه في المرسوم لا يكفي حتى لنقاش نص جاهز، وذكر أنه يقول هذا الكلام بناء على تجربته في المجلس الوطني التأسيسي، لأن إعداد مشروع دستور انطلاقا من ورقة بيضاء يتطلب نقاشات طويلة، ولكن حسب المرسوم فإن رئيس الهيئة مطالب بتقديم تقرير نهائي لأعمال لجنة الحوار في أجل أقصاه يوم 20 جوان 2022 وقد حمل على أعضاء الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة وفق المرسوم واجب التحفظ وحفظ سر مداولات الهيئة، وهو ما يؤكد مرة أخرى على صبغتها الاستشارية لأنه منع عليها الإعلان عما أشارت به إذ لا يحق لأعضائها التصريح حول ما توصلوا إليه من أعمال وهذا بعيد كل البعد عن مبدأ التشاركية، ويرى خضر أن النصوص التي تصاغ بهذه الطريقة لا يمكن أن تمتد في الزمن وهي مرتبطة بمن قرر وضعها وتذهب بذهابه، وأوضح أنه يعني بكلامه رئيس الجمهورية.

وأشار خضر إلى أنه بالنظر إلى التمثيلية صلب اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية فمن المفروض أن تكون موسعة لكنها اقتصرت على ممثل واحد عن كل منظمة من المنظمات الوطنية الخمس وهي الرباعي الراعي للحوار إضافة إلى اتحاد المرأة، وبين أنه بصدد انتظار المواقف النهائية لهذه المنظمات مما جاء به المرسوم، وذكر أنه استغرب كيف تم تمثيل الهيئة الوطنية للمحامين في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية وليس في اللجنة القانونية والحال أن المحامين رجال قانون، وأضاف أن ما استمع إليه في حوار إذاعي مع  إبراهيم بودربالة عميد المحامين وحديثه عن تجربته الاقتصادية ينم عن عدم خبرة وفهم لما هو مطلوب من اللجنة التي سيتولى رئاستها.

أما ما سمي باللجنة القانونية وفق تعبير خضر، والتي ستتولى إعداد مشروع دستور كامل فهي مطالبة بأن تنهي أعمالها وتقدم تقريرها في اجل أقصاه أسبوع قبل 20 جوان المقبل ليتم التداول بشأنه صلب لجنة الحوار التي ستتركب في أقصى الحالات من أعضاء يتراوح عددهم بين 15 و20 شخص، وهو ما يؤشر على أن الهيئة الاستشارية ربما تولد ميتة كما أنه من غير المنطقي إعداد مشروع دستور في غضون ثلاثة أسابيع ونقاشه في غضون أسبوع فقط فالأمر مستحيل لأننا نتحدث عن دستور وليس قانون عادي، وذكر أنه في المجلس الوطني التأسيسي وبعد أن أنهت اللجان التأسيسية أعمالها كانت هناك لجنة تنسيق وصياغة وكان فيها مختصون في القانون وفي العلوم الشرعية والجيولوجيا وأطباء وأساتذة جامعيون وشباب مثلما كانت اللجان ممثلة لمختلف الاختصاصات وللمعطلين عن العمل وللنساء والشباب، وهو ما يدفعه إلى القول إن المقترح الذي سيتمخض عن المرسوم عدد 30 من المستحيل أن يكون نص مقارن لدستور الثورة وذلك فضلا عن عجزه في أن يضاهيه.

وتفاعلا مع إشارتنا في الحديث معه إلى أن العديد من الخبراء انتقدوا دستور 2014 وتفطنوا إلى كم كبير من الثغرات حتى أن هناك منهم من وصفه بدستور الحبيب خضر، بين خضر أن الدستور الذي انطلق المجلس الوطني التأسيسي في صياغته من ورقة بيضاء لا تصح نسبته لشخص، بينما النص الذي ربما أعده شخص واحد وسيعرضه على ما سمي بالهيئة الاستشارية لتنظر فيه وهي ملزمة بواجب التحفظ وحفظ سر مداولاتها فهو الذي تصح نسبته لشخص. وقال خضر إن الدستور الحالي الذي صدر سنة 2014 ليس دستور الحبيب خضر وليس دستور مصطفى بن جعفر بل دستور الشعب التونسي الذي أعده ممثلوه في المجلس الوطني التأسيسي المجلس الذي كان له الشرف في الانتماء إليه وفي أن يكون فاعلا أساسيا فيه ولكن مطلقا لا يمكن نسبة الدستور لشخصه، وأضاف خضر  أن من يقول إن الدستور الحالي فيه الكثير من الثغرات عليه أن يقدم الدليل وساعدتها يمكن معالجة الثغرات، فالدستور هو نص فيه نواقص وهو في حاجة إلى التطوير لكن هذه النواقص ليست بالخطورة التي صورها البعض، وتمسك المقرر العام للدستور بأن الخلل ليس في الدستور وإنما في الممارسة وذكر في هذا الصدد أن عدم تركيز محكمة دستورية لا يعني أن الدستور فيه أخطاء بل الخطأ في الأحزاب لأنها لم تتوافق من أجل تركيز المحكمة. ويرى خضر أن مواطن القصور ليست في الدستور وإنما في القانون الانتخابي فهذا القانون لا يسمح بفرز أغلبية قادرة على أن تحكم. وباستفساره إن كان سيبقي على نفس الدستور لو تتاح له فرصة كتابة الدستور من جديد وما هي الثغرات التي يريد تداركها بين أنه عندما تتجاوز تونس  المرحلة الحالية ويصبح هناك نقاش جدي للمنظومة القانونية والدستورية يمكن وقتها الخوض في هذه المسألة وكل شيء قابل للنقاش ثم أن الدستور مازال في عامه السابع وهو قابل للتقييم، وذكر أن ما يرصده من خلل في الدستور ليس هو المتداول بين الناس فما رصده يتعلق بنقاط فنية بالأساس وليس بالخيار المتعلق بالنظام السياسي الذي كان خيارا جماعيا وهو الخيار الأسلم في بلاد مرت بمرحلة طويلة من الحكم الفردي، فالدستور حسب رأيه قابل للتقييم ولا قداسة لذلك النص لكن يجب على الجميع احترامه.

وبين خضر أن الواضح في المرسوم عدد 33 هو أننا إزاء إعداد دستور جديد،ففي السابق كان رئيس الجمهورية مترددا فمرة يقول إنه سيتم تعديل الدستور ومرة أخرى يقول إنه سيتم وضع دستور جديد واليوم المرسوم حسم الأمر لكن بالنظر إلى الفترة الزمنية وتركيبة الهيئة الاستشارية يمكن الإشارة إلى أنها لا تسمح بإنتاج نص متوازن ويليق بأن يكون مشروع دستور الجمهورية ودستور الشعب التونسي.

وبخصوص ما أشار إليه المرسوم من أن الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة وإضافة إلى مهمتها المتمثلة في تقديم مقترح يتعلق بإعداد مشروع دستور، يمكنها  بطلب من رئيس الجمهورية، القيام بدراسات وتقديم مقترحات في المجالين السياسي والقانوني إلى جانب المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وربما المقصود بهذا الأمر صياغة مشاريع قوانين وخاصة القانون الانتخابي وقانون الأحزاب وقانون سبر الآراء وقانون الجمعيات وغيرها، يرى الحبيب خضر أن ذكر هذه الصلاحيات كان بهدف حث البعض وتشجيعه على المشاركة في لجان الهيئة أكثر منها أن تكون صلاحيات حقيقية لأنها غير واقعية بالنظر إلى المدة الزمنية القصيرة لأعمالها.

وقال خضر إن كل إنسان يحترم نفسه ويتحمل مسؤولياته التاريخية لا يمكن أن يشارك في هذه اللجان وهي قطعا ستكون لجانا هزيلة ومخرجاتها ستكون دون المستوى وحتى إن كتب لها أن تعرض على استفتاء شعبي فهو يرجح أن الشعب سيقول إنها لا ترتقي حتى إلى المستوى الذي يبرر أن يكون له رأي فيها، ولاحظ أن هناك مسألة مهمة في المرسوم لا بد من التنبيه إليها وهي أن الهيئة الاستشارية ولجانها تجتمع بمن حضر وهو ما يعني أنه حتى في صورة رفض المنظمات والعمداء المشاركة في أعمالها فيمكن لرئيسها العميد الصادق بلعيد بمعية عميد المحامين إبراهيم بدربالة القيام بالمهمة وكتابة المقترح المتعلق بالدستور بمفردهما بل يمكن لرئيس الهيئة فقط أن يقوم بالمهمة لأنه لا يوجد نصاب أدنى ولا أحد يعرف ماذا يجري داخلها بالنظر إلى واجب التحفظ وسرية المداولات، وذكر أنه من المفروض التنصيص في المرسوم على نصاب أدنى للاجتماعات لذلك نحن على حد تعبير خضر إزاء فوضى النصوص.

وأشار إلى أنه من المهم التذكير أيضا بأنه طبق الدستور، لا يمكن أن يعرض على الاستفتاء إلا نص تشريعي أو دستوري حظي بموافقة مجلس نواب الشعب فالاستفتاء في الدستور هو آلية لتحكيم الشعب وذلك إما لتعزيز القبول الذي حظي به النص من قبل البرلمان وإما لإسقاط ذلك النص الذي حظي بقبول البرلمان  ففي كل الحالات لا بد أن يحظى النص المعروض على الاستفتاء بموافقة مجلس نواب الشعب واليوم في ظل حل البرلمان لا يمكن عرض مشروع الدستور المرتقب على الاستفتاء.

وخلص خضر قائلا:" إننا اليوم خارج الدستور وخارج الشرعية الدستورية وقد قلت يوم 25 جويلية منذ أن استمعت إلى خطاب الرئيس سعيد إنه تم الخروج عن الشرعية".

سعيدة بوهلال

 الحبيب خضر لـ"الصباح": الهيئة الاستشارية من أجل الجمهورية الجديدة ستولد ميتة

ـ في غياب التنصيص على النصاب الأدنى لاجتماعات الهيئة يمكن للعميدين الصادق بلعيد وإبراهيم بودربالة كتابة مشروع الدستور بمفردهما

ـ لقد تم الخروج عن الشرعية منذ 25 جويلية وليس بعد هذا التاريخ

ـ دستور 2014 ليس دستور الحبيب خضر أو مصطفى بن جعفر وإنما هو دستور الشعب التونسي

ـ من يقول إن الدستور فيه ثغرات عليه أن يقدم لي أدلة

ـ القصور ليس في الدستور وإنما في القانون الانتخابي

تونس-الصباح

قال الحبيب خضر المقرر العام لدستور 2014 إن المرسوم عدد 30 لسنة 2022 المؤرخ في 19 ماي 2022 المتعلق بإحداث الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة فيه الكثير من الفوضى وعدم التناسق والارتجال هذا من حيث الشكل أما في حيث الأصل فإن مضامينه تشي بأن الهيئة المذكورة ستولد ميتة.

وأضاف خضر في تصريح لـ "الصباح" أنه مبدئيا وإذا تم التسليم بصحة قرار حل مجلس نواب الشعب، فإن الفصل المنطبق في تلك الصورة هو الفصل 70 من الدستور الذي يوجب أن يكون اتخاذ المراسيم في تلك الحالة باتفاق مع رئيس الحكومة، ولكن بالرجوع إلى نص المرسوم عدد 30 وتحديدا إلى الجزء الخاص بالإطلاعات، يلاحظ غياب أي إشارة إلى اتفاق مع رئيسة الحكومة، كما أنه من المفارقات الغريبة وغير المستساغة ولكنها تكاثرت في المدة الأخيرة القول في المرسوم عبارة بعد الإطلاع على الدستور والحال أن كل مقتضيات المرسوم هي تعد صريح على النص الدستوري. وأشار خضر إلى أنه على مستوى الإطلاعات فإن ما ورد في المرسوم من إشارة إلى إطلاع على الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22سبتمبر 2021 المتعلق بتدابير استثنائية وخاصة على الفصل 22، غير سليم.

ويذكر في هذا الصدد أن الفصل 22 من الأمر عدد 117 نص على أن "يتولى رئيس الجمهورية إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي ويجب أن تهدف مشاريع هذه التعديلات إلى التأسيس لنظام ديمقراطي حقيقي يكون فيه الشعب بالفعل هو صاحب السيادة ومصدر السلطات ويمارسها بواسطة نواب منتخبين أو عبر الاستفتاء ويقوم على أساس الفصل بين السلط والتوازن الفعلي بينها ويكرس دولة القانون ويضمن الحقوق والحريات العامة والفردية وتحقيق أهداف ثورة 17 ديسمبر 2010 في الشغل والحرية والكرامة الوطنية، ويعرضها رئيس الجمهورية على الاستفتاء للمصادقة عليها"..

وتعقيبا على استفسار حول الأثر القانوني للفرق الذي يمكن للقارئ ملاحظته بسهولة عند المقارنة بين ما جاء في الفصل 22 من الأمر عدد 117 سالف الذكر وبين ما جاء في المرسوم عدد 33 فالمرسوم أضاف "العرائض الشعبية"  كشكل من الأشكال التي تجعل الشعب صاحب السيادة ومصدر السلطات، أضافها، إلى النواب المنتخبين أو الاستفتاء، أجاب الحبيب خضر أنه من حيث الشكل لا معنى للإطلاع على الأمر عدد 117 الذي تمت الإشارة إليه في المرسوم عدد 33 لأنه لا سلطة للأمر على المرسوم فالمرسوم في هرم النصوص القانونية يكون أعلى من الأمر لأن المرسوم يصنف ضمن مرتبة النصوص التشريعية وإن كان لا يصدر عن السلطة التشريعية لكن الأمر يصنف ضمن مرتبة النصوص الترتيبية وبالتالي هو أدنى درجة، فمنذ 25 جويلية هناك على حد وصفه فوضى النصوص.

وردا على سؤال آخر حول رأيه في الهيئة الاستشارية التي جاء بها المرسوم وتركيبتها ومهامهما مخرجاتها، لاحظ المقرر العام للدستور أنه من حيث الشكل تمت تسمية الهيئة بـ "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة" والغاية من هذه التسمية هي تثبيت الصبغة الاستشارية لهذه الهيئة حتى لا يتوهم من يشارك فيها أن له سلطة تقريرية، كما أن هناك تأكيد على فكرة جمهورية جديدة كطرح، وهو وفاء للطرح الذي استمر الرئيس في الحديث عنه منذ مدة طويلة.

وذكر خضر أن المرسوم عدد 30 لا يوحي بأننا إزاء هيئة وطنية وإنما هي هيئة مضيقة قطاعية، فهي تتركب أولا من لجنة استشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية ويرأسها عميد المحامين وفيها ممثلين تقترحهم منظمات وطنية بحساب ممثل وحيد عن كل واحدة، وهذه المنظمات هي الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري والاتحاد الوطني للمرأة التونسية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وثانيا من لجنة استشارية قانونية تتكون من عمداء كليات الحقوق والعلوم القانونية والسياسية أما اللجنة الثالثة وهي لجنة الحوار الوطني فهي في تتكون من أعضاء اللجنتين الاستشاريتين الأولى والثانية وبالتالي فإن الهيئة ليست وطنية بل هي عبارة عن لجنة قطاعية فيها عدد قليل جدا من الأعضاء، فالمرسوم تحدث عن عمداء كليات الحقوق والعلوم القانونية والسياسية لكن هناك مؤسسات جامعية مثل مدرسة العلوم القانونية بقابس لا يترأسها عميد بل مدير، وذكر خضر أنه من الغريب أيضا أن يتضمن المرسوم خطأ في تسمية اتحاد الفلاحين إذ تحدث عن ممثل عن "الاتحاد العام التونسي للفلاحة والصيد البحري" عوضا عن الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري.

شهر واحد لا يكفي

وأضاف الحبيب خضر أنه فضلا عن الملاحظات الشكلية فمن حيث الأصل، وبصرف النظر عما ذكر صلب المرسوم عدد 30 فإنه من الواضح أن ضوابط  الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة  هي نتائج الاستشارة الالكترونية لأن ما ذكر من ضوابط  في الأمر عدد 117 وخاصة الفصل 22 منه من المفروض أن نجدها في النصوص الأخرى لكن رئيس الجمهورية تجاوز تلك الضوابط وربما هو ذكرها في المرسوم عدد 117 من باب رفع اللائمة فقط لأن تلك الضوابط لم يقع الالتزام بها في ما صدر من نصوص وفي ما حصل من ممارسات في علاقة بالحقوق والحريات الأمر الذي يقيم الدليل على أن الضابط الوحيد لعمل الهيئة المرتقبة هو حصيلة الاستشارة الالكترونية وهي بالنظر إلى تمثيليتها حصيلة لا يمكن الاطمئنان لها في إعداد نص مركزي للدولة التونسية وهو الدستور.

وبين المقرر العام للدستور أنه فرضا لو أن الهيئة ستتشكل، وهو أمر مستبعد فإنها دعيت إلى القيام بمهامها في غضون شهر واحد وهذا الوقت الوجيز جدا المتاح لها غير كاف حتى وإن كان النص الذي ستشتغل عليه جاهزا، فالشهر المنصوص عليه في المرسوم لا يكفي حتى لنقاش نص جاهز، وذكر أنه يقول هذا الكلام بناء على تجربته في المجلس الوطني التأسيسي، لأن إعداد مشروع دستور انطلاقا من ورقة بيضاء يتطلب نقاشات طويلة، ولكن حسب المرسوم فإن رئيس الهيئة مطالب بتقديم تقرير نهائي لأعمال لجنة الحوار في أجل أقصاه يوم 20 جوان 2022 وقد حمل على أعضاء الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة وفق المرسوم واجب التحفظ وحفظ سر مداولات الهيئة، وهو ما يؤكد مرة أخرى على صبغتها الاستشارية لأنه منع عليها الإعلان عما أشارت به إذ لا يحق لأعضائها التصريح حول ما توصلوا إليه من أعمال وهذا بعيد كل البعد عن مبدأ التشاركية، ويرى خضر أن النصوص التي تصاغ بهذه الطريقة لا يمكن أن تمتد في الزمن وهي مرتبطة بمن قرر وضعها وتذهب بذهابه، وأوضح أنه يعني بكلامه رئيس الجمهورية.

وأشار خضر إلى أنه بالنظر إلى التمثيلية صلب اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية فمن المفروض أن تكون موسعة لكنها اقتصرت على ممثل واحد عن كل منظمة من المنظمات الوطنية الخمس وهي الرباعي الراعي للحوار إضافة إلى اتحاد المرأة، وبين أنه بصدد انتظار المواقف النهائية لهذه المنظمات مما جاء به المرسوم، وذكر أنه استغرب كيف تم تمثيل الهيئة الوطنية للمحامين في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية وليس في اللجنة القانونية والحال أن المحامين رجال قانون، وأضاف أن ما استمع إليه في حوار إذاعي مع  إبراهيم بودربالة عميد المحامين وحديثه عن تجربته الاقتصادية ينم عن عدم خبرة وفهم لما هو مطلوب من اللجنة التي سيتولى رئاستها.

أما ما سمي باللجنة القانونية وفق تعبير خضر، والتي ستتولى إعداد مشروع دستور كامل فهي مطالبة بأن تنهي أعمالها وتقدم تقريرها في اجل أقصاه أسبوع قبل 20 جوان المقبل ليتم التداول بشأنه صلب لجنة الحوار التي ستتركب في أقصى الحالات من أعضاء يتراوح عددهم بين 15 و20 شخص، وهو ما يؤشر على أن الهيئة الاستشارية ربما تولد ميتة كما أنه من غير المنطقي إعداد مشروع دستور في غضون ثلاثة أسابيع ونقاشه في غضون أسبوع فقط فالأمر مستحيل لأننا نتحدث عن دستور وليس قانون عادي، وذكر أنه في المجلس الوطني التأسيسي وبعد أن أنهت اللجان التأسيسية أعمالها كانت هناك لجنة تنسيق وصياغة وكان فيها مختصون في القانون وفي العلوم الشرعية والجيولوجيا وأطباء وأساتذة جامعيون وشباب مثلما كانت اللجان ممثلة لمختلف الاختصاصات وللمعطلين عن العمل وللنساء والشباب، وهو ما يدفعه إلى القول إن المقترح الذي سيتمخض عن المرسوم عدد 30 من المستحيل أن يكون نص مقارن لدستور الثورة وذلك فضلا عن عجزه في أن يضاهيه.

وتفاعلا مع إشارتنا في الحديث معه إلى أن العديد من الخبراء انتقدوا دستور 2014 وتفطنوا إلى كم كبير من الثغرات حتى أن هناك منهم من وصفه بدستور الحبيب خضر، بين خضر أن الدستور الذي انطلق المجلس الوطني التأسيسي في صياغته من ورقة بيضاء لا تصح نسبته لشخص، بينما النص الذي ربما أعده شخص واحد وسيعرضه على ما سمي بالهيئة الاستشارية لتنظر فيه وهي ملزمة بواجب التحفظ وحفظ سر مداولاتها فهو الذي تصح نسبته لشخص. وقال خضر إن الدستور الحالي الذي صدر سنة 2014 ليس دستور الحبيب خضر وليس دستور مصطفى بن جعفر بل دستور الشعب التونسي الذي أعده ممثلوه في المجلس الوطني التأسيسي المجلس الذي كان له الشرف في الانتماء إليه وفي أن يكون فاعلا أساسيا فيه ولكن مطلقا لا يمكن نسبة الدستور لشخصه، وأضاف خضر  أن من يقول إن الدستور الحالي فيه الكثير من الثغرات عليه أن يقدم الدليل وساعدتها يمكن معالجة الثغرات، فالدستور هو نص فيه نواقص وهو في حاجة إلى التطوير لكن هذه النواقص ليست بالخطورة التي صورها البعض، وتمسك المقرر العام للدستور بأن الخلل ليس في الدستور وإنما في الممارسة وذكر في هذا الصدد أن عدم تركيز محكمة دستورية لا يعني أن الدستور فيه أخطاء بل الخطأ في الأحزاب لأنها لم تتوافق من أجل تركيز المحكمة. ويرى خضر أن مواطن القصور ليست في الدستور وإنما في القانون الانتخابي فهذا القانون لا يسمح بفرز أغلبية قادرة على أن تحكم. وباستفساره إن كان سيبقي على نفس الدستور لو تتاح له فرصة كتابة الدستور من جديد وما هي الثغرات التي يريد تداركها بين أنه عندما تتجاوز تونس  المرحلة الحالية ويصبح هناك نقاش جدي للمنظومة القانونية والدستورية يمكن وقتها الخوض في هذه المسألة وكل شيء قابل للنقاش ثم أن الدستور مازال في عامه السابع وهو قابل للتقييم، وذكر أن ما يرصده من خلل في الدستور ليس هو المتداول بين الناس فما رصده يتعلق بنقاط فنية بالأساس وليس بالخيار المتعلق بالنظام السياسي الذي كان خيارا جماعيا وهو الخيار الأسلم في بلاد مرت بمرحلة طويلة من الحكم الفردي، فالدستور حسب رأيه قابل للتقييم ولا قداسة لذلك النص لكن يجب على الجميع احترامه.

وبين خضر أن الواضح في المرسوم عدد 33 هو أننا إزاء إعداد دستور جديد،ففي السابق كان رئيس الجمهورية مترددا فمرة يقول إنه سيتم تعديل الدستور ومرة أخرى يقول إنه سيتم وضع دستور جديد واليوم المرسوم حسم الأمر لكن بالنظر إلى الفترة الزمنية وتركيبة الهيئة الاستشارية يمكن الإشارة إلى أنها لا تسمح بإنتاج نص متوازن ويليق بأن يكون مشروع دستور الجمهورية ودستور الشعب التونسي.

وبخصوص ما أشار إليه المرسوم من أن الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة وإضافة إلى مهمتها المتمثلة في تقديم مقترح يتعلق بإعداد مشروع دستور، يمكنها  بطلب من رئيس الجمهورية، القيام بدراسات وتقديم مقترحات في المجالين السياسي والقانوني إلى جانب المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وربما المقصود بهذا الأمر صياغة مشاريع قوانين وخاصة القانون الانتخابي وقانون الأحزاب وقانون سبر الآراء وقانون الجمعيات وغيرها، يرى الحبيب خضر أن ذكر هذه الصلاحيات كان بهدف حث البعض وتشجيعه على المشاركة في لجان الهيئة أكثر منها أن تكون صلاحيات حقيقية لأنها غير واقعية بالنظر إلى المدة الزمنية القصيرة لأعمالها.

وقال خضر إن كل إنسان يحترم نفسه ويتحمل مسؤولياته التاريخية لا يمكن أن يشارك في هذه اللجان وهي قطعا ستكون لجانا هزيلة ومخرجاتها ستكون دون المستوى وحتى إن كتب لها أن تعرض على استفتاء شعبي فهو يرجح أن الشعب سيقول إنها لا ترتقي حتى إلى المستوى الذي يبرر أن يكون له رأي فيها، ولاحظ أن هناك مسألة مهمة في المرسوم لا بد من التنبيه إليها وهي أن الهيئة الاستشارية ولجانها تجتمع بمن حضر وهو ما يعني أنه حتى في صورة رفض المنظمات والعمداء المشاركة في أعمالها فيمكن لرئيسها العميد الصادق بلعيد بمعية عميد المحامين إبراهيم بدربالة القيام بالمهمة وكتابة المقترح المتعلق بالدستور بمفردهما بل يمكن لرئيس الهيئة فقط أن يقوم بالمهمة لأنه لا يوجد نصاب أدنى ولا أحد يعرف ماذا يجري داخلها بالنظر إلى واجب التحفظ وسرية المداولات، وذكر أنه من المفروض التنصيص في المرسوم على نصاب أدنى للاجتماعات لذلك نحن على حد تعبير خضر إزاء فوضى النصوص.

وأشار إلى أنه من المهم التذكير أيضا بأنه طبق الدستور، لا يمكن أن يعرض على الاستفتاء إلا نص تشريعي أو دستوري حظي بموافقة مجلس نواب الشعب فالاستفتاء في الدستور هو آلية لتحكيم الشعب وذلك إما لتعزيز القبول الذي حظي به النص من قبل البرلمان وإما لإسقاط ذلك النص الذي حظي بقبول البرلمان  ففي كل الحالات لا بد أن يحظى النص المعروض على الاستفتاء بموافقة مجلس نواب الشعب واليوم في ظل حل البرلمان لا يمكن عرض مشروع الدستور المرتقب على الاستفتاء.

وخلص خضر قائلا:" إننا اليوم خارج الدستور وخارج الشرعية الدستورية وقد قلت يوم 25 جويلية منذ أن استمعت إلى خطاب الرئيس سعيد إنه تم الخروج عن الشرعية".

سعيدة بوهلال

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews