إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

«الفتنة» و«رقوج» و«صاحبك راجل» الأكثر متابعة.. هل تعكس نسب المشاهدة العالية نجاح الأعمال الدرامية لرمضان هذا العام؟

حقق كل من مسلسل «الفتنة» على قناة الحوار التونسي، وسيتكوم «صاحبك راجل»، ومسلسل «رقوج» على قناة نسمة، وكلها عرضت في النصف الأول من شهر رمضان لهذا العام، نسب مشاهدة عالية، وأقبل الجمهور على مشاهدتها بكثافة.

السؤال الآن: هل تعني نسب المشاهدة العالية آليا نجاح هذه الأعمال الدرامية في تقديم مضمون مقنع ورؤية جمالية مجددة، وتمكنت من كسر تلك الصورة النمطية حول الدراما التلفزيونية التونسية وجعلتها قادرة على المنافسة العربية على الأقل في شهر رمضان الذي تشهد فيه تونس أكثر من مقترح، خلافًا لبقية أشهر السنة حيث تكون الحركة شبه منعدمة؟

طبعًا، لا يمكن أن نغبط حق الأعمال الثلاثة في أنها نجحت في استقطاب المشاهدين وفي شد انتباههم تقريبًا من أول حلقة إلى آخر حلقة.

بالنسبة لمسلسل «الفتنة» للمخرجة سوسن الجمني (قناة الحوار التونسي)، فقد اعتمد على أحداث فيها نوع من التشويق، وقد دارت الأحداث حول موضوع يهم التونسيين عن قرب وهو موضوع الميراث الذي كثيرًا ما يخلق مشاكل تصل إلى حد الفتنة بين الإخوة والورثة عمومًا. أحداث المسلسل تدور حول عائلة ميسورة وتملك منازل وأراضٍ وعقارات، إضافة إلى المحلات التجارية. انتحر الوالد وترك عائلة تتكون من الجدة وثلاثة أبناء (ولدان وبنت)، وسرعان ما نشبت الخلافات بين الإخوة حول التركة رغم أنها هامة وتكفي الجميع وأكثر. وهنا تكمن المأساة في علاقة بالميراث حيث يزداد الطمع كلما زادت الأملاك والأموال.

طبعًا، تتفرع الأحداث وتفتح المخرجة نوافذ على قضايا أخرى، لكن تبقى أسرة السلامي التي كانت تعيش في منزل فخم في مدينة تونس العتيقة هي التي تتحكم في خيوط اللعبة، وكل الأحداث تظل مرتبطة بهذا أو ذاك من أفراد هذه الأسرة.

على مستوى الأداء، يمكن القول إن عملية الكاستينغ كانت موفقة إلى حد ما، وكان توزيع الأدوار جيدًا، وشاركت أسماء هامة في المسلسل (إلى جانب الأسماء الجديدة والشابة)، ونذكر منها بطبيعة الحال منى نور الدين، ولسعد بن عبد الله، وريم الرياحي، ونجيب بلقاضي، ونجلاء بن عبد الله وغيرهم.

بعض شخصيات المسلسل لفتت الانتباه، ومن بين هؤلاء نذكر بالخصوص الممثل محمد علي بن جمعة الذي قدم شخصية إدريس، وأيضًا محمد مراد الذي قدم شخصية طه في نفس المسلسل. ومن الممثلات نذكر بالخصوص عزة سليمان في شخصية شامة، وزميلتها الممثلة غادة شاكا التي قدمت شخصية حلومة، وهما من الأسماء الصاعدة والواعدة ويمكن أن تتطور تجربتهما بشكل جيد خاصة إذا ما توفرت لهما المساحة الكافية والأحداث التي تدفعهما إلى تقديم أفضل ما لديهما.

أما بالنسبة لمسلسل «رقوج الكنز» الذي بثته قناة نسمة في تتمة للجزء الأول الذي تم بثه في رمضان الماضي، فهناك تقريبًا شبه إجماع حول أهمية هذا العمل، ولاحظنا تفاعلًا كبيرًا مع الأحداث والشخصيات على مواقع التواصل الاجتماعي.

«رقوج الكنز» هو مسلسل فيه المغامرة والتشويق، وقد وظف المخرج عبد الحميد بوشناق تقنيات أفلام الحركة، وبرزت فيه الموسيقى التصويرية بشكل لافت لجماليتها وانسجامها مع الأحداث. وهذه الأحداث تدور في قرية ريفية بتونس حيث يبحث الجميع عن كنز مفقود، ويتعرضون في الأثناء لمواقف مليئة بالغموض ويعيشون صراعات، البعض منها يكون داميًا. المسلسل يتميز بالتوغل في الرمزية وفيه تحضر الحكايات القديمة والأساطير جنبًا إلى جنب مع الحقائق التاريخية، وفيه مقابلة بين القيم الأصيلة والقيم المشوهة والدخيلة. وقد كانت الحلقة الأخيرة معبرة جدًا خاصة أنها فتحت نافذة على تاريخنا غير البعيد، ونقصد الأحداث التي مهدت للثورة.

وفيما يتعلق بالأداء، فقد نال جل الممثلين التنويه عن أدوارهم، غير أن بعض الشخصيات برزت أكثر لطرافتها. نذكر بالخصوص الممثل صابر الوسلاتي الذي قدم شخصية الموظف الإداري الانتهازي بطريقة قريبة جدًا من الواقع. نتحدث طبعًا عن الديناري الذي أصبح حديث الجماهير لمواقفه التي تجمع بين الفكاهة والغرابة، وقد أتقن الممثل الشخصية بطريقة تثير الإعجاب. طبعًا، لا يحجب الديناري العديد من الشخصيات الأخرى التي تقمصها ممثلون أكفاء باقتدار ومن بينهم فاطمة بن سعيدان، والبحري الرحالي، وفاطمة صفر، وهالة عياد، وأروى رحالي وغيرهم. فأداء الممثلين يعتبر فعلاً أحد عناصر القوة في «رقوج الكنز».

أما سلسلة «صاحبك راجل» (كان فيلمًا وتم تحويله إلى مسلسل)، فهي من النوع الكوميدي، وهي من إخراج قيس شقير، وتقمص فيها أدوار البطولة كل من ياسين بن قمرة، وكريم الغربي، ودرة زروق، وسفيان الداهش، مع مشاركة لكل من كوثر الباردي، ويونس الفارحي، ولبنى السديري. الأحداث تدور حول شرطي منعدم الأخلاق استغل حادثة تعرض زميله إلى حادثة مؤلمة ليحاول أن يستولي على كل شيء مهم بالنسبة له، بما في ذلك أسرته حيث تزوج من زوجة الشرطي الذي كان يتميز بخصال مناقضة له تمامًا، فهو يرمز إلى الجدية والصرامة في حين يرمز هو إلى الطيش والتهور، ولا يتوقف كثيرًا عند مسألة الأخلاق. الزوجة طبعًا، وهي أم لطفلة، كانت تعتقد أن زوجها قد قتل قبل أن يظهر الزوج في آخر الحلقات ويتبين أنه كان ضحية لعصابة إرهابية احتجزته لسنوات. وعلى مأساويتها، فإن الأحداث تدور في قالب هزلي، وقد تأثر العمل ككل بالطابع الهزلي للممثل كريم الغربي الذي قدم شخصية الشرطي الانتهازي بطريقة تجمع بين الهزل والجد، وجلبت له على ما يبدو إعجاب الجمهور.

قلنا إذن إننا لا نريد أن نغبط حق الأعمال الدرامية المذكورة التي حظيت بنسبة مشاهدة كبيرة ووجدت ترحابًا واضحًا على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت مهمة جدًا في أيامنا هذه لمعرفة نوعية ردود أفعال الجمهور، لكن هل يكفي كل ذلك لنجزم بأن دراما رمضان، وعلى الأقل من خلال الأعمال التي ذكرناها، قد توفقت في الجمع بين النجاح الجماهيري والإقناع من حيث المضامين وأيضًا من خلال أدوات العمل الفنية والمقترحات الجمالية؟

يصعب بطبيعة الحال أن نجيب بنعم، لأنه إن نجحت هذه الأعمال في جوانب، فإنها لم توفق كثيرًا من منظورنا في جوانب أخرى.

فإن سلمنا بأن الأداء عمومًا وعملية توزيع الأدوار كانت جيدة، خاصة في ظل معطى مهم جدًا وهو أن الساحة التمثيلية في تونس باتت تتدعم باستمرار بأسماء جديدة سرعان ما تفرض وجودها، ويمكن القول إن لدينا اليوم «قاعدة» مهمة من الممثلين يمكنها أن تضطلع بأدوار متنوعة وأن تبدع فيها، وأن تساهم في نجاح أي عمل مهما كانت قوته، فإن السيناريو والحوار يبقى من أبرز نقاط الضعف في أعمالنا.

بالنسبة لمسلسل «الفتنة» مثلًا، كانت الشخصيات توحي بأنها تدور في حلقة مفرغة، وباستثناء شخصية إدريس الذي حظي بمساحة واسعة من الحركة – مع ذلك نشعر أحيانًا أنه يكرر نفسه – فإن بقية الشخصيات ظلت مكبلة وتدور في حركة جد ضيقة، وكان بالإمكان أن يكون الأداء أفضل لو منحت مساحة كافية ولو أطلقت المخرجة للبعض أجنحتهم. منى نور الدين مثلًا، ورغم إطراء الجميع لها، لم تقدم أفضل أدوارها، وكان حضورها غير مؤثر، حتى إنه يمكن الاستغناء عنها بدون أن يفقد العمل قيمته. ريم الرياحي بدورها لم تبرز بشكل جيد، وأيضًا نجلاء بن عبد الله رغم أنها قدمت شخصية من أنواع الشر التي عادة ما تكون فرص نجاحها أكبر نظرًا لدورها في إثارة حماسة المتفرج وإثارة مشاعر الكراهية لديه. نجيب بلقاضي أيضًا وقد قدم شخصية الزوج المخدوع لم يبرز بشكل كبير، وكانت شخصيته طيلة أحداث المسلسل باهتة. أما الحوار فكان غالبًا مبتورًا ولا يسمح للمثل بأن يكشف عن طاقات أكبر، دون أن ننسى الحلقة الأخيرة التي اختارت المخرجة أن تكون من نوعية النهايات السعيدة دون أن يكون ذلك مقنعًا، بل يمكن القول إنها نهاية من نوعية «هذا ما يريده الجمهور» لا غير.

بالنسبة لمسلسل «رقوج»، ورغم قيمة العمل ورغم الأداء المقنع للممثلين ورغم قوة السيناريو وجمال الموسيقى التصويرية، ومع ذلك تشعر أحيانًا بثقل يعكر صفو الفرجة. تشعر أحيانًا أن المشاهد وكذلك الحلقة ككل تطول أكثر من اللازم إلى درجة الملل، غير أن الشيء المهم في مسلسل «رقوج» هو أن المشاهد يقبل على مشاهدة العمل عن قناعة. بمعنى آخر، يجب أن تحب الفانتازيا والمغامرة والأساطير والحكايات الشعبية، وذلك الربط بين الحاضر والماضي كي تواظب على مشاهدة المسلسل. وعلى ما يبدو توجد هذه النوعية من الجماهير في تونس وبكثافة.

أما فيما يتعلق بسلسلة «صاحبك راجل»، فنعتقد ببساطة أنه غلب عليها الهزل، وهي عمل من النوع التجاري، ولا يمكن أن يكون نموذجًا للأعمال الكوميدية الجيدة. صحيح بذل الممثل كريم الغربي جهدًا كبيرًا للإقناع، وبرز الممثل سفيان الداهش كممثل كوميدي جيد، لكن يبقى العمل من فئة الأعمال الهزلية الخفيفة التي تصنع للاستهلاك السريع. فما زلنا على ما يبدو لم نصل إلى المعادلة الصعبة تلك التي تجعلنا نتوفق في تقديم عمل كوميدي يجمع بين جودة الأداء والمضمون، ويقدم في قالب كوميدي يبهج المشاهد بعيدًا عن القوالب الفكاهية الجاهزة والوضعيات الهزلية السطحية والبائسة أحيانًا والسخيفة في أحيان أخرى. عن الكوميديا الهادفة نتحدث.

حياة السايب

«الفتنة» و«رقوج» و«صاحبك راجل» الأكثر متابعة..   هل تعكس نسب المشاهدة العالية نجاح الأعمال الدرامية لرمضان هذا العام؟

حقق كل من مسلسل «الفتنة» على قناة الحوار التونسي، وسيتكوم «صاحبك راجل»، ومسلسل «رقوج» على قناة نسمة، وكلها عرضت في النصف الأول من شهر رمضان لهذا العام، نسب مشاهدة عالية، وأقبل الجمهور على مشاهدتها بكثافة.

السؤال الآن: هل تعني نسب المشاهدة العالية آليا نجاح هذه الأعمال الدرامية في تقديم مضمون مقنع ورؤية جمالية مجددة، وتمكنت من كسر تلك الصورة النمطية حول الدراما التلفزيونية التونسية وجعلتها قادرة على المنافسة العربية على الأقل في شهر رمضان الذي تشهد فيه تونس أكثر من مقترح، خلافًا لبقية أشهر السنة حيث تكون الحركة شبه منعدمة؟

طبعًا، لا يمكن أن نغبط حق الأعمال الثلاثة في أنها نجحت في استقطاب المشاهدين وفي شد انتباههم تقريبًا من أول حلقة إلى آخر حلقة.

بالنسبة لمسلسل «الفتنة» للمخرجة سوسن الجمني (قناة الحوار التونسي)، فقد اعتمد على أحداث فيها نوع من التشويق، وقد دارت الأحداث حول موضوع يهم التونسيين عن قرب وهو موضوع الميراث الذي كثيرًا ما يخلق مشاكل تصل إلى حد الفتنة بين الإخوة والورثة عمومًا. أحداث المسلسل تدور حول عائلة ميسورة وتملك منازل وأراضٍ وعقارات، إضافة إلى المحلات التجارية. انتحر الوالد وترك عائلة تتكون من الجدة وثلاثة أبناء (ولدان وبنت)، وسرعان ما نشبت الخلافات بين الإخوة حول التركة رغم أنها هامة وتكفي الجميع وأكثر. وهنا تكمن المأساة في علاقة بالميراث حيث يزداد الطمع كلما زادت الأملاك والأموال.

طبعًا، تتفرع الأحداث وتفتح المخرجة نوافذ على قضايا أخرى، لكن تبقى أسرة السلامي التي كانت تعيش في منزل فخم في مدينة تونس العتيقة هي التي تتحكم في خيوط اللعبة، وكل الأحداث تظل مرتبطة بهذا أو ذاك من أفراد هذه الأسرة.

على مستوى الأداء، يمكن القول إن عملية الكاستينغ كانت موفقة إلى حد ما، وكان توزيع الأدوار جيدًا، وشاركت أسماء هامة في المسلسل (إلى جانب الأسماء الجديدة والشابة)، ونذكر منها بطبيعة الحال منى نور الدين، ولسعد بن عبد الله، وريم الرياحي، ونجيب بلقاضي، ونجلاء بن عبد الله وغيرهم.

بعض شخصيات المسلسل لفتت الانتباه، ومن بين هؤلاء نذكر بالخصوص الممثل محمد علي بن جمعة الذي قدم شخصية إدريس، وأيضًا محمد مراد الذي قدم شخصية طه في نفس المسلسل. ومن الممثلات نذكر بالخصوص عزة سليمان في شخصية شامة، وزميلتها الممثلة غادة شاكا التي قدمت شخصية حلومة، وهما من الأسماء الصاعدة والواعدة ويمكن أن تتطور تجربتهما بشكل جيد خاصة إذا ما توفرت لهما المساحة الكافية والأحداث التي تدفعهما إلى تقديم أفضل ما لديهما.

أما بالنسبة لمسلسل «رقوج الكنز» الذي بثته قناة نسمة في تتمة للجزء الأول الذي تم بثه في رمضان الماضي، فهناك تقريبًا شبه إجماع حول أهمية هذا العمل، ولاحظنا تفاعلًا كبيرًا مع الأحداث والشخصيات على مواقع التواصل الاجتماعي.

«رقوج الكنز» هو مسلسل فيه المغامرة والتشويق، وقد وظف المخرج عبد الحميد بوشناق تقنيات أفلام الحركة، وبرزت فيه الموسيقى التصويرية بشكل لافت لجماليتها وانسجامها مع الأحداث. وهذه الأحداث تدور في قرية ريفية بتونس حيث يبحث الجميع عن كنز مفقود، ويتعرضون في الأثناء لمواقف مليئة بالغموض ويعيشون صراعات، البعض منها يكون داميًا. المسلسل يتميز بالتوغل في الرمزية وفيه تحضر الحكايات القديمة والأساطير جنبًا إلى جنب مع الحقائق التاريخية، وفيه مقابلة بين القيم الأصيلة والقيم المشوهة والدخيلة. وقد كانت الحلقة الأخيرة معبرة جدًا خاصة أنها فتحت نافذة على تاريخنا غير البعيد، ونقصد الأحداث التي مهدت للثورة.

وفيما يتعلق بالأداء، فقد نال جل الممثلين التنويه عن أدوارهم، غير أن بعض الشخصيات برزت أكثر لطرافتها. نذكر بالخصوص الممثل صابر الوسلاتي الذي قدم شخصية الموظف الإداري الانتهازي بطريقة قريبة جدًا من الواقع. نتحدث طبعًا عن الديناري الذي أصبح حديث الجماهير لمواقفه التي تجمع بين الفكاهة والغرابة، وقد أتقن الممثل الشخصية بطريقة تثير الإعجاب. طبعًا، لا يحجب الديناري العديد من الشخصيات الأخرى التي تقمصها ممثلون أكفاء باقتدار ومن بينهم فاطمة بن سعيدان، والبحري الرحالي، وفاطمة صفر، وهالة عياد، وأروى رحالي وغيرهم. فأداء الممثلين يعتبر فعلاً أحد عناصر القوة في «رقوج الكنز».

أما سلسلة «صاحبك راجل» (كان فيلمًا وتم تحويله إلى مسلسل)، فهي من النوع الكوميدي، وهي من إخراج قيس شقير، وتقمص فيها أدوار البطولة كل من ياسين بن قمرة، وكريم الغربي، ودرة زروق، وسفيان الداهش، مع مشاركة لكل من كوثر الباردي، ويونس الفارحي، ولبنى السديري. الأحداث تدور حول شرطي منعدم الأخلاق استغل حادثة تعرض زميله إلى حادثة مؤلمة ليحاول أن يستولي على كل شيء مهم بالنسبة له، بما في ذلك أسرته حيث تزوج من زوجة الشرطي الذي كان يتميز بخصال مناقضة له تمامًا، فهو يرمز إلى الجدية والصرامة في حين يرمز هو إلى الطيش والتهور، ولا يتوقف كثيرًا عند مسألة الأخلاق. الزوجة طبعًا، وهي أم لطفلة، كانت تعتقد أن زوجها قد قتل قبل أن يظهر الزوج في آخر الحلقات ويتبين أنه كان ضحية لعصابة إرهابية احتجزته لسنوات. وعلى مأساويتها، فإن الأحداث تدور في قالب هزلي، وقد تأثر العمل ككل بالطابع الهزلي للممثل كريم الغربي الذي قدم شخصية الشرطي الانتهازي بطريقة تجمع بين الهزل والجد، وجلبت له على ما يبدو إعجاب الجمهور.

قلنا إذن إننا لا نريد أن نغبط حق الأعمال الدرامية المذكورة التي حظيت بنسبة مشاهدة كبيرة ووجدت ترحابًا واضحًا على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت مهمة جدًا في أيامنا هذه لمعرفة نوعية ردود أفعال الجمهور، لكن هل يكفي كل ذلك لنجزم بأن دراما رمضان، وعلى الأقل من خلال الأعمال التي ذكرناها، قد توفقت في الجمع بين النجاح الجماهيري والإقناع من حيث المضامين وأيضًا من خلال أدوات العمل الفنية والمقترحات الجمالية؟

يصعب بطبيعة الحال أن نجيب بنعم، لأنه إن نجحت هذه الأعمال في جوانب، فإنها لم توفق كثيرًا من منظورنا في جوانب أخرى.

فإن سلمنا بأن الأداء عمومًا وعملية توزيع الأدوار كانت جيدة، خاصة في ظل معطى مهم جدًا وهو أن الساحة التمثيلية في تونس باتت تتدعم باستمرار بأسماء جديدة سرعان ما تفرض وجودها، ويمكن القول إن لدينا اليوم «قاعدة» مهمة من الممثلين يمكنها أن تضطلع بأدوار متنوعة وأن تبدع فيها، وأن تساهم في نجاح أي عمل مهما كانت قوته، فإن السيناريو والحوار يبقى من أبرز نقاط الضعف في أعمالنا.

بالنسبة لمسلسل «الفتنة» مثلًا، كانت الشخصيات توحي بأنها تدور في حلقة مفرغة، وباستثناء شخصية إدريس الذي حظي بمساحة واسعة من الحركة – مع ذلك نشعر أحيانًا أنه يكرر نفسه – فإن بقية الشخصيات ظلت مكبلة وتدور في حركة جد ضيقة، وكان بالإمكان أن يكون الأداء أفضل لو منحت مساحة كافية ولو أطلقت المخرجة للبعض أجنحتهم. منى نور الدين مثلًا، ورغم إطراء الجميع لها، لم تقدم أفضل أدوارها، وكان حضورها غير مؤثر، حتى إنه يمكن الاستغناء عنها بدون أن يفقد العمل قيمته. ريم الرياحي بدورها لم تبرز بشكل جيد، وأيضًا نجلاء بن عبد الله رغم أنها قدمت شخصية من أنواع الشر التي عادة ما تكون فرص نجاحها أكبر نظرًا لدورها في إثارة حماسة المتفرج وإثارة مشاعر الكراهية لديه. نجيب بلقاضي أيضًا وقد قدم شخصية الزوج المخدوع لم يبرز بشكل كبير، وكانت شخصيته طيلة أحداث المسلسل باهتة. أما الحوار فكان غالبًا مبتورًا ولا يسمح للمثل بأن يكشف عن طاقات أكبر، دون أن ننسى الحلقة الأخيرة التي اختارت المخرجة أن تكون من نوعية النهايات السعيدة دون أن يكون ذلك مقنعًا، بل يمكن القول إنها نهاية من نوعية «هذا ما يريده الجمهور» لا غير.

بالنسبة لمسلسل «رقوج»، ورغم قيمة العمل ورغم الأداء المقنع للممثلين ورغم قوة السيناريو وجمال الموسيقى التصويرية، ومع ذلك تشعر أحيانًا بثقل يعكر صفو الفرجة. تشعر أحيانًا أن المشاهد وكذلك الحلقة ككل تطول أكثر من اللازم إلى درجة الملل، غير أن الشيء المهم في مسلسل «رقوج» هو أن المشاهد يقبل على مشاهدة العمل عن قناعة. بمعنى آخر، يجب أن تحب الفانتازيا والمغامرة والأساطير والحكايات الشعبية، وذلك الربط بين الحاضر والماضي كي تواظب على مشاهدة المسلسل. وعلى ما يبدو توجد هذه النوعية من الجماهير في تونس وبكثافة.

أما فيما يتعلق بسلسلة «صاحبك راجل»، فنعتقد ببساطة أنه غلب عليها الهزل، وهي عمل من النوع التجاري، ولا يمكن أن يكون نموذجًا للأعمال الكوميدية الجيدة. صحيح بذل الممثل كريم الغربي جهدًا كبيرًا للإقناع، وبرز الممثل سفيان الداهش كممثل كوميدي جيد، لكن يبقى العمل من فئة الأعمال الهزلية الخفيفة التي تصنع للاستهلاك السريع. فما زلنا على ما يبدو لم نصل إلى المعادلة الصعبة تلك التي تجعلنا نتوفق في تقديم عمل كوميدي يجمع بين جودة الأداء والمضمون، ويقدم في قالب كوميدي يبهج المشاهد بعيدًا عن القوالب الفكاهية الجاهزة والوضعيات الهزلية السطحية والبائسة أحيانًا والسخيفة في أحيان أخرى. عن الكوميديا الهادفة نتحدث.

حياة السايب

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews