إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

يسمح للحكومة بإدارة نفقاتها الأساسية ودعم القطاعات الحيوية.. انتعاش قياسي في الحساب الجاري للخزينة العامة بأكثر من 2500 مليون دينار

سجل الحساب الجاري للخزينة العامة للبلاد التونسية، أمس، ارتفاعا قياسيا ليبلغ 2569 مليون دينار، وهو تطور لافت في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد منذ سنوات، وكانت آخر فترة شهد فيها الحساب الجاري ارتفاعا قياسيا في 17 فيفري 2024 حيث بلغ 4657 مليون دينار.

ويعكس ارتفاع الحساب الجاري للخزينة العامة بشكل أساسي التحسن في السيولة المالية المتاحة للحكومة.

وشهدت تونس في الفترة الأخيرة جهودًا مكثفة لتعزيز تعبئة الموارد الضريبية، سواء من خلال إصلاح النظام الضريبي أو عبر تحسين آليات التحصيل. وقد أدت هذه الجهود إلى زيادة الإيرادات الضريبية، وخاصة من القطاعات الاقتصادية الكبرى مثل الصناعات التحويلية، القطاع السياحي، والقطاع التجاري. كما أن حملات مكافحة التهرب الضريبي قد أثمرت تحسنا شاملا في الإيرادات. وشهد الحساب الجاري للخزينة العامة للبلاد التونسية تقلبات كبيرة في السنوات الأخيرة، حيث سجل أسوأ فتراته بنهاية سنة 2021، عندما تراجعت الموارد المالية إلى 577.4 مليون دينار فقط في شهر ديسمبر، مقارنة بـ3.2 مليار دينار خلال نفس الفترة من سنة 2020. ويعود هذا التراجع الكبير بشكل أساسي إلى التزامات تونس بسداد ديونها الخارجية، وهي التزامات بدأت منذ عام 2021 واستمرت بوتيرة متصاعدة خلال عام 2024. ورغم هذه التحديات، سجل الحساب الجاري للخزينة العامة في فترات متقطعة بعض الارتفاعات القياسية، حيث تمكن من تجاوز حاجز 2.6 مليار دينار في مناسبات مختلفة.

زيادة تدفقات التمويل الخارجي

 وساهمت القروض والمساعدات الخارجية التي حصلت عليها تونس من شركائها الدوليين، في تعزيز الحساب الجاري. هذه التدفقات المالية أتت غالبًا في إطار برامج دعم اقتصادي تهدف إلى إنعاش الاقتصاد التونسي، مع التركيز على تمويل مشاريع التنمية والبنية التحتية. كما شهد قطاع السياحة في تونس انتعاشًا ملحوظًا بعد سنوات من الركود بسبب الأزمات السياسية وجائحة كورونا، وعودة السياح بأعداد كبيرة خلال موسم 2024-2025 ليساهم بدوره في زيادة إيرادات الدولة من الضرائب والرسوم المفروضة على الخدمات السياحية، إضافة الى ارتفاع تحويلات التونسيين بالخارج.

كما ساهم تحسن أداء القطاع التصديري، وخاصة في مجالات الصناعات الغذائية والمنتجات الزراعية، في تحسين موارد الدولة من النقد الأجنبي، بالإضافة إلى الأداء القوي للقطاع الصناعي، والذي عزز موارد الدولة وأدى إلى تحسين الحساب الجاري، وتزامن ذلك مع تبني الحكومة إجراءات تقشفية شملت تخفيض الإنفاق العام غير الضروري، وترشيد النفقات الإدارية، وساهم هذا التوجه في تقليص العجز المالي، مما جعل الحساب الجاري أكثر استقرارًا.

تعزيز استقرار المالية العامة

ويحمل ارتفاع الحساب الجاري للخزينة العامة في طياته العديد من الانعكاسات الاقتصادية، بعضها إيجابي وبعضها يتطلب إدارة حذرة لضمان استدامته، ومن أبرز ايجابياته أنه يساهم بشكل مباشر في تحسين استقرار المالية العامة، حيث يمنح الحكومة مساحة مالية أكبر لتغطية النفقات الأساسية مثل الرواتب والدعم الاجتماعي. كما يقلل من الحاجة إلى الاقتراض قصير الأجل، مما يخفف من الضغط على المديونية العامة، كما أن تحقيق فائض يعكس التزام الحكومة بإدارة المال العام بكفاءة، مما يسمح بتحسين تصنيف تونس الائتماني على المستوى الدولي، ويفتح آفاقًا للحصول على تمويلات خارجية بنسب فائدة معقولة.

الى جانب ذلك، فإن زيادة الموارد المالية المتاحة للخزينة توفر فرصة أكبر للاستثمار في قطاعات حيوية مثل الصحة، التعليم، والبنية التحتية. هذه الاستثمارات ضرورية لدفع عجلة النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة. كما يمكن أن يؤدي تحسن الحساب الجاري إلى تعزيز قيمة الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية، خاصة إذا كان مرتبطًا بزيادة التدفقات النقدية الأجنبية، وهو ما يعزز القدرة الشرائية للمواطنين، ويخفف من الضغوط التضخمية. كما يسمح بدعم الأسر ذات الدخل المحدود من خلال برامج الحماية الاجتماعية، وهو ما يساعد على تخفيف الفقر وتقليص الفجوة الاجتماعية.

تحسين مناخ الأعمال

ولضمان استمرار التحسن في الحساب الجاري للخزينة العامة، يؤكد عدد من خبراء الاقتصاد لـ»الصباح» على ضرورة أن تعمل الحكومة على تبني سياسات اقتصادية متوازنة، من بينها تعزيز الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتحسين مناخ الأعمال لجذب المزيد من الاستثمارات، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة، وتوسيع القاعدة الضريبية، من خلال إدماج الاقتصاد غير الرسمي وتعزيز الشفافية في المعاملات المالية، إضافة الى التركيز على الإنتاجية، ودعم القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة لتحسين الأداء التصديري، وتحسين إدارة الدين العام، والحرص على توجيه القروض الخارجية نحو مشاريع تنموية قادرة على توليد عوائد مستدامة، فضلا عن تعزيز الرقابة المالية لضمان حسن إدارة الموارد المالية ومنع إهدارها في مشاريع لا تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني .

ويعد ارتفاع الحساب الجاري للخزينة العامة التونسية إلى 2569 مليون دينار بعد سلسلة طويلة من التذبذب، مؤشرًا إيجابيًا، يعكس تحسنًا في الأداء المالي للدولة. ومع ذلك، فإن استدامة هذا التحسن تتطلب تخطيطًا اقتصاديًا محكمًا وإدارة فعالة للموارد المالية، وعلى الحكومة التونسية الاستفادة من هذا التحسن لتعزيز الاستثمارات الإنتاجية، ودعم الفئات الهشة، وتقوية الاقتصاد الوطني لمواجهة التحديات المستقبلية.

سفيان المهداوي

يسمح للحكومة بإدارة نفقاتها الأساسية ودعم القطاعات الحيوية..   انتعاش قياسي في الحساب الجاري للخزينة العامة بأكثر من 2500 مليون دينار

سجل الحساب الجاري للخزينة العامة للبلاد التونسية، أمس، ارتفاعا قياسيا ليبلغ 2569 مليون دينار، وهو تطور لافت في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد منذ سنوات، وكانت آخر فترة شهد فيها الحساب الجاري ارتفاعا قياسيا في 17 فيفري 2024 حيث بلغ 4657 مليون دينار.

ويعكس ارتفاع الحساب الجاري للخزينة العامة بشكل أساسي التحسن في السيولة المالية المتاحة للحكومة.

وشهدت تونس في الفترة الأخيرة جهودًا مكثفة لتعزيز تعبئة الموارد الضريبية، سواء من خلال إصلاح النظام الضريبي أو عبر تحسين آليات التحصيل. وقد أدت هذه الجهود إلى زيادة الإيرادات الضريبية، وخاصة من القطاعات الاقتصادية الكبرى مثل الصناعات التحويلية، القطاع السياحي، والقطاع التجاري. كما أن حملات مكافحة التهرب الضريبي قد أثمرت تحسنا شاملا في الإيرادات. وشهد الحساب الجاري للخزينة العامة للبلاد التونسية تقلبات كبيرة في السنوات الأخيرة، حيث سجل أسوأ فتراته بنهاية سنة 2021، عندما تراجعت الموارد المالية إلى 577.4 مليون دينار فقط في شهر ديسمبر، مقارنة بـ3.2 مليار دينار خلال نفس الفترة من سنة 2020. ويعود هذا التراجع الكبير بشكل أساسي إلى التزامات تونس بسداد ديونها الخارجية، وهي التزامات بدأت منذ عام 2021 واستمرت بوتيرة متصاعدة خلال عام 2024. ورغم هذه التحديات، سجل الحساب الجاري للخزينة العامة في فترات متقطعة بعض الارتفاعات القياسية، حيث تمكن من تجاوز حاجز 2.6 مليار دينار في مناسبات مختلفة.

زيادة تدفقات التمويل الخارجي

 وساهمت القروض والمساعدات الخارجية التي حصلت عليها تونس من شركائها الدوليين، في تعزيز الحساب الجاري. هذه التدفقات المالية أتت غالبًا في إطار برامج دعم اقتصادي تهدف إلى إنعاش الاقتصاد التونسي، مع التركيز على تمويل مشاريع التنمية والبنية التحتية. كما شهد قطاع السياحة في تونس انتعاشًا ملحوظًا بعد سنوات من الركود بسبب الأزمات السياسية وجائحة كورونا، وعودة السياح بأعداد كبيرة خلال موسم 2024-2025 ليساهم بدوره في زيادة إيرادات الدولة من الضرائب والرسوم المفروضة على الخدمات السياحية، إضافة الى ارتفاع تحويلات التونسيين بالخارج.

كما ساهم تحسن أداء القطاع التصديري، وخاصة في مجالات الصناعات الغذائية والمنتجات الزراعية، في تحسين موارد الدولة من النقد الأجنبي، بالإضافة إلى الأداء القوي للقطاع الصناعي، والذي عزز موارد الدولة وأدى إلى تحسين الحساب الجاري، وتزامن ذلك مع تبني الحكومة إجراءات تقشفية شملت تخفيض الإنفاق العام غير الضروري، وترشيد النفقات الإدارية، وساهم هذا التوجه في تقليص العجز المالي، مما جعل الحساب الجاري أكثر استقرارًا.

تعزيز استقرار المالية العامة

ويحمل ارتفاع الحساب الجاري للخزينة العامة في طياته العديد من الانعكاسات الاقتصادية، بعضها إيجابي وبعضها يتطلب إدارة حذرة لضمان استدامته، ومن أبرز ايجابياته أنه يساهم بشكل مباشر في تحسين استقرار المالية العامة، حيث يمنح الحكومة مساحة مالية أكبر لتغطية النفقات الأساسية مثل الرواتب والدعم الاجتماعي. كما يقلل من الحاجة إلى الاقتراض قصير الأجل، مما يخفف من الضغط على المديونية العامة، كما أن تحقيق فائض يعكس التزام الحكومة بإدارة المال العام بكفاءة، مما يسمح بتحسين تصنيف تونس الائتماني على المستوى الدولي، ويفتح آفاقًا للحصول على تمويلات خارجية بنسب فائدة معقولة.

الى جانب ذلك، فإن زيادة الموارد المالية المتاحة للخزينة توفر فرصة أكبر للاستثمار في قطاعات حيوية مثل الصحة، التعليم، والبنية التحتية. هذه الاستثمارات ضرورية لدفع عجلة النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة. كما يمكن أن يؤدي تحسن الحساب الجاري إلى تعزيز قيمة الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية، خاصة إذا كان مرتبطًا بزيادة التدفقات النقدية الأجنبية، وهو ما يعزز القدرة الشرائية للمواطنين، ويخفف من الضغوط التضخمية. كما يسمح بدعم الأسر ذات الدخل المحدود من خلال برامج الحماية الاجتماعية، وهو ما يساعد على تخفيف الفقر وتقليص الفجوة الاجتماعية.

تحسين مناخ الأعمال

ولضمان استمرار التحسن في الحساب الجاري للخزينة العامة، يؤكد عدد من خبراء الاقتصاد لـ»الصباح» على ضرورة أن تعمل الحكومة على تبني سياسات اقتصادية متوازنة، من بينها تعزيز الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتحسين مناخ الأعمال لجذب المزيد من الاستثمارات، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة، وتوسيع القاعدة الضريبية، من خلال إدماج الاقتصاد غير الرسمي وتعزيز الشفافية في المعاملات المالية، إضافة الى التركيز على الإنتاجية، ودعم القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة لتحسين الأداء التصديري، وتحسين إدارة الدين العام، والحرص على توجيه القروض الخارجية نحو مشاريع تنموية قادرة على توليد عوائد مستدامة، فضلا عن تعزيز الرقابة المالية لضمان حسن إدارة الموارد المالية ومنع إهدارها في مشاريع لا تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني .

ويعد ارتفاع الحساب الجاري للخزينة العامة التونسية إلى 2569 مليون دينار بعد سلسلة طويلة من التذبذب، مؤشرًا إيجابيًا، يعكس تحسنًا في الأداء المالي للدولة. ومع ذلك، فإن استدامة هذا التحسن تتطلب تخطيطًا اقتصاديًا محكمًا وإدارة فعالة للموارد المالية، وعلى الحكومة التونسية الاستفادة من هذا التحسن لتعزيز الاستثمارات الإنتاجية، ودعم الفئات الهشة، وتقوية الاقتصاد الوطني لمواجهة التحديات المستقبلية.

سفيان المهداوي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews